ملخص
على رغم استمرار الحرب وتداعياتها، أسهم توافر الدعم المالي الكبير من قبل رجال الأعمال السودانيين في تحقيق إنجازات "المريخ" و"الهلال" بعيداً من الدولة التي كانت غارقة في أولويات صرف تتعلق بموازنة فاتورة الحرب الباهظة، فيما استضافت المملكة العربية السعودية معسكرات المنتخبات السودانية.
على رغم توقف الأنشطة الرياضية والمنافسات الكروية في السودان بسبب الصراع المسلح بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، وجدت كرة القدم في الحرب بيئةً مناسبة للتطور والازدهار، ولم يمض الكثير من الوقت حتى تجاوزت العقبات ومضت في طريق النجاح، إذ حقق المنتخب السوداني الأولمبي برونزية دورة الألعاب العربية التي أقيمت بالجزائر في يوليو (تموز) 2023، للمرة الأولى في تاريخه، ونجح ناديا "الهلال" و"المريخ" خلال أعوام الحرب الثلاثة، في التأهل إلى مرحلة المجموعات في "دوري أبطال أفريقيا"، كذلك تأهل المنتخب السوداني لنهائيات أمم أفريقيا في المغرب لعام 2025، إضافة إلى وصوله إلى نصف نهائي بطولة أمم أفريقيا للاعبين المحليين (شان)، فضلاً عن المنافسة بقوة على التأهل لنهائيات كأس العالم 2026 والحصول على المركز الثالث في ترتيب المجموعة الثانية التي تضم السنغال والكونغو وتوغو وموريتانيا وجنوب السودان.
وأسهم توافر الدعم المالي الكبير من قبل رجال الأعمال السودانيين في تحقيق إنجازات "المريخ" و"الهلال" بعيداً من الدولة التي كانت غارقة في أولويات صرف تتعلق بموازنة فاتورة الحرب الباهظة، فيما استضافت المملكة العربية السعودية معسكرات المنتخبات السودانية وتحملت كلف الإعداد ورواتب الأجهزة الفنية.
دعم رجال الأعمال
في السياق، يشير الصحافي علي كورينا إلى أن "الحرب المستمرة في البلاد لأكثر من عامين ونصف العام فرضت واقعاً جديداً عنوانه الأبرز تعزيز اعتماد الأندية السودانية على جيوب الأفراد، فقد انبرى نفر من رجال المال والأعمال بقيادة هشام السوباط ومحمد إبراهيم العليقي في تولي مجلس إدارة نادي الهلال، وتكفل مجاهد سهل وطه الحسين بتسيير شؤون نادي المريخ، وتحمل المسؤولية الكبيرة بسخاء يفوق ما كان يُنفق في فترة ما قبل اندلاع الصراع المسلح". وأضاف أن "الاتحاد السوداني لكرة القدم اعتمد في تسيير المنتخب الوطني على شبكة علاقات خارجية واسعة تقدمتها السعودية التي قدمت الكثير للمنتخب الوطني الأول، وأسهمت في كل نجاحاته، ومع تمدد مساحات الأمان في مدن ومناطق عدة بالبلاد والاتجاه لتنظيم بطولة الدوري الممتاز في يناير (كانون الثاني) المقبل، ويتوقَع أن تنعكس هذه الخطوة ايجاباً على المنتخبات الوطنية والأندية حتى تحقق المزيد من النجاحات في المسابقات الخارجية".
وأوضح كورينا أنه "خلال فترة الحرب توقف النشاط الرياضي والدوريات المحلية، ولم تعد هناك أي عائدات بث تلفزيوني أو رعاية أو نصيب الأندية من شباك التذاكر إلى جانب الإيجارات وغيرها من أوجه الاستثمار التي توقفت مع الحرب".
ونوه بأن "المعاناة لم تتوقف عند هذا الحد، بل نجد أن غالبية رجال المال تضررت أعمالهم بسبب الظروف التي تمر بها البلاد، لكن بالمقابل هناك بعض الأعمال المتعلقة بالاستيراد تضاعفت أرباحها، مما انعكس إيجاباً على مسيرة ’الهلال‘ بخاصة في ظل اعتماد رئيس النادي هشام السوباط ونائبه محمد إبراهيم العليقي على الاستثمار في مجال استيراد النفط، وكذلك استفاد ’المريخ‘ أكثر من الشركات المملوكة لرئيس النادي مجاهد سهل في دول عدة".
وتابع "واجه الاتحاد السوداني لكرة القدم مصاعب كبيرة بعد أن تراجع دعم الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وتوقف دعم الدولة، ولم تكن هناك قدرات مالية لقيادات الاتحاد يمكن الاعتماد عليها بخلاف الرئيس معتصم جعفر الذي تحمل العديد من الأعباء".
واستبعد كورينا إمكانية أن تسهم عودة الدوري السوداني الممتاز في إحداث اختراق في الملف المالي، متوقعاً استمرار الاعتماد على جيوب الأفراد لأكثر من عامين، لجهة أن الطفرة الحالية لن تتواصل إلا بالمزيد من الانفاق على الأندية والمنتخبات".
