Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مؤامرة خبيثة وراء مواقف ترمب العنيفة ضد أوروبا

تصعيده ضد القارة العجوز يمنح دفعة قوية لليمين المتطرف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلوح بقبضته داخل "معهد السلام" في واشنطن العاصمة (رويترز)

ملخص

ترمب يعيد صياغة العلاقة مع أوروبا عبر خطاب يقوم على نظرية "الاستبدال العظيم"، متهماً القارة بطمس حضارتها وقمع الحريات، في تحول يعزز اليمين المتطرف ويقوض التحالفات الغربية، ويكشف انسحابا أميركيا من دور الشريك الديمقراطي إلى قوة تفرض نفوذها أيديولوجياً.

بات الأمر رسمياً الآن وفقاً للهجوم اللاذع الذي شنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أوروبا: فالقارة في حال تراجع، وباتت تخضع لسيطرة زمرة من القادة الضعفاء.

السبب في رأيه واضح تماماً، وهو أن سياسات الهجرة الكارثية في أوروبا سمحت بدخول "وافدين من خلفيات ثقافية مختلفة للغاية"، مما أدى إلى إضعاف القارة بصورة خطرة.

هذا التعبير الحاد عن انفجار غضب سيد البيت الأبيض، يأتي في أعقاب موقف سياسي جديد للولايات المتحدة على الصعيد الدولي، يعد أن أوروبا تواجه "طمساً للحضارة"، وأن دولها تطبق فعلاً "رقابة على حرية التعبير وقمعاً للمعارضة".

هذا الكلام ليس أحدث ما نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي من أحد غريبي الأطوار في البيت الأبيض، بل هو نتاج تقييم نخبة من الخبراء الذين أعدوا "استراتيجية الأمن القومي لعام 2025". إنه نسخة مكتوبة تعكس طريقة رؤية جميع الذين هم في البيت الأبيض للعالم، والوسائل التي يعتزمون من خلالها إقناع الآخرين بهذه الرؤية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب التقرير، فإنه "على المدى البعيد من المرجح جداً أن تصبح بعض الدول الأعضاء في حلف ’الناتو‘ ذات غالبية [سكان من أصول] غير أوروبية في غضون بضعة عقود في أبعد تقدير".

لكن هذا الكلام غير منطقي، إذ لا يوجد أي تحليل ديموغرافي موثوق يشير إلى أن أية دولة أوروبية ستصبح ذات غالبية "غير أوروبية".

يبدو أن إدارة ترمب تستند في رؤيتها الديموغرافية لأوروبا إلى ما يعرف بـ"نظرية الاستبدال العظيم"، وهو مصطلح صاغه المروج الفرنسي لنظرية المؤامرة رينو كامو، ويدعي بموجبه أن "نخبة عالمية" تتآمر على السكان البيض في أوروبا لاستبدال شعوب غير أوروبية بهم.

هذه النظرية تحظى بتأييد واسع بين جماعات اليمين المتطرف، وأتباع "كيو آنون" QAnon [حركة تؤمن بنظريات المؤامرة وتزعم وجود شبكة سرية تدير العالم وتقاومها نخبة خفية]، وأنصار "ماغا". وأصبحت اليوم رؤية رسمية طويلة الأمد للولايات المتحدة نفسها، وهي رؤية ستشكل من الآن فصاعداً أساس علاقة واشنطن بالغرب والعالم الأنغلوساكسوني.

القلق الأميركي بلغ حداً يدفع بالولايات المتحدة إلى الضغط بقوة لفرض تغيير في المسار الأوروبي، من خلال دعم الجماعات التي تتماشى مع سياساتها، وتقويض تلك التي لا تتوافق معها.

ومما جاء في الوثيقة "سنقف ضد أية قيود تفرضها النخب، وتعد مناهضة للديمقراطية وللحريات الأساس في أوروبا والدول الناطقة بالإنجليزية [العالم الأنغلوفوني] وبقية العالم الديمقراطي، ولا سيما بين حلفائنا".

يشار إلى أن إدارة ترمب تعارض "قانون الخدمات الرقمية الأوروبي"، الذي يلزم شركات الإنترنت - ومعظمها شركات أميركية، مثل "ميتا" و"أبل" و"غوغل" - بمراقبة المحتوى وإزالة المواد غير القانونية أو الضارة، والتصدي للمعلومات المضللة.

ووجه البيت الأبيض اتهامات إلى الحكومات الأوروبية بممارسة "رقابة" بسبب جهودها لتنظيم الشركات التي تحقق أرباحاً ضخمة، لكنه خلال الوقت نفسه يبدي قلقاً من الكلف المترتبة على تلك الشركات نتيجة تطبيق القواعد الجديدة.

من المرجح أن يكون نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس هو الذي صاغ من داخل البيت الأبيض هذه العقيدة الجديدة، التي تعكس بصورة واضحة هجماته اللاذعة على "حلف شمال الأطلسي" والديمقراطية الأوروبية، خلال أول زيارة له للقارة خلال فبراير (شباط) الماضي، إلى جانب دعمه آنذاك لجماعات اليمين المتطرف وأحزابه.

وتقول الوثيقة الجديدة إن "الولايات المتحدة تشجع حلفاءها السياسيين في أوروبا على تعزيز هذا الانتعاش الروحي، ويعد النفوذ المتزايد للأحزاب الأوروبية الوطنية مدعاة تفاؤل كبير".

ويرجح أيضاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان له هو الآخر تأثير في صياغة هذه الوثيقة. فقد أصبح نظامه بمثابة نموذج لكثير من أنصار اليمين المتطرف والمسيحيين الإنجيليين المؤيدين لترمب، إذ تعد مزاعمه الصريحة بتمثيل القيم المسيحية البيضاء التقليدية، مادة دسمة للذين يعتقدون بـ"نظرية الاستبدال العظيم".

يُذكر أن دونالد ترمب أكد منذ عودته إلى السلطة تأييده لروسيا في كل مرحلة، معارضاً بقوة أية جهود أوروبية لدعم كييف، ومتناقضاً مع أية حجج تظهر قدرة أوكرانيا على طرد القوات الروسية من أراضيها إذا ما حصلت على الدعم اللازم.

يُذكر أن الرئيس الأميركي ترمب قطع جميع المساعدات لأوكرانيا، باستثناء الدعم الاستخباراتي، بينما يطالب بحصة ضخمة للولايات المتحدة والشركات الأميركية، تبلغ 50 في المئة من الأرباح المستقبلية، في أي اتفاق سلام أوكراني قد يُتوصل إليه.

ويعد تقويض التحالفات الدبلوماسية الغربية وتماسكها جزءاً أساساً من استراتيجية بوتين طويلة الأمد، بحيث كان الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكست) خطوة رئيسة في هذا الاتجاه، وكذلك إعادة انتخاب ترمب.

فبوتين، على غرار ترمب، يسعى إلى تضخيم المعلومات المضللة وبث الشكوك في أوساط المجتمعات المدنية الغربية، مدعياً أن حكومات مثل حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هي غير شرعية وغير ديمقراطية، علماً أن زيلينسكي انتخب بغالبية ساحقة عام 2019.

وتشير الخطة الجديدة للسياسة الخارجية الأميركية إلى أنه في ما يتعلق بأوكرانيا فإن "غالبية أوروبية كبيرة ترغب في تحقيق السلام، إلا أن هذه الرغبة لا تترجم إلى سياسات، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى تقويض تلك الحكومات العمليات الديمقراطية".

في الواقع قُوضت الديمقراطية داخل الولايات المتحدة بصورة بالغة نتيجة الهجمات على كل فرع من فروع الإدارة الفيدرالية ووسائل الإعلام، والأوساط الأكاديمية والجيش. وأصبح الولاء للمكتب البيضاوي أهم من أي قسم بالدفاع عن الدستور كشرط أساس للتوظيف بين المسؤولين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

ومع استمرار هذا الوضع، ومُضي دونالد ترمب في ترسيخ أكاذيب صريحة ضمن السياسة الوطنية، لم يعد بالإمكان اعتبار الولايات المتحدة حليفاً أو حتى خصماً ودوداً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل