ملخص
المسيرات تقصف لليوم الرابع قاعدة "فلامنغو" البحرية ببورتسودان وتنديد دولي باستهداف مقدرات الشعب السوداني والبرهان يتوعد "الدعم السريع" بالقصاص.
قبل أن تستفيق العاصمة السودانية الإدارية الموقتة بورتسودان من صدمة الهجوم المدمر الذي تعرضت له، أمس الثلاثاء، جددت مسيرات "الدعم السريع" قصفها، صباح اليوم، لقاعدة "فلامنغو" البحرية بالبحر الأحمر، وذلك لليوم الرابع على التوالي ضمن موجة هجمات المسيرات التابعة لقوات "الدعم السريع" التي تشهدها حرب السودان خلال الأسابيع القليلة الماضية.
الدفاعات تتصدى
وأكدت مصادر محلية تصدي المضادات الأرضية التابعة للدفاعات الجوية للجيش، فجر اليوم الأربعاء، لهجمات بالطائرات المسيرة في سماء المدينة.
وأفاد شهود من المنطقة، بسماع دوي انفجارات متتالية في أجواء المدينة، وتصاعد أعمدة الدخان في محيط قاعدة "فلامنغو" البحرية الأكبر بالبلاد، ولم تصدر أي تعليقات رسمية من الطرفين في شأن الهجمات الجديدة.
وكانت مسيرة استهدفت، أمس، محيط مطار كسلا شرقي السودان، من دون وقوع أضرار كبيرة، وفق شهود عيان.
استعادة الحياة
وكانت العاصمة الموقتة بورتسودان بدأت بالتقاط أنفاسها واستعادة الحياة الطبيعية واستئناف العمليات البحرية بالميناء الجنوبي، مع إعادة سلطة الطيران المدني فتح الأجواء بعد إعلانها تعليق الرحلات الجوية في مطار بورتسودان الدولي حتى الساعة الخامسة من مساء أمس، وسط إجراءات أمنية مشددة بالأسواق والمواقع الحيوية والاستراتيجية بالمدينة.
وتعرضت مدينة بورتسودان، أمس الثلاثاء، أيضاً إلى هجوم بالطائرات المسيرة استهدف المطار وميناءها الجنوبي ومحطة الكهرباء ومستودعات النفط وفندق كورال (مارينا) والقاعدة الرئيسة للجيش وسط المدينة، وقبل ثلاثة أيام استهدفت قاعدة "عثمان دقنة" بـ11 مسيرة انتحارية.
البرهان والقصاص
من جهته جدد القائد العام للجيش الفريق عبدالفتاح، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، على "وحدة الجيش والقوات المساندة له والمقاومة الشعبية من أجل ردع العدوان"، مؤكداً أن "الشعب سينتصر في النهاية وتحين ساعة القصاص".
كما أكد البرهان، في كلمة ألقاها من أمام أحد المواقع التي استهدفت في بورتسودان، أن "المنشآت الحيوية التي استهدفت ملك للشعب السوداني" وسيعمل على بنائها من جديد، وأن "كل تخريب أو تدمير لتلك المنشآت، عسكرية كانت أو مدنية، لن يزيد الشعب إلا قوة وصبراً وتماسكاً".
وتفقد نائب القائد العام للجيش، الفريق شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة الانتقالي، رفقة والي ولاية البحر الأحمر المستودعات الاستراتيجية التي تعرضت لهجوم الطيران المسير، صباح أمس، في بورتسودان.
تواصل الإطفاء
وأوضح بيان لوزارة الطاقة والنفط، أن مستودعي شركتي "أويل إنرجي" و"النيل للبترول المحدودة" في بورتسودان تعرضا لهجوم بمقذوفات أدى إلى اشتعال الحريق في المنطقة المكتظة بخزانات الوقود.
وأكد البيان أن عمليات الإطفاء تتواصل من قبل شرطة الدفاع المدني لاحتواء الحريق والحد من انتشاره لتجنب حدوث كارثة في المنطقة التي تتوسط المدينة.
كما طمأنت الوزارة المواطنين إلى انسياب الوقود بصورة طبيعية، مشددة على أنه "لا يوجد ما يدعو إلى القلق"، وأن "الوزارة تحتفظ بخطة وبدائل مناسبة لتجنب حدوث أزمة وقود في البلاد".
وأعلنت شركة الكهرباء الوطنية السودانية عن أن المسيرات أصابت محطة بورتسودان التحويلية، مما أدى إلى انقطاع تام للتيار الكهربائي عن المدينة، وأن فرقها الفنية تقوم بتقييم الأضرار.
ووضعت السلطات الصحية مؤسسات الولاية العلاجية في حالة طوارئ لمواجهة الأوضاع الراهنة الناتجة من الهجمات بالمسيرات التي قد تسفر عن إصابات.
