Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطوة واحدة نحو العصر النووي الثالث

البشرية أمام مصير معتم بعد انتهاء عصر ضبط أسلحة الدمار الشامل... ومعضلة الولايات المتحدة هي تجديد ترسانتها "العجوز"

امتلاك الأسلحة النووية بات يتجاوز الأقطاب العالمية إلى حدود القوى الدولية المتوسطة (صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي)

ملخص

كان العصر الأول هو الحرب الباردة حيث احتدمت المنافسة بين القوى العظم، ودشنت فترة ما بعد الحرب الباردة العصر النووي الثاني وفيه انبعث الأمل بإزاحة التهديد النووي، ومنذ سنوات دخل العالم العصر النووي الثالث وتبدو ملامحه مرعبة

منذ 15 عاماً ألقى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما خطاباً تاريخياً في براغ تعهد فيه بأن الولايات المتحدة "ستتخذ خطوات ملموسة نحو عالم خالٍ من الأسلحة النووية"، وتتحول بعيداً من عقلية الحرب الباردة التي وضعت هذه الأسلحة في قلب استراتيجية الأمن القومي للبلاد.

وعلى رغم أن خطابه كان جريئاً، وساعده على نيل جائزة نوبل للسلام لاحقاً، فإن رؤية أوباما كانت محافظة نسبياً، لم يضع أي خطوات ملموسة نحو هذا الهدف، وأقر بأنه قد لا يتحقق في حياته، في وقت كان فيه الرئيس في الـ48 من عمره.

كانت كلمات أوباما تناسب روح العصر، حتى إن بعض صقور الحرب الباردة كانوا يجادلون آنذاك بأن الأسلحة النووية قد عفا عليها الزمن في عالم كانت فيه المنافسة بين القوى العظمى في أدنى مستوياتها، وكان القادة أكثر قلقاً في شأن حصول الإرهابيين على سلاح نووي غير مفعل من دولة تستخدمه عمداً.

كانت الإدارة آنذاك بصدد التفاوض على معاهدة ستارت الجديدة، وهي معاهدة وافقت بموجبها كل من الولايات المتحدة وأوروبا على خفوضات شاملة في ترسانتيهما النووية.

هل كان خطاب أوباما رؤية يوتوبية لم يطل بها المقام، قبل أن يطل على العالم ما بات يعرف باسم "العصر النووي الثالث"؟ وإذا كان ذلك كذلك فما ملامح ومعالم هذا العصر؟ وما الدور الذي تؤديه الولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص في دعم وزخم مثل هذا العصر؟ وهل ستقصر روسيا الاتحادية أو الصين الشعبية على الشراكة المرة، إن جاز التعبير في تحويل العالم إلى ساحة حرب نووية عما قريب؟

ربما لم يكن الأمر قاصراً على كبار الأقطاب العالمية التي تملك مثل تلك النوعية من الأسلحة، بل بات الأمر يتجاوز إلى حدود القوى الدولية المتوسطة، تلك الصاعدة بقوة في السماوات الأممية، مما يعني أن فكرة الحد من الانتشار النووي باتت أثراً بعد عين... ماذا عن ذلك العصر المخيف أول الأمر؟

 أدميرال رانيكن والعصر النووي الثالث

في خطاب ألقاه خلال فبراير (شباط) الماضي أشار قائد القوات المسلحة البريطانية، الأدميرال توني رانكين، إلى أن العالم قد حل بالفعل داخل عصر نووي ثالث.

كان العصر الأول هو الحرب الباردة، والثاني هو فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، التي حكمتها جهود نزع السلاح ومكافحة الانتشار، أما العصر الثالث، الذي نعيشه الآن، فيتميز بـ"الغياب شبه التام للهياكل الأمنية التي سبقته" على حد تعبير رانكين.

هل هناك حاجة إلى مزيد من التفاصيل لتبيان جوهر العصر النووي الثالث، ومدى خطورته؟

المؤكد أنه في العصر النووي الأول، وهو الحرب الباردة، كانت الأسلحة النووية محورية في المنافسات الجيوسياسية والعسكرية.

 في ذلك الوقت انتظمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في كثير من الأزمات النووية العالية الأخطار. قدر الرئيس جون كينيدي نفسه أن أزمة الصواريخ الكوبية تحمل احتمالاً متساوياً لحرب نووية، كذلك دخلت موسكو وواشنطن في منافسة شديدة على الأسلحة النووية. انتهت الحرب الباردة جزئياً بسبب تعزيز إدارة الرئيس رونالد ريغان الدفاع في الثمانينيات وخوف موسكو من أنها لن تكون قادرة على مواكبة المنافسة المتجددة على الأسلحة. تم الحفاظ وقتها على الاستقرار الاستراتيجي في الحرب الباردة في الغالب من خلال ضمان امتلاك الولايات المتحدة وضعاً نووياً قوياً قادراً على ردع العدوان السوفياتي.

كان العصر النووي الثاني هو فترة ما بعد الحرب الباردة. في هذه الفترة تراجعت منافسة القوى العظمى إلى خلفية السياسة الدولية، كان هناك أمل في أن تتمكن القوى الكبرى من التعاون لمواجهة التحديات المشتركة.

انتهى العصر النووي الثاني، الذي ترك وراءه باقة من الدروس الاستراتيجية بين عامي 1989 و2021، لكنها أصبحت أقل أهمية بالنسبة إلى الفترة التي ندخلها الآن، غير أن العصر النووي الثالث لن يشبه الحرب الباردة فحسب، بل سيتجاوزها صعوبة في نواحٍ عدة... ماذا عن هذا؟

باختصار غير مخل، لقد باتت التهديدات الجامحة بالاستخدام النووي التكتيكي من جانب روسيا، وتعزيز القدرات النووية الصينية، وفشل إيران في التعاون في شأن الاتفاق النووي، والسلوك غير المنتظم لكوريا الشمالية من بين التهديدات التي تواجه الغرب.

والثابت أنه إذا كانت الترسانة النووية الروسية معروفة للغرب بشقيه الأوروبي والأميركي، فإن الأكثر إزعاجاً وإثارة للقلاقل في قادم الأيام، هو الترسانة النووية الصينية، القائمة والقادمة، التي ستضحى ولا شك المدخل للعصر النووي الثالث، ذلك الذي يرسي قواعده المخيفة وأسلحته غير المعتادة، الرئيس دونالد ترمب، لا من خلال تجديد الترسانة النووية الأميركية التقليدية فحسب، بل عبر أسلحة نووية غير مسبوقة، تتعاطى مع قوانين الفيزياء الكونية بصورة خاصة لتحدث الضرر الأكبر.

تقرير "البنتاغون" وثورة الصين النووية

من المعروف أن تسع دول تمتلك أسلحة نووية، لكن الولايات المتحدة وروسيا لا تزالان تمتلكان ما يقارب 90 في المئة من الترسانة النووية العالمية، ولهذا السبب كان ضبط الأسلحة تاريخياً لعبة طرفين، لكن هذا الوضع يتغير الآن جذرياً.

كان تقرير "البنتاغون" لعام 2022 أول من دق ناقوس الخطر بأن حجم الترسانة النووية الصينية تضاعف خلال الأعوام السابقة إلى 400 رأس حربي، وقد يصل إلى 1500 رأس حربي بحلول عام 2035، في حين وضع تقييم "البنتاغون" المحدث في نهاية عام 2024 الحجم الحالي للترسانة الصينية عند 600. وتظهر صور الأقمار الاصطناعية من الصحراء الشمالية الغربية في الصين توسعاً كبيراً لما يعتقد المتخصصون أنه صوامع صواريخ باليستية.

ما تقوم به الصين يعد في حقيقة الأمر تحولاً استراتيجياً مهماً، فبكين تمتلك أسلحة نووية منذ عام 1964، لكنها حافظت على ترسانتها الصغيرة، حتى مع دخول الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة سباق التسلح خلال الحرب الباردة ونمو الصين وتحديث جيشها.

وعلى رغم أن بكين تمتلك الآن ثاني أكبر موازنة عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة فإنها تجاوزت فرنسا لتصبح ثالث أكبر قوة نووية في العالم عام 2020.

في هذا السياق يقول المتخصص في الأسلحة النووية الصينية بمؤسسة كارنيغي، تونغ تشاو، إن تعزيز الصين ترسانتها النووية لا يتعلق بالتكتيكات العسكرية بقدر ما يتعلق بإرسال إشارة سياسية، وبخاصة إلى الولايات المتحدة مفادها أنها دولة تستحق أن تؤخذ على محمل الجد. وفي حديث لموقع "فوكس نيوز" يقول تشاو "يعتقد القادة الصينيون أن الصين تواجه الآن بيئة خارجية أكثر خطورة، وأن ترسانة نووية أكبر قد تمنح الصين نفوذاً واسعاً".

والحقيقة المؤكدة هي أن الصين لم تصبح بعد "نداً نووياً" للولايات المتحدة أو روسيا، ولن تكون كذلك حتى لو صحت أعلى تقديرات "البنتاغون"، وباحتساب المخزونات غير المنشورة والأسلحة التي تنتظر التفكيك، تمتلك الولايات المتحدة وروسيا أكثر من 10 آلاف رأس نووي في مخزوناتهما.

غير أن دخول طرف ثالث أصغر نسبياً قد يصعب الدبلوماسية النووية. نجحت الصفقات الأميركية الروسية مثل معاهدة ستارت الجديدة جزئياً، لأن الدولتين كانتا على تكافؤ نسبي، واستطاعتا عكس تنازلات بعضهما بعضاً، وكان لهما تاريخ طويل في التفاوض على مثل هذه الصفقات.

غير أن مثل هذه الصفقات التكميلية غير ممكنة مع بكين، لا سيما أن الأخيرة تجادل بأنه إذا أرادت الولايات المتحدة التحدث عن الحدود النووية، فيجب أن تصل أولاً إلى مستويات الصين، أي التراجع عن حجم وعدد ترسانتها النووية.

خلال إدارة دونالد ترمب الأولى، دفعت الولايات المتحدة إلى إجراء محادثات ثلاثية للحد من الأسلحة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، ولكن لم يكن هناك اهتمام يذكر من الجانب الصيني.

 وبحسب تشاو فإن بكين تعتبر اتفاقات الحد من الأسلحة الملزمة "فخاً لتقييد قدرات الصين من جانب واحد".

هل كان لهذا التوجه من جانب الصين أن يقود الولايات المتحدة الأميركية بإرادة حديدية إلى قلب العصر النووي الثالث؟ يبدو أن إشكالات ذلك العصر ستتجاوز بكين.

عما بعد مشكلة الأجسام الثلاثة

يعرف العاملون في مجال العلوم العسكرية مصطلح "الأجسام الثلاثة النووية" أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية والصين الشعبية. غير أن العصر النووي الثالث يواجه في الطريق قوى جديدة، تمثل تحديات حقيقية لا مجازية، مثل كوريا الشمالية وإيران، التي يبدو أن كلاً منهما يتفاقم.

حاول الرئيس ترمب في ولايته الأولى أن يظهر نوعاً من الوفاق مع كوريا الشمالية، لكن على عكس ادعاءات ترمب، لم يوافق الكوريون الشماليون أبداً على نزع السلاح النووي ولم يفعلوا ذلك. هنا يعتقد أن كوريا الشمالية تمتلك نحو 50 سلاحاً نووياً، وبينما لم تفجر أياً منها منذ عام 2017، تظهر الاختبارات الأخيرة أن قدراتها الصاروخية بعيدة المدى تتحسن، بما في ذلك بعضها القادرة نظرياً على الوصول إلى البر الرئيس للولايات المتحدة، عطفاً على ذلك، فقد يتلقى الكوريون الشماليون أيضاً تقنية ومساعدة جديدة من روسيا مقابل إرسال قوات وذخائر للقتال ضد أوكرانيا.

أما بالنسبة إلى إيران فقد ازداد حجم مخزوناتها من الوقود النووي بصورة كبيرة منذ انسحاب ترمب من الاتفاق النووي المبرم في عهد أوباما عام 2018، ويقول المسؤولون الأميركيون إنها قادرة الآن على إنتاج ما يكفي من المواد النووية الصالحة للاستخدام في صنع قنبلة نووية في غضون أسبوع إلى أسبوعين، مع أن صنع سلاح نووي قابل للاستخدام سيستغرق وقتاً أطول، كذلك يتزايد القلق من أن إيران قد تسارع نحو بناء سلاح نووي في ضوء الضربات التي تلقاها وكلاؤها في لبنان وسوريا أخيراً.

ماذا يعني ما تقدم؟

باختصار غير مخل يفيد بأنه في وقت تتزايد فيه هذه الأخطار، فإن الحواجز الدبلوماسية التي وضعت لإدارة المنافسة النووية تبدو أكثر هشاشة.

لقد شهدت ولاية ترمب الأولى انهيار عدد من اتفاقات الحد من الأسلحة النووية المهمة، وأشهرها انسحاب ترمب من الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015 الذي وافقت طهران بموجبه على فرض قيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات.

أما معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، وهي اتفاقية أبرمت في عهد ريغان وفرضت قيوداً على القوات الصاروخية الأميركية والروسية، ومعاهدة الأجواء المفتوحة التي سمحت لحلف شمال الأطلسي ودول ما بعد الاتحاد السوفياتي بإجراء طلعات استطلاعية فوق أراضي بعضهما بعضاً للتحقق من قواعد الامتثال لقواعد الحد من الأسلحة، فقد خضعت لنقاشات عامة أقل، وإن كانت ذات أهمية. وقد انسحب ترمب من كلتيهما، مشيراً إلى انتهاكات روسية مزعومة.

أخيراً تحدث الباحث في السياسة النووية بمؤسسة التراث روبرت بيترز، لموقع "فوكس" قائلاً "يجب أن يفهم الناس هذا... لقد انتهى عصر ضبط الأسلحة النووية".

ربما يكون السؤال الأكثر إلحاحاً الآن هو: ماذا سيحدث عام 2026 بعد انتهاء العمل بمعاهدة ستارت الجديدة، التي تحدد للولايات المتحدة وروسيا 1550 رأساً حربياً منشوراً و700 مركبة إيصال منشورة أيضاً لكل منهما؟

لا يبدو أن الولايات المتحدة ستمضي قدماً في سياق وقف التسلح النووي، لا سيما أن هناك من الآراء الشائعة والذائعة التي تقطع بضرورة السلاح النووي كأداة لحفظ الأمن والسلام العالميين أول الأمر والأميركيين تالياً... ماذا عن ذلك؟

أميركا... إرادة السلم والاستعداد للحرب

عبر مجلة "ناشونال أنترست" الأميركية، قدم اثنان من الأميركيين الثقات رؤية تدفع في طريق مزيد من التسلح النووي، انطلاقاً من أن دعاة القضاء على تلك الأسلحة قد قضوا وقتاً طويلاً في القلق في شأن كلفة تحديث الثالوث النووي للولايات المتحدة، في حين أنهم لم يتوقفوا عند الأهمية الكبرى والقصوى لتلك الأسلحة.

القراءة التي نحن بصددها قدمها نائب رئيس قسم التعليم في المعهد الوطني لدراسات الردع، العقيد كورتيس ماكجيفن، ونائب رئيس قسم الأبحاث في المعهد نفسه آدم لوثر.

يلوم الباحثان دعاة السلام وأصحاب رايات التخلي عن الأسلحة النووية بقولهما "بعدما أمهلوا مجتمع نزع السلاح ثلاثة عقود لإقناع روسيا ثم الصين والآن كوريا الشمالية، بأن أميركا ستقودهم إلى أرض الميعاد المتمثلة في عالم خالٍ من الأسلحة النووية، فإن فشلهم واضح في التحديث الكامل للترسانة النووية الروسية والزيادة الدرامية الأخيرة في الترسانتين النوويتين الصينية والكورية الشمالية".

مع ذلك سمحت الولايات المتحدة لقوتها النووية بالضمور، مبقية الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ICBM في صوامعها أكثر من خمسة عقود، متجاوزة بذلك بكثير عمرها الافتراضي المحدد بـ10 أعوام.

وفي صيغة سخرية من عدم الاهتمام بتجديد الترسانة النووية الأميركية، يقول الباحثان "لو كان أسطول قاذفات بي-52 الأميركية بشرياً، لكانوا مؤهلين للحصول على معاش الضمان الاجتماعي، بينما تقترب الغواصات النووية من فئة أوهايو بسرعة من عمرها الافتراضي المحدد بـ30 عاماً أو تجاوزته بكثير".

على النقيض من الصين وروسيا وكوريا الشمالية التي تدرك أن الأسلحة النووية تشكل ضمانة أساسية للسيادة ووسيلة لإجبار الخصوم على الخضوع، اختارت الولايات المتحدة أن تقود بالقدوة، وسمحت لترسانتها النووية بالتقدم في السن حتى أصبحت عتيقة، على أمل أن تحذو الدول الاستبدادية حذوها.

هل تكرر واشنطن أخطاء بعينها ارتكبتها في النصف الأول من القرن الماضي؟

يعتبر الباحثان المشار إليهما أن التفكير الأميركي على ذلك النحو، يبدو ضرباً من المثالية، يحاكي ما جرى للشعب الأميركي الذي وصل عام 1939 إلى عالم مضطرب، حين كانت واشنطن منعزلة عن عالم يسعى فيه المستبدون إلى إعادة تشكيل النظام العالمي جذرياً، مما تطلب حرباً عالمية لوضع حد له.

اليوم قد يكون من الصعب بل شبه المستحيل أن تدخل أميركا في حرب عالمية كالتي دخلتها قبل ثمانية عقود، أما السبب فلأن أعداءها يمتلكون أسلحة نووية أكثر عدداً، وربما أفضل نوعية مما تمتلكه واشنطن.

تسعى الصين وكوريا الشمالية وروسيا جاهدة إلى إجبار الولايات المتحدة على منحها حرية التصرف في تحقيق مصالحها من خلال الاستخدام القسري للأسلحة النووية، واستخدامها إذا لزم الأمر في ساحة المعركة لهزيمة الولايات المتحدة. في الوقت عينه تثبت الحرب في أوكرانيا أن هذه الأنظمة الاستبدادية الجديدة – بحسب الباحثين – تتحد الآن في قضية مشتركة لضمان عدم قدرة الولايات المتحدة على هزيمتها في صراع تقليدي أو إجبارها بالأسلحة النووية الأميركية.

هل يعني ذلك أن على واشنطن أن تستعد بترسانة نووية مغايرة لما عرفه العصران النوويان السابقان الأول والثاني؟

ترسانة أميركا والعصر النووي الثالث

كيف تفكر إدارة ترمب في المسألة النووية؟ علينا بالرجوع إلى المركز الذي يمثل عقل إدارة ترمب، أي مؤسسة التراث أو "هيرتاج فاونديشن".

يكتب الباحث الرئيس في مجال الردع النووي والدفاع الصاروخي في مركز ألسون للأمن القومي التابع لمؤسسة "هيرتاج" روبرت بيترز تحت عنوان "حان الوقت لبناء الترسانة النووية للقرن الـ21" يقول "لقد حان الوقت لأميركا لبناء الترسانة النووية اللازمة لضمان قدرتها على ردع الهجمات الاستراتيجية وحروب القرون العظمى خلال نصف القرن المقبل".

ما أوصى به بيترز يبدو أنه يحدث بالفعل، فحالياً تجري الولايات المتحدة عمليات استبدال ضرورية للأنظمة النووية القديمة من حقبة الحرب الباردة، عبر إصدارات أحدث، لكن هذه الجهود غير كافية، إذ تعتبر ترسانة أميركا النووية قديمة جداً لدرجة أن أعداءها قد لا يخشونها بعد الآن.

ما الذي يجب عمله إذاً؟

بحسب المسؤول الأميركي البارز، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على توسيع ترسانتها الاستراتيجية، أي الأسلحة النووية المصممة لمنع وقوع هجوم نووي على الأراضي الأميركية لضمان عدم إغراء روسيا أو الصين أبداً بضرب الأراضي الأميركية.

أما الأمر الأكثر إلحاحاً فهو أن الولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى توسيع وتنويع ترسانتها النووية التكتيكية بصورة كبيرة، انطلاقاً من أن الأسلحة النووية التكتيكية أصغر حجماً من الأسلحة الاستراتيجية، وهي مصممة لردع الهجمات المحدودة ضد المصالح الأميركية وحلفائها في الخارج، ومنع نشوب حرب بين القوى العظمى.

في هذا السياق يوصى المتخصصون بتعزيز الترسانة النووية التكتيكية، لا سيما أن واشنطن كانت قد سحبت أسلحتها النووية الميدانية المنشورة مسبقاً في نهاية الحرب الباردة، هذا في وقت عززت روسيا والصين فيه قدراتهما النووية الميدانية الضخمة أو حافظتا عليها في الأعوام التي تلت ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أين يتوقع أن يحدث الصدام النووي القادم مع الولايات المتحدة؟

عند متخصصي "هيرتاج فاونديشن" أنه إذا اندلعت حرب نووية اليوم، فمن المرجح أن يكون ذلك في مسرح عمليات خارجي أكثر من هجوم مفاجئ على الأراضي الأميركية.

هنا يقدم البعض توصيات مثيرة منها أنه على مدى الـ12 شهراً المقبلة، ينبغي للولايات المتحدة أن تحول 300 رأس نووي تكتيكي من حقبة الحرب الباردة من مخزونها الاحتياط الجاهز إلى صواريخ كروز متوسطة المدى، مما من شأنه أن يسهم في ردع الاستخدام النووي الروسي في أوروبا، والاستخدام الصيني المحتمل الناتج من محاولة غزو تايوان، وكوريا الشمالية المسلحة نووياً بصورة متزايدة، التي تزداد قوة وقدرة.

ويمكن نشر مثل هذه الصواريخ المتوسطة المدى المسلحة برؤوس نووية تكتيكية منخفضة العائد، في مسارح المحيط الهادئ وأوروبا.

وعلى رغم أن سحب الرؤوس الحربية التكتيكية من حقبة الحرب الباردة من مخزون الاحتياط ليس حلاً مثالياً للبيئة الأمنية المتدهورة نووياً، فإنه مع ذلك يعد أمراً يمكن للولايات المتحدة أن تقوم به على المدى القريب لإثبات استعدادها للدفاع عن مصالحها وحلفائها في مواجهة الضغوط النووية، ونظراً إلى أن برنامج التحديث النووي لن يكتمل قبل عقد آخر على أقرب تقدير، فمن الضروري أن تنشر الولايات المتحدة أسلحة نووية تكتيكية فعالة وموثوقة قادرة على ردع العدوان النووي المعادي.

هل الرغبة في حيازة الأسلحة النووية هي التي تتحكم في توجهات إدارة ترمب؟

الحقيقة قد لا يكون ذلك على هذا النحو، لكن في كل الأحوال فإن تأخير برنامج التحديث النووي، قد يخل بفكرة أميركا أولاً التي يتبناها الرئيس ترمب نفسه.

أما عدم القيام بذلك، فعند متخصصي مؤسسة التراث، سيؤدي إلى تشجيع خصوم أميركا وزيادة احتمالية الحرب النووية ومن دون اتخاذ إجراء الآن ستصبح الولايات المتحدة قوة نووية من الدرجة الثانية، بعد كل من روسيا والصين، وذلك في غضون من 10 إلى 15 عاماً.

المزيد من تقارير