ملخص
"تسريبات مفادها بأن هناك إجراءات جديدة سيعلن عنها الرئيس قيس سعيد، تأتي استكمالاً لمرحلة ما يعرف بالبناء الجديد الذي يقوم به، مما يعني أن هذه الأحكام وكأنها استباق لتلك الإجراءات إذ تقوم السلطات بترتيب البيت الداخلي".
أثار إصدار محكمة داخل تونس أحكاماً ثقيلة بالسجن في حق زعيم "حركة النهضة الإسلامية" راشد الغنوشي ومسؤولين سابقين آخرين، أبرزهم رئيس الوزراء السابق يوسف الشاهد، تساؤلات حول دلالات ذلك وتداعياته المحتملة على المشهد السياسي داخل بلد يشهد جموداً متنامياً.
وضمن قضية "التآمر 2" حُكم على الغنوشي (84 سنة) وهو محبوس بالسجن 14 عاماً، وعلى مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة الموجودة خارج تونس منذ أشهر بالسجن 35 عاماً، وتراوحت الأحكام ما بين 12 و35 عاماً.
وحكمت المحكمة على رئيس جهاز الاستخبارات السابق كمال القيزاني بالسجن 35 عاماً، ووزير الخارجية السابق رفيق عبدالسلام وهو صهر الغنوشي بالسجن 35 عاماً، ومعاذ الغنوشي ابن راشد الغنوشي بالسجن 35 عاماً، وفر الثلاثة من البلاد.
ولم تعلق بعد السلطات على هذه الأحكام التي وصفت محلياً بـ"الثقيلة"، كونها تستهدف شخصيات بارزة.
ركود الحياة السياسية
وكان راشد الغنوشي يترأس البرلمان الذي حله الرئيس قيس سعيد قبل نحو عامين، في خطوة سارعت المعارضة إلى وصفها بـ"الانقلاب"، بينما قال سعيد إنها خطوة ضرورية لـ"تصحيح مسار الثورة" في إشارة إلى انتفاضة أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
ومنذ الـ25 من يوليو (تموز) 2021 تسود قطيعة بين السلطة داخل تونس وقوى المعارضة التي كثيراً ما حشدت من أجل إحراج الحكومة، لكنها باتت أضعف بكثير منذ إيقاف قيادات بارزة منها على غرار الغنوشي والأمين العام للحزب "الجمهوري" عصام الشابي، وزعيمة الحزب "الدستوري الحر" عبير موسي، وغيرهم.
وعد الباحث السياسي التونسي هشام الحاجي أن "ما ھو مؤكد أنه لا يمكن عزل ھذه الأحكام القضائية عن رؤية السلطة السياسية للعمل السياسي، لأنھا تبالغ في تضخيم مقاربة ترى في كل المنافسين السياسيين أعداء ومتآمرين".
وأضاف الحاجي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "ھذه الأحكام ستوسع الھوة بين السلطة السياسية وما بقي من الأحزاب السياسية، وستزيد من الجمود والركود في الحياة السياسية".
ترتيب البيت الداخلي
وتأتي هذه التطورات خلال وقت ينظر فيه القضاء التونسي قضيتي تآمر في الأقل، الأولى يتهم فيها سياسيون مثل الشابي ورئيس حزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي ورجال أعمال على غرار كمال اللطيف، والثانية يتهم فيها الغنوشي وسياسيون وأمنيون آخرون بارزون، وهي قضايا تثير جدلاً واسعاً وسجالات بين السلطة والمعارضة.
وعدَّ الباحث السياسي التونسي بوبكر الصغير أن "قضية التآمر 2 تختلف عن قضية التآمر 1، باعتبار أن المعنيين بالقضية الثانية هم من الشخصيات البارزة التي قادت الحكم في تونس بعد (عام) 2011 كرئيس ’حركة النهضة‘ ومديرة الديوان الرئاسي السابقة، وهي شخصيات كان لها دور كبير في الشأن السياسي الوطني".
وشدد الصغير في تصريح خاص على أن "هذه القضية طرحت منذ فترة، ونظر فيها القضاء خلال كل المراحل من التحقيق الأولي ثم دائرة الاتهام إلى أن بلغت المحكمة لتصدر هذا الحكم النهائي في مسار قضائي طبيعي، لأن القضية استنفذت كل مراحل التقاضي في مختلف الدوائر والمحاكم واستكملت مرحلة إعداد الملف والاتهامات".
واعتبر أن "هذه الأحكام تمثل حدثاً سياسياً مهماً بالنظر إلى ما يحيط بها من أوضاع إقليمية صعبة والتحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، وتونس ليست بمنأى عن تأثيراتها، خصوصاً الإجراءات التي من المرتقب أن يقوم بها الرئيس قيس سعيد بمناسبة الـ25 من يوليو (تموز) الذي يوافق عيد الجمهورية في تونس وذكرى توليه معظم الصلاحيات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت المتحدث إلى أن "هناك تسريبات يجري تداولها في تونس مفادها بأن هناك إجراءات جديدة سيعلن عنها الرئيس قيس سعيد، تأتي استكمالاً لمرحلة ما يعرف بالبناء الجديد الذي يقوم به، مما يعني أن هذه الأحكام وكأنها استباق لتلك الإجراءات إذ تقوم السلطات بترتيب البيت الداخلي".
واستنتج الصغير أن "هذه الأحكام تمثل أيضاً رسالة قوية من الدولة بأنها لا تخشى أحداً مهما كان موقعه وما يمثله، وفي اعتقادي الرسالة وصلت إلى أصحابها".
من جهتها، دانت "حركة النهضة الإسلامية" الأحكام، معتبرة في بيان نشرته اليوم الأربعاء أنها "بنيت على تلفيق وتوظيف سياسي فج. هذه القضية كسابقاتها، بنيت على تلفيق وتوظيف سياسي فج، إذ تفتقر لأي إثبات مادي، وتقوم على روايات متهافتة ووثائق مفبركة".
لا أوراق مؤثرة
في مواجهة هذه الأحكام، تطرح تساؤلات جدية حول ما إذا كانت لدى المعارضة في تونس خيارات للرد عليها، خصوصاً أنها أنهكت بصورة كبيرة ولم تعد قادرة على تعبئة الشارع، وهو ما يثير علامات استفهام حول مصير تلك المعارضة التي بدت متشرذمة ومنقسمة على نفسها أيضاً، على رغم المبادرات التي تناقش من قبل بعض أحزاب المعارضة.
وقال هشام الحاجي "في اعتقادي، ميزان القوى الحالي مختل ولا تملك المعارضة أوراقاً مؤثرة، لكن الأكيد أن السياسة لا تخلو من مفاجآت".
وفي خضم تزايد أحكام السجن بحق قياداتها فإن مصير المعارضة داخل تونس وقدرتها على تحريك المشهد السياسي ستظل تراوح مكانها، لا سيما في ظل عجز المبادرات كافة عن توحيدها في محطات مهمة على غرار الانتخابات الرئاسية السابقة.