دعم سعودي
من جانبه، قال رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم معتصم جعفر إن "مشوار إعداد المنتخب بعد اندلاع الحرب مر بمراحل معقدة للغاية، لكن مبادرة المملكة العربية السعودية ممثلةً بوزير الرياضة الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل آل سعود ورئيس الاتحاد السعودي ياسر المسحل أسهمت في تحقيق إنجازات لافتة، إذ تم تسخير كافة الإمكانات لعقد أنجح معسكر إعدادي للمنتخب في السنوات الأخيرة".
وكشف عن أن الاتحاد السوداني لكرة القدم اتخذ قراراً صعباً يقضي باستمرار المنتخبات والأندية في مشاركاتها الخارجية، مشيراً إلى أنه "في حال الاعتذار، كنا سنرجع بالكرة السودانية سنوات إلى الخلف، وفي كل الأحوال وعلى رغم الظروف الاستثنائية أعتقد أننا اتخذنا القرار الصحيح".
ونوه جعفر بأن "الاتحاد السعودي لكرة القدم أبدى استعداده الكامل لدعم الاتحاد السوداني في مجال البنيات التحتية وإصلاح الملاعب والتعاقد مع الخبراء الأجانب من أجل تطوير اللعبة والوصول إلى مرحلة استضافة البطولات الكبيرة واكتساب الخبرات في مجال التنظيم حتى تعود الكرة السودانية من جديد رائدة وقائدة".
تجاوز العقبات
بدوره، قال الناقد الرياضي منيب الخير إنه "معلوم أن الرياضة لا تزدهر إلا عند الشعور بالأمان والاطمئنان، لكنها في السودان كسرت القاعدة وتغلبت على الظروف الصعبة، وتجاوزت العقبات، وحققت إنجازات عدة، إذ نجح المنتخب الأولمبي في الحصول على برونزية دورة الألعاب العربية التي أقيمت في الجزائر في عام 2023، ونجح المنتخب الوطني الأول في التأهل إلى نهائيات بطولة الأمم الأفريقية 2025، بالمغرب، وحقق إنجاز الوصول إلى نصف نهائي كأس أمم أفريقيا للاعبين المحليين (شان) في العام ذاته، وكذلك كان قريباً من التأهل إلى كأس العالم 2026، لولا بعض العقبات التي اعترضت طريقه. وغير بعيد من رحلة الإنجاز، تمكن نادي الهلال في العام نفسه الذي اندلعت فيه الحرب المدمِرة من الوصول إلى ربع نهائي دوري أبطال أفريقيا، وخلال هذا العام عاد مجدداً ليشق طريقه بثبات في مرحلة مجموعات الأبطال ويطرق أبواب المجد بقوة".
وأشار إلى أن "المشكلات الإدارية أسهمت في تراجع نادي المريخ على المستوى القاري، لكنه تدارك الأزمات حالياً ليواصل الفريق رحلة البناء بنجاح من أجل العودة بقوة أكبر إلى ساحات التنافس الخارجي".
ولفت الخير إلى أن "هذه الإنجازات ما كانت لتتحقق لولا توافر دعم مالي كبير من رجال الأعمال بعيداً من الدولة التي ركزت في الصرف على الحرب".
وأبدى الناقد الرياضي تفاؤله "مع ذلك هناك ضوء أخضر في آخر النفق، إذ إن المنتخبات الوطنية والأندية تشارك باستمرار في البطولات القارية وتحقق إنجازات لافتة، وهذا مؤشر جيد يمكن للرياضة أن تسهم في صنع بارقة سلام في ظل الحرب".
وأردف، "تعتمد كرة القدم في السودان على رجال الأعمال، وجيوب الأفراد من تبرعات الأقطاب، في تسيير نشاطها، والتزامات الأندية تتحمل عبئها مجالس الإدارات، أما المنتخبات فيصرف عليها اتحاد كرة القدم السوداني الذي يعتمد على البروتوكولات الرياضية الموقعة مع بعض الدول، خصوصاً بعد توقف الدعم السنوي من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وفقدان عائدات الرعاية والبث التلفزيوني بعد توقف الدوريات المحلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نتائج مميزة
في سياق متصل، رأي المدرب العام لنادي "الهلال" السوداني خالد بخيت أن "توقف النشاط الرياضي في السودان لأكثر من عامين لم يؤدِ إلى تدهور مستوى اللاعبين، على رغم توقف التدريبات البدنية لفترة طويلة وغياب اللعب التنافسي والاحتكاك القوي، فضلاً عن الضغوط النفسية بسبب الحرب والدمار".
وأوضح أن "الأندية التي شاركت في البطولات القارية حققت نتائج مميزة وتفوقت على فرق قوية تفوقها خبرةً وتميزاً فنياً. كذلك نجح المنتخب الوطني في تحقيق إنجازات لافتة، وأهدى السودانيين بسمة مفقودة وسط ركام الحرب، ووحّد الجميع بمختلف تبايناتهم".
ونوّه بخيت بأن "غياب الجمهور عن غالبية المباريات الأفريقية وعدم أداء الأندية والمنتخبات للمباريات على ملاعبها داخل السودان، لم يمنع اللاعبين من تقديم أفضل ما عندهم وتحقيق الانتصارات على المنافسين".
استثمار وشراكة
على الصعيد ذاته، أوضح رئيس قطاع الاستثمار بنادي الأهلي السوداني الأسبق فيصل محجوب أن "تجربة رجال الأعمال في ناديي الهلال والمريخ حققت نجاحات لافتة نتيجة الدعم المالي الكبير الذي انعكس بصورة إيجابية في مسيرة الناديين على المستوى القاري".
وأشار إلى أن "الاستقرار المالي في الأندية انعكس إيجاباً على المستوى الفني من خلال النتائج المميزة في البطولات الأفريقية، وكذلك تعاقد ’الهلال‘ و’المريخ‘ مع أفضل المدربين واللاعبين الأجانب وبصفقات وصلت إلى نحو مليون دولار، فضلاً عن عقد معسكرات خارجية لفترات طويلة، إضافة إلى المشاركة في دوريات دول الجوار الأفريقي مثل موريتانيا وتنزانيا ورواندا".
ولفت محجوب إلى أنه "في ظل التحديات التي تواجهها الأندية الرياضية في السودان لم يعد الدعم الحكومي وحده كافياً للحفاظ على استمرارها وتطورها، إذ باتت في أمسّ الحاجة إلى شراكات استراتيجية تضمن لها الاستدامة، وهنا يبرز دور رجال الأعمال كشريك رئيس وفاعل في هذه المعادلة".
وتابع، "الرياضة السودانية بحاجة إلى مصادر دخل ثابتة لتمويل أنشطتها وتأهيل البنية التحتية، وكذلك توفير رواتب اللاعبين والمدربين، وموازنة المعسكرات والسفر والترحيل والنثريات والحوافز، إذ يمكن لرجال الأعمال تقديم الدعم المالي أو حتى مساعدة الأندية الرياضية في بناء مشاريع استثمارية خاصة بها، والاستفادة من خبراتهم الكبيرة في الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، إضافة إلى الإسهام في تطوير إدارتها لتصبح أكثر احترافية. كذلك يمكنهم فتح آفاق جديدة للأندية عبر علاقاتهم وتسهيل الحصول على عقود رعاية جديدة أو إقامة شراكات مع مؤسسات أخرى".
خسائر وضحايا
ومنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تحولت العاصمة السودانية إلى ساحة معركة، ووصل القصف المدفعي إلى مقر اتحاد كرة القدم في الخرطوم، وشملت قائمة ضحايا الصراع المسلح بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، لاعبين ومدربين وإداريين، إذ شهدت الأشهر الأولى للحرب رحيلاً حزيناً لعدد من أبرز نجوم الرياضة على رأسهم حارس المرمى البارز بنادي "المريخ" حامد بريمة، أكثر اللاعبين تتويجاً بالبطولات، كذلك رحل فوزي المرضي قائد "الهلال" السابق متأثراً برحيل ابنته التي فارقت الحياة بعيار ناري خلال الاشتباكات المسلحة بين طرفي الصراع، وقُتل لاعب فريق الفئات العمرية بنادي "المريخ" أحمد عبد السلام إثر سقوط مقذوف ناري تسبب في تعرضه لإصابات مميتة، وكان سبقه لاعب المنتخب الأولمبي السوداني وحي الوادي نيالا، حسن بركية، الذي توفي بطريقة مماثلة. ولقي مسؤول الإعلام باتحاد كرة القدم السوداني، نائب رئيس نادي "مريخ الفاشر" السابق، أمير أحمد حسب الرسول، مصرعه بطلق ناري أمام منزله.
وتعرضت بعض مقار الفرق الرياضية للسلب والنهب خصوصاً ناديي "الهلال" و"المريخ"، إذ تضررت الملاعب والمدرجات وغرف اللاعبين بصورة كبيرة، وسُرقت الكؤوس التي توِّج بها فريق كرة القدم بنادي "المريخ" في المنافسات القارية، فضلاً عن الميداليات الذهبية والدروع والمعدات الرياضية.
وتحول مقر مدينة السودان الرياضية إلى مواقع عسكرية، وظل منذ بداية الحرب يتعرض للقصف ورشقات الرصاص، ويبدو أن الحلم الذي ظل يراود السودانيين منذ ستينيات القرن الماضي بتحويل المدينة الرياضية في الخرطوم إلى أكبر مؤسسة كروية في القارة الأفريقية سيطول وربما يتبخر بعد التدمير والتخريب الذي طاول المدينة الرياضية.
يُذكر أن المدينة الرياضية دُشنت في عام 1995 على مساحة تقارب مليوناً ونصف مليون متر مربع، لكنها لم تكتمل نتيجة فساد وسرقات وصفتها التقارير المحلية بأكبر عملية فساد أراض في البلاد، إضافة إلى التعدي على أراضي المدينة الرياضية بنسبة وصلت إلى 73 في المئة.