Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي دلالات لتمديد "الملء الرابع" لسد النهضة الإثيوبي؟

محللون يؤكدون أنها "بادرة حسن نوايا" تجاه دولتي المصب وآخرون يشيرون إلى "جهود مصرية مكثفة" وراء القرار

أوضح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن "سد النهضة أصبح واقعاً ملموساً" (مواقع التواصل)

ملخص

اعتبر مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي أن التبرير المقدم لقرار التمديد يؤكد بشكل آخر أن مراحل الملء ستؤثر فعلياً في حصص مصر من مياه النيل

أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال الدورة العادية الـ28 للبرلمان الإثيوبي، أن حكومته اتخذت قراراً بالتقليل من وتيرة التعبئة الرابعة لسد النهضة، ليكتمل ملء السد في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، بدلاً من نهاية يوليو (تموز) الجاري.

وبرر آبي أحمد القرار الجديد بحرص حكومته على عدم إلحاق الضرر بدولتي المصب مصر والسودان، مؤكداً "أن المراحل الثلاث الماضية لم تضر بحصص مصر والسودان من المياه، وكذلك سنمضي في السياق ذاته في المرحلة الرابعة".

وشدد في رده على تساؤلات النواب على أن لدى حكومته رغبة حقيقية لاستئناف مسار التفاوض حول مياه النيل، مؤكداً أنها "لم ترفض مبدأ الحوار في أي وقت، لكنها تحفظت على بعض الشروط المسبقة التي وضعها الشركاء". 

وأوضح أن "سد النهضة أصبح واقعاً ملموساً، وأن تأجيل مواعيد التعبئة الرابعة لن يؤثر في اكتماله تحت أي ظرف"، وعزا قرار تأجيل مواقيت الملء في هذه المرحلة إلى قلة الأمطار التي كانت متوقعة مسبقاً في الهضبة الحبشية، مؤكداً أن نسبة الأمطار المتوقعة خلال الشهرين المقبلين ستوفر المنسوب المطلوب لإتمام الملء في منتصف سبتمبر من العام الحالي.

يأتي ذلك بعد أسبوع من تصريح وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين باستعدادات بلاده لاستكمال التعبئة في المواعيد المحددة مسبقاً في نهاية يوليو الجاري، مما أثار تساؤلات النواب حول دوافع هذا التأجيل، وما إذا كانت أديس أبابا تعرضت لضغوط دبلوماسية وسياسية وربما مالية من حلفائها كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بخاصة بعد الجهود الدبلوماسية المكثفة التي قادتها القاهرة تجاه هذه الدول بغرض ممارسة ضغط على أديس أبابا. 

وكان لقاء جمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على هامش افتتاح قمة "ميثاق مالي عالمي جديد" بالعاصمة الفرنسية باريس.

تمديد وليس تأجيلاً 

يرى الصحافي الإثيوبي زاهد زيدان أن القرار الذي أعلن عنه رئيس الوزراء آبي أحمد في البرلمان الإثيوبي "هو تمديد لفترة الملء إلى منتصف سبتمبر، وليس تأجيلاً لعملية الملء"، موضحاً "هناك لبس في قراءة هذا القرار من قبل بعض وسائل الإعلام، إذ إن الملء جار منذ نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، لكن بوتيرة أقل من المراحل الثلاث الماضية".

وأضاف أن ذلك عائد إلى حرص أديس أبابا على عدم الإضرار بحصص كل من مصر والسودان، بخاصة أن كمية المياه المطلوب حجزها في هذه المرحلة تصل إلى نحو 20 متراً مكعباً، مما يستدعي تقليل وتيرة الملء، وهذا يتماشى مع التعهد الإثيوبي بمراعاة المصالح المائية لدولتي المصب، علاوة على كونه تجسيداً لالتزامات أديس أبابا في الاجتماع الأخير لدول حوض النيل المنعقد في يونيو (حزيران) الماضي، والذي تغيبت عنه القاهرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى أن هناك ترسخاً لقناعات جديدة حول هذا السد، سواء من الطرف الإثيوبي أو المصري - السوداني، في كونه لن يمثل إضراراً بأي طرف من دول حوض النيل، وقد تبلور ذلك في اللقاء الودي الأخير الذي جمع الرئيس المصري برئيس الوزراء الإثيوبي في باريس، كما سبق أن شارك الأخير بوفد عالي المستوى ضم رئيس الوزراء السابق ووزراء المياه والكهرباء والصناعة في قمة المناخ العالمي في شرم الشيخ. 

ويخلص زيدان إلى أن العلاقات الرسمية بين القاهرة وأديس أبابا تسير بخطى حثيثة نحو التعاون والتفاهم في شتى المجالات، على عكس التناول الإعلامي الذي تغلب عليه الحدة في الطرح، مشيراً في هذا الصدد إلى تصريح الرئيس المصري لإعلاميي بلاده بضرورة التحلي بالصدقية ومعالجة موضوع سد النهضة بالحكمة بعيداً من التصعيد الإعلامي.

إبداء حسن النوايا

من جهته قال المحلل المتخصص في الشأن الإثيوبي عبدالشكور عبدالصمد إن التفاوت في مواعيد المراحل الأربع للتعبئة يؤكد رغبة إثيوبيا في الالتزام بتعهداتها السابقة تجاه مصالح دول حوض النيل. 

وأضاف أن المرحلة الأولى استغرقت نحو أسبوعين، والثانية أقل من شهرين، لتستمر التعبئة الرابعة لنحو أربعة أشهر، مما سيسمح بتعويض المياه المحتجزة بمياه الأمطار خلال الموسم الشتوي الجاري. 

وقرأ الخطوة باعتبارها "إبداء لحسن النوايا" من أديس تجاه دولتي المصب، لا سيما أن تمديد فترات الملء ظل يمثل جزءاً من مطالبهما، بجانب مطالب أخرى تتعلق بتوقيع اتفاقيات فنية ملزمة. 

ونفى عبدالصمد أن تكون بلاده قد تعرضت لأية ضغوط دولية، مما دفعها إلى اتخاذ قرار التمديد، مؤكداً "أن أديس أبابا سبق أن تعرضت خلال الأعوام الأربعة الماضية لضغوط مكثفة من الإدارة الأميركية، لكن لم ترضخ لأي منها، بل انسحبت من مسار واشنطن التفاوضي لاستشعارها انحياز واشنطن للرؤية المصرية.

عوائق أمام التفاوض 

وحول عودة إثيوبيا إلى مسار المفاوضات، قال المحلل المتخصص في الشأن الإثيوبي إن بلاده ظلت على استعداد للعودة إليه، وهذا ما أكده رئيس الوزراء آبي أحمد في جلسة البرلمان، مشيراً إلى أن الانسحاب من محادثات كينشاسا حول السد كان عائداً إلى "الاستفزازات المصرية" التي وضعت شروطاً مسبقة للمسار.

وأضاف "المحاولات اللاحقة للتفاوض تعثرت بسبب الوضع السوداني، إذ أدت إطاحة حكومة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك إلى تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي (الراعي للمفاوضات)، بالتالي حالت الإجراءات القانونية والفنية دون مشاركة السودان في أية مفاوضات يرعاها الاتحاد".

وأوضح أنه "حتى في حال توفر الرغبة لدى إثيوبيا وكذلك لدى دولتي المعبر والمصب لعودة المفاوضات فإن عدم استعادة السودان عضويته في الاتحاد الأفريقي سيظل عائقاً أمام استئنافها مجدداً".

ونفى المحلل الإثيوبي وجود بديل محتمل للاتحاد الأفريقي لرعاية أية مفاوضات منتظرة، وذلك لتمسك إثيوبيا بمبدأ حل القضايا الأفريقية تحت مظلة الاتحاد القاري، وهو موقف طالما عبرت عنه حتى في نزاعاتها الداخلية على غرار الحرب في تيغراي.

جهود دبلوماسية مكثفة

من جهة أخرى رجح المحلل المصري جوزيف رمزي وجود تحديات داخلية وخارجية لعملية تأجيل مواعيد اكتمال الملء الرابع، مؤكداً أن القاهرة قادت جهوداً دبلوماسية مكثفة لإثناء أديس عن إتمام الملء في يوليو الجاري.

وقال رمزي لـ"اندبندنت عربية" إن "مصر لم تقف ضد بناء السد أو تعبئته بالمياه، لكنها ظلت تطالب بضرورة ألا تضر مواقيت الملء بالمصالح المائية لكل من مصر والسودان". 

وتوقع أن يكون للقاء الذي جمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أثر في اتخاذ قرار تمديد الملء الرابع لأربعة أشهر كاملة، مضيفاً "قد تكون هناك أيضاً أسباب داخلية أسهمت في هذا التمديد، بخاصة أن إثيوبيا تشهد نزاعات مسلحة في أكثر من إقليم مما يصعب الالتزام لوجيستياً وأمنياً باستكمال مشاريعها التنموية في المواعيد المحددة مسبقاً، كما أن السد أصبح بمثابة بطاقة سياسية داخلية يمكن التلويح بها وتصعيد الموقف مع دول المصب في ظروف معينة، أو العكس في ظروف مغايرة".

وأشار رمزي الذي عمل مستشاراً إعلامياً للسفارة المصرية في أديس أبابا، إلى أن هناك مؤسسات مصرية غير رسمية بذلت جهوداً للتقريب بين وجهتي النظر المصرية والإثيوبية، ولعل أهمها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية التي ترتبط بعلاقات تاريخية مع نظيرتها الإثيوبية.

من جهة أخرى اعتبر ناشطون مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي أن التمديد بمثابة "لا حدث"، لا سيما أن الملء مستمر، فضلاً عن عدم قبول إثيوبيا حتى الآن التوقيع على أية اتفاقيات ملزمة حول المسائل الفنية المتعلقة بسلامة التشييد وطرق ومواقيت الملء ثم التشغيل، وهما مطلبان أساسيان تتمسك بهما القاهرة وبدرجة أقل الخرطوم.

واعتبر بعض المغردين أن التبرير المقدم لقرار التمديد يؤكد بشكل آخر أن مراحل الملء ستؤثر فعلياً في حصص مصر من مياه النيل، بخاصة أن المراحل المقبلة ستحجز كميات أكبر من سابقاتها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير