ملخص
يحذر علماء في الذكاء الاصطناعي من "الاستثمار غير المقيد" للتقنية في التسلح، وبخاصة بعدما أثبتت الصين عبر "ديب سيك" أن الهيمنة على التكنولوجيا الجديدة لا يمكن أن تستمر، كذلك فإن شركة "غوغل" شطبت من قائمة التزاماتها قبل أيام قليلة بنود التعهد بعدم توظيف الذكاء الاصطناعي في مجالات الدفاع.
حذر عالم الحاسوب الكندي يوشوا بينجيو من اشتعال سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي بين دول العالم، وقال إن "الاستثمار غير المقيد لهذه التقنية في مجال تصنيع وتطوير القدرات العسكرية أمر خطر جداً، لأنه يعني أن الدول ستركز على من سيفوز في ذلك السباق وليس على التأكد من عدم إنتاج شيء يقضي على البشرية".
أعد بينجيو أول تقرير حول سلامة استخدام الذكاء الاصطناعي عالمياً سيعرض في قمة متخصصة تحتضنها العاصمة الفرنسية باريس الأسبوع المقبل، وبين ثنايا هذا التقرير تحذير واضح لعالم الحاسوب من تهاون الدول في التعامل مع أخلاقيات الاعتماد على التقنية الجديدة، وتجاهل مبادئ السلامة والمسؤولية في توظيفها لإنتاج الأسلحة.
ويلفت بينيجو، أحد عرابي الذكاء الاصطناعي حول العالم، إلى أن أميركا تحت إدارة دونالد ترمب تبدو متحمسة للمنافسة على التسلح باستخدام هذه التكنولوجيا التي أصبحت "خارقة القدرة" في بعض المجالات، وبخاصة بعدما طرحت الصين منتجها "ديب سيك" مقابل "تشات جي بي تي" وغيره من المساهمات الغربية المشابهة في هذا المجال.
يوجد بينجيو هذه الأيام في لندن لحضور حفل توزيع "جوائز الملكة إليزابيث" في مجال الهندسة، والخشية التي عبر عنها العالم المتوقع أن يفوز بإحدى الجوائز، لا يشاطره إياها زملاء له أو في الأقل ليس بالقدر ذاته، ومن بين هؤلاء كبير علماء الذكاء الاصطناعي في شركة "ميتا" يان ليكون، الذي يزور العاصمة البريطانية حالياً أيضاً.
العالم ليكون يقول إن "البشرية لم تصل إلى روبوتات تعادل قدرة القطط المنزلية على إدراك المحيط الفيزيائي الذي تعيش فيه"، وما يتوقعه هو أننا سوف نصل بعد ثلاثة إلى خمسة أعوام إلى روبوتات يمكنها القيام ببعض الوظائف التي لم تتدرب عليها سابقاً، وهذا يعني وصولها إلى بعض وجوه الذكاء البشري، على حد تعبيره.
على رغم هذا يرى ليكون أن الإنتاج الصيني "ديب سيك" ليس فقط وضع العالم أمام حقيقة أن سباق الذكاء الاصطناعي قد لا يبقى آمناً مع الوقت، وإنما أثبت أيضاً بصورة قاطعة أن الهيمنة على هذه التقنية ليست واردة ولن تستمر في المستقبل، وهذا يستدعي الإسراع في وضع الضوابط اللازمة للمضي في ضبط وظائف التقنية الجديدة واستخداماتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أنشأت المملكة المتحدة قبل فترة مركزاً لمراقبة الأمان في استخدامات الذكاء الاصطناعي، فيرصد توظيف هذه التقنية في أماكن ومنتجات مؤذية، ولكن وزير العلوم البريطاني لورد فالنس يحذر من أن الجهود البشرية الناجحة نسبياً في هذا الإطار اليوم لن تستطيع الصمود، وبخاصة بعد أن تنتشر هذه التقنية في المجالات العسكرية.
ثمة تقرير لصحيفة "الغارديان" كشف أخيراً عن قلق في لندن من شركات صينية محظورة ربما وصلت إلى معلومات مهمة حول القدرات التقنية البريطانية، إذ تعمل هذه الشركات اليوم على تطوير شرائح إلكترونية خاصة يمكن استخدامها في تطوير أسلحة الدمار الشامل وأنظمة أسلحة متقدمة وتطبيقات مراقبة عالية التكنولوجيا.
قبل إدراج الشركتين الصينيتين على القوائم السوداء عام 2023 حصلتا على تراخيص واسعة مع شركة بريطانية تسمى "إيماجنيشن تكنولوجي"، للعمل على تطوير رقائق إلكترونية متطورة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، ولكن "إيماجنيشن تكنولوجي" تنفي أية خطط لنقل متعمد لتلك التقنيات إلى بكين أو نوايا لاستخدامها لأغراض عسكرية.
بغض النظر عن احتمال وجود النوايا الصينية المخبأة، حدثت شركة "غوغل" الأميركية قبل أيام مبادئها الأخلاقية حول الذكاء الاصطناعي وأزالت كل التزامات عدم تطبيقه على الأسلحة أو المراقبة، كانت "غوغل" ترفض استخدام هذه التقنية بكل ما يتعارض مع القانون الدولي وحقوق الإنسان أما اليوم فقد سقطت المحاذير.
رئيس الذكاء الاصطناعي في "غوغل" ديميس هاسابيس، قال إن "هناك منافسة عالمية تجري على قيادة الذكاء الاصطناعي في مشهد جيوسياسي معقد على نحو متزايد، لذا يجب أن تقود الدول الديمقراطية عملية تطوير هذه التقنية مسترشدة بقيم أساس كالحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان، وبالتشارك مع الشركات والحكومات والمنظمات التي تتقاسم معها هذه القيم لحماية الناس وتعزيز النمو العالمي ودعم الأمن القومي".
"غوغل" كانت بين شركات عدة أصبحت أخيراً مركز توتر بين واشنطن وبكين بعدما قرر ترمب فرض رسوم جمركية بنسبة 15 في المئة على المنتجات الصينية المصدرة لبلاده، فردت الصين بأنها ستحارب احتكار "غوغل" في بعض المنتجات وتقر رسوماً مشابهة على المنتجات الأميركية، إضافة إلى إطلاقها سابقاً "ديب سيك".
قبل "غوغل" أعلنت "تشات جي بي تي" نهاية 2024 أنها ستعمل مع شركة عسكرية لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لمصلحة "البنتاغون"، كما أفصحت "أنثروبيك" العاملة في التقنية ذاتها عن شراكة مع مقاولين لمساعدة وكالات الاستخبارات والدفاع الأميركية في الوصول إلى نسخ متطورة من منتجات معالجة وحفظ البيانات.
الباحث في معهد "جورج تاون للأمن وتكنولوجيا الطوارئ" سام برينسك، يقول "إن الصين تراهن على الذكاء الاصطناعي في تطوير قدراتها العسكرية، إذ لا تنافس الغرب في العتاد التقليدي فقط وإنما تركز أيضاً على المعلومات المستمدة من ساحة المعركة لاستغلالها على نحو أفضل لأنها ستكون ميزة حاسمة في حروب المستقبل".
بحسب برينسك، تعتقد الصين أن هيمنة أميركا على المعلومات تبقيها على رأس قيادة العالم، وإذا سمح للجيوش بالتواصل ومعالجة المعلومات من ساحة المعركة وتنفيذ الضربات، فإن العدو سوف يفقد الإرادة والقدرة على المقاومة، ومن هنا تبرز حاجة إلى دمج الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتحديد نقاط ضعف الخصم واستهدافها.
وتعتبر مهمة الاستخبارات والمراقبة واحدة من خمسة مجالات تحاول دول العالم توظيف الذكاء الاصطناعي في تطويرها لتكون جزءاً من حروب المستقبل، فتحاول استخدام هذه التقنية في جمع المعلومات وتحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد التهديدات والأهداف المحتملة، ثم تتبعها والتعامل معها في أسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر.
تحاول الدول أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أسلحة ذاتية التحكم قادرة على اتخاذ قرارات القتل من دون تدخل بشري، ولكن تعتبر هذه الأسلحة مثيرة للجدل من جهة يرى بعضهم أنها قد تؤدي إلى حروب أكثر فتكاً، بينما يرى آخرون أنها قد تجعل الحروب أكثر دقة ومن ثم أقل كلفة بشرية إن جاز التعبير.
وتطور دول مثل الصين والولايات المتحدة روبوتات لمجموعة متنوعة من المهمات العسكرية، مثل الاستطلاع ونزع الألغام والقتال في بيئات خطرة على الجنود البشريين، كذلك بدأ إدخال الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الدفاعية لاعتراض الصواريخ والطائرات المعادية، وتتميز هذه الأنظمة بقدرتها على الاستجابة بسرعة ودقة للتهديدات.
التدريب أيضاً من مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي عسكرياً، فيسمح للجنود بعيش تجارب حرب واقعية وفق سيناريوهات مختلفة، كذلك يوظف في ما يسمى المحاكاة التي تمكن القيادات من تقييم الخطط العسكرية وتطويرها وفق الحاجة، أما المشترك بين هذه الاستخدامات فهو قدرة الإنسان على التحكم في حدود توظيف هذه التقنية، وإلا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى سلاح دمار شامل منفلت من السيطرة ومهدد للبشرية كاملة.