Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ساعة من المزاح والدبلوماسية... كواليس لقاء مبارك وتاتشر عام 1990

وسط مجموعة من الحكايات الطريفة والمواقف المستعرضة، غابت الملفات الجدية والمقلقة عن اللقاء

استغرق اللقاء ساعة كاملة، اتسمت بخفة الظل والقصص الشخصية للرئيس المصري (اندبندنت عربية)

ملخص

بعد شهرين ونصف الشهر من لقاء مبارك وتاتشر، تحققت التنبؤات السعودية في شأن سياسة الرئيس العراقي صدام حسين، إذ أقدم الجيش العراقي صباح الثاني من أغسطس 1990 على غزو الكويت. 

في مساء الـ17 من مايو (أيار) عام 1990 اجتمعت رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر مع الرئيس المصري حسني مبارك في لقاء جمع بين الدبلوماسية الرسمية والأحاديث الشخصية التي تفيض بحكايات السلطة والكواليس السياسية. انعقد اللقاء في أجواء بدت، على السطح، مرحة وخفيفة، لكن ما خفي بين السطور كان يحمل دلالات أكبر على علاقة البلدين في تلك المرحلة المفصلية من التاريخ.

بحسب ما ورد في البرقية المرسلة من وزارة الخارجية البريطانية إلى سفارتها لدى القاهرة، التي حملت صفة السرية والمخصصة شخصياً للسفير البريطاني، فقد استغرق اللقاء ساعة كاملة، اتسمت بخفة الظل والقصص الشخصية للرئيس المصري، إذ استعرض بحماسة كيف تعامل مع قادة العالم آنذاك، من دنغ شياو بينغ زعيم الصين، إلى ميخائيل غورباتشوف زعيم الاتحاد السوفياتي، ومن حافظ الأسد إلى معمر القذافي. 

بدا حسني مبارك وكأنه يستعرض سجله الشخصي من المواجهات واللقاءات، مستحضراً دوره القيادي في رسم ملامح العالم في نهايات الحرب الباردة. لكن وسط هذه الحكايات الطريفة والمواقف المستعرضة، غابت الملفات الجدية والمقلقة، لم يطرح الحديث عن المشكلات الاقتصادية العميقة التي كانت تعصف بمصر آنذاك، ولا عن علاقاتها المعقدة مع صندوق النقد الدولي، أو التحديات الهيكلية التي تواجهها البلاد، كانت تلك قضايا ملحة، لكنها مؤجلة على ما يبدو في تلك الأمسية، وإن لمحت البرقية إلى احتمال عودتها إلى الطاولة خلال مأدبة العشاء اللاحقة.

اللافت أيضاً، بحسب البرقية، كان حضور السفير المصري الذي جلس صامتاً، يحاول جاهداً الحفاظ على ملامح وجهه خالية من التعبير، ربما إدراكاً لحساسية الموقف، أو تحسباً لأي منزلق دبلوماسي وسط أجواء يغلب عليها الطابع الشخصي أكثر من الرسمي.

جولة مبارك ونصيحته لغورباتشوف

في جولته الخارجية، التقى الرئيس حسني مبارك عدداً من القادة البارزين في مرحلة حساسة من التحولات الدولية. بدأ زيارته بلقاء سلطان عمان قابوس بن سعيد، وعبر عن إعجابه الدائم به، واصفاً إياه بـ"الذكي وبعيد النظر كعادته"، مما يعكس تقدير مبارك لحكمة السلطان ودوره المتوازن في السياسة الإقليمية.

انتقل مبارك بعدها إلى الصين، حيث حرص على لقاء دنغ شياو بينغ، الذي وصفه بأنه "صديق قديم جداً"، مشيراً إلى أن دنغ لم يعد يستقبل الزوار إلا نادراً، مما يعكس خصوصية العلاقة بينهما. كان اللقاء إشارة رمزية إلى تقدير مبارك لمسيرة دنغ في قيادة الإصلاحات الاقتصادية الصينية، على رغم ابتعاد دنغ عن الحياة السياسية العلنية.

ثم توجه مبارك إلى موسكو، حيث اجتمع مع ميخائيل غورباتشوف، فوجده في صحة جيدة، لكنه لم يتردد في سؤاله مباشرة عن إشاعات الخلاف مع الجيش، وهو ما نفاه غورباتشوف، إلا أن مبارك لاحظ بوضوح علامات الانهيار داخل الاتحاد السوفياتي، ووصف الوضع هناك بـ"الفوضى المروعة"، وصدم من مشهد خلو المتاجر، في انعكاس مباشر للأزمة الاقتصادية العميقة التي تعصف بالبلاد.

