Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطاب ترمب التحريضي أمام الكونغرس يحمل جميع سمات الاستبداد

سبق للرئيس الأميركي دونالد ترمب أن أطلق مزحة عن رغبته في أن يكون "ديكتاتوراً ليوم واحد"، لكن ما بدا مزاحاً في السابق سرعان ما أخذ منحى أكثر قتامة، إذ تحول خطابه المطول أمام الكونغرس إلى مشهد مثير للقلق

ترمب خلال خطابه أمام الكونغرس (أ ب)

ملخص

يحمل خطاب ترمب أمام الكونغرس سمات الاستبداد، حيث يواصل تقويض الديمقراطية، وتعزيز الحكم الإمبريالي، وإذكاء الانقسامات، مما يجعل الانجراف نحو الاستبداد حتمياً في ظل تراجع الضوابط الديمقراطية.

حملت الكلمة التي ألقاها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمام الكونغرس، جميع السمات المميزة لخطاب الطاغية المستبد. حتى وفق معاييره المتدنية، كان هذا "الهذيان" الخطابي غير المترابط، الذي حطم الأرقام القياسية من حيث المدة التي استغرقها، مثيراً للدهشة، لجهة طموحاته اللامحدودة وغطرسته الصارخة.

كان دونالد ترمب قد تطرق إلى فكرة أن يكون "ديكتاتوراً ليوم واحد" على سبيل المزاح، لكن رؤيته وهو يؤدي دور الطاغية في الكونغرس، في عرين الديمقراطية الأميركية، كانت مشهداً يتطلب مقداراً غير عادي من الجرأة. وقد شهدت كلمته احتجاجاتٍ من المشرعين، بعضهم أظهر تحدياً صامتاً، بينما رفع البعض الآخر لوحاتٍ كُتب عليها "غير صحيح" False، و"أكاذيب ماسك" Musk Lies، و"أنقذوا ميديكيد" Save Medicaid [برنامج التأمين الصحي لذوي الدخل المنخفض والحوامل والأطفال والمسنين وذوي الإعاقة]. حتى أن أحد أعضاء الكونغرس الغاضبين جرى طرده من القاعة - في حادثةٍ غير مسبوقة في عهد ترمب.

مع ذلك، ما زالت المؤشرات قليلة على أن السلطة التشريعية في الولايات المتحدة تبذل جهداً حقيقياً لمنع الانزلاق السريع والواضح للبلاد نحو ديكتاتوريةٍ منتخبة، مع قيادةٍ إمبريالية باتت أكثر قوةً من أيٍ من سابقاتها، ولا سيما في عهدي الرئيسين فرانكلين روزفلت وريتشارد نيكسون.

ويمكن القول في هذا الإطار إن أسلوب ترمب و"مضمون" أدائه، يدفعان إلى استحضار صورة قيصر العصر الحديث. وعلى رغم أنه قد لا يكون خطيباً فصيحاً، إلا أن هناك نوعاً من الترهيب على طريقة العصابات في إلقاء تهديداته - وهو ما يشبه إلى حد بعيد أسلوب الطغاة التوسعيين الذين يستهدفون الدول الأصغر. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويمثل الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، الذي يبدي دونالد ترمب إعجاباً واضحاً به، النسخة المعاصرة من هذا النمط القيادي. فقد أمضى عقوداً من الزمن وهو يهيئ الروس لتبرير هجماته المستمرة على أوكرانيا، من خلال التقليل من ثقافة جارته الأضعف وحقها في الوجود، وتطلعاتها الديمقراطية، بينما يصورها في كثيرٍ من الأحيان على أنها تخضع لإدارة "نازيين". ونتيجة استجابة ترمب للعدوان الروسي، وتنمر الكرملين على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بلغ الأمر بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى حد وصف الزعيم الأوكراني - الذي هو للمناسبة يهودي - بأنه "نازيٌ صرف" و"خائنٌ للشعب اليهودي".

لا يمكن إنكار أوجه التشابه مع أحداث ثلاثينيات القرن العشرين. فقد سخر آنذاك كل من الديكتاتورين الإيطالي بينيتو موسوليني والنازي أدولف هتلر من الأمم "المتخلفة" وأهاناها. وكان الدوتشي يطمح إلى غزو إثيوبيا، بينما وصف الفوهرر شعوب أوروبا الشرقية السلافية بأنهم "دون البشر". ويتبع دونالد ترمب نهجاً مماثلاً، بحيث يحط من قيمة البشر ويهددهم. ومن خلال استخفافه بالقانون الدولي والمبادئ التي تحظر تسوية النزاعات بالقوة، تعهد مرةً أخرى بـ"استعادة" قناة بنما، وبضم جزيرة غرينلاند إلى الولايات المتحدة "بطريقةٍ أو بأخرى"، وألقى بتصريحاتٍ تهديدية مسرحية. كما خص بازدراءٍ لاذع مملكة ليسوتو، الدولة الفقيرة التي تجرأت على قبول مساعدات التنمية من "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية". وفي المقابل، وجدت دولٌ أخرى - مثل أوغندا وبورما / ميانمار وصربيا ومولدوفا (التي تُعد هدفاً رئيساً لبوتين) وموزمبيق - نفسها في مرمى نيرانه، وقد زاد الطين بلةً قطعُ المساعدات عنها بشكلٍ غير مبرر.

مرةً أخرى، اختار الرئيس الأميركي استهداف الضعفاء والمهمشين وأولئك الذين يعانون من التمييز في أميركا. وببهجةٍ شبه سادية، تفاخر ترمب بجهوده لتفكيك سياسات "التنوع والإنصاف والشمول" DEI، وشن هجوماً على ثقافة "اليقظة" (ووك) Woke، الأمر الذي أثار قلقاً لدى أولئك الذين يعتقدون بأن القوة الحقيقية للبلاد تأتي من وحدة شعبها، ومن مواصلة السعي نحو القضاء على العنصرية. وهنا يمكن استحضار التحذير الشهير الذي وجهه الرئيس الأميركي الراحل أبراهام لينكولن عندما قال إن "البيت المنقسم على نفسه لا يمكن أن يصمد".

لقد باتت الولايات المتحدة أكثر انقساماً من أي وقتٍ مضى، وكانت لدى دونالد ترمب فرصةٌ في تلك اللحظة لسد الفجوة وتوحيد البلاد، من خلال تحديد القيم المشتركة لجمع شعبه المنقسم أمام ممثليه المنتخبين. لكنه بدلاً من ذلك اختار زيادة الانقسام، فشن هجوماً غير مسبوق على "الديمقراطيين" ـ الذين يمثلون ما يقرب من نصف سكان البلاد ـ ولجأ إلى سخريته الصبيانية المعتادة للتهكم على السيناتورة إليزابيث وارن [سماها "بوكاهونتاس" في إشارةٍ إلى ما قالته عن أن أصولها تعود إلى السكان الأصليين].

التفويض الديمقراطي المحدود الذي أعطي لدونالد ترمب من الناخبين، بات الآن يُستخدَم سلاحاً لنزع الشرعية عن المؤسسات الأميركية المستقلة وتدميرها، وتهميش دور الكونغرس، وتعيين دمى من الموالين في مجلس الوزراء و"المحكمة العليا" والمناصب القيادية الرئيسة، وقمع المعارضة في وسائل الإعلام.

وكما هي الحال مع أي نظامٍ استبدادي، يتوجب تشويه الحقيقة واللغة في إطار السعي إلى السلطة المطلقة. إن ما يُسمى "إعلام الحقيقة" الخاص بترمب ليس سوى نقيض ذلك - فقد تم فضح أكاذيبه مراراً عدة، ومع ذلك فهو يرفض الحقائق باعتبارها "أخباراً كاذبة" مضاعفاً الخداع إلى حد كبير، على غرار الطريقة التقليدية للديكتاتوريين. ويتم إخراج الصحافيين الذين يسعَون إلى تحدي روايته من قاعات المؤتمرات الصحافية واستبدالهم بالمتملقين، بمَن فيهم المهرج الذي لا يمكن إلا تعريف سلوكه بالخزي، والذي قلل من شأن الرئيس الأوكراني زيلينسكي عندما سأله عن ملابسه. وفي الوقت نفسه، يدعو حليف ترمب إيلون ماسك علناً إلى عزل القضاة الذين يعترضون على أنشطته غير القانونية - وهي أنشطة لا علاقة لها بالكفاءة أو "الاحتيال"، بل تتعلق بإيذاء الفقراء في الداخل والخارج.

باختصار، يعمل دونالد ترمب على بناء ديكتاتوريةٍ انتخابية، على مرأى الجميع ومسمعهم. قد يكون من السهل التمسك بالأمل والافتراض أن مثل هذه الأمور لا يمكن أن تحدث في الولايات المتحدة، بنظامها المعقد من الضوابط والتوازنات الديمقراطية. إلا أن الواقع يثبت أن هذه المسائل تحدث بالفعل، وبوتيرةٍ مقلقة وسرعةٍ مذهلة تجعل من الصعب كبحها. فقد أصبح الحكم بموجب مرسومٍ إمبريالي هو القاعدة - مع استخدام "الأوامر التنفيذية" الرئاسية بشكلٍ متكرر، في تحد صارخ للدستور، مثل محاولة إنهاء حق المواطنة بالولادة. هذا هو بالضبط نظام الحكم الذي كان في كثير من الأحيان يمهد لقيام نظام أكثر شمولية للسيطرة.

وكما أظهرت التجارب في كثيرٍ من الدول المتحضرة في الماضي، فإن مؤسساتٍ مثل الكونغرس قد تستمر في الوجود، لكن في دور وظيفي ضعيف وتابع. وكما هي الحال في روسيا، قد تظل هناك بعض الجيوب من الإعلام الحر والمساءلة، لكن هذا لا يمثل ديمقراطيةً حقيقية. إن الخطر الحقيقي يكمن في التقدم الذي أحرزه دونالد ترمب وحركة "ماغا" الفاشية الجديدة الشبيهة بطائفة متطرفة، لجهة تقويض المعايير الديمقراطية، إلى درجة أن الانجراف نحو الاستبداد أصبح بمقاييس ترمب نفسه، أمراً لا يمكن إيقافه. وفي النهاية، يمكن القول إن حالة الاتحاد هي في تقهقر.

© The Independent

المزيد من تحلیل