Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبحت الروبوتات القاتلة من النانو درون أسلحة دمار شامل؟

تقدم هوليوود فكرة خاطئة لكن "الدبور الأسود" مقدمة لمستقبل خطير

كثير من التكنولوجيا التي من شأنها أن تمكن النانو درون من العثور عليك ثم تحديد ما إذا كانت ستقتلك أم لا موجودة بالفعل في هاتفك الذكي (أ ف ب)

غالباً ما تكون أفلام الخيال العلمي التي تنتجها هوليوود عن الروبوتات القاتلة على شكل البشر، التي تتصرف من تلقاء نفسها لقتل الناس مثيرة للقلق، لكن على الرغم من أنها تعرض لمفاهيم خاطئة وتحمل كثيراً من المبالغات، فإن الروبوتات القاتلة الحقيقية تعمل الآن في الحروب والنزاعات، لكنها طائرات درون تقليدية أو صغيرة جداً يطلق عليها اسم "نانو درون" أدخلت البشرية إلى العصر الذي تم التنبؤ به وأصبحت أشبه بأسلحة الدمار الشامل في خطورتها على البشر، فهل يدرك الجميع ما يحمله المستقبل القريب لهذه الأسلحة الفتاكة؟  

روبوتات هوليوود

قد يفترض البعض أن هوليوود جيدة في التنبؤ بالمستقبل، لذلك قد يكون هوس هوليوود المستمر بالروبوتات القاتلة مصدر قلق كبير لكثيرين، حيث كان الصراع بين الروبوتات والبشر في قلب أول فيلم روائي طويل للخيال العلمي في عام 1927، وهو فيلم "فريتز لانغ" الكلاسيكي الذي كان مبشراً بسلسلة طويلة من الأفلام التي تعرض قصص الروبوتات القاتلة مثل "سبيس أوديسي"، و"تي 800" ومجموعة أفلام "ترميناتور"، وانتهاء بفيلم "دوللي" الذي يعرض الآن على تلفزيون "أبل".
لكن كل هذه الأفلام تقريباً تعرض لمفهوم غير حقيقي، إذ ليس بالضرورة أن تكون الروبوتات الواعية على شكل البشر ذات نيات شريرة، قد يكون ذلك مناسباً لقصة درامية تنجح في شباك التذاكر، لكن هذه التقنيات ليست في حوزة البشر الآن، بل هي على بعد عدة عقود، بحسب ما يقول توبي وولش، أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية.

الروبوتات القاتلة الحقيقية

وعلى عكس المخاوف الأخيرة، قد لا تكون الروبوتات قادرة أبداً على التصرف تماماً مثل البشر، لكن ما يثير المخاوف الآن هو تقنيات أبسط بكثير بدأت القتل في ساحة المعركة في أماكن مثل أوكرانيا وناغورنو قره باخ وبعض المواقع الأخرى في الشرق الأوسط، وبين حين وآخر تكشف الأخبار عن كيف تتحول الحرب الحديثة من خلال مزيد من طائرات الدرون المتطورة والدبابات والسفن والغواصات التي تحدد أهدافها وتتبعها وتدمرها بشكل مستقل عبر خوارزمياتها أو برمجتها، الأمر الذي يأخذ العالم إلى مكان خطير، مع مجموعة من المشكلات الأخلاقية والقانونية والتقنية لأن هذه الأسلحة، ستزيد من اضطراب الوضع الجيوسياسي العالمي.
وقبل أسابيع قليلة، ظهرت طائرات الدرون في الأخبار مرة أخرى، لكن ليس كما عرفناها من قبل حيث أعلنت بريطانيا أنها سترسل 850 طائرة من طراز "بلاك هورنيت" (الدبور الأسود)، وهي طائرات درون صغيرة جداً بحجم كف اليد إلى كييف لاستخدامها في القتال عن قرب، كي تمنح القوات الأوكرانية ميزة حاسمة في القتال المدني الشرس الذي كان متوقعاً أثناء سعيها لتحرير بلداتها ومدنها.

"الدبور الأسود"

تعد "بلاك هورنيت" أو "الدبور الأسود" آلات بعيدة كل البعد عن المركبات الجوية الكبيرة غير المأهولة من طائرات الدرون التقليدية المرتبطة بالحرب على الإرهاب، مثل طائرات "بريداتور" و"ريبر" الأميركية، التي أوصلت الموت من ارتفاعات عالية جداً إلى أهدافها مع قدر كبير من عدم اللامبالاة، إذ إن "الدبور الأسود" أشبه بلعبة أطفال، حيث يبلغ طوله نحو ست بوصات ووزنه أقل قليلاً من ثمرة البرقوق، ويتمتع بالقدرة على التحرك في زوايا مختلفة، والتسلل عبر النوافذ، ويتميز بالحد الأدنى من الضجيج الذي يجعله غير مسموع على مسافة قريبة، الأمر الذي يمكنه من التسلل مباشرة إلى العدو، ودخول المركبات والمواقع الدفاعية الروسية وإرسال لقطات عالية الدقة وصور ثابتة عبر ثلاث كاميرات مثبتة في مقدمته.
ويقود جندي في الخطوط الأمامية الـ"بلاك هورنيت" عبر شاشة صغيرة على غرار "آي باد" وجهاز تحكم يدوي أشبه بوحدة تحكم ألعاب الفيديو في التسعينيات، وهو بسعر 10 آلاف جنيه استرليني (حوالى 11900 دولار)، لكن من المؤكد أنه سيصبح أرخص سعراً في المستقبل على رغم أنه يقدم ما كان الجنود يتوقون إليه من معرفة ما يجري في نفس اللحظة داخل صفوف العدو والقدرة على رؤية ما يوصف في المفاهيم العسكرية بـ"ما يوجد فوق التل" دون الحاجة إلى إرسال بعض الوحدات الاستكشافية من قوات الاستطلاع.

الخيال أصبح واقعاً

وعلى رغم استخدام طائرات الدرون، الكبيرة والصغيرة في عديد من العمليات في السابق بما في ذلك العراق وأفغانستان، كما هي الحال في استخدامها بالحياة المدنية، فإن الجيوش تجد لها استخدامات الآن كان من الممكن اعتبارها خيالاً علمياً قبل بضعة عقود. وتقدم أوكرانيا مثالاً على تعدد استخداماتها ولمحة عن المستقبل، فقد كانت هذه أول حرب كبرى يشاهدها الناس في الوقت الفعلي لحدوثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح من الشائع الآن على "تويتر" مشاهدة لقطات لطائرة درون معدلة، وهي تلقي قنبلة يدوية على مأوى يضم عدداً من المشاة الروس النائمين أو إسقاط قنبلة من خلال فتحة دبابة، الأمر الذي يسبب أضراراً معنوية لباقي القوات على الأرض وفقاً للمعلومات الاستخباراتية الأميركية والبريطانية.
وهكذا أصبحت طائرات الدرون تخوض حرباً جيدة جداً وأثبتت أنها المستقبل، وبخاصة بعد أن استخدمت في ميادين مختلفة بشكل مستقل أحياناً مثلما حدث في ليبيا قبل سنوات عبر طائرة درون تركية وفقاً لتقرير من الأمم المتحدة، ومع ذلك يتجاهل البعض حقيقة أن "الدبور الأسود" لا يزال يطلب من الجندي الذي يتحكم في الطائرات أن يعرض نفسه للخطر من خلال الاقتراب بدرجة كافية من العدو (أقل من كيلومترين)، وأنه بمجرد وصول طائرة الدرون لا يمكنها التصرف إلا كأداة استطلاع، حيث لا يمكنها أن تفكر بنفسها، كما أنها غير قادرة على القتل.

لكن هذا يتغير بسرعة

في عام 2017، عرض فيلم قصير لأول مرة في مؤتمر دبلوماسي للأمم المتحدة في جنيف، الذي أثار بعض الجدل، فقد صور الفيلم ويدعى "روبوتات قاتلة"، عرضاً تقنياً خيالياً من خلال تقديم درون صغير بما يكفي ليلائم راحة اليد، لكن كل شيء فيه يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ووصفه مقدم العرض، أنه يمكن لمعالجها (بروسيسور) أن يتحكم بنفسه ويتفاعل أسرع 100 مرة من الإنسان، وهو مثل أي جهاز محمول هذه الأيام، به كاميرات وأجهزة استشعار، تماماً مثل الهواتف وتطبيقات الوسائط الاجتماعية الخاصة بك، ومن الطبيعي أن يتمتع بخاصية التعرف على الوجه، لكن الأهم أن داخل الطائرة الصغيرة، يوجد ثلاثة غرامات من المتفجرات التي يلقى بها في الهواء، وعندما تستعيد اتجاهها بسرعة تضرب مثل صاعقة من البرق جبهة الإنسان، ما يؤدي إلى ثقب صغير يكفي لاختراق الجمجمة وتدمير محتوياتها، لكن على رغم أن الفيلم الذي شاهده 75 مليون شخص، خيالي وليس فيلماً وثائقياً، فإنه يطرح سؤالاً عن مدى قربنا من تحقيقه على أرض الواقع، وهو ما يجيب عنه ستيوارت راسل أستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة كاليفورنيا، الذي اعتبر أن التقنيات المطلوبة لدرون صغير مميت من النوع الذي تم تصويره في الفيلم موجودة بالفعل، وهي تحتاج فقط إلى التحسين في بعض المجالات، وتقليصها ودمجها، وأن هناك بعض المشكلات الفنية في التصغير، التي تتعلق بالبطاريات والمدى ومقدار الطاقة على متن الطائرة التي تحتاج إليها لدعم معالجة الكمبيوتر للحصول على نظام مستقل تماماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تقنيات متوفرة

ولبناء نانو درون عالية الأداء، من الممكن تصميم شريحة كمبيوتر أخف وزناً وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، كما أن كثيراً من التكنولوجيا التي من شأنها أن تمكن النانو درون من العثور عليك ثم تحديد ما إذا كانت ستقتلك أم لا، موجودة بالفعل في هاتفك الذكي، مثل الكاميرات، وخاصية التعرف على الوجه، وتحديد الموقع الجغرافي.
والأخطر من ذلك أن الأجهزة التي تعمل كجزء من حزمة أو سرب، وتطارد مجموعة من الأهداف في وقت متزامن تمثل كابوساً خطيراً، إذ يمكن تدريب أنظمة الكمبيوتر التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، على تشغيل عدة طائرات درون صغيرة كفريق واحد، فتخترق المباني والقطارات والسيارات، وهي محصنة إلى حد كبير من الرصاص وأقل عرضة للتشويش الإلكتروني لأنه لا يتم التحكم فيها عن بعد، وربما تكون مبرمجة على استخدام برنامج التعرف على الوجه أو قزحية العين أو حتى المشية في استهداف الأعداء.

أخطار المستقبل

وإذا كان تاريخ الحروب يشير إلى أن إدخال أسلحة جديدة تسهل قتل العدو يمكن أن يشجع على اندلاع الحروب، فإن العامل الحاسم هو القدرة على انتشار هذه الأسلحة ما يترك آثاراً محتملة تحدد العصر.
وفي حين يصعب تصنيع سلاح نووي أو شراؤه، إذا لم يوافق المجتمع الدولي على ذلك، فإن انتشار تقنية طائرات الدرون المستقلة باعتبارها جانباً سائداً بشكل متزايد للحياة التجارية والترفيهية، لن تنطبق على الأسراب القاتلة من هذه الطائرات.
ويقول البروفيسور راسل إن "هناك أوجه تشابه واضحة مع صنع القنبلة الذرية، فبحلول نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، كان كثير من العناصر اللازمة لتصنيع القنبلة متوافرة مثل نظائر اليورانيوم والبلوتونيوم المراد تخصيبها، لكن كانت هناك حاجة إلى دفعة كبيرة لتحويل هذا إلى واقع عملي، وفي عام 1943، مولت حكومة الولايات المتحدة مشروع مانهاتن بقوة، وجمعت أفضل العلماء في الولايات المتحدة في لوس ألاموس، بولاية نيو مكسيكو وحولت واحداً في المئة من إمدادات الكهرباء في البلاد إلى مساعيهم، وبعد عامين كان لديهم قنبلة. ولأنها مسألة إرادة، فإن صناعة طائرات نانو درون مسلحة، يمكن تنفيذه في غضون 18 شهراً وهو أسهل من مشروع مانهاتن بكثير".

الغرب في مأزق

وما يزيد من الأخطار أنه من الممكن أن يدخل العالم في سباق تسلح جديد مشابه للسباق النووي في الأربعينيات والخمسينيات، وهو ما يضع الغرب في مأزق، إذ يبدو مع التفوق التقني الغربي أنه ينظر إلى الأسلحة المستقلة على أنها مستقبل الحرب، لكن ذلك يجعل الغرب حساساً في شأن رد الفعل العام على فكرة الروبوتات القاتلة المستقلة تماماً، حيث تعمل وزارة الدفاع الأميركية منذ عام 2012 بموجب توجيه ذاتي غامض فرضته على نفسها يشترط ضرورة مشاركة البشر في حلقة صنع القرار، ومع ذلك فإن آخرين يختلفون، أو يقولون إن هذا الشرط يمكن تجاوزه بسهولة.
ومنذ عام 2014 ترى بعض الدول الاتجاهات الحالية وتريد أن يتوقف استخدام الروبوتات القاتلة، وتدعم جهود التوصل إلى معاهدة تحظر استخدام الروبوتات القاتلة المستقلة، لكن دولاً أخرى من اللاعبين الكبار تريد المضي قدماً، حيث لا يمكن تصور أن الولايات المتحدة أو الصين أو الهند أو روسيا أو بريطانيا أو فرنسا أبدت استعداداً حقيقياً لحظر هذه الأسلحة، بما في ذلك أسراب طائرات النانو درون التي تنفق عليها واشنطن ولندن وبكين وموسكو كثيراً من الأموال.
لكن، كما هي الحال مع الطاقة النووية، لا يوجد توقف لمسيرة التكنولوجيا، وبخاصة عندما تكون هناك طرق لإبقاء الجنود بعيداً من خط النار بينما يمكنك قتل مزيد من الأعداء من دون أي تكلفة إضافية من خلال الذكاء الاصطناعي والروبوتات التي أصبحت أفضل بشكل واضح من البشر في مجموعة كبيرة ومتنامية من الأنشطة، من لعب الشطرنج إلى قيادة الطائرات.
ولكن، إذا أخذنا في الاعتبار العامل الأخلاقي، هل يمكن أن تكون الروبوتات القاتلة أفضل في تحديد من يعيش ومن يجب أن يموت؟

استراتيجية العمل الجماعي

يرى بعض خبراء الذكاء الاصطناعي أن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها الحماية من هذا المستقبل المرعب هي أن تتخذ الدول إجراءات جماعية، كما فعلت مع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وحتى الأسلحة النووي، وعلى الرغم من أن هذا التنظيم لم يكون مثالياً، كما أن تنظيم الأسلحة الكيماوية ليس مثالياً إلا أنها ستمنع شركات الأسلحة من البيع العلني لهذه الأسلحة بالتالي انتشارها.
وفي حين دعت عشرات الدول الأمم المتحدة إلى تنظيم الروبوتات القاتلة، كما دعا البرلمان الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، والأمين العام للأمم المتحدة، والحائزون على جائزة نوبل للسلام، والقادة الدينيون، والسياسيون، وآلاف الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات إلى التنظيم، تظل هذه الجهود مجرد آمال عريضة بلا إجابة مرضية ومنطقية من أصحاب القرار حتى الآن.

المزيد من تحقيقات ومطولات