Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصاعد المعارك يفاقم الأوضاع الإنسانية لسكان جنوب كردفان

حركة نزوح واسعة نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية في محليات عدة بالإقليم

سودانيون يصطفون لتسجيل أسمائهم للحصول على مساعدات غذائية محتملة في مخيم للنازحين داخلياً جنوب كردفان (أ ف ب)

ملخص

أبدى مجلس جبال عموم النوبة قلقه البالغ إزاء تطور العمليات العسكرية بصورة متسارعة في ولاية جنوب كردفان، بخاصة في المناطق التي تشهد وجوداً مكثفاً لقوات الجيش، على رأسها مدينتا كادوقلي والدلنج، إلى جانب مناطق أبو جبيهة وأبو كرشولا. وأشار المجلس إلى أن "سلامة المدنيين تمثل أولوية قصوى، في وقت تشير فيه كل الاحتمالات إلى اندلاع مواجهات عسكرية واسعة النطاق في هذه المناطق خلال الأيام المقبلة".

مع استمرار تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" وحليفتها الحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو في ولاية جنوب كردفان، باتت مدن الإقليم الأكثر تضرراً مع تسارع تدهور الأوضاع الإنسانية، بخاصة كادوقلي والدلنج وكلوقي والعباسية، إذ تعاني انهيار أنظمتها الصحية ونفاد مخزوناتها الغذائية، إضافة إلى تفشي الأمراض والأوبئة الفتاكة.

في ظل هذه التطورات المتلاحقة شهدت مدن ولاية جنوب كردفان حركة نزوح واسعة خلال الأيام الماضية نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية في محليات عدة بالإقليم، في وقت يعاني فيه العالقون، الذين لم يتمكنوا من مغادرة المناطق والقرى، أوضاعاً مأسوية بسبب انعدام الغذاء والدواء، مما أدى إلى وفاة مئات الأشخاص جوعاً وسط انتشار واسع النطاق للأمراض المرتبطة به بخاصة بين الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل والمرضعات.

 

جوع ومرض

في السياق قال المواطن السوداني عوض الباشا الذي يسكن مدينة الدلنج إن "مأساة ومعاناة السكان تتفاقم بسبب الحصار والقصف، ويتفشى الجوع والمرض وانعدام الغذاء والماء والدواء بصورة لا تطاق، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال والنساء الذين باتوا يعيشون فصولاً رهيبة من حكايات الجوع، وفي ظل استهداف الدعم السريع وحليفتها الحركة الشعبية الأحياء السكنية بالقصف المدفعي والجوي بالمسيرات، لم يجد المواطنون بديلاً غير الهرب إلى أعلى الجبال والمناطق المرتفعة لإنقاذ أنفسهم"، وأضاف أن "الجوع دهم المنطقة وبات من الصعب الحصول على وجبة واحدة في اليوم، واضطر عدد كبير من السكان إلى أكل أوراق الأشجار من أجل سد الرمق"، وتوقع الباشا أن "تزداد حالات الموت جوعاً في الفترة المقبلة ما لم يجر السماح بدخول المساعدات الإنسانية لعشرات آلاف العالقين في الدلنج ثاني أكبر مدن جنوب كردفان، بخاصة في ظل الانهيار الكامل للوضع الصحي والانعدام التام للأدوية والمحاليل الوريدية وانتشار أمراض الكوليرا والإسهال والملاريا والالتهابات الرئوية القاتلة".

أزمات ومعاناة

من جانبه، أوضح محمد تيه من مواطني مدينة كادوقلي أن "الوضع فاق حدود الاحتمال، خصوصاً مع استمرار القصف العشوائي على الأحياء السكنية من الحركة الشعبية، وتزايد أعداد الضحايا والجرحى، إضافة إلى أزمة الغذاء نتيجة إغلاق الطرق وتوقف إمدادات السلع والبضائع والأدوية"، وأضاف أن "القصف المتكرر أجبر مئات الأسر على النزوح إلى مناطق الكرقل وأبوجبيهة بحثاً عن الأمن والحياة وسط ظروف إنسانية صعبة، خصوصاً بعد نفاد المدخرات المالية وتوقف الأعمال"، وبين تيه أن "السكان الموجودين في عاصمة ولاية جنوب كردفان يعانون أوضاعاً اقتصادية قاسية، إذ نفد كثير من السلع الضرورية مثل الدقيق والزيوت والرز والعدس والبصل".

انتهاكات ونزوح

بدوره أوضح عضو غرفة طوارئ كادوقلي حماد الساير أن "سوء التغذية يتفشى بصورة مخيفة لدى الأطفال في المدينة ومناطق الكرقل وتالودي بسبب الحصار على الإقليم من الدعم السريع والحركة الشعبية - شمال، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين الذين يعانون الجوع والفقر والمرض"، ونوه الساير إلى أن "تصاعد المعارك وتزايد الانتهاكات أجبر آلافاً على الفرار، إذ غادر 590 فرداً قرية كرموجيا بمحلية العباسية، وكذلك نزح 235 فرداً من قرية قرود أمردمي بمحلية تالودي نتيجة انعدام الأمن، ولجأوا إلى مواقع متعددة داخل المحلية ذاتها، في وقت تشهد المنطقة أوضاعاً غير مستقرة وقابلة للتدهور في أية لحظة"، وأشار إلى أن "هناك تخوفاً واسعاً في شأن مصير آلاف المدنيين العالقين في الدلنج وكادوقلي، خصوصاً أن مدن الولاية محاصرة بقوات الدعم السريع والحركة الشعبية من كل الاتجاهات، في حين يعتمد المدنيون في حركة نزوحهم على السير على الأقدام وعربات الكارو بسبب انعدام الشاحنات والوقود".

