ملخص
"هذه الانتخابات مصيرية، وأي تعثر سواء بتأجيلها لسبب ما أو بداعي رفض النتائج من قبل أحد الحزبين، ستكون له عواقب وخيمة وسيدخل الإقليم في فوضى حقيقية".
مكالمة صوتية مسربة تربك المشهد الانتخابي وسط تصاعد وتيرة الاتهامات بين قوى السلطة.
دخلت الحملة الدعائية في انتخابات إقليم كردستان العراق منعطفاً حرجاً، عقب كشف الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني الذي يقود الحكومة تسجيلاً صوتياً مسرباً لمكالمة هاتفية قال إنها تكشف عن مخطط يقوده منافسه وشريكه في الحكم "الاتحاد الوطني" يهدف إلى التلاعب بنتائج الانتخابات، في المقابل وصف الأخير المزاعم بأنها تنم عن "مخاوف من هزيمة مبكرة" عقب اتخاذ تدابير وإجراءات تحد من ارتكاب عمليات تزوير.
وتأتي الاتهامات خلال وقت حرج قبل بضعة أيام من موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، والتي يتوقع أن تكون محورية في إحداث تغيير على مستوى تقاسم النفوذ بين الحزبين في إدارة مؤسسات الإقليم، ومن شأنها أن تزيد من حدة الخطاب القائم حول سوء إدارة الحكم وحال الوهن التي يشهدها الإقليم بعد صدور سلسلة من القرارات القضائية الاتحادية، لتبرز تساؤلات حول ما إذا كان التنافس الانتخابي دخل في مرحلة تفتح الباب لصوغ مبررات استباقية توفر غطاء للاعتراض على النتائج في حال مني أي من الأطراف بخسارة غير متوقعة في انتخابات تأجلت لأربع مرات متتالية على وقع الصراع بين الحزبين.
وكانت لجنة الانتخابات في الحزب "الديمقراطي" نشرت تسجيلاً صوتياً مسرباً زعمت أنه فحوى لمحادثة هاتفية جرت بين زعيم "الاتحاد" بافل طالباني وشقيقه قوباد يتطرقان فيها إلى "خطة للتلاعب بنتائج الانتخابات" تضمن له الحصول على 30 مقعداً، وقالت "حزبنا كانت لديه مخاوف مبنية على معلومات في شأن العملية الانتخابية، وثبتت تلك المخاوف اليوم عبر هذا الدليل"، إلا أن قوباد وهو نائب رئيس حكومة الإقليم سارع إلى اتهام "الديمقراطي"، "باتباع أسلوب رخيص في فبركة محادثة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهو دليل على توجسه من النتائج لعدم قدرته هذه المرة على ارتكاب عمليات تزوير كبيرة".
مخاوف من الفوضى
وفي خضم التصعيد بين الحزبين وما يصدر من مواقف ينظر إليها بوصفها تحفظاً مبكراً على النتائج، يمكن أن تثير مخاوف من دخول الإقليم في فوضى سياسية مع استمرار حال الفراغ القانوني السائد، في حين تذهب بعض القراءات إلى أن المشهد لا يخرج عن كونه تنافساً ضمن سياق متفق عليه ضمنياً لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الأصوات.
وفي هذا الإطار يقول المحلل السياسي سرتيب جوهر "على رغم عدم معرفتنا بمدى صحة التسجيل الصوتي، لكن من الواضح أن الحرب الإعلامية المحمومة بين الحزبين تخطت السياقات والأطر التي سادت في التجارب الانتخابية السابقة، واليوم نشهد تجاوزات غير مسبوقة". وفي شأن تبعات احتمال عدم إقرار أحد الحزبين بالنتائج قال إن "هذه الانتخابات مصيرية، وأي تعثر سواء بتأجيلها لسبب ما أو بداعي رفض النتائج من قبل أحد الحزبين، ستكون له عواقب وخيمة وسيدخل الإقليم في فوضى حقيقية، لأن مؤسسات الحكم التنفيذية والتشريعية لم تعد شرعية، والإقليم منذ أواخر شهر مايو (أيار) من العام الماضي يعيش في فراغ قانوني بعد أن قضت المحكمة الاتحادية العليا ببطلان التمديد لبرلمان الإقليم".
ويعتقد جوهر أن "مؤسسات السلطة الحالية في الإقليم مقسمة أكثر من أي وقت مضى، وتدار من خلال السلطة الحزبية البحتة بين السليمانية وأربيل، وعلى الحزبين اللذين يمتلكان أجهزة عسكرية وأمنية إدراك أهمية إضفاء بعض الشرعية على المؤسسات، ذلك أنهما وضعا الإقليم أمام موقف صعب وفي أزمة حقيقية أمام المجتمع الدولي الذي يبدو حائراً في كيفية التعامل مع هذا الواقع وهو بالأساس داعم رئيس لهذه المؤسسات، وقد يتوقف هذا الدعم إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه". ولفت إلى أن "عدم إقرار أحد الحزبين بالنتائج غير مستبعد، وعليه فإن حصول أي خلل أو نكسة في هذه الانتخابات سيضع مفوضية الانتخابات في موقف المساءلة، طالما أنها أكدت اتخاذها كل ما يلزم لمنع التزوير والتلاعب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التفاف مبكر
وتعرض الحزبان إلى ضغوط كانت مارستها واشنطن وحلفاؤها من الدول الغربية لخوض هذه الانتخابات كشرط لمواصلة دعمها السياسي والمالي للسلطة الكردية، التي ما زالت منقسمة على ذاتها بين نطاقين شبه منفصلين بين أربيل والسليمانية، على الصعيد الإداري والمالي والعسكري، على رغم تشارك الحزبين في شغل المناصب العليا.
وصعدت المكالمة المسربة من حدة الخطاب السائد في الحملة الدعائية بين الحزبين، إذ اتهم القيادي في حزب "الاتحاد" بهروز كلاليي حزب بارزاني "بممارسة أسلوب التظليل للتأثير في الناخبين من خلال الترويج للتسجيل الصوتي المفبرك"، وقال في تدوينة عبر "فيسبوك" من "الواضح أن هذا التزييف هو مقدمة من أجل عدم الإقرار بالنتائج لما بعد إجراء الانتخابات".
إلا أن أصواتاً في "الديمقراطي" رفضت أن تكون الدوافع من وراء تسريب المكالمة مرتبطة بوجود مخاوف من النتائج بالنظر إلى سعة الفارق في عدد المقاعد مع أقرب منافسيه وفقاً للنتائج السابقة، ويقول العضو البارز في الحزب ريبين سلام إن "الأعذار والتهم التي يخلقها ’الاتحاد‘ بحد ذاتها تخالف الأرقام والبيانات الرسمية، و’الديمقراطي‘ كان دائماً في الصدارة بفارق كبير وحصد في الانتخابات الاتحادية الأخيرة عام 2021 نحو نصف عدد المصوتين على صعيد الإقليم، والتي جرت تحت إشراف مفوضية الانتخابات الحالية نفسها". ونوه بأن "نفي صحة تسريب المكالمة لا يجوز أن يأتي عبر التصريحات طالما أنها مسألة تقنية بحتة تتطلب اللجوء إلى قنوات وجهات معنية ومتخصصة".
تحديات منتظرة
ويؤكد سلام أن حزبه "طيلة تاريخه الممتد لسبعة عقود لم يقدم قط على اتباع أساليب التزييف، بخلاف حزب ’الاتحاد‘ الذي له سجل في هذا المجال"، وحول المزاعم من أن تكون الغاية لخلق تبريرات للاعتراض على النتائج، قال إن "’الديمقراطي‘ لم يلجأ لأية أساليب ملتوية عندما قرر مقاطعة الانتخابات التي كانت مقررة في الـ10 من يونيو (حزيران) الماضي وأعلن موقفه بصورة صريحة من دون مواربة، فإذا كان يمتلك حينها مثل هذا التسجيل فلماذا لم يستخدمه إذاً؟ ثم إن المصدر المباشر لتسريب المكالمة ليس ’الديمقراطي‘ بل هي جهات إقليمية ودولية، ويعود تاريخ المكالمة إلى شهر مايو الماضي عندما كان بافل يقوم بزيارة لأميركا".
وفي ضوء هذا التصعيد يحذر محللون من أن يكون مقدمة لرفض النتائج وتالياً الدخول في مرحلة أشد تعقيداً من الصراع، إذ يرى المحلل دلشاد أنور أن "التأكد من صحة المزاعم من عدمها يتطلب اللجوء إلى الجهات المعنية المتخصصة، إلا أن هذا التطور يمكن اعتباره مؤشراً إلى وجود نيات لرفض النتائج، والأيام المقبلة كفيلة بما ستبدو عليه الأمور". وبشأن توقعاته لمرحلة ما بعد الانتخابات، أوضح "سنكون أمام مرحلتين، إحداهما مرهونة بالمواقف التي ستصدر عن القوى وبخاصة الحزبين الرئيسين في ما إذا كانا سيرفضان النتائج ليدخلا في صراع جديد، أم أن النتائج ستصبح أمراً واقعاً لتبدأ مرحلة مفاوضات تشكيل الحكومة".
لكن أنور استدرك قائلاً إن "مرحلة المفاوضات لن تكون مفروشة بالورد بل ستكون معقدة وصعبة، ذلك أن ’الديمقراطي‘ يسعى إلى الاحتفاظ بنفوذه، بينما سيعمل نظيره ’الاتحاد‘ لتعزيز سلطاته، كما أن التفاوض لن ينحصر بالحزبين فحسب لأن بقية القوى الفائزة ستلعب دوراً في تحديد اتجاه البوصلة، والحال أن للبعد الإقليمي أيضاً تأثيراً لا يمكن إغفاله".
التوقيت موضع تساؤل
وكان توقيت نشر التسريب الصوتي مثار تساؤلات قبل أيام قليلة من موعد الاقتراع، في حين يعود تاريخ المكاملة إلى نحو من أربعة إلى خمسة أشهر، وفق الكاتب والمحلل ريبوار كريم الذي يشير إلى "احتمال وجود دوافع لتأجيل الانتخابات، أو لرفضها لاحقاً بداعي وقوع تزوير في حال الإخفاق بتحقيق سقف المقاعد المرجو"، لافتاً إلى أن "التسجيل الصوتي لن يكون له أي اعتبار قانوني حتى لو كان حقيقياً، لأن هناك تساؤلات تحتاج إلى إجابة، وهي هل جرى التسجيل بعلم الأشخاص المعنيين؟ وهل القانون يسمح بالتنصت على المكالمات بين شقيقين؟"، موضحاً أن "ما نسب من أقوال لبافل في التسجيل حول توقعاته بحصول حزبه على مقاعد بفارق ضئيل عن ’الديمقراطي‘، وأنه سيفعل كل شيء في بغداد لتركيع غريمه، لم يخفه في العلن بل ربما تطرق إلى أمور أشد وقعاً".