ملخص
قد تكون بطولة "يورو 2025" نقطة تحول تاريخية في كرة القدم النسائية مع صعود أوروبا كمركز جديد للمواهب الكروية مقابل تراجع الهيمنة الأميركية... استثمارات الأندية الأوروبية ونمو البنية التحتية يضعان القارة العجوز على أعتاب الريادة العالمية.
بينما يتوجه 16 منتخباً إلى سويسرا مفعمين بالأمل وسط الحماسة المعتادة التي ترافق الأجواء التمهيدية لأي بطولة يلوح في الأفق قلق غير معتاد بعيداً من "يورو 2025".
شخصيات بارزة في كرة القدم النسائية الأميركية تعبر عن قلقها من تحول واضح في ميزان القوى على صعيد المواهب الكروية، فقد أصبحت أميركا لا تنتج الأفضل بصورة مستمرة كما في السابق.
وبينما ترتبط كرة القدم النسائية غالباً بأسئلة حول النمو والتطور، قد تمثل هذه النسخة من بطولة أوروبا "يورو" علامة فارقة تاريخية بالفعل، في لحظة مفصلية.
قد يكون هذا الصيف وقتاً تكمل فيه أوروبا صعودها على حساب أميركا، لتصبح المركز الجديد للقوة في كرة القدم النسائية، وربما تكون المباريات بحد ذاتها شاهداً على هذا التحول.
كانت هناك مؤشرات واضحة بالفعل في كأس العالم 2023، تتجاوز مجرد هوية المنتخب الفائز.
فإسبانيا لا تزال أفضل منتخب في العالم، وتبدو بمستوى يفوق كل ما رأيناه من قبل في الكرة النسائية الدولية من حيث التطور التكتيكي. ومن الطبيعي أن تكون المرشحة الأبرز للفوز بهذه البطولة، بعدما هزمت بطلات أوروبا المدافعات عن اللقب في نهائي 2023، الذي أقيم في إنجلترا.
وعلى رغم هذا السجل القريب، هناك مخاوف حقيقية الآن من إمكان خروج منتخب سارينا فيغمان من دور المجموعات، وهو ما يعكس عمق المنافسة وقوة المنتخبات في "يورو 2025". فقد ضم الدور ربع النهائي في كأس العالم 2023 خمسة منتخبات أوروبية، بعدما كانت سبعة في نسخة 2019، في ظل الارتفاع الكبير في المستوى العام.
بالطبع فإن كرة القدم لا تتعلق بالحقائق الجافة وحدها، وإنما تتعلق بما تشعرك به. ويبدو أن "يورو 2025" يفيض بالمواهب المثيرة، تتقدمهم الإسبانية أيتانا بونماتي، فهي واحدة من عدد من اللاعبات اللاتي تتمنى فقط أن تتابعهن، بدءاً من النجمات المعروفات في منتخبها ومنتخب إنجلترا مثل لورين جيمس، إلى المواهب الصاعدة مثل الفرنسية ماري أنطوانيت كاتوتو، لذا فمن المنتظر أن تشهد سويسرا عمقاً حقيقياً من الإبداع الكروي الخالص.
حتى عدد اللاعبات المشاركات في بطولة أوروبا والممارسات في الدوري الأميركي المحلي قد ارتفع، من ست لاعبات فقط في 2022 إلى 16 لاعبة الآن. ويمكن تفسير هذا الرقم بطرق عدة، لكن كثيرين في الأوساط الكروية الأوروبية واثقون تماماً مما يشاهدونه.
وكما قال أحد الشخصيات في المجال "من الصعب ألا ترى أن تفعيل الثقافة الكروية العميقة المتجذرة في أوروبا بدأ يزيد من حجم المواهب، في حين لا تزال أميركا تميل إلى إنتاج رياضيات يتم إعدادهن تدريبياً بدرجة عالية".
قد يبدو هذا الطرح فيه تقليل من شأن جيل رائد عظيم مثل ميغان رابينو، لكن بطبيعة الحال، فإن مسار التطور يؤدي إلى تعميق مستوى الجودة.
ومع اتساع رقعة اللعبة عالمياً، تدفع الحدود إلى أقصاها، بخاصة فيما يتعلق بقدرات اللاعبات الفنية، ومن اللافت فعلاً أن أميركا اختارت هذا التوقيت لتعيين مدربة أوروبية، وهي إيما هايز.
الغاية من كل هذا ليست التفاخر أو التمسك بالمحافظة الكروية الأوروبية القديمة، بل إنه أمر شديد الصلة بمستقبل اللعبة، وكذلك بكيفية سير هذه البطولة، وفوق كل شيء، هناك سؤال مفتوح أكبر حول ما هي أفضل الأساليب لتطوير المواهب على المدى الطويل، فالبطولات الدولية، في نهاية المطاف، من المفترض أن تكون مقياساً لمكانة اللعبة، وقد تكون هذه البطولة تحديداً عرضاً لصعود أوروبا.
وأحد الأسباب الرئيسة وراء هذا القفزة الأخيرة، هو أن "الأندية الكبرى" في القارة بدأت تدرك الإمكانات التجارية لكرة القدم النسائية وقررت الاستثمار فيها. فعلى أعلى مستوى، أسهمت جدية برشلونة في التعامل مع الكرة النسائية في إثراء منتخب إسبانيا من خلال أكاديمية "لا ماسيا" الشهيرة في إنتاج المواهب، مما رفع من شأن فلسفة كروية متجذرة في وعي كل فتاة وفتى إسباني منذ الصغر، ومن بين تشكيلة بطلات العالم، المؤلفة من 23 لاعبة، تلعب 10 لاعبات في صفوف برشلونة.
وحتى عند البدء في سرد أبرز المواهب الشابة في بطولة "يورو" بالطريقة المعتادة، نجد أن سيدني شيرتنليب، البالغة من العمر 18 سنة، والتي تعد الأمل الكبير للدولة المستضيفة، تلعب بالفعل في صفوف برشلونة، ويضم النادي الكتالوني 18 لاعبة في البطولة، وهو أكبر عدد بين جميع الأندية.
وتشكل لاعبات برشلونة جزءاً من مجموع 132 لاعبة ينتمين إلى الأندية الـ15 الكبرى في كرة القدم الرجالية، وهي الأندية التي دعيت للمشاركة في دوري السوبر الأوروبي المثير للجدل في 2021، والتي تضم الأعضاء الـ12 النهائيين، إضافة إلى باريس سان جيرمان الفرنسي وبايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند الألمانيين، وبعبارة أخرى، هذه الأندية تمثل مركز القوة المالية للعبة بأكملها. وهذا العدد ارتفع من 121 لاعبة في "يورو 2022"، بعد 74 فقط في "يورو 2017".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى سبيل المثال، لم يكن لدى يوفنتوس أي لاعبة في تشكيلة منتخب إيطاليا خلال بطولة 2017، أما الآن، فيضم الفريق 10 لاعبات.
من جانبه تابع الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) هذا الاستثمار وبدأ يسير على خطاه، ويشيد المطلعون على شؤون اللعبة حقاً بوثيقة الاستراتيجية التي أطلقها (يويفا) تحت عنوان "لا يمكن إيقافها"، والتي تهدف إلى تحويل كرة القدم النسائية الأوروبية إلى صناعة بقيمة مليار يورو (1.17 مليار دولار) بحلول 2030. ويحرص القائمون على هذه المبادرة على التأكيد أن الأمر لا يتعلق فقط برواتب اللاعبات، بل بتحديث المعايير المهنية في البيئة بأكملها.
وقد نما الاستثمار بصورة ملحوظة على جميع المستويات، من القاعدة الشعبية إلى النخبة. وتظهر أرقام (يويفا) أن هناك الآن فرصاً أكثر، ومسارات تطوير أوضح، وتدريباً أفضل، ونتيجة لذلك مباريات بجودة أعلى. ومن المرجح أن نبدأ برؤية ثمار هذا التقدم اعتباراً من مباراة الافتتاح الأربعاء المقبل.
ويعد منتخبا ويلز وبولندا، وهما الوافدان الجديدان على البطولة، من أبرز قصص النجاح في هذا السياق.
ومع ذلك ستظل نتائج أدائهما ذات أهمية بالغة، لا سيما في ظل تطلع الجميع لتجنب نتائج ساحقة كالتي شهدناها في "يورو 2022"، عندما فازت إنجلترا على النرويج بنتيجة (8 - 0)، فالفجوات لا تزال قائمة.
ففي نهاية المطاف، لا يزال (يويفا) في بداية هذا المسار، كما أن صعود الأندية الكبرى من المرجح أن يؤدي إلى اتساع الفجوات أكثر. فالتاريخ الحديث لكرة القدم يظهر أن هذه الأندية تؤدي إلى تركز الثروة، في حين تحتاج (يويفا) إلى تشجيع التنوع.
وتعد هذه الأندية الكبرى أيضاً وجهة لكثير من الاستثمارات الخاصة، والتي لا تزال في معظمها أميركية، وهي التي تقود الجزء الأكبر من الاستثمار العالمي في كرة القدم النسائية. وهذا بدوره خلق نوعاً مختلفاً من الفجوات.
فعلى رغم القوة التي تتمتع بها أندية مثل برشلونة وأرسنال، لا يمكن لأي من دورياتها المحلية أن تضاهي التوازن التنافسي الذي يتمتع به الدوري الأميركي للمحترفات، وخصوصاً من حيث المستوى الأساس المرتفع للفرق كافة.
فأساس اللعبة النخبوية في أميركا لا يزال أقوى بكثير، لأنه نظام مستقل فعلياً، ولا يعتمد على كرة القدم الرجالية أو يستمد قوته منها، كما هو الحال في أوروبا حالياً. وهذا يعود إلى ثقافة طويلة الأمد مستقلة بحد ذاتها، وبصورة خاصة إلى إقرار قانون الحقوق المدنية "تايتل ناين" في 1972، إضافة إلى نظام الجامعات والموقف العام من الرياضة النسائية. كما يعني هذا أن النظام الأميركي أكثر قدرة على منح الفتيات مسارات مهنية حقيقية ومستدامة في كرة القدم، حيث يدمج التعليم بصورة عضوية داخل المنظومة الرياضية.
وهذا أحد الجوانب التي لا تزال أوروبا في حاجة إلى بذل كثير من الجهد فيها، وهو ما يجعل أندية دوري السوبر النسائي الإنجليزي والدوري الإسباني للسيدات بعيدة من مستوى الفرق الكبرى. وهناك خطر حقيقي - ولو جزئياً - بأن تتحول كرة القدم النسائية إلى رياضة نخبوية في المقام الأول، على غرار ما حدث مع رياضة الرغبي.
كما يعبر بعض مسؤولي (يويفا) عن قلقهم من تباطؤ وتيرة التطوير في ألمانيا، التي ظلت متقدمة على معظم الدول الأوروبية في هذا المجال لأكثر من 30 عاماً. أما الآن، وبفعل عوامل ديموغرافية أوسع، فقد بدأت معدلات المشاركة في التراجع.
وكشف تقرير صادر عن منظمة "ويمينز سبورت تراست" الأسبوع الماضي أن نسب المشاهدة التلفزيونية لدوري السوبر النسائي الإنجليزي قد انخفضت بنسبة 35 في المئة، ويستعد الدوري الآن لعملية إعادة هيكلة تهدف إلى استعادة الزخم.
ويأتي هذا في سياق يفسر لماذا تحل هذه البطولة في لحظة فارقة، وسط شعور مفاجئ بالتباطؤ بعد سنوات من النمو المتسارع.
فكرة القدم الأوروبية النسائية تحتاج بالفعل إلى عرض كروي كبير، لكنها - بفضل سنوات من العمل المتواصل - لم تكن يوماً أكثر جاهزية لتقديم ذلك العرض.
© The Independent