يتجه معظم دول الشرق الأوسط إلى تبني بنوكها المركزية عملة رقمية مركزية، بهدف توسيع نطاق الشمول المالي في تلك الدول، وتحسين كفاءة طرق المدفوعات عبر الحدود القطرية.
وتختلف العملة الرقمية للبنوك المركزية عن العملات المشفرة الشهيرة على رغم أنها تستخدم التكنولوجيا ذاتها، إذ إنها إصدار رقمي مدعوم بعملة الدول الوطنية ومنظم وخاضع للقواعد النقدية التي يحددها وينفذها البنك المركزي أو سلطة النقد المركزية في الدولة المعنية.
وتعمل البنوك المركزية في نحو ثلثي دول المنطقة على استكشاف وتجريب استخدام عملة رقمية خاضعة للبنك المركزي، وهناك دول أحرزت تقدماً في ذلك بالفعل بينما دول أخرى لا تزال في مراحل الدراسات والبحوث.
وفي ورقة بحثية لعدد من محللي صندوق النقد الدولي نشرها الصندوق أمس الثلاثاء، أشار إلى أن هناك 19 دولة في المنطقة تعمل على إطلاق عملة رقمية مركزية على رغم التباين الواضح في وضع تلك الدول اقتصادياً ومالياً، إذ تراوح ما بين المغرب ومصر من ناحية إلى باكستان وكازاخستان من ناحية أخرى.
إلى ذلك ينصح محللو الصندوق في هذه المرحلة بأن تدرس كل دولة على حدة سبل إصدار العملة الرقمية المركزية، استناداً إلى أوضاعها بصورة دقيقة جداً.
ولاحظ الباحثون أن دولاً في المنطقة مثل البحرين وجورجيا والسعودية والإمارات، قطعت شوطاً كبيراً على طريق إصدار عملة رقمية من البنك المركزي، إذ تجاوزت تلك الدول مرحلة الدراسة والبحث إلى "تجريب الفكرة" كما تشير ورقة الصندوق، وتعد كازاخستان سباقة في هذا السياق بعد أن أطلقت بالفعل برنامجين لتجريب العملة الرقمية المركزية.
مزايا العملة الرقمية المركزية
وإلى جانب توسيع نطاق الشمول المالي (تسهيل وصول أكبر عدد من السكان في الدولة المعنية للخدمات المالية عبر النظام الرسمي) هناك مزايا أخرى لعملة رقمية يصدرها البنك المركزي، إذ إن من أهم تلك المزايا تحسين كفاءة خدمات المدفوعات عبر الحدود بين الدول، ويعد الباحثون ذلك أولوية مهمة للدول المصدرة للنفط في المنطقة وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي الست وفقاً للورقة البحثية للصندوق.
أما العقبات التي قد تواجه العملة الرقمية المركزية ومن الممكن أن تقضي عليها في نظم المدفوعات الخارجية، اختلاف نظم البيانات والمعلومات في تلك الدول وكذلك تباين قواعد العمل المالي في دول المنطقة وتعقيدات التدقيق وتوثيق الالتزام بالقوانين والقواعد المالية.
ومن شأن العملة الرقمية المركزية تجاوز كل تلك العقبات مما يعني بالتالي خفض كلفة التعاملات المالية للمدفوعات الخارجية.
وهناك بعض الدول في المنطقة بدأت بالفعل في تطوير منصات تكنولوجية للتغلب على تلك المعوقات والتعقيدات وتشجيع التبادل الرقمي في المدفوعات عبر الحدود، مثل نظام "بونا" للمدفوعات عبر الحدود الذي أطلقه صندوق النقد العربي عام 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالطبع يظل توسيع الشمول المالي من المزايا الأساس لإطلاق عملة رقمية مركزية، ففضلاً عن تسهيل وصول المواطنين للخدمات المالية هناك أيضاً انخفاض كلفة التعاملات المالية، فعلى عكس البنوك التجارية لا تهتم البنوك المركزية بتحقيق أرباح كبيرة من التعاملات المالية، ولأن استخدام العملة الرقمية يعني التعامل المباشر في تسوية التعاملات من دون وسطاء فإن ذلك يقلل الكلفة ويسهل على الناس استخدام العملة الرقمية.
كما أن استخدام البنوك المركزية للعملة الرقمية يؤدي إلى منافسة في سوق المدفوعات مما يشجع على تطوير التكنولوجيا في منصات المدفوعات الرسمية والتجارية، وكل ذلك يخفض الكلفة مما يفيد في النهاية المواطنين.
وبحسب ورقة الصندوق فإن ذلك مفيد بصورة خاصة لدول القوقاز ووسط آسيا ودول الشرق الأوسط المستوردة للنفط والدول ذات الدخول المنخفضة، إذ إنه يخفض بصورة واضحة كلفة تعاملاتها المالية مع الخارج.
معوقات ونصائح
ويحذر الباحثون في صندوق النقد الدولي من أن هناك معوقات لاستخدام العملة الرقمية المركزية على دول المنطقة الانتباه إليها ومحاولة تجاوزها لتطبيق حسابات ونظم مدفوعات رقمية، من بينها ما يمكن وصفه بالأمية الرقمية والمالية في معظم دول المنطقة، وغياب سبل التوثيق والتدقيق إلى جانب انخفاض الثقة في المؤسسات المالية بصورة عامة إضافة إلى انخفاض الثروات في بعض الدول.
وهناك بالطبع بعض الأخطار من إطلاق عملة رقمية مركزية وتطبيق البنوك المركزية حساباً ونظم مدفوعات رقمية، ربما أهمها منافسة قطاع المصارف التجارية.
وأخذاً في الاعتبار أن الودائع تشكل القدر الأكبر من تمويل النظام المصرفي في المنطقة، إذ تبلغ نسبتها 83 في المئة، فهناك خطر منافسة العملة الرقمية المركزية لودائع البنوك التجارية مما يؤثر في ربحية تلك البنوك وقدرتها على الإقراض، وربما يضر بالاستقرار المالي عامة.
إلا أن وضع القطاع المصرفي في المنطقة من القوة بحيث يمكن التغلب على تلك الأخطار، فغالب البنوك التجارية في دول المنطقة كبيرة بما يكفي ولديها مستويات جيدة من رأس المال وقدرات السيولة وتحقق هامش أرباح جيداً، وبالتالي فإن ذلك يمكن أن يجعل أي ضغط على مستويات الودائع نتيجة دخول عملة رقمية مركزية غير مؤثر بقوة.
وتشير ورقة الصندوق إلى أن ذلك يبدو واضحاً، وبخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي ونظامها المصرفي القوي.
وتحتاج البنوك المركزية والسلطات المالية إلى تطوير نظام قانوني متين وقواعد صلبة للتعاملات الرقمية بما يحافظ على الاستقرار المالي ويقلل من الأخطار، خصوصاً في ما يتعلق بودائع المصارف التجارية.
وفي هذا السياق ينصح الصندوق في إطار حرصه على تقديم الدعم والمشورة للدول التي تسعى إلى إطلاق عملة رقمية مركزية، بأن تضع كل دولة الأسس القانونية واللوائح التي تأخذ في الاعتبار وضعها الاقتصادي والمالي.