في ختام زيارته لم يتردد مبارك في تقديم نصيحته لغورباتشوف ورئيس وزرائه نيكولاي ريجكوف، مؤكداً أن "الاقتصاد الحر هو الحل الوحيد" للخروج من الأزمة، في تعبير عن قناعته بأن الاشتراكية لم تعد قادرة على إنقاذ الاتحاد السوفياتي، وأن الإصلاح الاقتصادي لا بد من أن يسير نحو الانفتاح.

إيران – العراق

في خضم حديثه عن الشؤون الإقليمية، كشف الرئيس حسني مبارك عن تطور مهم على صعيد العلاقات بين العراق وإيران، وهما الطرفان اللذان خرجا قبل أعوام قليلة من حرب مدمرة استمرت ثمانية أعوام (1980 - 1988)، خلفت وراءها مئات الآلاف من القتلى، وأزمات اقتصادية وسياسية عميقة.

أشار مبارك إلى أن صدام حسين، رئيس العراق، قد أرسل رسالة إلى علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس الجمهورية الإيرانية آنذاك، يقترح فيها عقد لقاء مباشر بينهما، وجاء الرد الإيراني إيجاباً، في بادرة لافتة تعكس انفتاحاً نادراً بين العاصمتين المتخاصمتين.

أوضح مبارك أن أولى الخطوات العملية نحو هذا اللقاء ستكون عقد اجتماعات تحضيرية على مستوى أدنى في جنيف، تهدف إلى إعداد جدول أعمال للقمة المقترحة، مما يشير إلى وجود مساعٍ جدية من الطرفين لتطبيع العلاقات أو في الأقل إدارة الملفات العالقة بالحوار، بدلاً من الصراع المفتوح.

حملت هذه المبادرة دلالات كبيرة في سياق إقليمي مضطرب، فقد كان كلا البلدين يحاول التعافي من آثار الحرب، بينما كان العراق في طريقه إلى الدخول في أزمة جديدة مع الغرب بسبب احتلال الكويت لاحقاً في أغسطس (آب) 1990، أما إيران فكانت منشغلة بإعادة بناء نفسها داخلياً بعد وفاة الخميني عام 1989، تحت قيادة رفسنجاني الذي تبنى سياسة براغماتية وانفتاحية مقارنة بالخط المتشدد.

من جانب آخر تعكس هذه الرسالة رغبة صدام حسين في كسر العزلة الإقليمية، وتحسين موقعه السياسي والدبلوماسي قبل مواجهة استحقاقات كبرى في علاقته بجيرانه والمجتمع الدولي، وفي المقابل فإن استجابة رفسنجاني الإيجابية تعبر عن براغماتية سياسية لفك الاشتباك مع العراق، وربما السعي إلى الحصول على مكاسب اقتصادية أو سياسية من خلال التهدئة.

القمة العربية: بين التوجس والخلافات والطموحات الإقليمية

وسط أجواء سياسية متوترة في العالم العربي، تحدث مبارك عن الصعوبات التي تواجه التحضير لعقد قمة عربية تجمع القادة العرب في هذه المرحلة الدقيقة. أشار الرئيس المصري إلى أن السعودية أبدت في البداية بعض المعارضة لفكرة القمة، ليس اعتراضاً على المبدأ، ولكن تحسباً من أن بعض القادة لن يوافقوا على الحضور، مما قد يفقد القمة قوتها التمثيلية ويضعف قراراتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم هذه التحفظات حرص مبارك على حث السعوديين على المشاركة والانضمام إليه في مسعى إلى إنجاح القمة، مؤكداً أهمية العمل معاً للتوصل إلى قرارات واقعية وعملية، تعزز التضامن العربي وتجنب الانقسامات التي كانت تهدد الكيان العربي الجماعي آنذاك.

لكن خلف هذه التحفظات، كشف مبارك عن قلق أعمق لدى السعوديين يتعلق بالعراق وصدام حسين، إذ كانت المملكة تخشى أن يستغل العراق القمة منصة لبسط نفوذه، أو فرض أجندته على بقية الدول العربية، في ظل طموحات صدام المتزايدة للعب دور قيادي في المنطقة، بخاصة بعد خروجه من حربه الطويلة مع إيران بشعور بالانتصار والصمود.

في هذا السياق، سألت رئيسة الوزراء البريطانية مبارك سؤالاً مباشراً "هل صحيح أن صدام حسين يريد قيادة العالم العربي؟"، وهو سؤال عكس مخاوف غربية متزايدة من طموحات صدام الإقليمية، بخاصة مع تصاعد خطابه القومي والعسكري.

جاء رد مبارك حازماً وواثقاً "لن يحصل عليها"، في إشارة واضحة إلى رفضه أي محاولة من صدام لاحتكار القرار العربي أو فرض هيمنته على بقية الدول. حمل هذا الرد موقفاً مصرياً ثابتاً بأن قيادة العالم العربي لا يمكن أن تكون في يد طرف واحد، بخاصة إن كان يسعى إليها عبر القوة أو التهديد، بل ينبغي أن تقوم على التوافق والتعاون الجماعي.

كواليس انسحاب الأردن من الضفة وأزمة الدور والمال

في حديثه عن الوضع في الأردن، عبر الرئيس حسني مبارك عن قلقه إزاء الأزمة العميقة التي يواجهها الملك حسين، مشيراً إلى أن رئيسة الوزراء البريطانية لاحظت أن الملك يمر بوقت عصيب، وهو ما أحزنها شخصياً. وبدا واضحاً أن ملك الأردن فقد جزءاً من ثقته السياسية ونفوذه الدولي في أعقاب سلسلة قرارات صعبة، كان أبرزها الانسحاب الأردني من الضفة الغربية، وهو القرار الذي اتخذ بناءً على نصيحة زيد الرفاعي، رئيس الوزراء الأردني آنذاك.

كان الرفاعي قد أقنع الملك بأن هذا الانسحاب سيفسح المجال أمام منظمة التحرير الفلسطينية لتتحمل مسؤولية إدارة الضفة، متصوراً أن الخطوة ستمنح الأردن فرصة للتنصل من تعقيدات القضية الفلسطينية، وربما تتيح للفلسطينيين توحيد موقفهم، غير أن الواقع خالف تلك التوقعات تماماً، لم تتحرك منظمة التحرير لملء الفراغ السياسي والإداري، بل أدت الخطوة إلى إضعاف الدور الأردني بالكامل، وإلى شعور دولي بأن الأردن قد أخرج نفسه من المشهد الفلسطيني، مما جرده من نفوذه التقليدي في القضية الفلسطينية.

لم تتوقف التداعيات عند البعد السياسي فحسب، بل امتدت إلى الأزمة الاقتصادية، إذ أشار مبارك إلى أن الفلسطينيين العاملين بالخارج فقدوا الثقة بالنظام المالي الأردني، فسحبوا ودائعهم وأموالهم من البنوك الأردنية، مما أدى إلى انهيار مالي داخلي خطر، زاد من متاعب المملكة.

وفي محاولة لتدارك الموقف، قال مبارك إنه وبخ زيد الرفاعي أمام الملك حسين مباشرة، محملاً إياه مسؤولية سوء التقدير، مؤكداً أن الملك بدأ يدرك حجم الخطأ الذي ارتكبه باتباع نصيحة الرفاعي، لكنه أدرك الحقيقة متأخراً، بعدما أصبح الضرر واقعاً والأوان قد فات لإصلاحه بسهولة.

كذلك، أضاف مبارك أن الرفاعي أفسد الانتخابات الداخلية، بعدما سمح للإسلاميين والأصوليين بالحصول على نفوذ مفرط داخل البرلمان، وهو ما أدى إلى خلل في التوازن السياسي الداخلي. وفي ظل هذا الوضع رأى مبارك أن الحل يكمن في حل البرلمان والبدء من جديد بانتخابات جديدة، إلا أن الملك حسين بدا متردداً وخائفاً من اتخاذ مثل هذه الخطوة الجريئة، ربما خشية من ردود الفعل الداخلية أو من تأزيم الوضع أكثر.

واختتم مبارك حديثه بالإشارة إلى أن الدعم المالي العربي للأردن ما زال معلقاً بقرار الملك فهد وحده، كما هي الحال مع كثير من قرارات الدعم المالي للدول العربية الأخرى، وهو واقع تعرفه مصر جيداً، في إشارة إلى مركزية القرار السعودي في المعادلات المالية والسياسية العربية، وإلى اعتماد الدول العربية، بما فيها الأردن ومصر، على المساعدات السعودية في أوقات الأزمات.

السودان بين خيبة الأمل والصراعات: قراءة في رؤية مبارك وتاتشر

في حديث صريح بين الرئيس المصري حسني مبارك ورئيسة الوزراء البريطانية، أثير القلق العميق حيال الوضع في السودان، بلد يكافح الانقسامات والصراعات المزمنة. عبرت رئيسة الوزراء عن خيبة أملها من أداء رئيس الوزراء السوداني آنذاك، الصادق المهدي، معتبرة أن قيادته لم تكن بالمستوى المأمول، بل وصفتها بأنها خيبت الآمال، وعلى رغم رحيله عن السلطة، فلم يكن خلفاؤه أفضل حالاً، إذ لم ينجحوا في معالجة المشكلات الأساسية أو وقف دوامة الاضطرابات.

وفي تحول لافت في موقفها، أشارت رئيسة الوزراء إلى أنها بدأت تنظر بتعاطف نحو جون قرنق، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، معتبرة أن "ربما لديه قضية عادلة". هذا الاعتراف الضمني بشرعية مطالب قرنق لم يكن موقفاً مألوفاً من زعيمة غربية، لكنه عكس إدراكاً متزايداً بأن جذور الصراع في السودان أعمق من مجرد تمرد مسلح، وأن هناك مظالم تاريخية وتفاوتات سياسية واقتصادية حقيقية دفعت الجنوب إلى حمل السلاح.

من جانبه قدم الرئيس مبارك رؤية مختلفة وأكثر انتقاداً للشعب السوداني، قائلاً بعبارات صريحة إن "المشكلة أن السودانيين شعب كسول لا يريد العمل، بل يجلسون منتظرين الآخرين ليعتنوا بهم"، كان هذا التوصيف يعكس نظرة شخصية وانتقادية من مبارك، ربما تأثرت بتجاربه السياسية والإقليمية، لكنه تجاهل في الوقت ذاته التعقيدات البنيوية والسياسية التي جعلت السودان واحداً من أكثر الدول هشاشة آنذاك.

هذا الحوار كشف عن تباين النظرتين المصرية والبريطانية للسودان، ففي حين كانت لندن تميل نحو تفهم موقف الجنوب وتأييد حل سياسي يشمل قرنق، بدت القاهرة أكثر انزعاجاً من استمرار النزاعات، مع ميل إلى إلقاء اللوم على عوامل ثقافية أو اجتماعية داخلية.

جاء هذا النقاش في فترة بالغة الحرج للسودان، وسط تصاعد الحرب الأهلية، وانهيار مؤسسات الدولة، وعجز النخب السياسية عن تقديم حلول حقيقية، كما عبر عن إحساس دولي وإقليمي بالإحباط من القيادة السودانية، وعن فقدان الثقة في قدرة الخرطوم على معالجة أزماتها من دون تدخل خارجي أو ضغط دولي.

كشمير: أزمة متفاقمة تحت أنظار العالم

شهد اللقاء بين رئيسة وزراء المملكة المتحدة والرئيس المصري حسني مبارك تبادلاً سريعاً حول أزمة كشمير، تلك القضية المعقدة التي ظلت عقوداً بؤرة توتر دائم بين الهند وباكستان. أبدى الطرفان اتفاقاً واضحاً على خطورة الوضع، في ظل تصاعد الاشتباكات والتوترات العسكرية على طول خط المراقبة الفاصل بين البلدين، ووسط مخاوف متزايدة من انزلاق النزاع إلى مواجهة مفتوحة قد تهدد الاستقرار الإقليمي في جنوب آسيا.

في هذا السياق، أبلغ الرئيس مبارك رئيسة الوزراء بأنه يعتزم الاجتماع برئيسة وزراء باكستان، بينظير بوتو، السبت المقبل، وأكد لها أنه سيغتنم هذه الفرصة لحث بوتو على التحلي بالحذر وضبط النفس، في محاولة لمنع تفاقم الموقف وللحث على تبني أسلوب الحوار والدبلوماسية بدلاً من التصعيد العسكري.

جاء هذا التعهد من مبارك في إطار سعيه إلى تعزيز دور مصر كوسيط دولي يدعو إلى السلام والاستقرار، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل على مستوى الأزمات العالمية الأخرى، فقد أدرك مبارك أن اشتعال الوضع في كشمير قد تكون له تداعيات أوسع، ليس فقط على الهند وباكستان، وإنما على الأمن الدولي ككل، بخاصة في ظل امتلاك الدولتين الأسلحة النووية.

انتهى هذا الجزء من النقاش من دون التوسع في تفاصيل إضافية، لكنه عكس اهتماماً مشتركاً بين القيادتين المصرية والبريطانية بمتابعة التطورات في شبه القارة الهندية، مع إدراك عميق لحساسية الموقف وخطورة أي تصعيد غير محسوب.

بعد شهرين ونصف الشهر من لقاء الرئيس المصري حسني مبارك رئيسة الوزراء البريطانية، تحققت المخاوف السعودية في شأن سياسة الرئيس العراقي صدام حسين، إذ أقدم الجيش العراقي صباح الثاني من أغسطس 1990 على غزو الكويت، وقد أدى هذا الغزو إلى تعميق الخلافات العربية، وتفاقم الانقسامات السياسية في المنطقة، وأعاد الغزو العراقي خلط الأوراق بالكامل، وقلب المشهد الإقليمي رأساً على عقب.

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق