Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان غائب ومصر وحيدة... العيون تترقب سد النهضة

استبعاد فرص العودة للتفاوض قبل أسابيع بسبب حرب الخرطوم

منظر عام لسد النهضة الإثيوبي (أ ف ب)

ملخص

النزاع السوداني يغيب الخرطوم عن ملف سد النهضة والقاهرة ترفض التعنت الإثيوبي وأديس أبابا تتهمها بـ"تسييس" قضية مياه النيل فما ستفعل الدول الثلاث قبل الملء الرابع؟

في فبراير (شباط) 2011 كانت مصر منشغلة بثورتها وتتحسس طريقها في اضطراب سياسي لم تشهده في تاريخها، وإلى الجنوب كانت إثيوبيا تسرع الخطى في الإعلان عن بدء تدشين سد ضخم على نهر النيل، كان التفكير فيه مثار خلاف مع القاهرة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وبعد أيام من الإطاحة به أعلن أن الخطة ستكون موضع التنفيذ في خزان يسع 16.5 مليار متر مكعب من المياه، وما لبثت أديس أبابا أن أعلنت رفع السعة إلى 74 مليار متر مكعب في أبريل (نيسان) من العام نفسه، في غمرة انشغال المصريين بوضعهم الداخلي.

خطوات إثيوبية أثارت اعتراض مصر، وفتح باب أزمة لم تغلق دفاترها بين البلدين ومعهما السودان الذي تأرجح موقفه خلال السنوات الماضية بين الترحيب بفوائد السد التنموية التي تروج لها أديس أبابا، والدعوة لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد وهو المطلب المصري الثابت.

وفي أبريل من العام الجاري أصبح السودان، ثالث أضلاع ملف سد النهضة، غائباً بحكم الأمر الواقع عن أي جهد سياسي قد تتم الدعوة له لاستئناف المفاوضات حول السد، في ظل انشغال مجلس السيادة الانتقالي السوداني بالقتال الدائر بين القوات المسلحة بقيادة رئيس المجلس الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التابعة لنائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي".

تفاقم المشكلة

بعد يومين على اندلاع اشتباكات الخرطوم، حذر وزير الخارجية المصري السابق عمرو موسى عبر "تويتر" من أن "احتمال استغلال إثيوبيا للوضع يفاقم مشكلة السد بالنسبة إلينا". كما وصف الدبلوماسي المصري البارز رئيس مكتبة الإسكندرية السابق مصطفى الفقي، أحداث السودان بأنها "تضرب ملف سد النهضة في مقتل"، بسبب غياب طرف أساسي في القضية.

وعلى رغم أن المفاوضات المتعلقة بالسد متوقفة بالفعل منذ أبريل 2021، إلا أن القاهرة كانت قد بدأت تكثيف جهودها وتزيد من حث المجتمع الدولي على لعب دور في دفع أديس أبابا إلى العودة لطاولة المباحثات، حيث يركز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على تلك الرسالة في لقاءاته مع المسؤولين الدوليين، كما يعد السد الإثيوبي محوراً ثابتاً في مباحثات وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظرائه.

ومنذ مارس (آذار) الماضي، كثف شكري من تصريحاته في شأن السد مع اقتراب موعد الملء الرابع للخزان الصيف المقبل، وأصدر مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في الشهر نفسه قراراً يدعو إثيوبيا إلى إبداء مرونة في قضية سد النهضة لاتصالها بالأمن القومي العربي، وهو ما أثار حفيظة أديس أبابا التي أعربت على لسان المتحدث باسم خارجيتها عن استيائها من قرار الجامعة العربية، مؤكدة أنه يجب ترك إدارة واستخدام نهر النيل ‏للأطراف المعنية في أفريقيا.

من جانبها، ردت أديس أبابا على الحراك الدبلوماسي المصري باتهام القاهرة بـ"تسييس" قضية مياه النيل وسد النهضة، معتبرة على لسان وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية ميسجانو أرجا أن ذلك لا يفيد، وهو ما استنكره نائب وزير الخارجية المصري حمدي سند لوزا، واعتبره محاولة للتنصل من المسؤولية القانونية، وعدم اكتراث بمبادئ القانون الدولي وحسن الجوار.

