ملخص
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن "دونالد ترمب حول غضبه من فولوديمير زيلينسكي إلى فلاديمير بوتين".
عادت الخلافات لتخيم على سماء العلاقات الروسية - الأميركية، فيما زادت نبرة الانتقادات المصحوبة بما هو أقرب إلى التهديدات من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعدد من مسؤوليه في حق الرئيس فلاديمير بوتين. وها هي صحيفة "نيويورك تايمز" تقول "إن دونالد ترمب حول غضبه من فولوديمير زيلينسكي إلى فلاديمير بوتين"، كما أضافت الصحيفة "أن الشخص المنتهي الصلاحية (في إشارة إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي المنتهية ولايته) يبدو وقد بدأ يرى بصيصاً من أمل، استناداً إلى نتائج لقائه مع الرئيس ترمب على هامش مراسم وداع البابا فرنسيس إلى مثواه الأخير في نهاية الأسبوع الماضي. وعلى رغم تقديرات الكرملين حول المحادثات التي أجراها مع موفد الرئيس الأميركي ومبعوثه الشخصي للمهمات الخاصة، التي تجمع بين أوكرانيا والبرنامج النووي الإيراني والشرق الأوسط ستيف ويتكوف، واعتباره أنها "كانت بناءة ومثمرة"، يقول مراقبون أميركيون "إنها تضمنت تنازلات كبيرة لموسكو، أصابت أنصار أوكرانيا بحالة من الذعر".
تهديدات ترمب
جنحت الإدارة الأميركية الجديدة أيضاً نحو المساهمة في تصعيد الصراع، على حد ما أشارت إليه صحيفة "واشنطن بوست". وقالت الصحيفة الأميركية إن "هناك قلقاً متزايداً في موسكو من أن الاتفاق في شأن المعادن الأرضية الأوكرانية قد يعني تحالفاً جديداً بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، مما سيغلق الفرصة المتاحة لروسيا لإبرام اتفاق سلام في شأن أوكرانيا بشروط مواتية". وذلك في الوقت الذي حفلت الصحافة الروسية بكثير من المقالات التي سخرت من نتائج هذا الاتفاق، وقللت من جدواه. وجاء ذلك في وقت أعلنت وكالة "رويترز" أن "الولايات المتحدة أعدت عقوبات جديدة ضد روسيا في مجالات المال والأعمال والطاقة، لكن ترمب لم يوافق عليها بعد".
وكان الرئيس الأميركي أجرى مع شبكة تلفزيون NBC News، حديثاً اعترف فيه بأنه كثيراً ما يفكر بالانسحاب من الوساطة في شأن تسوية الصراع في أوكرانيا. وننقل عن صحيفة "كوميرسانت" الروسية ما نشرته من مقتطفات لحديث الرئيس الأميركي، ومنها ما قاله حول أنه "سيأتي الوقت الذي أقول فيه: حسناً، اذهب اذهب وكن غبياً. سيأتي الوقت الذي أستطيع فيه أن أقول هذا، وأترك عملية التفاوض. أحياناً أقترب من قرار الانسحاب من عملية التفاوض في شأن أوكرانيا، ولكن بعد ذلك تحدث أشياء إيجابية. نحن أقرب إلى التوصل إلى اتفاق مع أحد الجانبين، وربما لسنا قريبين إلى حد كبير من التوصل إلى اتفاق مع الجانب الآخر، لا أريد أن أقول إلى أي منهما نحن أقرب. لقد توصلنا إلى صفقة مفيدة للأميركيين مع أوكرانيا، بخاصة في ما يتعلق بالمعادن الأرضية النادرة، في الأقل سنحصل على ما نريد بطريقة أو بأخرى".
كما كتبت "بلومبيرغ" أنه جرى إعداد خيارات كثيرة لزيادة الضغط على روسيا، فضلاً عن العقوبات الجديدة الممكنة لزيادة الضغط الاقتصادي على موسكو، ولكن الرئيس الأميركي لم يتخذ قراراً بعد. كما أعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس أن الولايات المتحدة لم ترفع القيود القائمة المفروضة على روسيا، وأن إمكان فرض عقوبات جديدة لا تزال قائمة. وقالت أيضاً "إن الولايات المتحدة لن تلعب بعد الآن دور الوسيط في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، وإنه يجب على الطرفين الذهاب إلى مفاوضات مباشرة". وذلك فضلاً عما قاله السيناتور الجمهوري و"حليف ترمب الرئيس" في مجلس الشيوخ ليندسي غراهام (المدرج في قائمة الإرهابيين والمتطرفين في روسيا)، حول إنه و72 من زملائه يدعمون مشروع العقوبات الجديدة ضد روسيا إذا لم توافق على بدء مفاوضات السلام مع أوكرانيا. كما يتضمن هذا المشروع، وبين أمور أخرى، رسوماً بنسب كبيرة على الواردات من البلدان التي تشتري النفط الروسي والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي واليورانيوم وغيرها من المنتجات.
بوتين يؤكد قدرات روسيا
من جانبه أكد الرئيس فلاديمير بوتين في الرابع من مايو (أيار) أن روسيا لديها ما يكفي من القوة للانتهاء من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بالنتيجة المرجوة لروسيا الاتحادية، وأعرب عن أمله في أن "استخدام الأسلحة النووية لن يكون مطلوباً، على رغم الاستفزازات" من أوكرانيا. وفيما قاله بوتين، إشارة إلى ما تمارسه السلطات الأوكرانية من استفزازات بما فيها تصعيد نبرة التهديد في ما يصدر من تصريحات على لسان مسؤوليها، في شأن الاحتفالات المرتقبة في موسكو بالانتصار على الفاشية. ولعل ما يعقده الرئيس بوتين من اجتماعات، وما يشارك فيه من فعاليات، يمكن أن يكونا بمثابة تأكيد ما تملكه روسيا من قدرات، وما تقوم به قواتها المسلحة من عمليات تزيد من مكاسبها على صعيد المواجهة المسلحة ضد القوات الأوكرانية.
وفي الوقت نفسه أكد نائب مجلس الدوما ديمتري بيليك أن العقوبات من جانب الولايات المتحدة يمكن أن تحفز الإصلاحات في الاقتصاد الروسي. وأوضح البرلماني الروسي أن بلاده نجحت في تطوير إنتاجها بصورة مكثفة في ظروف القيود، كما أنها تولي اهتماماً متزايداً للابتكارات، وكان دونالد ترمب في أبريل (نيسان) الماضي أعلن مد فترة العقوبات ضد روسيا التي فرضها الرئيس السابق جو بايدن. وننقل عن عضو مجلس الدوما ألكسي تشيبا، ما قاله حول إنه "كان من المستحيل توقع أي شيء آخر، لأنه قبل اتفاق السلام كان اتخاذ قرار مختلف سيؤدي إلى موجة من الهجمات على ترمب، وفي الوقت نفسه سيؤثر في النتيجة النهائية للاتفاق".
زيلينسكي يهدد احتفالات موسكو
ولم يكن الرئيس الأوكراني بعيداً بدوره من لغة التهديدات، وها هو يعلن أخيراً التالي: "موقفنا بسيط للغاية بالنسبة إلى جميع البلدان التي ذهبت أو ستذهب في التاسع من مايو إلى موسكو: لا يمكننا أن نكون مسؤولين عما يحدث على أراضي الاتحاد الروسي". قال زيلينسكي إنهم (في إشارة إلى السلطات الروسية)، يوفرون لك الأمن، وبالتالي لن نقدم لك أية ضمانات".
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أشار إلى "أنه لا يعطي ضمانات أمنية لممثلي البلدان الذين سيصلون إلى موسكو للاحتفال بالذكرى الـ80 للنصر على ألمانيا الهتلرية"، في تلميح يغني عن التصريح باحتمالات القيام بأي أعمال أخرى على غرار تلك التي سبق واعترفت السلطات الأوكرانية بالقيام بها في الأراضي الروسية. كما نشر رئيس مكتب رئيس أوكرانيا أندريه يرماك صورة للكرملين المحترق، على قناة "تيليغرام" الخاصة به.
ولا يستبعد خبراء الأجهزة الأمنية وغيرهم من مسؤولين في روسيا ما يمكن أن تقوم به أوكرانيا من "استفزازات ومحاولات تشمل توجيه ضرباتها إلى أهداف استراتيجية داخل الأراضي الروسية"، ويقول النائب السابق في مجلس الرادا (البرلمان الأوكراني) أوليغ تساريف "هناك تهديد في كلمات زيلينسكي هذه، كما أن أهدافه واضحة هنا: إفساد عطلات الأعياد، وإجبار قادة العالم على رفض السفر إلى روسيا". وفي هذا الصدد أعلن زيلينسكي رفضه لفكرة وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام، التي أعلنها الرئيس بوتين، معتبراً أنها "إنتاج مسرحي كبير". وأضاف قوله "بالطبع، لن ننتظر البيانات الغامضة، ولكن البيانات النهائية، والأهم من ذلك، الإجراءات التي تهدف إلى وقف تصعيد الصراع خلال العطلات".
صفقة "المعادن الأرضية"
ولكن كان غريباً أن يعقد الرئيس الأميركي مع زيلينسكي جلسة محادثات لا علاقة لها بما اجتمع من أجله زعماء كثير من بلدان العالم في مناسبة حزينة، قالوا جميعهم إنها تبلغ من القدسية ما يفوق المكاسب والمصالح الدنيوية التي دفعت طرفي ذلك اللقاء إلى ذلك الاجتماع الذي عقداه في رحاب كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان. ولعل ما قاله مراقبون كثر حول إن الصفقة "الناجحة للغاية في شأن المعادن الأرضية النادرة"، على حد اعتقاد الجانب الأميركي، أسفرت عملياً عن وصف طرفيها بافتقادهما لأبسط "المبادئ الأخلاقية". على إن ذلك لم يمنع المراقبين الغربيين مما خلصوا إليه من استنتاج بعد إعلان الإدارة الأميركية عن صفقة المعادن الأرضية الأوكرانية، حول "أن آفاق البلاد تبدو أكثر إشراقاً مما كانت عليه منذ أشهر". ذلك إلى جانب تحذيرات آخرين من محاولة التوصل إلى استنتاجات قاطعة في شأن نوايا ترمب تجاه أوكرانيا، وقال هؤلاء "إن النهج المتعرج الذي يتبعه الرئيس يذهل المراقبين باستمرار، إذ يغير تكتيكاته، وينقل اللوم من جانب إلى آخر".
ومن جانبها استشهدت وسائل الإعلام المحلية والعالمية ببيانات البنتاغون حول أن وزارة الخارجية الأميركية وافقت بدورها وبعد توقيع اتفاق "المعادن الأرضية" مع كييف، على عقد بقيمة 310 ملايين دولار، وفي قول آخر بقيمة 50 مليوناً، لكييف لصيانة مقاتلات F-16 وتدريب المتخصصين الأوكرانيين لهذا الغرض. وأكدت وزارة الخارجية أن هذه المبادرة تخدم أغراض السياسة الخارجية الأميركية والأمن القومي، وتهدف إلى تعزيز القدرة الدفاعية لأوكرانيا، التي تعتبرها الولايات المتحدة شريكاً مهماً و"قوة الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في أوروبا"، على حد قول بعض المصادر الأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتزيد من حالة الارتباك التي تحتدم داخل البيت الأبيض، الخلافات الحادة بين مساعدي ترمب ومستشاريه حول النهج الأفضل. وبينما ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس ترمب يستخدم مصطلحات ومفردات تبدو في غالبية الأحيان شبيهة، بل ومتطابقة في كثير من الأحيان مع ما يقوله ممثلو الجانب الروسي، يقف وزير الخارجية ماركو روبيو على طرفي نقيض من مثل هذا الطرح، فيما تبنى في الفترة الأخيرة موقفاً أكثر صراحة بما قاله حول إن البيت الأبيض سيقلص مشاركته في محادثات السلام في شأن الصراع في أوكرانيا. وكان روبيو سبق وأشار إلى أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن محادثات السلام، وهي مستعدة للمساعدة "بأية طريقة ممكنة"، لكن "الجانبين الروسي والأوكراني لا يزالان منقسمين بشدة، ويجب على الرئيس ترمب أن يقرر المدة التي ستستغرقها هذه العملية". ويزيد من أهمية تصريحات روبيو حول هذا الشأن، ما أعلنه دونالد ترمب أخيراً حول إقالة مايك والتز من منصبه كمستشار لشؤون الأمن القومي، وهو المنصب الذي عهد به إلى وزير الخارجية الأميركي ليجمع بين المنصبين في سابقة لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلاً لها، منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي حين كان هنري كيسينجر يجمع بين هذين المنصبين. ويزيد من أهمية ما يتردد في هذا الصدد، ما أعلنته واشنطن من تهديدات بزيادة الضغوط الاقتصادية الأميركية على روسيا، بما في ذلك فرض عقوبات "ثانوية" من شأنها معاقبة الدول التي تتعامل تجارياً مع موسكو، وذلك في إشارة إلى احتمالات أن تشمل الأهداف الصين والهند، اللتين زادتا مشترياتهما من النفط الروسي في الأعوام الأخيرة.
وقال زيلينسكي إن الاتفاقات التي جرى التوصل إليها مفيدة لكلا الطرفين، ويعتقد رئيس أوكرانيا أن المساهمة الأولى للأميركيين في الصندوق المشترك الذي أنشئ في إطار الصفقة، يجب أن تكون أنظمة دفاع جوي للقوات المسلحة الأوكرانية. وعلى رغم ضآلة حجم القرض الأخير، إلا أنه يبدو ذا دلالة مقرونة بما يصدر عن ترمب من تهديدات إلى الجانب الروسي، تشير ضمناً إلى التخفيف من سياسات التشدد تجاه النظام القائم في كييف، بما يزيد من رمادية التوجهات التي يميل إليها الرئيس الأميركي في تصريحاته الأخيرة.