ملخص
غالباً ما يرتبط المد والجزر في العلاقات بين إيران وعديد من الفصائل الفلسطينية بوضع جهود السلام
غالباً ما يرتبط المد والجزر في العلاقات بين إيران وعديد من الفصائل الفلسطينية بوضع جهود السلام. فحينما يحدث تقدم في مسار السلام تتوتر العلاقات مع إيران التي تعلن تصريحات معادية لعملية السلام، فحينما جرى استئناف عملية السلام عام 2010 قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمام حشد من الناس في طهران إن المحادثات محكوم عليها بالفشل، وانتقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس باعتباره رهينة لإسرائيل.
وفي المقابل، قال متحدث الرئيس عباس نبيل أبو ردينة "من لا يمثل الشعب الإيراني، ومن زور الانتخابات، ومن قمع الشعب الإيراني وسرق السلطة، لا يحق له الحديث عن فلسطين"، في إشارة إلى نتائج الانتخابات الإيرانية التي فاز فيها نجاد عام 2009، وأثارت جدلاً حول تزويرها. وأضاف أبو ردينة "لقد ناضلنا من أجل فلسطين والقدس، والقيادة الفلسطينية قدمت آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والأسرى، ولم تقمع شعبها كما فعل النظام الإيراني بقيادة أحمدي نجاد".
ومع ذلك، زار عباس في 2012 طهران لحضور قمة حركة عدم الانحياز، والتقى أحمدي نجاد الذي عرض التوسط في محادثات المصالحة مع "حماس". وفي فبراير (شباط) 2013، التقى عباس أحمدي نجاد وشكره على دعمه في تصويت الأمم المتحدة، الذي منح فلسطين وضع دولة مراقب.
وذكر أن كثيراً ما حاول عباس زيارة إيران في عام 2015، لتحسين العلاقات وسط الحديث عن خلافات بين "حماس" وطهران، على رغم أن بعض المسؤولين الإيرانيين نفوا أن تكون الزيارة مقررة. وأعلن من طهران على لسان مسؤولين إيرانيين أن مسؤولي السلطة الفلسطينية طلبوا مراراً زيارة إيران، "وقد رفضنا". مؤكدين أن طهران تدعم "المقاومة ومقاتليها"، في إشارة إلى الجماعات المسلحة مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
إن الدافع الأيديولوجي هو ما يفسر الموقف الإيراني من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، في مقابل العلاقة مع التنظيمات المؤدلجة، مثل "الجهاد الإسلامي" و"حماس" و"الصابرين"، فمن اليسير ربط إيران دعمها الجماعات الفلسطينية بمعارضتها الأيديولوجية لإسرائيل، بما يجعل الخطاب الإيراني ضد إسرائيل يلقى صدى لدى بعض شرائح الشعب الإيراني.
علاقة إيران بالتنظيمات الفلسطينية
كانت إيران داعماً رئيساً للمنظمات المسلحة الفلسطينية، أبرزها "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطيني. قدمت طهران الدعم المالي والعسكري والسياسي لهذه الجماعات، بما في ذلك الأسلحة والتدريب والتمويل لعملياتها ضد إسرائيل.
"الجهاد الإسلامي"
تعتبر حركة "الجهاد الإسلامي" أصغر الجماعات الفلسطينية، وهي الأقرب إلى إيران منذ فترة طويلة. أسست الحركة على يد فتحي الشقاقي، وهو طبيب شاب ولاجئ من غزة، في أواخر السبعينيات، باعتبارها فرعاً من جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
أيدت الحركة في فلسطين الثورة الإيرانية. وكان الشقاقي يشارك الخميني اعتقاده أن "الإسلام هو الحل والجهاد هو الوسيلة الصحيحة". وعلى عكس الجماعات العربية والسنية الأخرى دعمت حركة "الجهاد الإسلامي" إيران خلال حربها مع العراق.
وقد أجبرت قيادة الجماعة على الخروج من غزة في عام 1988، أولاً إلى لبنان، ثم إلى سوريا، وكثيراً ما نسق أمين عام المنظمة مع "فيلق القدس". ولـ"الجهاد الإسلامي" ممثل في إيران، وعملت طهران على تسليح وتدريب وتمويل "الجهاد الإسلامي" لكن كانت مساعداتها متواضعة مقارنة بدعم "حماس" أو "حزب الله" اللبناني.
ومنذ 2015 توترت العلاقات بين "الجهاد الإسلامي" وإيران، كما قلصت إيران دعمها المالي، لأن "الجهاد الإسلامي" رفضت اتخاذ موقف مماثل لإيران في شأن الحرب في اليمن. ومن وقتها حولت طهران دعمها إلى حركة "الصابرين" في غزة، المنشقة عن "الجهاد الإسلامي"، ويرأسها هشام سالم، العضو السابق في "الجهاد الإسلامي".
وتعد "الصابرين" على وفاق تام مع إيران في شأن القضايا الإقليمية. ومع ذلك استمرت إيران في دعم الجماعات الفلسطينية، وفي إحدى المرات قال مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي إن طهران لن تتوقف أبداً عن مساعدة حركة "الجهاد الإسلامي"، من بين الجماعات والحلفاء الآخرين في المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حركة "حماس"
نشأت حركة "حماس"، بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987، وتشاركت مع إيران التصور حول دولة فلسطين الإسلامية التي تحل محل إسرائيل. ومع ذلك، لم يكن لدى "حماس" في البداية سوى القليل من الارتباط بإيران بسبب الاختلافات المذهبية، وعلاقات طهران بحركة "الجهاد الإسلامي"، ورغبة "حماس" في أن تكون حركة مقاومة مستقلة.
وتطورت العلاقات بين إيران و"حماس" بعد أن دعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى مسار السلام مع إسرائيل، وفي عام 1990 استضافت طهران مؤتمراً لدعم فلسطين، حضرته "حماس" ولم يحضره عرفات. وفي أوائل التسعينيات، أجرى وفد من "حماس" برئاسة موسى أبو مرزوق محادثات مع مسؤولين إ لسلام مع إسرائيل.في عام 1987. يرانيين في طهران، بمن فيهم خامنئي، وتعهدت إيران تقديم الدعم العسكري والمالي، فضلاً عن التدريب العسكري لأعضاء "حماس" في قواعد ومعسكرات خاصة بالحرس الثوري في إيران ولبنان، بخاصة للجناح العسكري لحركة "حماس"، كتائب عز الدين القسام.
وزودت إيران "حماس" بكثير من المعدات العسكرية التي استخدمتها الحركة ضد إسرائيل في حرب غزة خلال ديسمبر (كانون الأول) 2008، كما افتتحت "حماس" مكتباً في طهران، وأعلنت أنها تتقاسم مع إيران وجهة نظر متطابقة في النظرة الاستراتيجية تجاه القضية الفلسطينية في بعدها الإسلامي.
وواصلت طهران دعم "حماس" طوال فترة الانتفاضة، وتزايدت المساعدات بشكل كبير بعد وفاة عرفات في عام 2004 وانسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005. وكان فوز "حماس" في الانتخابات الفلسطينية في عام 2006 تحولاً جذرياً في علاقاتها مع إيران.
وتدخلت طهران لإنقاذ السلطة الفلسطينية المفلسة في غزة، التي خضعت لسيطرة "حماس"، بعد جفاف المساعدات الخارجية. وعندما زار رئيس وزراء "حماس" إسماعيل هنية طهران في 2006، تعهدت إيران تقديم مساعدات بقيمة 250 مليون دولار.
نقطة أخرى كانت مفصلية في علاقة إيران بـ"حماس"، وهي اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، فقد تسببت في حدوث شقاق بين طهران و"حماس"، إذ دعمت طهران الرئيس السوري بشار الأسد، وتحالفت "حماس" مع المعارضة السنية، لذا في عام 2012، بدأت "حماس" تتطلع إلى قطر داعماً مالياً بديلاً لإيران، حتى إن قادة "حماس" انتقلوا إلى قطر بديلاً عن سوريا.
في عام 2012 عندما أطلقت إسرائيل عملية "عمود السحاب"، التي قتل فيها أحمد الجعبري، القائد العسكري لحركة "حماس" في غزة، وخلال الحرب التي استمرت ثمانية أيام قتل ما لا يقل عن 150 فلسطينياً وستة إسرائيليين. نسب إلى الإيرانيين الفضل في دعم "حماس". وقال رئيس البرلمان علي لاريجاني "نقول بفخر إننا ندعم الفلسطينيين عسكرياً ومالياً". وأطلق مسلحون صواريخ "فجر 5" إيرانية الصنع على مدن إسرائيلية خلال الحرب.
وفي عام 2014، أتاحت حرب غزة فرصة أخرى لإصلاح العلاقة بين "حماس" وإيران، إذ تصاعدت التوترات بين إسرائيل و"حماس"، وتبادل الجانبان الغارات الجوية والهجمات الصاروخية لمدة سبعة أسابيع، وأدت الحرب إلى مقتل أكثر من 2000 فلسطيني، ودمرت الضربات الإسرائيلية جزءاً كبيراً من شبكة الأنفاق تحت الأرض التابعة لـ"حماس".
ووصف الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني تصرفات إسرائيل بأنها "جرائم منهجية وغير قانونية وغير إنسانية ضد الفلسطينيين"، وأرسل الحرس الثوري عشرات الملايين من الدولارات إلى "حماس" خلال الأشهر التالية على الحرب، للمساعدة في إعادة بناء شبكة الأنفاق. ومع ذلك، بحلول عام 2015 كانت العلاقة بينهما لا تزال تواجه تحديات، إذ أعربت "حماس" عن دعمها الضمني لقوات التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن، وهو مخالف لوجهة النظر الإيرانية.
وعلى رغم توتر العلاقات بين "حماس" وإيران على خلفية الموقف من الحرب في اليمن وسوريا، وعلى رغم تأكيد بعض قيادات "حماس" في تصريحات عدة أن العلاقات مع طهران ليست جيدة، فإنه كان هناك حرص من بعض المسؤولين الإيرانيين على تأكيد أهمية الدعم لـ"حماس".
إن المقارنة بين موقف إيران لحركة "حماس" في حربها مع إسرائيل أعوام 2008 و2012 و2014، الذي تراوح ما بين التصريحات المعادية لإسرائيل ودعم "حماس" وإعلان دعم ومساندة إيران لها، ثم الإعلان عن إرسال الحرس الثوري الإيراني أسلحة لـ"حماس"، وتقدير وإشادة "حماس" بالدور الإيراني، وادعاء أنها شريكة في الانتصار، بل إن هناك لافتات رفعت في غزة إشادة بـ"حماس"، كل ذلك يبرز مفارقة وتناقض موقف إيران من "حماس" خلال الحرب الجارية الآن من إسرائيل رداً على العملية العسكرية "طوفان الأقصى"، التي تجلى فيها تخلي إيران تماماً عن "حماس"، والتبرؤ من "طوفان الأقصى" على مستوى الفكرة والتنفيذ والقرار.
ويفسر الموقف الإيراني هنا العلاقة بين إيران والغرب، ففي الحروب السابقة كان التصعيد كثيفاً، وكانت هناك ملفات كثيرة تريد إيران كسبها أمام واشنطن، مثل العراق وأفغانستان والملف النووي، في حين الآن تشهد العلاقات الإيرانية - الأميركية هدوءاً نسبياً فرض على إيران النأي بنفسها عما يحدث في غزة بشكل مباشر.