انشغال الخرطوم

لكن حدة الحديث الرسمي في شأن السد هدأت عقب نشوب الاشتباكات العنيفة في السودان، منتصف الشهر الماضي، التي يخشى أن تطول تداعياتها دول جوار السودان وعلى رأسها مصر وإثيوبيا، وبينما لم تربط تصريحات رسمية مصرية بين أزمة السد وأوضاع السودان، قالت مصادر مصرية مطلعة على الملف لـ"اندبندنت عربية"، إن القاهرة تدرك صعوبة انخراط الخرطوم رسمياً في جهود دفع استئناف التفاوض في ظل الوضع الميداني هناك وانشغال مؤسسات الدولة السودانية في الشأن الداخلي، موضحة أن بلادها تتابع ما ستؤول إليه الأزمة من تأثيرات على قضية السد.

وفي المقابل، قال وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين، نهاية الشهر الماضي، إن بلاده شكلت لجنة وطنية لمتابعة تطورات صراع السودان، مشيراً إلى أنه سيؤثر على المفاوضات الثلاثية لسد النهضة.

نائب وزير الخارجية المصري السابق للشؤون الأفريقية السفير علي الحفني، يرى بدوره أنه على رغم تدهور الأوضاع في الخرطوم، لكن هذا لا يعني كونها ليست موجودة، إن مؤسسات الدولة السودانية لن تتخذ هناك موقفاً في مواجهة التقدم الإثيوبي في مخططات ملء سد النهضة في مرحلته الرابعة، مشيراً إلى أن لديه قناعات بتحرك الخرطوم لحماية مصلحتها من أي اعتداء خارجي في الوقت المناسب.

وقال الحفني لـ"اندبندنت عربية"، إن مصر لديها موقف ثابت في شأن سد النهضة، وإذا استمرت إثيوبيا في الإحجام عن الوصول لاتفاق ثلاثي في شأن ملء وتشغيل سد النهضة سيكون هناك تصعيد في الوقت المناسب، لافتاً إلى أن السودان يتفهم مدى قلق مصر في شأن تصاعد وتيرة الأحداث هناك في ظل التحرك الإثيوبي الفردي للحفاظ على مصالحه بتعنت واضح، ورفض محاولات الوساطة الدولية كافة، لإيجاد حل واتفاق مرض وملزم للدول الثلاث.

وعن الخيارات الدبلوماسية التي قد تتخذها مصر في ظل انشغال الجانب السوادني بالأزمة الراهنة، قال الحفني إنه حتى الآن لا يوجد تحرك دبلوماسي معين قد تتخذه الدولة المصرية في شأن سد النهضة، مشيراً إلى أن الدولة المصرية في خطواتها وتحركاتها الدولية تتعامل مع المؤسسات الشرعية، وهو ما يشمل المجلس السيادي في السودان، وبالتأكيد سيكون هناك تنسيق في أي قرارات بشأن سد النهضة.

إثيوبيا التي احتفلت في مارس الماضي بانتهاء 90 في المئة من أعمال السد، تستعد للمرحلة الرابعة من ملء الخزان الذي تصل سعته الإجمالية إلى 74 مليار متر مكعب، وبلغ حجم التخزين في الملء الأول الذي جرى في يوليو (تموز) 2020 نحو خمسة مليارات متر مكعب، ثم الملء الثاني في يوليو 2021، ثلاثة مليارات متر مكعب، فيما وصل إجمالي التخزين في نهاية الملء الثالث بنهاية أغسطس (آب) من العام الماضي 22 مليار متر مكعب، وإن كان خبراء مصريون يشككون في الأرقام الإثيوبية المعلنة ويقولون إنها أقل من الواقع بكثير.

حجم الملء

ينتظر أن يساوي الملء الرابع مجموع المراحل الثلاث الماضية تقريباً، إذ يتوقع أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة عباس شراقي أن يكون متوسط التخزين هذا العام 17 مليار متر مكعب، تضاف إلى 18 مليار متر مكعب تم تخزينها في السنوات الثلاث الماضية، ما يجعل الإجمالي نحو 35 مليار تمثل أقل بقليل من نصف السعة التخزينية للخزان، موضحاً أن المراحل المقبلة من تعلية السد تكون أسهل وكل متر في ارتفاع الخرسانة يساوي كمية أكبر من المياه المحجوزة، مقارنة بالمراحل السابقة من التشييد.

وقال شراقي لـ"اندبندنت عربية" إن أديس أبابا دائماً ما تعمل على استغلال الظروف الداخلية، ودلل على ذلك بأنها عدلت من مواصفات السد في الأسابيع التي تلت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، ليصبح من سد "إكس" بسعة خزان 16.5 مليار متر مكعب من المياه، إلى سد الألفية ثم النهضة بسعة 74 مليار متر مكعب، على رغم عدم وجود دراسات كافية، لكل هذا الحجم من المياه ومدى تأثيرها في دولتي المصب وكذلك في التربة والبيئة المحيطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أن إثيوبيا أصبحت متأكدة من توقف المفاوضات في شأن سد النهضة في الوقت الحالي، مع وجود أزمة في الداخل السوداني مما يتيح لها الفرصة لتنفيذ خطوات أحادية جديدة في شأن ملء وتشغيل سد النهضة، مشيراً إلى أنه من المتوقع استغلال إثيوبيا للأزمة الحالية في الخرطوم لصالحها بتسريع وتيرة الملء الرابع للسد وسط انشغال السودانيين في صراعاتهم الداخلية، بخاصة كون مصر قد لا تستطيع اتخاذ موقف بمفردها.

ولفت إلى أن إثيوبيا استغلت اضطراب الأوضاع في مصر لسنوات لفرض شروطها في المفاوضات وعرقلتها لتنفيذ مخططها، مؤكداً أن استمرار إجراءات ملء سد النهضة بنحو 20 مليار متر مكعب قد يضر بالسودان بشكل أكبر من مصر، في ظل وجود السد العالي الذي قد يؤمن مخزونه احتياجات بلاده من المياه.

خلال المرحلة الأولى من التخزين، خرجت محطات مياه الشرب عن الخدمة في النيل الأزرق بالسودان لأسابيع عدة، وهنا يتوقع شراقي أن يعاني السودان نقصاً مائياً إذا لم تفتح إثيوبيا البوابة الثانية للسد بكامل طاقتها وهو 50 مليون متر مكعب في اليوم، مشيراً إلى أن فشل تشغيل توربينات توليد الكهرباء وإغلاق البوابة الغربية للسد في فبراير الماضي جعل كمية قليلة من المياه تصل السودان، ما أدى إلى انخفاض مخزون سد الروصيرص عن مثيله في الوقت نفسه من العام الماضي، ومن المتوقع أن يستمر هذا الوضع حتى انتهاء التخزين الرابع في سبتمبر (أيلول) المقبل.

استغلال الفراغ

ويتفق المحلل السياسي السوداني زين العابدين صالح مع أن أديس أبابا تحاول استغلال الوضع الداخلي السوداني للإسراع في حسم ملف سد النهضة، حيث قال لـ"اندبندنت عربية" إن انشغال المجلس السيادي السوداني والحكومة بالصراع الداخلي يمنعها من اتخاذ أي رد فعل في ظل اقتراب الملء الرابع، مشيراً إلى أن إثيوبيا قد تستغل الفراغ الرسمي للخرطوم في ملفات أخرى مثل الخلافات الحدودية.

وأضاف أن تلك لن تكون المرة الأولى التي تطوع فيها أديس أبابا الأزمات الداخلية لمصر والسودان لصالحها، مشيراً إلى أن اتفاق المبادئ الذي وقعه زعماء الدول الثلاث في 2015 لم يحظ بالدراسة اللازمة من جانب دولتي المصب، واستغلت فيه إثيوبيا حاجة مصر لتسوية الملف في وقت كانت تشهد فيه مواجهة قوى الإسلام السياسي بعد ثورة 30 يونيو (حزيران)، وعلى الجانب السوداني كان نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير يشهد احتجاجات على نظامه ويريد تهدئة الأجواء.

ولطالما أكدت إثيوبيا استعدادها للعودة للتفاوض تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، ولكن دون شروط مسبقة أو سقف زمني، بينما أيدت مصر عام 2021 اقتراحاً سودانياً بتشكيل وساطة رباعية مكونة من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة.

وقال وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية ميسجانو أرجا لمبعوث الولايات المتحدة للقرن الأفريقي مايك هامر، خلال اجتماع في أديس أبابا، الشهر الماضي، إن بلاده مستعدة لاستئناف المفاوضات الثلاثية تحت رعاية الاتحاد الأفريقي.

في المقابل، قال نائب وزير الخارجية المصري، في بيان، إنه "من المؤسف أن يستمر المسؤولون الإثيوبيون في الإعراب عن استعدادهم ورغبتهم في استئناف المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، في محاولة جديدة لكسب الوقت واستمرار الملء دون اتفاق"، مؤكداً أن استمرار المفاوضات لعشر سنوات دون نتائج هو دليل على تعنت أديس أبابا.

تاريخ الأزمة

 على مدى أكثر من ثماني سنوات، تسعى القاهرة والخرطوم إلى توقيع اتفاق ملزم في شأن المبادئ التوجيهية لملء السد وتشغيله بموجب اتفاق "إعلان المبادئ" الذي وقعته الأطراف الثلاثة بالخرطوم في مارس 2015، الذي تم التوصل إليه بعد جولات متقطعة من المفاوضات.

وكانت آخر جولات التفاوض في أبريل 2021 فشلت بعد عقدها على مدى أيام في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، التي كانت تترأس في ذلك الوقت الاتحاد الأفريقي، وقدم السودان خلال تلك الجولة من المفاوضات مقترحاً أيدته مصر بتوسيع الوساطة الدولية لتشمل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما تمسكت إثيوبيا برعاية الاتحاد الأفريقي فقط للمفاوضات.

وعقد مجلس الأمن جلستين لبحث ملف سد النهضة عامي 2020 و2021 بناءً على طلب من مصر والسودان، وفي أول جلسة أحال المجلس الملف إلى الاتحاد الأفريقي للقيام بمفاوضات للوساطة، وفي العام التالي أصدر المجلس بياناً رئاسياً دعا فيه الدول الثلاث للعودة إلى المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، بغرض الانتهاء سريعاً من صياغة نص اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة في إطار زمني معقول.

قوبل البيان بترحيب مصري وسوداني، غير أنه أثار رفضاً من الجانب الإثيوبي الذي أعرب عن أسفه لتدخل المجلس في مسألة "تخرج عن نطاق اختصاصه"، بحسب وصف بيان صادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية.

ومنذ إعلان إثيوبيا عزمها تشييد سد النهضة عام 2010، نشب خلاف بين أديس أبابا والقاهرة التي ترى في الكم الكبير من المياه في خزان السد البالغ 74 مليار متر مكعب وفق المخطط، مهدداً لأمنها المائي الذي يعاني محدودية الموارد في ظل اعتمادها على نهر النيل مصدراً وحيداً تقريباً للمياه، وثبات حصتها من النهر منذ عام 1959، وهي 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وفي كلمته أمام مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023، حذر وزير الري المصري هاني سويلم، من أخطار الإجراءات الإثيوبية الأحادية على بلاده، قائلاً، إنها قد تشكل خطراً وجودياً وكارثياً على نحو 150 مليون شخص في مصر والسودان، حيث يمكن أن تؤدي فترة جفاف طويل مع تلك الممارسات إلى خروج أكثر من مليون ومئة ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15 في المئة من الرقعة الزراعية في مصر.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير