Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أخطار غياب القرار البشري في معارك الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية

أدوات برمجية مكنت قادة الفرق من الحصول على المعلومات فوراً من دون الحاجة إلى تقارير رسمية

قررت إدارة الاتصالات والدفاع السيبراني التابعة للجيش الإسرائيلي (C4I) إغلاق وحدة "لوتيم" التكنولوجية التي تشكل الوحدة الرئيسة للبرمجيات في الجيش (أ ف ب)

ملخص

كشفت شركة "رافائيل" للصناعات العسكرية الإسرائيلية عن مركبة عسكرية مكنت الجنود من مشاهدة مقاطع فيديو حية للمناطق التي يوشكون أن يدخلوها، وبحسب الشركة فإن الدبابة التي أطلق عليها اسم "إيتان إيه بي سي"، تعمل بالذكاء الاصطناعي وتسمح للسائق أن يوجه المركبة بالنظر فقط، وهي مزودة بصواريخ من نوع "غيل"، ومنظومات دفاعية نشطة تعتمد على كوكبة من المستشعرات القادرة على مراقبة محيطها باستمرار وتنبيه الجنود داخلها للعثور على عدد من الأهداف وتحييدها في وقت واحد.

مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، قررت إدارة الاتصالات والدفاع السيبراني التابعة للجيش الإسرائيلي  (C4I) إغلاق وحدة "لوتيم" التكنولوجية، التي تشكل الوحدة الرئيسة للبرمجيات في الجيش، ليس لضعفها أو فشلها في أداء مهماتها بتطوير قدرات الجيش باستخدام التقنيات الحديثة، بل لتمكينها أكثر من دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات الميدانية وتحسين سرعة الاستجابة والدقة لدى الجنود. هذا القرار المفاجئ للوحدة المسؤولة عن بناء وتشغيل القدرات الرقمية والاستراتيجية متعددة المجالات للجيش الإسرائيلي، بإغلاق "لوتيم"، لم يخرج ضمن إعادة هيكلة شاملة لإدارة الاتصالات والدفاع السيبراني وحسب، بل لإعلان ولادة فرقة تكنولوجية تشغيلية جديدة منقطعة النظير، متخصصة في الذكاء الاصطناعي تحت اسم "بينا" Bina، وتعني بالعبرية "الذكاء"، ستجمع تحت مظلتها معظم الوحدات القائمة التي تتعامل مع الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك "شاحار" و"متزبن" و"مامرام"، مركز التميز للذكاء الاصطناعي ومدرسة البرمجيات والمعلومات (بسمش)، لأداء مهمة واحدة فقط ترتكز على زيادة القدرة القتالية الذكية للجيش الكفيلة بـ"تحويل دبابة واحدة إلى 100 دبابة، وجندي واحد إلى 100 مقاتل". ويجمع محللون وخبراء في الصحافة الإسرائيلية على أن الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي وتعتمد على الذكاء الاصطناعي، تتوسع وتتطور باطراد.

ووفقاً لمؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي الصادر عن شركة "تورتواز" (Tortoise)، الذي يتابع الدول الرائدة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، تتصدر إسرائيل بعدد براءات الاختراع التي سجلها مواطنوها (نسبة إلى حجم السكان) مجال الذكاء الاصطناعي خلال العقد الأخير، وتحتل المرتبة الثالثة عالمياً في الاستخدامات التجارية للذكاء الاصطناعي، والمركز السادس في مجال التطوير، والسابع في البحث العلمي. ويشير التقرير الصادر عن وزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية إلى أن الإنجازات الإسرائيلية في مجال الذكاء الاصطناعي توازي اهتمامها بقطاع الأمن السيبراني، إذ إن اثنين في المئة تقريباً من الإسرائيليين يعملون في وظائف ذكاء اصطناعي.

 

فرق جديدة

ضمن إعادة الهيكلة الشاملة، طورت إدارة الأمن السيبراني الإسرائيلية أدوات برمجية تمكن قادة الفرق من الحصول على المعلومات فوراً من دون الحاجة إلى تقارير رسمية، إذ تقوم بتفريغ جميع شبكات الراديو التابعة للجيش في الوقت الفعلي، مع تصنيف البيانات ومعالجتها عبر الذكاء الاصطناعي، فالنموذج الجديد المعروف باسم "الكبسولة" سيتيح لكل فرقة جديدة الجمع بين السايبر والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والطيف. وإلى جانب "بينا"، أنشأت إدارة الاتصالات والدفاع السيبراني  الفرقة السرية "سفيرا" (Sphera)، لتطوير قدرات اتصال متقدمة على البر والبحر والجو والفضاء والمناطق الزمنية المختلفة، إذ أتاح تخصصها في الطيف والاتصالات الاستراتيجية ضم مراكز تطوير ووحدات هندسية في الجيش، إضافة إلى وحدات "معوف" و"حوسن" و"بريزما" ومركز حرب الطيف الذي أسقط نحو 25 في المئة من الطائرات المسيرة التي أطلقت باتجاه إسرائيل خلال العامين الماضيين. كذلك عملت الهيكلة الجديدة التي ضمت خمس فرق تشغيلية، ثلاث منها جديدة، على تعزيز الكفاءة والتمثيل النسائي في القيادة العسكرية للجيش، إذ ستقودها ضابطات برتبة لواء.

أنظمة إبادة

في عام 2019، بدأ الجيش الإسرائيلي باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما مكن أكبر الوحدات في مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية 8200، المتخصصة في الحرب السيبرانية وفك الشفرات والتنصت، من جمع مئات الضباط والجنود في مركز "موشي ديان" لعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي، الذي أسسته لتسريع عملية توليد الأهداف بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. وكان أول ما أنتجه المركز في عام 2023 برنامج "فاير فاكتوري"، الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي لجمع البيانات والخوارزميات اللازمة للطائرات والمسيرات لحساب كميات الذخيرة اللازمة للقضاء على الأهداف المختارة. ووفقاً لتقرير سابق لمجلة "ذا نايشن" الأميركية، فإن الوحدة 8200 تتعاون بصورة وثيقة مع شركات أميركية تزودها بأعداد كبيرة من الأجهزة وبرامج الذكاء الاصطناعي المتطورة، التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في أنشطة عسكرية متنوعة تساعده في التنبؤ الاستباقي لأي تهديدات عسكرية وأنظمة دفاعية لخصومه، مع تحليل المعلومات الاستخبارية والأهداف العسكرية والذخائر المستخدمة. ويعتبر "لافندر" و"أين ابي" و"غوسبل" و"عمق الحكمة" "والكيماوي" و"فلو" و"هنتر" "وفاير ويفر" و"زد تيوب" من أبرز أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تستخدمها إسرائيل في حربها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

 

ويستنكر خبراء من الأمم المتحدة باستمرار الاستخدام المزعوم للذكاء الاصطناعي من إسرائيل في غزة وتوجيهاتها العسكرية في هذا الصدد، قائلين إنها "ولدت خسائر غير مسبوقة في السكان المدنيين والمساكن والخدمات الحيوية والبنية التحتية". وأشار الخبراء الأمميون إلى أن التدمير الممنهج والواسع النطاق للمساكن والخدمات والبنية التحتية المدنية، يشكل جريمة ضد الإنسانية وجريمة إهلاك سكني، فضلاً عن عدد من جرائم الحرب وأعمال الإبادة الجماعية، كما وصفتها مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية في تقريرها الأخير إلى مجلس حقوق الإنسان. كذلك دانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أيضاً استخدام الجيش الإسرائيلي تقنيات الذكاء الاصطناعي في حربه على غزة، إذ قالت في تقرير لها إن "استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي في تعقب أهداف هجماته في غزة يلحق أضراراً بالغة بالمدنيين، ويثير مخاوف أخلاقية وقانونية خطرة". ولفتت إلى أن استخدام "الأدوات الرقمية التي قد تعتمد على بيانات خاطئة وتقديرات تقريبية غير دقيقة لتزويد الأعمال العسكرية بالمعلومات تتعارض مع التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي الإنساني، وبخاصة قواعد التمييز والحيطة". وقد رفضت إسرائيل في فبراير (شباط) 2023 التوقيع على معاهدة "الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة"، التي شاركت فيها أكثر من 60 دولة في مدينة لاهاي بهولندا.

جيش روبوتي

بحسب صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية، تتبنى تل أبيب عقيدة قتالية جديدة في عملياتها العسكرية تعتمد على الأنظمة الروبوتية لتعزيز المراقبة والضربات الدقيقة، مما يقلل الخسائر البشرية. وأكدت الصحيفة أن إسرائيل في حربها على غزة ولبنان، استخدمت مركبات يجري التحكم فيها عن بعد مثل "روني" و"تالون و"باندا" لفتح المسارات وتقليل الأخطار على جنودها، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي خلال الحرب التي دامت عامين على قطاع غزة استخدم "الأجهزة الروبوتية" على نطاق واسع في نسف المباني، وأسفرت عن تدمير 92 في المئة من منازل القطاع. ووفقاً لما نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، عن رئيس المكتب التنفيذي لبرنامج الذكاء الاصطناعي والحكم الذاتي في وزارة الدفاع الإسرائيلية يارون ساريج، "فإن الحرب الإسرائيلية على غزة بين 2023 و2025 كانت أول حرب روبوتية على الإطلاق". وفي مؤتمر قمة التكنولوجيا الدفاعية الدولي الذي ترعاه إدارة نزع السلاح والتسريح وإعادة التوطين التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وورشة "يوفال نئمان للعلوم والتكنولوجيا والأمن" في جامعة تل أبيب، قال ساريج "حشدنا كامل منظومة دفاعنا ونشرنا عشرات الآلاف من الأنظمة ذاتية التشغيل في جميع أنحاء ساحة المعركة، من أسراب الطائرات المسيرة إلى الروبوتات الأرضية الرشيقة الموزعة على مساحات شاسعة".

 

ووفق الصحيفة، فقد جرى استخدام المركبات المسيرة الذكية لاكتشاف مناطق جديدة فوق الأرض ونصب الكمائن، مكنت الجنود من الدخول إليها وهم محصنون بكم هائل من البيانات والمعلومات، التي من ضمنها أماكن وجود مقاتلي "حماس". وقد كشفت شركة "رافائيل" للصناعات العسكرية الإسرائيلية عن مركبة عسكرية مكنت الجنود من مشاهدة مقاطع فيديو حية للمناطق التي يوشكون أن يدخلوها، وبحسب الشركة فإن الدبابة التي أطلق عليها اسم "إيتان إيه بي سي"، تعمل بالذكاء الاصطناعي وتسمح للسائق أن يوجه المركبة بالنظر فقط، وهي مزودة بصواريخ من نوع "غيل"، ومنظومات دفاعية نشطة تعتمد على كوكبة من المستشعرات القادرة على مراقبة محيطها باستمرار وتنبيه الجنود داخلها للعثور على عدد من الأهداف وتحييدها في وقت واحد.

مأزق التجنيد

وعلى رغم استخدام الطائرات من دون طيار التي يتحكم فيها الجيش الإسرائيلي عن بعد إلى جانب مئات الأنظمة الروبوتية، التي جرى نشرها لاستكشاف أنفاق "حماس" ومداهمة آلاف الكيلومترات في غزة على نطاق أوسع وأكثر تطوراً، باتت تعتمد بصورة متزايدة على الأتمتة والخوارزميات لتجنيب الجنود في الجيش التعرض للخطر في المداهمات، إلا أن الجيش الإسرائيلي كما هو معروف، أمام أزمة صعبة ومعقدة في ما يتعلق بالقوى البشرية، إذ لا يزال بحاجة ماسة إلى التجنيد، سواء في فرقه النظامية أم في تشكيلات الاحتياط. وبحسب المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، هناك إجماع على أن المصدر الأكثر توفراً لتجنيد مقاتلين جدد يكمن في توسيع قاعدة المجندين إلى الخدمة النظامية، ولا سيما عبر استهداف اليهود الحريديم (المتدينين)، إذ يمكن لإنشاء كتيبة نظامية جديدة أن يوفر، في فترات الأمن الروتيني في الأراضي الفلسطينية وفي الحدود، استخدام 10 كتائب احتياط سنوياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن هناك شكوكاً في أن يتحقق هذا الهدف قريباً، نظراً إلى معارضة أحزاب الحريديم وتهديدات قادتها بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية في حال إجبارهم على الانخراط في الجيش. وبحسب الكاتبة الإسرائيلية ستاف ليفتون التي أعدت دراسة حول "مكانة الجندي المقاتل في عصر الذكاء الاصطناعي" نشرت أخيراً، فإن التحولات العميقة التي يمر بها الجيش الإسرائيلي في ظل التغير المتسارع في طبيعة الحروب المعاصرة، جعلت من الذكاء الاصطناعي والأتمتة والطائرات المسيرة وأنظمة الاستشعار الشبكية عناصر حاسمة في إعادة صياغة العقيدة العسكرية - الأمنية الإسرائيلية، حول دور الجندي المقاتل وبنية القوة العسكرية، التي لا يتعامل معها باعتبارها مسألة تقنية بحتة، بل عنصراً مركزياً في تشغيل الطائرات المسيرة وإدارة الطيران واكتشاف الأهداف وتقليل الأخطار. ووفقاً للكاتبة، فإن ضرورة الإبقاء على الإنسان ضمن دائرة اتخاذ القرار النهائي، يعكس إدراكاً للأخطار القانونية والأخلاقية والسياسية المرتبطة بتفويض القتل للخوارزميات فقط بعيداً من العنصر البشري.

المزيد من تقارير