Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذكاء الاصطناعي يرتقي من طيار مساعد إلى مقاتل جوي

البنتاغون يتبنى طائرة فالكاري التي تجسد إمكانات تلك التكنولوجيا الناشئة مع تأثيراتها في تكتيكات الحرب والثقافة العسكرية والصناعة الدفاعية

الطائرة الروبوتية إكس كيو- 58 إيه فالكيري خلال طلعة جوية أولى في العام 2019 (ويكميديا)

ملخص

تراهن القوات الجوية الأميركية على تقنية في الذكاء الاصطناعي تمكنه من خوض المعارك باستقلالية تامة عن التوجيه البشري. وتجسد المقاتلة فالكاري ذلك الرهان.

لا يختلف اثنان على أن الولايات المتحدة منهمكة اليوم في بناء أساطيل من الأسلحة الذكية الفتاكة وغير المكلفة، علها تضعها في موقف متقدم عند مواجهة أي عدو في ساحات المعارك. ويعتري المخططون العسكريون قلق من أن طائرات القوات الجوية وأنظمة الأسلحة المعمول بها حالياً، على رغم تريليونات الدولارات المستثمرة فيها، ما عاد ممكناً التعويل عليها إذا اندلع صراع واسع النطاق مع الصين مثلاً، لا سيما على شاكلة غزو الصين لتايوان. ومرد ذلك الأمر أن الصين تسور سواحلها، والجزر الاصطناعية التي بنتها في بحر الصين الجنوبي، بأكثر من ألف صاروخ مضاد للسفن والطائرات، مما يلجم قدرة الولايات المتحدة على ردع أي غزو محتمل لتايوان ما لم تلجأ إلى تدخل عسكري واسع النطاق، مع وقوع خسائر جسيمة جواً وبحراً.

وبطبيعة الحال، يشكل التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي والحفاظ عليه أحد جوانب السباق المفتوح على مصراعيه مع الصين. بيد أن خروج برامج حاسوبية مستندة إلى الذكاء الاصطناعي تكون مصممة للقتل، يطرح أسئلة مشوبة بخوف عميق حول الدور الذي ينبغي أن يضطلع به البشر في صراعات تخوضها تلك الآلات التي لا تفقه في الأخلاقيات شيئاً، لا سيما بالنسبة إلى الولايات المتحدة نظراً إلى سجلها الذي يفيض بضربات خاطئة تشنها طائرات مسيرة تقليدية فتلحق خسائر في صفوف المدنيين.

ورسمت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نشرته أخيراً صورة عن حروب "ذكية" ستقاتل فيها روبوتات طائرة "مأهولة" بذكاء اصطناعي جنباً إلى جنب طيارين من البشر يقودون أحدث المقاتلات في سلاح الجو الأميركي.

وتحديداً، ثمة تركيز الآن على الطائرة التجريبية من دون طيار "إكس كيو- 58 إيه فالكيري" XQ-58A Valkyrie التابعة للقوات الجوية الأميركية. إذ تحلق باستخدام محرك صاروخي، ويسعها أن تطير مسافة تساوي عرض الصين. كذلك تتميز بتصميم يبقيها خفية عن رادار العدو، إضافة إلى أنها تحمل صواريخ تضرب أهداف العدو بعيداً من نطاق رؤيتها. ولكن أكثر ما يميز هذا الروبوت أنه يشتغل بواسطة نموذج من الذكاء الاصطناعي، مما يضعه في طليعة الجهود التي يبذلها الجيش الأميركي بغية الاستفادة من قدرات تلك التكنولوجيا الناشئة التي تجيء فوائدها المحتملة المهولة ممزوجة بمخاوف بشأن حجم الاستقلالية التي في يدها أن تمنحه لأي سلاح فتاك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بحسب "نيويورك تايمز"، تشكل "فالكيري" في الأساس، طائرة مسيرة "درون" من الجيل المقبل، ونموذج أولي لما تأمل القوات الجوية في أن يصبح عنصراً مكملاً قوياً لأسطولها من الطائرات المقاتلة التقليدية، مما يضع بين يدي الطيارين من البشر أسراباً مساعدة من الدرونات التي تحلق بها الروبوتات وتتمتع بقدرات متقدمة. وتتمثل مهمة تلك الطائرات الروبوتية المنتظرة في دمج الذكاء الاصطناعي مع أجهزة الاستشعار فيها بغية تحديد العدو بدقة وتقييم تهديداته ثم، التحرك لقتله، بعد الحصول على موافقة بشرية.

فالكيري تنال مرتبة اخرى

وقبل بضعة أيام، في قاعدة "إيغلين" الجوية الأميركية على ساحل خليج فلوريدا، بحسب "نيويورك تايمز"، كان الرائد روس إلدر (34 سنة)، وهو طيار اختبارات من ولاية فرجينيا الغربية، يستعد لتجربة يحلق فيها بمقاتلته من طراز "أف- 15" على مقربة من المسيرة الروبوتية "فالكيري".

في الحقيقة، يقدم برنامج "فالكيري" صورة عن إعادة رسم معالم تجارة الأسلحة الأميركية والثقافة العسكرية والتكتيكات القتالية والتنافس مع الدول المنافسة. كذلك يسهم صعود نجم الذكاء الاصطناعي في ظهور جيل جديد من الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" تسعى إلى تقويض، أو أقله تعطيل، الاحتكار المديد لحفنة من شركات عملاقة تزود القوات المسلحة الأميركية بالطائرات والصواريخ والدبابات والسفن، في الأقل منذ نهاية "الحرب الباردة".

[في الحرب العالمية الثانية، لجأت أميركا إلى شركات الصناعات المدنية كي تزودها بالحاجات الهائلة لقواتها في المعدات والأسلحة والذخائر المختلفة. واستمر البنتاغون في الاحتفاظ بالملكية الفكرية للأسلحة والذخائر وعمليات التطوير والبحث المتصلة بها، فيما صنعت الشركات منتجات مدنية وحربية، على غرار "بوينغ" و"فورد" و"جنرال إلكتريك" وغيرها. استمر ذلك حتى نهاية الحرب الباردة"، حينما استغنى البنتاغون عن معظم شراكاته مع تلك الشركات، وانتقل إلى الاعتماد على شركات متخصصة في الصناعة العسكرية بصورة كلية أو شبه كلية على غرار "لوكهيد مارتن" و"نورثروب غرومان" و"رايثيون تكنولوجيز" و"استراتيجي أند- بي سي دبليو" وغيرها. وتنامت أحجام تلك الشركات بأثر من تنامي دورها كمزود حربي للبنتاغون].

وعلى مدار سنوات متتالية، تضاءلت بالتدريج الطائرات المقاتلة الباهظة الثمن، إذ تبلغ كلفة الطائرة المقاتلة من طراز "إف- 35"، تصنعها "لوكهيد مارتن"، 80 مليون دولار لكل واحدة. ثم صار الأسطول الذي تملكه القوات الجوية الأميركية الآن الأصغر والأقدم في تاريخها.

هنا يأتي دور الجيل الجديد من طائرات الدرون المسيرة بالذكاء الاصطناعي، المعروفة باسم "الطائرات المقاتلة المساعدة". وتخطط القوات الجوية الأميركية لبناء ما بين ألف وألفين منها في مقابل أقل من 3 ملايين دولار للطائرة الواحدة، أو جزء صغير من كلفة طائرة مقاتلة متطورة، لذا أطلق بعضهم في القوات الجوية على البرنامج اسم "الحشد الميسور الكلفة".

ستكون في متناول القوات الجوية مجموعة من الأنواع المتخصصة من تلك الطائرات الروبوتية. سيركز بعض منها على مهمات المراقبة أو إعادة الإمداد، وبعضها الآخر سيحلق في أسراب هجومية، ويبقى بعض منها أيضاً بمثابة "الطيار المساعد الوفي" للطيار البشري.

مثلاً، يمكن لهذه الطائرات المسيرة أن تحلق أمام الطائرات المقاتلة، وتتولى دور المراقبة الأولى العالية المخاطر. كذلك في مقدورها الاضطلاع بدور رئيس في تعطيل الدفاعات الجوية للعدو، والمجازفة بضرب أهداف صاروخية أرضية تعتبر بالغة الخطورة بالنسبة إلى طائرة يقودها إنسان.

وسيعمل هذا النموذج من الذكاء الاصطناعي الذي يمثل نسخة متخصصة من برمجيات الكمبيوتر التي تشتهر الآن بأنها تتولى تشغيل روبوتات الدردشة، على تجميع وتقييم المعلومات من أجهزة الاستشعار الخاصة به حينما يقترب من قوات العدو. وثم يعمل بنفسه على  تحديد التهديدات الأخرى والأهداف المرتفعة القيمة. وبعدها، يتقدم من الطيار البشري بطلب الحصول على إذن قبل إطلاق أي هجوم بقنابله أو صواريخه.

وستندرج النماذج الأقل كلفة من طائرات الدرون المسيرة بالذكاء الاصطناعي ضمن فئة الطائرات الآحادية الاستخدام، ما يعني أنها ربما لن تنهض سوى بمهمة واحدة يتيمة. وقد تكلف الطائرة الروبوتية الأكثر تطوراً ما يصل إلى 25 مليون دولار، وفق تقدير مجلس النواب الأميركي، وهو مبلغ أقل كثيراً من كلفة طائرة مقاتلة يقودها طيار.

وتشير "نيويورك تايمز" إلى أنه بعد عقود طويلة صب فيها البنتاغون تركيزه على شراء أجهزة صنعتها شركات تتعاقد تقليدياً مع وزارة الدفاع على غرار "لوكهيد مارتن" و"بوينغ"، تحول التركيز إلى برمجيات يسعها أن تعزز قدرات أنظمة الأسلحة، مما يخلق فرصة للشركات التي تصنع التكنولوجيا الأكثر تقدماً للظفر بجزء من موازنة المشتريات الضخمة للبنتاغون.

بحسب الجنرال ديل وايت، مسؤول البنتاغون الذي تولى سابقاً مسؤولية برنامج التعاقدات الدفاعية الجديد، "تعتمد الآلات في الواقع على البيانات، ثم تخلق نتائجها الخاصة".

وكذلك تتيح سياسة البنتاغون بشأن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في أنظمة التسليح، بالاستخدام المؤتمت للقوة المميتة، لكن أية خطة معينة لصناعة أو نشر مثل هذا السلاح، لا بد أن تخضع للمراجعة أولاً من جانب لجنة عسكرية خاصة، قبل الموافقة عليها.

عموماً، تدرك القوات الجوية الأميركية أن عليها أن تواجه أيضاً مخاوف كبرى بشأن الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، أبرزها الخوف من أن التكنولوجيا قد تنقلب ضد مخترعيها من البشر، على غرار صورة الذكاء الاصطناعي "سكاي نت"Skynet  في سلسلة أفلام " تيرمنايتور" (المدمر).

ووفق "نيويورك تايمز"، ورداً على سؤال عن مدى قدرة الطائرات المسيرة التابعة للقوات الجوية على شن ضربات مميتة من دون موافقة بشرية واضحة على كل هجوم، ذكرت متحدثة باسم البنتاغون "إن السؤال افتراضي جداً إلى حد أنه تتعذر الإجابة عنه".

في الحقيقة، ترتكب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأخطاء، وفق ما حدث مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة مع السيارات الذاتية القيادة، إضافة إلى عدم احتوائها على مبادئ أخلاقية مدمجة في برمجياتها. وفي المقابل، ذكر مسؤولون إنهم أخذوا هذين الهاجسين في الاعتبار أثناء إنشاء النظام.

في ملمح مغاير، ذكرت ماري ويرهام، مديرة قسم الأسلحة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، التي تدفع باتجاه فرض حدود دولية في شأن ما يسمى الأسلحة الفتاكة المستقلة، أن المؤسسات العسكرية "تتجاوز الخط الأخلاقي عندما تستعين بالآلات من أجل القتل، إذ تسمح لأجهزة استشعار بدلاً من البشر بأن تسلب حيوات الناس".

وكذلك اعتبر الكولونيل تاكر هاملتون، قائد القوات الجوية للاختبارات والعمليات المتصلة بالذكاء الاصطناعي، أن الأمر يشكل "مسؤولية جسيمة". واستطرد موضحاً أنه يتوجب "علينا تحقيق الأهداف التي نتطلع إليها ولكن بشكل منهجي وأخلاقي، دونما أية عجلة".

أسئلة صعبة عن مسارات التسلح

أمضى البنتاغون مستعيناً بأقسامه للبحوث والتطوير، على غرار "داربا" DARPA [وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتطورة] و"مختبر بحوث القوات الجوية"، سنوات عدة في تطوير نماذج أولية من مسيرات على غرار "فالكيري" والبرمجيات التي تديرها. وحاضراً، تجربة الروبوتات الطائرة المساعدة تندرج الآن ضمن ما يسمى برنامج التسجيل، مما يعني أنه في حال موافقة الكونغرس، ستخصص أموال كبيرة من جيوب دافعي الضرائب لشراء هذه المركبات. إذ يصل مجموع تلك الأموال إلى 5.8 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة، وفق خطة سلاج الجو الأميركي.

على عكس الطائرات المقاتلة من طراز "إف- 35"، التي تسلمها شركة "لوكهيد مارتن" كمجموعة واحدة متكاملة، تعتزم القوات الجوية تقسيم الطائرة والبرمجيات كمشتريات منفصلة عن بعضها بعضاً.

وتستعد شركة "كراتوس"، صانعة طائرات "فالكيري" الروبوتية، لتقديم عروض بشأن أي عقد مستقبلي، على غرار الحال مع شركات كبرى أخرى كـ"جنرال أتوميكس"، التي تولت طوال سنوات صناعة طائرات "درون" هجومية استخدمت في العراق وأفغانستان، و"بوينغ"، التي تملك نموذجها الأولي لطائراتها التجريبية المقاتلة الذاتية التحكم، "إم كيو- 28 غوست بات" MQ-28 Ghost Bat.

واستطراداً، تتنافس مجموعة منفصلة من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا كـ"شيلد أي آي"  Shield AI و"إندرول" Anduril  الممولة بمئات الملايين من الدولارات، للحصول على الحق في بيع البنتاغون خوارزميات الذكاء الاصطناعي المسؤولة عن اتخاذ قرارات المهمات.

تجارب بشرية حاسمة

قبل شهرين، حلق الرائد إلدر بطائرته "سترايك إيغل" Strike Eagle من طراز "إف- 15" على بعد ألف قدم من الطائرة التجريبية "إكس كيو- 58 أي فالكيري"، كذلك طارت الطائرة المسيرة من تلقاء نفسها، ووصلت إلى سرعات وارتفاعات معينة.

وفي تجربة من المقرر تنفيذها لاحقاً العام الحالي، سيطلب من الطائرة القتالية المسيرة مطاردة عدو في إطار محاكاة هدف حقيقي، ثم القضاء عليه أثناء وجودها فوق خليج المكسيك، من ثم التوصل إلى استراتيجيتها الخاصة في شأن تلك المهمة.

خلال المرحلة الحالية، يبقى الهدف متمثلاً في اختبار قدرة طيران "فالكيري" وبرمجيات الذكاء الاصطناعي، لذا لا تحمل الطائرة أية أسلحة. ستخوض معركة جوية مع عدو "مصمم" عن قصد، على رغم أن الذكاء الاصطناعي سيعتقد أن الأمر حقيقي. وبالتالي، لن يسع ذلك الذكاء التمييز بين التجربة والواقع. لم يكن لدى الرائد إلدر أية وسيلة للتواصل مباشرة مع الطائرة المسيرة ذاتياً في تلك المرحلة المبكرة من التطوير، لذلك توجب عليه أن يتولى المراقبة الشديدة أثناء انطلاقها في مهمتها. ووصف إلدر التدريب الذي تلقته الطائرة مشيراً إلى إنها مشغولة بـ"القتال والنجاة"، فهل ستخوض هذه الروبوتات الطائرة الذكية معارك أكثر فتكاً في الأسطول الجوي الأميركي؟ وهل ستكتب له النجاة في أية معركة محتملة مقبلة مع الصين؟

المزيد من علوم