نحو المجهول
ووصف رئيس الوزراء السوداني السابق، عبدالله حمدوك، رئيس تحالف الثوري الديمقراطي (صمود)، التطورات الجارية في مسار الحرب بأنها خطرة بكل المقاييس وتؤكد ما ظللنا نقوله إنه لا توجد حلول عسكرية لهذا النزاع الذي جلب ويلات غير مسبوقة لشعبنا المسالم الصابر.
وقال حمدوك في بيان، إن "السودان يتجه نحو المجهول"، مناشداً قيادتي الجيش و"الدعم السريع" بالوقف الفوري للقتال حفاظاً على أرواح السودانيين ووحدة البلاد. كما دعا حمدوك "الدول الشقيقة والصديقة والمجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود والضغط من أجل الوقف الفوري للحرب".
أهمية استراتيجية
في السياق قال مصدر متخصص في مجال النفط، تحفظ عن ذكر اسمه، إن "المستودعات الاستراتيجية الرئيسة لتخزين المشتقات النفطية ببورتسودان تسع أكثر من 1000 طن من المشتقات ما يكفي لاستيعاب حمولة ثلاث بواخر في فترة زمنية محددة، مما يعني أن المساس بها سيشل عملية التفريغ".
وأشار المتخصص إلى أن هذه المستودعات أنشئت عام 2016 بغرض تخزين صادر النفط السوداني الخام، لكن وبنتيجة استهلاك كل المنتج المحلي تم تحويلها للاستخدام كخزانات للمشتقات البترولية المستوردة، حيث يتم ضخها عبر خطوط أنابيب مخصصة لذلك في مستودعات منطقة الشجرة ومصفاة الخرطوم ثم إلى مراكز التوزيع.
ولفت إلى أن "هذه الخزانات تكتسب قيمة خاصة وأهمية فائقة كونها تستخدم لتخزين الوقود المستورد لسد العجز في الإنتاج المحلي" وأن "تدميرها سيعد خسارة لن تعوض قد تهدد بشح كبير في المواد البترولية، قد تتأثر به المشروعات الزراعية وقطاعي النقل والصحة وحركة المواطنين".
تكلفة عالية
كذلك لفت المصدر ذاته إلى أن "البنية التحتية لقطاع البترول عالية الكلفة ويرتبط إنشاؤها بمواصفات عالمية مرجعية"، وكانت تلك المستودعات تمثل أحد أهم مقومات الاقتصادية واللوجيستية في هذا القطاع.
في المقابل قالت قوات "الدعم السريع"، إن "الحرب الراهنة قضت على ما تبقى من استقرار هش بالسودان، وفتحت الباب أمام تمدد الجماعات الإسلامية والميليشيات الإيرانية في ظل غياب دولة فعالة ومؤسسات وطنية محايدة".
وأشارت في بيان لها، أمس الثلاثاء، إلى أنها "تتابع بقلق تمدد جماعات الإسلام السياسي الإرهابية في السودان والبحر الأحمر، وتصاعد استخدامها للبنية التحتية المدنية ومؤسسات الدولة لمواصلة الحرب".
مواجهات بالخرطوم
أما في الخرطوم فتتواصل المعارك جنوب أم درمان على الحدود مع ولاية النيل البيض وشمال كردفان بينما تعاني المنطقة من ظروف إنسانية صعبة بمناطق قرى الجموعية وإخلاء المدنيين من مواطني مساكن البنك العقاري الشعبية.
ووجه مركز عمليات الطوارئ بتنفيذ حملة ضد الكوليرا بمحليات ولاية الخرطوم التي سجلت حالات موجبة، والاستعداد للخريف في ظل الزيادة المتوقعة للأمطار بالبلاد، والتدخل لمجابهة الدفتريا بالولايات التي سجلت إصابات.
وكشف اجتماع للمركز عن تسجيل 12 إصابة جديدة بالكوليرا، وحالة وفاة واحدة، وارتفاع العدد التراكمي للإصابات إلى 60.993 إصابة، تتوزع في 12 ولاية، 95 في المئة منها بولاية الخرطوم.
هجوم بالفاشر
أما على جبهات القتال الأخرى فشهدت مدينة الفاشر في محور دارفور، أمس الثلاثاء، اشتباكات عنيفة في المحور الجنوبي تمكن خلالها الجيش والقوات المساندة له من قطع الطريق على قوة هاربة من ميليشيات "الدعم السريع"، وكبدتها خسائر في الأرواح والعتاد.
وأعلنت الفرقة السادسة مشاة بالفاشر أن الاشتباكات أسفرت عن تدمير مركبتين قتاليتين، ومركبة مزودة بمدفع عيار 23، إضافة إلى تدمير "راجمة 12 دليل"، كما قُتل وأصيب العشرات من عناصر الميليشيات.
وأشار بيان للفرقة، أمس، إلى انسحاب أعداد كبيرة من عناصر "الدعم السريع" إلى جنوب غربي المدينة.
تداعيات خطرة
على نحو متصل أوضح الباحث الأمني والسياسي، إسماعيل يوسف، أن "هجمات الطائرات المسيرة التي تعرضت لها العاصمة الموقتة بورتسودان كبيرة ستكون لها آثارها وتداعياتها الخطرة على تطورات ومستقبل الصراع في السودان، قد تنقل البلاد إلى مرحلة أقرب إلى الحرب الشاملة".
وتابع أنه "على رغم أن الهجمات لا تغير في الواقع الميداني وخريطة السيطرة على الأرض التي تبدو لمصلحة تقدم الجيش حتى الآن، لكنها ترفع سقف التحدي أمام الجيش وتكشف عن بعض الضعف في قدرات تقنيات الدفاع الجوي"، مشيراً إلى أن "على الجيش السعي إلى امتلاك منظومات دفاع جوي أكثر تطوراً لمنع مزيد من مثل تلك الهجمات".
وأوضح يوسف أن "تكرر الهجمات وتكثيفها على المواقع العسكرية والمدنية الخدمية الحيوية يهدف إلى زعزعة الأمن بالعاصمة البديلة وشل قدرة الحكومة والدولة عن إدارة البلاد الحياة بما يؤدي إلى إغلاق الميناء والمطار، وإجلاء البعثات الدبلوماسية وإحداث عزلة خارجية وتكثيف الضغط على الجيش للجلوس إلى المفاوضات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ردود وإدانات
على صعيد ردود الفعل الدولية والإقليمية طالب مجلس الوزراء السعودي في جلسته، أمس الثلاثاء، برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بضرورة الوقف الفوري للحرب في السودان وتجنيب مزيد من المعاناة والدمار.
وأكد المجلس أن إنهاء الأزمة في السودان يتطلب حلاً سياسياً سودانياً- سودانياً يحترم سيادة البلد ووحدته.
كما شدد مجلس الوزراء السعودي على أن أمن منطقة الشرق الأوسط يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وإقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
قلق أميركي
من جهتها دانت الولايات المتحدة الهجمات الأخيرة بطائرات مسيرة، التي أفادت التقارير بشنها من قبل "الدعم السريع"، على البنية التحتية الحيوية وأهداف مدنية أخرى في بورتسودان وفي جميع أنحاء البلاد.
ووصف بيان لمكتب الشؤون الأفريقية بالخارجية الأميركية، الهجمات بأنها تمثل تصعيداً خطراً في الصراع السوداني.
وأعربت واشنطن عن قلقها البالغ إزاء تدهور الوضع والتقارير الواردة عن عنف قوات "الدعم السريع" ضد المدنيين وعمال الإغاثة في مدينة الفاشر وما حولها، شمال دارفور، مجددة الدعوة إلى توفير مسارات إنسانية من دون عوائق وحماية المدنيين، بما في ذلك توفير ممر آمن للمدنيين الفارين من العنف، وضرورة امتناع الجهات الخارجية عن تسليح الأطراف المتحاربة.
رفض روسي
من جانبها قالت وزارة الخارجية الروسية، إن قصف مرافق البنية التحتية المدنية في السودان أمر غير مقبول.
ودعا بيان الخارجية الروسية إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وتكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية الرامية إلى إطلاق حوار سوداني شامل من دون تدخل خارجي لإحلال السلام الدائم في البلاد والحفاظ على سيادتها ووحدتها.
أممياً، اتهم المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، كلاً من قوات "الدعم السريع" والجيش باستهداف المطارات في مناطق سيطرة الطرفين كعمليات عسكرية انتقامية.
وعد حق الهجوم على مدينة بورتسودان تطوراً مقلقاً يهدد حماية المدنيين والعمليات الإنسانية، مؤكداً عدم تأثر مكاتب أو مقار ومستودعات المنظمة الأممية بالمدينة وتواصل عملياتها كالمعتاد.
صدمة أممية
كما عبرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي، عن صدمتها إزاء تصاعد الهجمات بالطائرات المسيرة على البنية التحتية المدنية في بورتسودان التي تعرضت للمرة الأولى لهجمات من قوات "الدعم السريع" في الحرب الدائرة مع الجيش السوداني منذ عامين.
ودعت سلامي في تغريدة على منصة "إكس" جميع الأطراف المنتظمة في الصراع إلى وقف الأعمال العدائية فوراً وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية.