Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل الدين والسياسة بإثيوبيا في عهد آبي أحمد

مسيرة لمسلمين رفضاً لهدم مساجد تنتهي بمقتل 3 أشخاص

رفض المسلمين الإثيوبيين هدم مساجد يأتي بعد شهرين من أعمال عنف أعقبت احتجاج الكنيسة الأرثوذكسية على ما اعتبرته تدخلا حكوميا في شؤونها (أ ف ب)

ملخص

تطورات بين مسلمي إثيوبيا وحكومتهم تلقي بظلالها بعد أقل من ثلاثة أعوام على نجاح رئيس الوزراء آبي أحمد في تشكيل المجلس الإسلامي الأعلى ليغلق صفحة الشد والجذب التي استمرت سنوات بين ممثلي المذاهب الإسلامية والدولة.

ألقت احتجاجات نظمها مسلمون انطلاقاً من مسجد أنوار بأديس أبابا، بظلاله على عودة التوتر الديني في إثيوبيا، احتجاجاً منهم ضد ما سموه "الهدم الممنهج للمساجد ودور العبادة" في إقليم أوروميا، الذي تقع العاصمة في محيطه. وخرج آلاف المصلين في مسيرة سلمية واجهتها قوات الأمن بالهراوات، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات.

رفض المسلمين الإثيوبيين يأتي بعد شهرين من أعمال عنف أعقبت احتجاج الكنيسة الأرثوذكسية على ما اعتبرته تدخل الحكومة الفيدرالية في شؤونها، وغض الطرف عن بعض من تمسيهم الخارجين على قانون الكنيسة في منطقة أوروميا، الذين هاجموا عدداً من الكنائس.

تطورات تلقي بظلالها بعد أقل من ثلاثة أعوام على نجاح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في تشكيل المجلس الإسلامي الأعلى، ليغلق صفحة الشد والجذب التي استمرت سنوات بين ممثلي المذاهب الإسلامية والدولة. والسؤال الآن ما إشكالات الدولة الإثيوبية مع المؤسسات الدينية وما علاقة الدين بالمؤسسات الرسمية وكيف يتم التعاطي مع الدين في السياسة الإثيوبية الجديدة؟

الدين والسياسة 

الصحافي والمتخصص السياسي في الشأن الإثيوبي زاهي زيدان، قال إن إشكالية الدين والدولة قديمة في البلاد، موضحاً "أن التاريخ الإثيوبي حافل بكثير من الصراعات حول الدين والسياسة". ولعل أحد تجليات الصراع بدت بوضوح منذ نهايات القرن الـ19، عندما تم تأسيس "إثيوبيا الحديثة" عام 1868، بعد سقوط زيلع عاصمة سلطنة عدل بمنطقة هرر، تحت حكم الملك منيليك الثاني، الذي قام بترسيم المسيحية الأرثوذكسية كديانة للدولة، ما أسهم في نفور المسلمين من سياساته التي استهدفتهم بشكل خاص، وفقاً لزيدان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح أن سياسات الإمبراطور الإثيوبي هيلي سلاسي، مضت في الاتجاه نفسه، الذي يجعل من المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية، على رغم ما يمثلونه من ثقل جغرافي وديموغرافي في البلاد، لكنه يستثني عهد الكولونيل منجستوا هيلي ماريام، من هذا التعاطي المزدوج، لافتاً الانتباه إلى أن "الأخير اتبع النهج الشيوعي الماركسي، الذي تساوى فيه المواطنون، بصرف النظر عن دياناتهم وعرقهم".

ومن وراء منجستوا في الحكم، جاء تحالف جديد يحمل شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وقد حاول هذا التحالف الذي قادته الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التخفيف من البعد الديني في مؤسسات الدولة الإثيوبية، على أن يكون التعاطي وفقاً لحقوق المواطنة.

معالجة ملفات الدين

بدوره، يرى المتخصص في الشأن الإثيوبي عبدالشكور عبدالصمد، أن إدارة آبي أحمد، عملت بشكل منهجي على معالجة مختلف الملفات الشائكة، بما فيها "الملف الديني بكل إشكالياته والمرحل منذ العهد الإمبراطوري"، مؤكداً "أن من بين المهام الأساسية التي نجحت فيها هذه الإدارة، هو تشكيل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كأول جهة تمثل مسلمي إثيوبيا، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ البلاد الحديث"، لا سيما أن تنازعاً كبيراً كان قد حدث بين التيارات الدينية في العهد السابق، حيث كان النظام السياسي تحت قبضة تيغراي، قد اعترف بمذهب "الأحباش" من دون غيره كمعبر عن المسلمين في البلاد.

لكنه نوه إلى "أن مسلمي إثيوبيا ينقسمون بين مذهبين هما الشافعي والمالكي، وأغلبهم أشاعرة المشرب، وقادري الطريقة"، مشيراً إلى أن "فرض مذهب مجموعة الأحباش في العهد السابق أدى إلى رفض عام".

واتفق زيدان مع ما ذهب إليه عبدالشكور لتأكيد أن حكومة آبي أحمد قد عالجت كثيراً من الملفات في الشأن الديني الإسلامي، لكنه يستطرد بالقول "المجلس الأعلى سيطرت عليه بعض التيارات المحسوبة على المذهب المتشدد، علاوة على الطرق الصوفية، فيما تم إقصاء الأحباش من التمثيل فيه، الذي دخل بدوره في صراعات داخلية". 

ونبه إلى "إجراءات وتصريحات مهمة أدلى بها رئيس الوزراء آبي أحمد، من بينها إعلانه تحت قبة البرلمان أن المسلمين يشكلون ما لا يقل عن نصف سكان البلاد، وأنهم لن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية"، مضيفاً "كان لهذا التصريح وقع مهم، لدى الأوساط الإسلامية".

كما أتبع ذلك بعدة إجراءات مهمة تتعلق بمسألة التمثيل والمشاركة، فتم اعتماد معيار الكفاءة في اختيار قيادات الدولة، فظهرت وزيرات وبرلمانيات مسلمات بالحجاب الشرعي، ولم يكن هذا أمراً معهوداً في تعاطي الدولة الإثيوبية مع من يتولى المهام السيادية، وفقاً لزيدان.

من جهته أوضح عبدالشكور أن توحيد المؤسسة الدينية الإسلامية، والسعي إلى إقامة مجلس أعلى لمتبعي المذهب البروتستانتي، استغرق وقتاً طويلاً باعتباره من الملفات المفخخة، مشيراً إلى أن "إيجاد حلول للمشكلات المؤجلة يحتاج إلى مزيد من الوقت، ورصيد من الثقة بين الدولة والمواطنين". 

دولة متعددة

إجراءات اتخذتها إثيوبيا، خلال السنوات الأربع الماضية، في ملف الأديان، خصوصاً في شقها الإسلامي، لم ترض التيارات المتطرفة، وفقاً للمتخصص في الشأن الإثيوبي زاهي زيدان، الذي أشار إلى تيار اليمين المسيحي المتطرف داخل الكنيسة الأرثوذكسية الذي يعرف بـ"مهبر قدوسان" أي جمعية القديسين، منوهاً بأن هذا التيار "قد درج على تعريف إثيوبيا كدولة العلم الواحد والدين الواحد والمذهب الواحد"، بالتالي فإن "الاعتراف بالتعددية الدينية والمذهبية يعد خصماً من رصيده التاريخي في التغلغل داخل أجهزة الدولة وفرض شروطه". 

ومضى في تحليله للمشهد الديني الإثيوبي بقوله "ليس المسلمون وحدهم من يعانون استهداف هذا التيار المتنفذ، بل المذاهب المسيحية الأخرى أيضاً كالبروتستانت والكاثوليك وغيرهما".

ويعتقد "أن الإدارة الحالية تسعى إلى تحييد الدين عن العمل السياسي، وعن رسم سياسات الدولة" على أن تكون المواطنة هي المعيار الوحيد للتمثيل ولاتخاذ القرار"، مؤكداً أن "حكومة آبي أحمد تتبنى النهج الليبرالي، وتسعى إلى تكريس مفهوم المواطنة، القائم على التعددية الإثنية والدينية". 

التخطيط للمستقبل 

بالعودة إلى أحداث، الجمعة الماضية، واتهام حكومة آبي أحمد باستهداف المساجد يرى عبدالشكور، أن الأمر يتعلق بـ"إعادة تأهيل بعض المناطق الحضرية بالقرب من العاصمة، حيث إن النزوح الريفي نحو محيط أديس أبابا بإقليم أوروميا قد أسهم في بناءات غير مرخصة، شكلت لاحقاً حزاماً عشوائياً على خصر العاصمة".

وأضاف أن حكومة الإقليم اتخذت قراراً بإزالة معظم الإنشاءات غير المرخصة في إطار تخطيط عمراني جديد، منوهاً بأن معظم النازحين إلى هذه المنطقة كانوا "من المسلمين الذين بنوا مساكن ومساجد".

وأشار إلى أن التخطيط الجديد "سيشمل إقامة وحدات سكنية، ومراكز تجارية، ومتنزهات" مضيفاً "لسوء الحظ معظم المساجد وزوايا العبادة في هذه المنطقة بنيت من دون تصاريح رسمية بالتالي شملها قرار الإزالة".

هنا اعتبر زيدان أن "بعض تلك المساجد لم تحصل على صكوك الملكية والبناء، لكنه نبه إلى أن اتخاذ قرار الإزالة والهدم بطريقة عاجلة وغير مدروسة بشكل كاف، قد أسهم في إثارة غضب المسلمين". ولفت إلى "إخفاق في إدارة هذه الأزمة من قبل حكومة الإقليم، مما أسهم في تفجر الغضب بذلك الشكل، الذي شاهدناه في ديس أبابا".

وعلى رغم وجاهة فكرة إقامة مناطق حضرية مخططة في منطقة "نيو شقر"، وتوافر الشرط القانوني لإجراءات الإزالة، قال زيدان، إن هناك غياباً للشرط السياسي المتعلق بضرورة فتح حوار مع الأهالي وتضمين المخطط بمساحات لبناء أدوار عبادة بديلة، قبل الشروع في الإزالة، من دون العودة إلى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وفتح حوار مجتمعي حول ضرورات التخطيط الجديد، وفقاً لمطلب التحديث.

وضرب مثالاً على غياب البعد السياسي والروحي في اتخاذ إجراء الإزالة، بقوله "بدأ التنفيذ في اليوم الأول من شهر رمضان الكريم الماضي، وتم فيه هدم ثلاثة مساجد" ليصل العدد الكلي الآن إلى 23 مسجداً وزاوية عبادة تعرضت للهدم، في حين أنه كان من الممكن تجاوز كثيراً من التصعيد في حال التشاور مع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية باعتباره الممثل الرسمي لمسلمي إثيوبيا.

وهو الأمر الذي يتفق معه عبدالشكور، بقوله "إن سوء إدارة الأزمة، والإعلان عن هذا المخطط الحضري بهذا الشكل المتعجل في الإجراءات صعد المشهد، وترك الفرصة للقوى المعارضة لتسييسه، بالتالي خروج المظاهرات بالشكل الذي تم الجمعة الماضي". 

من جهته أصدر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في أديس أبابا، بياناً دان فيه مقتل شخصين وإصابة عدد من المتظاهرين السلميين من المسلمين، محاولاً تدارك وتيرة التصعيد الذي شهده محيط مسجد أنوار في وسط العاصمة بدعوة الحكومة إلى بدء ملاحقة عناصر الأمن المتورطين في فض المسيرة السلمية مما تسبب في مقتل شخصين.

واعتبر المجلس تدخل قوات الأمن بإجراء "غير دستوري وغير إنساني، ضد المسلمين الذين يدافعون سلمياً عن حقوقهم".

المزيد من تقارير