Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

3 شخصيات نسائية تقرر مصائرها في مهرجان برلين

ضابطة سجن وشرطية وإيزابيل هوبير تتنزه في مدنية كورية

إيزابيل هوبير في فيلم كوري (ملف الفيلم)

لم يعد نادراً تصدّر المرأة، كبطلة مطلقة، العديد من الأفلام، حتى تلك التي يخرجها رجال، والدورة الحالية من مهرجان برلين السينمائي (15-25 شباط/ فبراير) امتداد لهذه الظاهرة. ولا نتحدّث هنا عن ظهور المرأة كما كانت تظهر سابقاً، إما في دور الضحية أو الأم المهمّشة أو العشيقة التي تجلس في المقاعد الخلفية أو الفتاة اللعوب. المقصود تلك التي تقرر مصيرها (أقله تحاول ذلك) وصاحبة خيار، ولا تحتاج إلى رجل لتفرض حضورها. في أي حال، هذا ما شاهدناه في ثلاثة أفلام عُرضت في الأيام القليلة الماضية داخل المسابقة الرسمية للـ"برليناله"، نستعرضها هنا بالترتيب، من الأفضل فنياً إلى أقلها جودةً على المستوى السينمائي.

في "أبناء" للمخرج الدنماركي غوستاف مولر، البطلة سيدة خمسينية (مارينا بوراس) ضابطة في سجن يُنقل إليه قاتل ابنها (سيباستيان بول). إنه مجرم خطير لا يمكن السيطرة عليه بسهولة. كي تقترب منه تطلب إلى المسؤول عنها ضمّها إلى الجناح الذي يقبع فيه مَن أنهى حياة ابنها. هذا المجرم لا يعلم أنها أم الشاب الذي قتله، وستنشأ بينهما علاقة ملتبسة قائمة على الرغبة في الانتقام من جانب والحاجة إلى الاضطلاع بدور الأم من جانب آخر. المعضلة التي ستعيشها الشرطية، الضائعة بين القيام بواجبها المهني وما تملي عليها غريزة الأمومة التي لديها، ستفجّر الوضع في هذا الثريللر النفسي الذي يمسكه مولر بقبضة من حديد من دون أن يضيع منه خيط التوتر على طول الطريق المؤدية إلى الخاتمة. جملة واحدة في نهاية الفيلم تلخّص نوع السينما الذي يقدّمها: "هناك مَن لا يمكن إنقاذهم وتأهيلهم". إنها سينما واثقة من نفسها ومن الأفكار التي تبثّها وتروّج لها، وما هي الصور سوى ترجمة بصرية لها تتناسل من هذه الثقة بما تريه، هذا مع العلم أن الشخصيات، خصوصاً تلك التي تحرس السجناء، تدور في فلك التردد والتساؤلات.

بعد "المذنب" (2018) الذي دارت أحداثه حصرياً داخل مركز اتصال للشرطة، هذا فيلم آخر لمولر يحشرنا من خلاله داخل جدران سجن من دون أن يغادره إلا للحظات قليلة. يقدّم الفيلم جردة حساب تختلف قليلاً عن الفكرة التي تكوّنت لدينا عن سجون الرفاهية في البلدان الاسكاندينافية. هذا الانغلاق داخل السجن يلقي بتأثيره في الأحداث وينعكس أيضاً على وجوه الشخصيات المتعبة، وأولها الشرطية التي لا يفسح الفيلم عن بعض ما في ماضيها إلا بالتدريج وبكميات محدودة، فتصبح نتيجة ذلك شخصية لا يمكن اختراقها ولا التسلل إلى ما يخطر في بالها، هناك شيء أشبه بجدار عازل بيننا وبينها. هذا الخيار في بناء الشخصية فيه ما هو مريح وما هو مزعج في آن معاً. هل يعقل مثلاً أن لا أحد في السجن يعلم أن المغدور هو ابنها؟ هل هذا عيب في السيناريو أم أن المخرج وهو أيضاً شريك في كتابة النص، أراد اللعب بهذه الثغرة؟ في أي حال، سيشكّل ذلك عائقاً أمام المُشاهد ليقتنع بالحكاية!

إذا ما استطعنا صرف النظر عن هذه النقطة، فسنجد إننا أمام فيلم مشغول جيداً على الصعيد السينمائي، ويحاول أن يكون مختلفاً عن مئات الأفلام التي تجري فصولها في السجون من دون أن تأتي بجديد يُذكَر. حضور المرأة في السجن هنا، لا يكسّر جليد ذلك النمط من الأفلام المليئة بالعنف والذكورية، بل يفتح آفاقاً غير متوقّعة. فالسيدة هنا أم وسجّانة يتآكلها الانتقام، وكل هذه التناقضات في الشخصية قادرة على فتح نقاش حول المجتمع. أي مجتمع هو الأفضل: ذاك الذي يدعو إلى الرأفة والتسامح والقائم على فكرة الإيمان بأن الإنسان قابل للتأهيل، أو ذاك الذي يعاقب وينتقم؟ السؤال الأخير يطرحه المخرج في الملف الصحافي، لكنه حاضر طوال الفيلم، وكيف لا والشرطية تأتي من خارج عالم الرجال، أي أنها قادرة على أن ترى الأمور بمنظور آخر. كونها أماً طاش سهمها في الاهتمام بابنها وتربيته كما يجب، فترى في قاتله مناسبة للتكفير عن ذنوبها، على رغم صعوبة هذا الأمر والتحدّي الذي يمثّله. في الآخر، يحررها الفيلم من هاجسها، فتتصالح مع نفسها، والأهم يخرجها من سجنها، باعتبارها كانت سجينة بقدر ما كان المجرمون سجناء ولا يزالون.

في "احتياجات مسافرة" للكوري الجنوبي هونغ سانغ سو، تلعب الممثّلة الفرنسية الكبيرة إيزابيل أوبير دور سيدة فرنسية تدخل من هذا الجانب من الكادر لتخرج من الجانب الآخر منه، بلا أي منطق أو مسوغ درامي. تتسكّع في حدائق مدينة كورية وتحتسي مشروبها المفضّل طوال الوقت وهي جالسة على صخرة. نعلم من خلال العناصر القليلة التي يضعها المخرج في متناولنا، إنها تعلّم اللغة الفرنسية لسيدتين، واحدة شابة والأخرى متزوجة وفي سن قريب من سنها. ثم نتعرف إلى شاب بعمر ابنها، تقيم في منزله، ونراهما يجلسان على حافة السرير. العلاقة ملتبسة بينهما، هل هي قائمة على إعجاب متبادل أم إنها تشعر بصداقة تجاهه؟

لا ينبغي التعويل على سانغ سو، الميّال إلى المينيمالية وترك مساحات غامضة في أفلامه، للحصول على إجابات على كل هذه التساؤلات. كل ما نعرفه أنه يعطي أوبير فرصة لتكون امرأة حرة، لا يقيدها شيء وليست مضطرة إلى إعطاء حساب لأحد، تقوم بما يحلو لها، ولا ينشغل الفيلم لا بماضيها ولا بحاضرها، ولا بمستقبلها. فيلم يتركها تعيش كما تتنفس الأوكسيجين. والأهم أنه يعطي لها فرصة جديدة لإظهار مدى قدرتها على تجسيد سمتي الالتباس واللامبالاة اللتين تجريان في عروقها بالفطرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مسار التحرر هذا هو أيضاً ما ينتظرنا في "شهامبهالا" للمخرج النيبالي مين باهادور بهام (أول فيلم نيبالي يشارك في مسابقة المهرجان)، لكن بقدرة إقناع أقل بكثير. تجري الأحداث في قرية واقعة في جبال الهيمالايا حيث يحق للنساء التزوج بأكثر من رجل. تحاول بطلة الفيلم بيما (تينلي لهامو) المتزوجة والحامل تحقيق أقصى استفادة من حياتها الجديدة، لكن سرعان ما يختفي زوجها الأول تاشي (تنزين دلها) على الطريق التجاري إلى لاسا. برفقة زوجها الثاني (سونام توبدن)، تخوض رحلة شائكة في البرية، بحثاً عنه، وسيتطور هذا إلى السعي لاكتشاف الذات والتحرر.

يقول المخرج إن بطلة الفيلم، تتحدّى النمطية وتظهر بصورة عصرية كي تكون قدوة للنيباليات. شخصيتها متجذّرة في الأصالة والمرونة النيباليتين. وهي تتأرجح أيضاً بين التقاليد وتحدّي المعايير التي عفا عليها الزمن، ويتجلى هذا كله في رفضها أن تلتزم الصمت عند الحاجة. رحلتها انعكاس للحقائق المتعددة الأوجه التي تعيشها النساء في النيبال. مرونتها في مواجهة الشدائد وعزمها على شق طريقها الخاص يسهمان في تمكين المرأة النيبالية".

بيد أن مشكلة الفيلم أنها تمتد لساعتين ونصف الساعة، وثمة الكثير من التطويل واللحظات التأملية التي لا تعبّر إلا عن طموح المخرج في صناعة إبهار من لا شيء. طبعاً، هناك ما يكفي من انغماس في التقاليد المحلية والثقافة النيبالية كي يغوي الغرب ويتم ترشيحه لمسابقة برلين، ويبدو أن المخرج راهن على هذا الجانب، فقدّم ملحمة اغتراب سينمائي، تخرجنا من الزمن الذي نعيش فيه لتدخلنا في تعقيدات اجتماعية من نوع آخر.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما