ملخص
يقول المحلل السياسي مراد علالة إن "الأحكام الصادرة في حق قيادات النهضة بخصوص قضية إنستالينغو لا تؤدي مباشرة إلى حلها قانونياً فهي أحكام من الدرجة الأولى، أي إنها أحكام ابتدائية ستليها أحكام استئنافية وتعقيبية وهي درجات التقاضي المعهودة في التشريع الوطني والدولي".
جاءت الأحكام الصادرة بسجن زعيم "حركة النهضة" التونسية وعدد كبير من قياداتها بتهم تتعلق بالتخابر مع جهات أجنبية والاعتداء على أمن الدولة، لتكون بمثابة مسمار جديد يدق في نعش حركة الإخوان المسلمين في تونس، فبحسب مراقبين "لم يعُد للحركة مستقبل سياسي في البلاد".
وأصدرت الدائرة الجنائية في المحكمة الابتدائية أمس الأربعاء أحكاماً مشددة بسجن سياسيين في القضية المرتبطة بمؤسسة "إنستالينغو" المتخصصة في نشر محتويات إعلامية على شبكة الإنترنت، بتهم التآمر على أمن الدولة وغسل الأموال.
أحكام منتظرة
وشملت الأحكام، زعيم "حركة النهضة" راشد الغنوشي الموقوف في السجن منذ أبريل (نيسان) عام 2023، بسجنه 22 سنة، إضافة إلى ابنيه معاذ الغنوشي 25 سنة وابنته سمية الغنوشي 35 سنة وصهره رفيق بوشلاكة وزير الخارجية السابق 34 سنة، وكذلك القيادي في الحركة والوزير السابق لطفي زيتون 35 سنة، مع العلم أن كل هؤلاء سافروا خارج البلاد منذ أمسك قيس سعيد بزمام الأمور.
وجاء أعلى حكم ضد مؤسس "إنستالينغو" سالم الكحيلي 54 سنة إذ صدرت ضده بطاقة جلب دولية، وصدر حكم بسجن رئيس الحكومة السابق الموجود خارج تونس هشام المشيشي، لمدة 35 عاماً.
يذكر أن التحقيقات في هذه القضية انطلقت في سبتمبر (أيلول) 2021، حول أنشطة شركة "إنستالينغو" الموجودة في محافظة سوسة على الساحل الشرقي للبلاد، والمتخصصة في صناعة المحتوى الإعلامي، وشملت شخصيات سياسية ومدونين وصحافيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الصدد، ترى النائبة في مجلس نواب الشعب فاطمة المسدي أنها كانت تنتظر هذه الأحكام، بعد أن حذرت من "خطورة التخابر على أمن الدولة من طرف حركة النهضة وأذرعها".
وأضافت في تصريح خاص أنها ومعها مجموعة من النواب في "انتظار استكمال التحقيقات وصدور الأحكام في قضية التسفير إلى بؤر التوتر وقضية الجهاز السري لحركة النهضة من أجل إعداد ملف كامل للمطالبة بحل الحركة ومنع نشاطها كلياً في تونس".
وقالت المسدي إنها مع عدد من السياسيين التقدميين كانوا ضحية ما يسمى مؤسسة "إنستالينغو" من خلال إنتاج مضامين رقمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتشويه سمعتهم وتحريض المواطنين عليهم.
تطورات متسارعة
ويرى المتحدث الرسمي للتيار الشعبي محسن النابتي أن "تطورات متسارعة في الملفات الكبرى الخاصة بالاغتيالات والجهاز الخاص للنهضة، إضافة إلى ملف ما يعرف بـ’إنستالينغو‘ والأحكام التي صدرت، في انتظار ملف آخر خطر جداً وهو ملف التسفير، ناهيك عن الفساد السياسي والمالي والمحسوبية"، مضيفاً أنها "كلها ملفات تتقاطع عند قيادات كبرى لحركة النهضة فيها من هو رهن الاعتقال وفيها من هو في حال فرار".
ويقول "طبعاً نحن في التيار الشعبي معنيون بأكثر من قضية باعتبارنا قائمين بالحق الشخصي في ملف اغتيال الشهيد محمد براهمي مؤسس الحزب أو في علاقة بملف الجهاز الخاص أو ما يعرف في تونس بالجهاز السري للنهضة".
ويؤكد أننا "نريد إقامة العدالة والكشف عن الحقيقة واسترجاع الحقوق فقط، ولا نسعى ولا نريد أي عقوبة جماعية أو تشفٍّ، ولذلك موضوع حل النهضة من عدمه قرار يخص القضاء ولا نتدخل فيه، لكن حجم القضايا والإدانات كبيرة ستكون له تداعيات حادة على المستقبل السياسي لهذه الحركة، بخاصة ملف الجهاز السري وهو في غاية التعقيد والخطورة وتداعياته كبيرة في المستقبل القريب والبعيد".
ويشار إلى أن مؤتمراً صحافياً عقد اليوم الخميس بإشراف هيئة المحامين وهيئة الدفاع في قضية شكري بلعيد وجمعية المحامين الشبان لمناسبة الذكرى الـ12 لاغتيال المناضل اليساري، من أجل تقديم آخر التطورات في ملف الاغتيالات وملف الجهاز السري وعلاقة "حركة النهضة" بهاتين القضيتين.
حال استثناء
في السياق، يوضح المحلل السياسي مراد علالة أن "الأحكام الصادرة في حق قيادات النهضة بخصوص قضية ’إنستالينغو‘ لا تؤدي مباشرة إلى حلها قانونياً، فهي أحكام من الدرجة الأولى، أي إنها أحكام ابتدائية ستليها أحكام استئنافية وتعقيبية وهي درجات التقاضي المعهودة في التشريع الوطني والدولي".
وقال علالة في تصريح خاص "لا ننسى أن التنظيم موجود الآن في حال استثناء، فهو ممنوع من النشاط العلني المباشر ومقاره مغلقة بأوامر رسمية ويقتصر تحرك من بقي من القيادة من غير الموقوفين في إطار ما يعرف بـ’جبهة الخلاص‘ على الظهور في الفضاء الافتراضي فقط".
وتابع أنه "عملياً، وبعدما قفز من قفز من مركب النهضة سواء بالاستقالة أو الدخول في مشاريع سياسية جديدة على غرار عبداللطيف المكي الذي أسس حزبه، وفي ظل وجود غالبية قيادات الصفوف الأولى رهن الإيقاف على ذمة قضايا من العيار الثقيل قد تصل الأحكام فيها إلى سنوات أو ربما عقود من السجن، أضف إلى ذلك برود وغياب رد فعل الحاضنة الاجتماعية أو بيئة التنظيم، جميعها مؤشرات ودلائل على أن المسألة القانونية أي الحل من عدمه ليس لها معنى كبيراً، فنحن لم نعُد إزاء تلك الحركة المؤثرة في المشهد التونسي التي يحسب لها ألف حساب ويبدو أن المحور الخارجي الداعم لها وصل بدوره إلى هذه القناعة وإلى أن أمراً واقعاً جديداً يفرض استيعاب المستجدات وتغيير الرهانات".