Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سد النهضة نحو "الملء الأخير" فأي خيار للقاهرة؟

مؤتمر لـ"مياه النيل" في أديس أبابا من دون مصر والسودان ونائب آبي أحمد: يريدون احتكار النهر المشترك

يبدو موقف الخرطوم من قضية السد متأرجحاً بين تأييد المواقف المصرية وتفهم موقف إثيوبيا (أ ف ب)

ملخص

تعتبر مصر، التي تعتمد على مياه النيل في نحو 97 في المئة من حاجات الري، أن السد الإثيوبي يشكل تهديداً "وجودياً" لها، فماذا بإمكانها أن تفعل؟

أعلن نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ديميكي ميكونين، أول من أمس الخميس، أن بلاده تستعد لإطلاق الملء الرابع لخزانها الضخم على النيل الأزرق (سد النهضة) على رغم معارضة دولتي المصب السودان ومصر.

وقال ميكونين، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الخارجية، إن "سد النهضة يقترب الآن من ملئه الرابع. والمراحل الثلاث الأخيرة لم تؤثر في حصص دول حوض النهر، وبالمثل فإن المرحلة الرابعة لن تكون مختلفة".

وأضاف ميكونين لدى افتتاح مؤتمر عن مياه النيل في أديس أبابا "المشروع أوشك على الانتهاء على رغم تصريحات بعض الفاعلين الذين يسعون لاحتكار استخدام النهر الأفريقي المشترك".

من دون مصر والسودان

ويسعى المؤتمر الذي انطلق في أديس أبابا، الخميس، إلى تكريس مفهوم جديد لحصص الدول المتشاطئة على النهر الأطول في أفريقيا والعالم، ويتضمن "مائدة مستديرة وزارية رفيعة المستوى" يشارك فيها ديميكي ونظراؤه من وزراء الخارجية من بعض دول حوض النيل مثل أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وتنزانيا، في غياب ممثلين عن السودان ومصر، وهما الدولتان المعارضتان لمواقيت الملء والتفاصيل الفنية المتعلقة بملء وتشغيل السد الإثيوبي.

يأتي ذلك في ظل انشغال السودان منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي بالقتال الدامي بين القوات النظامية المؤيدة للفريق عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها نائبه السابق محمد حمدان دقلو، مما أسفر عن مقتل أكثر من 2000 شخص وتشريد أكثر من مليوني شخص.

وتعتبر مصر، التي تعتمد على مياه النيل في نحو 97 في المئة من حاجات الري، أن السد الإثيوبي يشكل تهديداً "وجودياً" لها، في حين يبدو موقف الخرطوم متأرجحاً بين تأييد المواقف المصرية، وتفهم موقف إثيوبيا التي ترى أن المشروع ضروري لمصالحها الاقتصادية والتنموية. وقال البرهان في يناير (كانون الثاني) الماضي، إن الخرطوم وأديس أبابا "متحالفتان ومتفقتان" في شأن السد.

وكان السد الضخم، الذي تبلغ كلفته 4.2 مليار دولار، في قلب نزاع إقليمي منذ أن شرعت إثيوبيا في تنفيذه عام 2011.

لا رجعة عنه

المتخصص في الشؤون الأفريقية عبد الرحمن أبو هاشم، يرى "أن سد النهضة يعد مشروعاً قومياً لإثيوبيا، وثمة إجماع وطني حول أهميته ومردوده الإيجابي من خلال توليد الكهرباء لتغطية حاجات البلاد إلى الطاقة الحيوية للتنمية، لا سيما وأن 60 في المئة من الشعب الإثيوبي، البالغ 120 مليون نسمة، لم تصله الكهرباء إلى يومنا هذا". 

ويضيف "ليس من السهل على أية حكومة إثيوبية تحقيق استراتيجية للتنمية إن لم تتوافر على طاقة كهربائية تصل إلى كل أنحاء البلاد. إضافة إلى أن ثمة خططاً مستقبلية لتصدير الكهرباء إلى دول الجوار مثل السودان وكينيا، وهذا بالتأكيد سيجلب عملة صعبة للخزينة الإثيوبية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرى أبو هاشم أن مشروع السد لا رجعة عنه، وبخاصة بعد وصوله إلى المرحلة الرابعة من الملء، بالتالي فإن الإجراءات والسياسات الإقليمية ينبغي أن تنطلق من حقيقة هذا الواقع.

وقدر "أن ثمة فرصاً أمام القاهرة لتحسين وتطوير علاقاتها الخارجية بإثيوبيا وأفريقيا لحماية مصالحها الاستراجية"، مؤكداً أن ذلك يتطلب "الشروع في العمل من أجل إنجاز اتفاقيات جديدة لدول حوض النيل ترعى مصالح كل الدول الأعضاء من دون استثناء، على أن تكون مرجعية قانونية ملزمة، وبديلاً لاتفاقيتي عام 1929  1959 والبرتوكولات الملحقة بها، إذ لم تشارك دول المنبع في صياغتها وبالتالي ترفض الالتزام ببنود تلك الاتفاقيات التاريخية التي لم تكن طرفاً فيها، وترى أنها أنجزت بالأساس لخدمة مصالح القوى الاستعمارية بجانب المصالح المصرية ولا تعبر عن مصالحها القومية". 

أمام هذا الوضع الذي يعبر عن تعارض المصالح بين الأطراف المتشاطئة، فإن الوصول إلى قواسم مشتركة يظل مرهوناً بتحويل الأزمة إلى فرصة للنهوض المشترك، لا سيما وأن السد في أطواره النهائية. بحسب أبو هاشم.

ويعتقد المتخصص في الشأن الأفريقي أن من الضروري بمكان أن تفكر دول حوض النيل بتجاوز هذا المأزق من خلال "تحويل النهر إلى مشروع تنموي يعود بالنفع على الجميع عبر إعلان منظمة إقليمية تقام خصيصاً لهذا الغرض، وتضم مؤسسات فاعلة ومراكز أبحاث يناط بها تقديم أبحاث علمية وخطط استراتيجية، فضلاً عن آليات لفض المنازعات في حال وجود أي خلاف حول إدارة السد أو حصص الدول الأعضاء من المياه".

أفق التلويح بالحرب

ويضيف "اللجوء إلى المنظمات الدولية الأخرى، أو استخدام خطابات معادية، أو التلويح بالحرب لم يعد يجدي نفعاً"، مؤكداً "أن تلك الوسائل أضحت تولد الاحتقان والكراهية بين مصر ودول أفريقيا جنوب الصحراء". 

ويرى الباحث في الشؤون الأفريقية أن "على مصر مراجعة علاقاتها الثنائية، مع كل من السودان وإريتريا والصومال الموحد، فضعف وانهيار هذه الدول الثلاث له تأثير سلبي على الأمن والمصالح الاستراتيجية للقاهرة". 

وفي رده على سؤال حول الموقف الدولي من الأزمة الحالية يقول "الملاحظ حتى الآن أن هناك تفهماً تاماً للموقف الإثيوبي، وقد ظهر ذلك في أكثر من مناسبة"، مدللاً على ذلك بموقف مجلس الأمن الذي قرر "إحالة الأمر إلى الاتحاد الأفريقي، وحل الخلاف بين مصر وإثيوبيا في إطار البيت الأفريقي، ولا أعتقد أن أي تغيير قد يطرأ في المدى المنظور في الموقف الدولي من أزمة سد النهضة".

من جهته، يؤكد المتخصص في الشأن الإثيوبي جيداون بيهون "أن السودان قد خرج من دائرة النزاع حول سد النهضة، نظراً إلى الأزمة الداخلية الطاحنة التي يشهدها"، مضيفاً "تحول الملف إلى مسألة ثنائية بين مصر وإثيوبيا، وأستبعد أن تنجح القاهرة في ثني إثيوبيا عن تنفيذ المرحلة الرابعة من الملء".

يبرر بيهون ذلك بالقول إنه "لم تعد ثمة إمكانية سياسية أو عسكرية لممارسة أي ضغط على الإدارة الإثيوبية"، مؤكداً أن بلاده تجاوزت مرحلة الضغوط الدولية أو التهديد الإقليمي للسد. وبالتالي فهو يرى أن "من مصلحة القاهرة التوافق مع أديس أبابا من أجل الاستغلال الأنسب للفرص الكبرى التي يوفرها السد، فالانسحاب من مسار واشنطن للتفاوض أثناء عهد دونالد ترمب كان بمثابة رصاصة الرحمة على مشاريع الضغوط الدولية". 

ونوه إلى "أن ضغوطاً كبرى تعرضت لها أديس أبابا، من بينها التأثير على مواقف الممولين الدوليين"، مؤكداً أنها "اختارت تمويل المشروع عبر الاكتتاب الشعبي، والانسحاب من المفاوضات التي رعتها وزارة الخزانة الأميركية".

المزيد من تقارير