ملخص
يتساءل الشارع السياسي في تونس حول مصير حركة النهضة التي تواجه سيلاً من التهم ويقبع غالب قياداتها في السجون بعقوبات ثقيلة، بينما تطرح مسألة حل الحركة قضائياً أو تلقائياً.
بين حدي الحل الإرادي أو الحل المفروض من السلطة، تبدو خيارات حركة النهضة محدودة ونتائجها ثقيلة، فإن بقيت الحال كما هي عليه اليوم ازدادت الحركة ضعفاً وربما تتحللت من المشهد السياسي. وبينما يبدو اتخاذ قرار الحل الإرادي صعباً وكمن يمسك بالجمر، فإن الأرجح أن تبقى الحركة تنتظر مصيرها ومآل التتبعات القضائية التي تطاول قياداتها.
ومنذ يوليو (تموز) 2021، تواجه حركة النهضة واقعاً سياسياً جديداً بات يهدد وجودها، وهي التي مسكت السلطة لعشرية كاملة تحملت خلالها مع عدد من المكونات السياسية الأخرى مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية من تدهور، نتيجة تناقضات حادة بين أحزاب متنافرة لم تتمكن من رسم مساحة مشتركة للحكم بعيداً من الصراعات الحزبية الضيقة.
وخلال أبريل (نيسان) 2023، قررت السلطات التونسية إغلاق مقارها المركزية والجهوية وطاولت الإيقافات عدداً من قيادات الصف الأول على رأسهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، وطرح وجود غالب قيادات الصف الأول أو ما يعرف بالجيل المؤسس للحركة في السجون بتهم مختلفة، تراوح ما بين تسفير الشباب إلى بؤر التوتر والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي والتمويل الأجنبي، والفساد الإداري والمالي.
واليوم، تُطرح أسئلة حول مصير حركة النهضة التونسية في ظل هذا الوضع، بينما ذهب بعض المتابعين إلى احتمال اتخاذ قرار قضائي بحل الحزب أو احتمال أن تبادر الحركة بحل نفسها.
وهذا الواقع الجديد على حركة النهضة أسهم في خُفوِّ بريقها الذي اختطفته من غالب المكونات السياسية إبان عام 2011، وتفاخرت الحركة وقتها بقدرتها على تحريك الشارع واستقطاب التونسيين، بينما تقف اليوم على حافة الانهيار بسبب الملاحقات القضائية لقياداتها، وتفكك الحزب داخلياً إثر جملة من الاستقالات التي هزت أركانه.
وعلى رغم جملة هذه التحديات لم تبادر الحركة بحل نفسها، ولم تقرر السلطات بعد حل الحزب رسمياً على رغم أنه شبه منتهٍ واقعياً.
لا إرادة سياسية لحل الحركة
يؤكد أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية عميرة علية الصغير في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن "الحركة تقبل بهذا الوضع بسبب أن التكوين العقائدي والفكرة الأساس لـ’الإخوان المسلمين‘ وللتيارات العقائدية عموماً تقوم على أنهم يقومون برسالة لإصلاح المجتمع والدفاع عن الدين الإسلامي، بالتالي يعدون هذه التضحيات جزءاً من فكرهم وسرديتهم العقائدية".
ويستبعد أستاذ التاريخ المعاصر أن تقوم السلطة الراهنة في تونس بـ"اتخاذ قرار بحل حركة النهضة بسبب ما وُجه إليها من تهم، لأنها في تقديره تتقاسم مع الحركة التوجهات نفسها، فكلتاهما لا تدافع عن الديمقراطية".
وبينما يؤكد أن "الحركة متورطة في عمليات الاغتيال والإرهاب والفساد المالي والتمويل الأجنبي، إلا أنه يرى أنها لن تبادر إلى حل نفسها، وستبقى على هذه الحال طالما أنها تعد أن التضحية جزء من عقيدتها".
ويستدرك الصغير بقوله إن "الحزب الذي يرتكب جرائم سياسية وانتخابية وله تنظيم خاص وجهاز سري يخرج من فلك الأحزاب المدنية، والمفروض أن قانون الأحزاب يمنع هذا الحزب من النشاط"، لافتاً إلى أن "المسارين القضائي والسياسي لا يلتقيان، كما أنه لا توجد إرادة سياسية في الوقت الراهن لحل حركة النهضة".
الحركة فقدت مؤسساتها
ويتساءل الشارع السياسي في تونس حول مصير حركة النهضة التي تواجه سيلاً من التهم الخطرة أمام القضاء، وتقبع قياداتها في السجون، بينما لم يسارع القضاء إلى حلها.
ويرى الناشط السياسي والناطق الرسمي باسم التيار الشعبي محسن النابتي ضمن تصريح خاص، أن "حجم التهم الموجهة إلى الحركة من قضايا متصلة بالإرهاب وبالتمويل الخارجي وبالتخابر مع جهات أجنبية، تجعل من الصعب الفصل بين الحزب كمؤسسة وقياداته"، معتبراً أن "قرار حل الحركة... قضائي بحت".
ويوضح النابتي أن "الحركة فقدت مؤسساتها، ولا يمكن لمن بقي من قياداتها خارج السجن، أن يتخذ قراراً بهذا الحجم"، لافتاً إلى أن "الحركة لم تقم بالمراجعات المطلوبة منها أمام هول ما ارتكبته، بل هي ماضية في نهج المكابرة والنكران".
وينفي أن تكون الحركة تواجه محنة، وفق ما تعنيه عقيدتها، لأن "قادتها يحاكمون على أفعال ارتكبوها وهم في الحكم، على عكس التجارب السابقة حين جرى الزج ببعض كوادرها كمعارضين للسلطة القائمة وقتها، سواء في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة (1956-1987) أو في فترة حكم زين العابدين بن علي (1987-2011)".
لقد تورطت الأنظمة السابقة في تونس في ما يسمى العقوبة الجماعية التي طاولت المنتمين للحركة والمتعاطفين معها، أما اليوم فتنتفي مسألة الحديث عن المحنة لعدم ملاحقة بعض القيادات الكبرى التي لم تتورط في قضايا، والمحاسبة تعني فقط كل من ارتكب جرماً وخالف القوانين.
ليست النهضة وحدها المستهدفة
في المقابل، يرى بعض أن المرحلة السياسية الراهنة في تونس لا تستهدف فقط حركة النهضة بل مختلف الأجسام الوسيطة من نقابات وجمعيات وأحزاب.
ويعتقد الناشط السياسي والباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية الأمين البوعزيزي أنه "في الماضي تستفرد الديكتاتورية بفصيل سياسي بعينه، أما اليوم فإن جميع أطياف الكيانات السياسية مستهدفة"، واصفاً ما يحدث بـ"المحرقة السياسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن "ما تتعرض له حركة النهضة ليس استهدافاً لذاتها، بل هو ضرب للعمل السياسي عموماً"، معتبراً أن "الحركة ولدت من رحم المعاناة وغالب القيادات التي تحاكم اليوم سبق وأن حكم عليها بالإعدام في الماضي القريب". ونوه بأن إرث المحن الذي واجهته حركة النهضة لن يدفعها إلى حل نفسها، ما دامت جميع الأحزاب معنية بالمصير نفسه في تونس اليوم".
تحريض واستهداف للحركة
كانت تقارير تحدثت عن وثائق يقال إنها مرصودة في مقر الحركة بخط اليد ليلة اعتقال رئيسها راشد الغنوشي خلال الـ17 من أبريل (نيسان) 2023، وتتضمن الوثائق مخططاً لاغتيال رئيس الجمهورية قيس سعيد.
لكن وفي المقابل، أعلنت حركة النهضة أن "هيئة الدفاع عن راشد الغنوشي باشرت الإجراءات القانونية لتتبع قناة تلفزيونية خاصة تعمدت تشويهه، ونشر الإشاعات الكاذبة في حقه".
ووصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة محسن السوداني الوثائق المشار إليها بأنها "كلام عار عن الصحة، لأن مقر الحركة مغلق منذ مدة طويلة وهو على ذمة القضاء وخضع لعمليات تفتيش دقيقة، ولم يعثروا على ما يدين الحركة"، لافتاً إلى أن "هناك عملية تحريض واستهداف من قبل بعض الجهات المعادية ودعوات لحل الحركة".