دعوة إلى المغادرة

إلى ذلك، أبدى مجلس جبال عموم النوبة قلقه البالغ إزاء تطور العمليات العسكرية بصورة متسارعة في ولاية جنوب كردفان، بخاصة في المناطق التي تشهد وجوداً مكثفاً لقوات الجيش، على رأسها مدينتا كادوقلي والدلنج، إلى جانب مناطق أبو جبيهة وأبو كرشولا. وأشار المجلس في بيان إلى أن "سلامة المدنيين وحماية أرواحهم تمثل أولوية قصوى، في وقت تشير فيه كل الاحتمالات إلى اندلاع مواجهات عسكرية واسعة النطاق في هذه المناطق خلال الأيام المقبلة"، وحث البيان مواطني جبال النوبة بمختلف فئاتهم العمرية من نساء وأطفال وكبار سن على مغادرة مناطق التوتر والنزاع المسلح والتوجه نحو المناطق الأكثر أماناً، بما في ذلك المناطق الواقعة خارج دائرتي المواجهات العسكرية، كما حذر من أخطار استخدام وجود المدنيين داخل المدن لأغراض عسكرية، وأكد أن أبناء النوبة لن يكونوا وقوداً للحرب أو أدوات في صراع عسكري أو سياسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ارتفاع الوفيات

في سياق متصل، قال الطبيب المتطوع في محلية العباسية نزار النور إن "انعدام الرعاية الصحية أسهم في ارتفاع معدلات الوفيات وسط سكان ولاية جنوب كردفان مع استمرار تفشي الأمراض وعدم توافر الأدوية، فضلاً عن معاناة مرضى الفشل الكلوي والقلب"، ولفت إلى أن "الأطباء المتطوعين في الإقليم رصدوا معاناة أكثر من 100 ألف شخص من نقص حاد في الغذاء، إلى جانب تسجيل 5 آلاف إصابة بالكوليرا، تشمل أكثر من 1200 حالة في الدلنج، و900 في كادوقلي، في وقت وصلت حالات الوفيات المرتبطة بالوباء إلى أكثر من 800 وفاة"، وتوقع النور أن "تكون حالات الإصابة والوفيات أكبر من ذلك بكثير بسبب عدم الوصول إلى المرافق الصحية، وانعدام الاتصال وشبكة الإنترنت، وكذلك نقص الكوادر الصحية"، لافتاً إلى أن حالات الإصابة بحمى الضنك في جنوب كردفان بلغت 829 حالة، وتابع "الأسر التي نزحت من منازلها تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة من إيواء وماء وغذاء وعلاج، ويفترش مواطنون كثر الأرض في العراء وتحت ظلال الأشجار"، وطالب الطبيب المتطوع المنظمات الوطنية والدولية بضرورة التدخل مراعاة للأوضاع الحرجة التي يعيشها النازحون، وتقديم خدمات إنسانية طارئة لهم، خصوصاً الموجودين في المناطق الآمنة التي لم تطاولها المعارك والاشتباكات المسلحة.

قتل الأطفال

في غضون ذلك، أشارت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ما لا يقل عن 104 أشخاص، بينهم 43 طفلاً، قتلوا في هجمات بطائرات مسيرة في إقليم كردفان منذ الرابع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وأبدى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك قلقه الشديد إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين أطراف الصراع في هذا الإقليم المشتعل، خصوصاً من ناحية الغارات الجوية التي استهدفت مستشفيات وروضة أطفال وقاعدة تابعة للأمم المتحدة في وقت سابق.

في حين أوضحت منظمة الهجرة الدولية أن فرقها الميدانية قدرت نزوح مئات الأشخاص من مدينة كادوقلي جراء تردي الأوضاع الأمنية، إذ توزعوا على مواقع متفرقة في محليتي الرهد وشيكان بولاية شمال كردفان.

في الأثناء، كشفت قيادات محلية بجنوب كردفان عن أن مدينتي كادوقلي والدلنج تشهدان تحركاً شعبياً، تقوده شخصيات وقيادات أهلية وناشطون من المجتمع المدني، يهدف إلى منع تكرار مأساة الفاشر بالمدينتين وتجنيب المدنيين ويلات حرب عبثية يدفع ثمنها الأبرياء وحدهم. وأشارت القيادات إلى تبلور مبادرة محلية للتفاوض حول إمكان انسحاب آمن لقوات الجيش من داخل تلك المدن، لكنها لا تزال تجد رفضاً من قيادة الجيش، على رغم موافقة الحركة الشعبية والتزامها بكل ما جاء في المبادرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير