Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحقيقة وراء هجوم ترمب الأخير على زيلينسكي

يتمثل الخيار الأفضل أمام ترمب في الانسحاب من محادثات السلام المزعومة

كرر فولوديمير زيلينسكي استحالة التخلي لروسيا عن شبه جزيرة القرم (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

يواصل ترمب تبني الموقف الروسي ضد أوكرانيا، محملاً زيلينسكي المسؤولية ومهدداً بوقف المساعدات، في حين أن انسحابه من مفاوضات السلام المزعومة ودعمه العسكري لأوكرانيا قد يحفظ له بعض الكرامة أمام التاريخ.

وفاءً لعادته، عاود دونالد ترمب تحميل فولوديمير زيلينسكي مسؤولية مآسيه متماثلاً خلال الوقت ذاته مع موقف فلاديمير بوتين، بعدما كرر الرئيس الأوكراني تأكيده استحالة التنازل يوماً عن شبه جزيرة القرم لمصلحة روسيا.

وكان الرئيس الأميركي مصيباً عندما قال ضمن منشوره الأخير عبر وسائل التواصل الاجتماعي إنه "ليس هناك ما يستحق النقاش" في موضوع القرم، إنما ليس للأسباب التي يسردها في خطابه الانفعالي المعتاد.

وفي الواقع، "لن يعترف زيلينسكي قانونياً بالاحتلال [الروسي] للقرم"، إنما ليس بسبب تشبث الرئيس الأوكراني بموقفه، بل لأن الدستور يمنعه من ذلك.

وعلى ما يبدو هذه التفاصيل غابت عن ترمب الذي دفعت قراراته العلماء الأميركيين إلى التحذير من أزمة دستورية محتملة، بعدما أصدر عدداً قياسياً من الأوامر التنفيذية خلال أول 100 يوم من توليه منصبه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن وجهة النظر الأوكرانية، لا يهم ما يفعله الرئيس الأميركي ضمن حدود بلاده. أما ما يفعله تجاه أوكرانيا، فقد يكون بمثابة كارثة من منظور استراتيجي.

وفي المرة السابقة التي قام خلالها ترمب بمهاجمة زيلينسكي، عمد أيضاً إلى تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وقطع عنها لاحقاً تدفق المعلومات الاستخباراتية الفورية. وجاء هذا كله تزامناً مع حملة روسية ناجحة إلى حد كبير لإخراج القوات الأوكرانية المتمركزة في منطقة كورسك الروسية.

وفي سياق متصل، قال ترمب إن إصرار زيلينسكي على التمسك بالقرم "يلحق ضرراً فادحاً بمفاوضات السلام مع روسيا، لا سيما أن القرم ضاعت [من أيادي الأوكرانيين] منذ أعوام وتحديداً في عهد باراك أوباما، ولم تعد أصلاً موضوع نقاش".

بيد أن هذا الموضوع قابل فعلياً للنقاش، ذلك أن الغزو الروسي والضم غير المشروع لشبه جزيرة القرم يشكلان انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ولا تزال الولايات المتحدة تعدهما كذلك، شأنها شأن غالب دول العالم.

وتساءل ترمب قائلاً "لم يطلب أحد من زيلينسكي الاعتراف بشبه جزيرة القرم أرضاً روسية، لكن إن كان يريد استعادتها فعلاً فلماذا لم يقاتلوا من أجلها منذ 11 عاماً، عندما ضمتها روسيا إليها من دون إطلاق رصاصة واحدة؟"

لكن زيلينسكي آنذاك لم يكن رئيساً للبلاد، وكان طابور خامس قوي وفاعل تغلغل في النسيج السياسي والأمني للبلاد، وقوض كل جهد دفاعي. ومن ثم، كان يحق لكييف آنذاك المطالبة بضمانات أمنية من الولايات المتحدة وبريطانيا بموجب مذكرة بودابست التي جرى التوقيع عليها مقابل تخليها عن ترسانتها النووية الضخمة. لكن البلدين تهربا من التزاماتهما، بل ورفضا، طوال أعوام، إرسال أسلحة فتاكة لمساعدة أوكرانيا.

على رغم ذلك، نجحت أوكرانيا في تشكيل جيش، وحاربت القوات المدعومة من روسيا، وكذلك القوات الغازية في أرجاء دونباس، قبل أن يُجمد معظم خطوط الجبهة الأمامية عام 2015.

لكن هذا كله ليس مهماً بنظر ترمب، كونه يعد القرم، والقسم الأكبر من شرق أوكرانيا، أراضي روسية بطبيعتها. ويعزى الأمر في جزء منه إلى أنها أراض محتلة وفي جزء آخر إلى أن روسيا تقول إنها تريدها.

وأضاف ترمب "تضم تلك المنطقة [القرم] منذ أعوام، حتى قبل عملية ’التسليم في عهد أوباما‘، قواعد رئيسة للغواصات الروسية". وبالاعتماد على هذا المنطق، قد يعني الأمر أن وارسو وبراغ وتالين هي أيضاً أراض روسية، وهو فعلياً ما يعتقده بوتين.

ويرى ترمب "أن تصريحات زيلينسكي الاستفزازية هي التي تصعب التوصل إلى تسوية [تضع حداً] لهذه الحرب"، مضيفاً أن [الرئيس الأوكراني] "ليس لديه ما يفاخر به! فالوضع في أوكرانيا مأسوي، بالتالي بإمكانه أن يحقق السلام أو أن يواصل الحرب لثلاثة أعوام إضافية، قبل أن يخسر البلاد برمتها".

ومن وجهة نظر عسكرية، تظهر أوكرانيا قدرات أكبر من تلك التي تمتعت بها عندما حرمها ترمب من المساعدات العسكرية ومن دفق البيانات الاستخباراتية قبل شهرين. أما السبب، فهو أن أوروبا، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، تتأهب فعلياً للحظة التي يفقد فيها ترمب صوابه من جديد. ومن ثم، فإن جهات واهبة أكبر من الولايات المتحدة تتطلع اليوم إلى أوكرانيا، وتسعى لسد أية ثغور مستقبلية في الاستخبارات والاتصالات والأسلحة.

أما روسيا، فتخسر في المقابل زخمها العسكري ميدانياً. واليوم، يقوم الكرملين بإرسال كتائب عشوائية ضالة من مرتزقة أفارقة وصينيين إلى جبهة حرب المسيرات، التي تظهر فيها أوكرانيا تفوقاً. بالتالي، بينت الأحداث أن ترمب كان مخطئاً عندما قال عن زيلينسكي إنه رجل "لا يملك أوراقاً رابحة".

ومن ثم، فإن وقفاً لإطلاق النار اليوم سيأتي لمصلحة روسيا.

وتابع ترمب "ليس لي أي شأن بروسيا، لكن لي شأن بإنقاذ حياة نحو 5000 جندي روسي وأوكراني يموتون أسبوعياً من دون أي مبرر". لكن لو كان هذا رأيه فعلاً، لكان حري به أن يدعم أوكرانيا بكل ما يتاح له من وسائل لإنهاء الحرب، من خلال تحطيم الآلة العسكرية الروسية، في سبيل إنقاذ أرواح الأوكرانيين وكذلك الروس والأوروبيين.

لكن ترمب تبنى الشروط الروسية وكأنها شروطه في كل جانب من جوانب عملية السلام المزعومة.

والحال أن أوكرانيا تعرف ذلك، وأوروبا تعرف ذلك. بالتالي، فإن خياره الأفضل اليوم يتمثل في الانسحاب من المحادثات العقيمة باسم الكرملين، وبمواصلة إمداد [أوكرانيا] بالمساعدات العسكرية. وآنذاك، سيتسنى له، في الأقل، أن يقول "لقد حاولت"، وسيكون التاريخ حينها أكثر لطفاً تجاه محاولاته لإنهاء ما يسميه "الفوضى التامة".

© The Independent

المزيد من تحلیل