Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل آن الأوان لنقل العاصمة السودانية من الخرطوم؟

تشتتت أجسام مؤسسات الدولة المركزية والمواجهات مستمرة

"حتى على مستوى حكومة الخرطوم هناك بعض التحركات لتأمين الحد الأدنى من الخدمات على رغم ظرفها الاستثنائي والحرج" (أ ف ب)

ملخص

انتشار الأخصائيين والاستشاريين من الأطباء في مدن السودان المختلفة بعد الحرب فرصة لتوطين الخدمات الطبية المتخصصة في الولايات

تفاوت توصيف الوضع الراهن للحكومة المركزية السودانية التي باتت كلها خارج مقارها بالعاصمة الخرطوم، إذ لا تزال المعارك الحربية محتدمة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن من دون أن يعلن عن نقل العاصمة، ارتحل بعض الوزراء لممارسة مهام وأنشطة وزاراتهم من مدينتي بورتسودان وود مدني.

أين الحكومة؟

في ظل هذه الظروف تشتت أجسام مؤسسات الدولة المركزية والسؤال أين حكومة السودان؟ وكيف تدير شؤون الدولة من بعد؟ وهل هي مقدمات للإقرار بأنه آن الأوان بالفعل لنقل العاصمة السودانية رسمياً من الخرطوم إلى بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر أقصى الشرق أو مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة المجاورة للخرطوم؟

وشكك المتخصص في مجال الإدارة الحكومية بالجامعات السودانية عثمان الزبير بالأساس في إمكانية القول بوجود حكومة مركزية "يمكن القول إن هناك دولة موجودة، لكن لا توجد حكومة بالمعنى الحقيقي لها، وهذه الدولة تسيرها الآن القوات المسلحة والنظامية الأخرى مع الخدمة المدنية، بينما لا يمكن القول بوجود حكومة بالمعنى الدستوري والمعنى الفعلي المتكامل الأركان". وأشار إلى أن تكليف وكلاء الوزارات كوزراء من الأخطاء الكبيرة التي تمت في الفترة الماضية، وهي خطوة شكلت قفزة غريبة للوكلاء من الفضاء الإداري إلى الفضاء السياسي، لأن وكيل الوزارة هو المسؤول التنفيذي الأول في الوزارة من دون وضع دستوري أو سياسي، ويمكنه بتلك الصفة تسيير العمل التنفيذي من دون الحاجة إلى تكليفه وزيراً.

الإرث المركزي

ولفت عثمان الزبير إلى أن هذا الإجراء أدى إلى وجود وكلاء وزارات في عباءة وزراء مكلفين، لكن بقدرات ضعيفة وخبرات محدودة، فضلاً عن أن تسميتهم وزراء أحدثت نوعاً من الارتباك، كون هذا الإجراء لا يعني أن هناك حكومة دستورية فعلية موجودة، لأن الوكلاء (المكلفين) ليسوا وزراء بأية حال، مضيفاً "الواقع الماثل المرتبك الذي نلمسه الآن سببه إرث التعامل مع العاصمة المركزية وكأنها هي كل السودان، وهو أمر غير سليم، فالخدمة المدنية موجودة في كل السودان، لا العاصمة فقط، والأوضاع في الولايات الأخرى، باستثناء ولاية الخرطوم التي تشهد حرباً وانفلاتاً أمنياً غير مسبوق، تمضي بشكل لا بأس به، إذ ما زالت الأجهزة الأمنية من شرطة وجيش تقوم بواجبها الكامل في الولايات، كما لم تتأثر الخدمة المدنية فيها، بوجود أو عدم وجود حكومة مركزية".

وأوضح أن الحكومات الإقليمية والولائية والمحلية لم تتأثر كثيراً بما سماه سقوط الوزارة المركزية التي كان يقوم بأعبائها الوكلاء، "حتى على مستوى حكومة ولاية الخرطوم هناك بعض التحركات لتأمين الحد الأدنى من الخدمات الأساسية على رغم ظرفها الاستثنائي والحرج، إذ يتقاتل بداخلها ما يقارب 240 ألف جندي من الطرفين". وقال إنه لو كانت البلاد تطبق الحكم اللامركزي وفق المرتكزات والأسس الصحيحة والقوانين السليمة، لما احتاجت البلاد من الأساس إلى كل هذا الكم من الوزارات المركزية الرديفة التي يقوم بأعباء معظمها الوكلاء، ولكانت الولايات أكثر تأهيلاً، ووضعها الإداري والخدمي أفضل حالاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ممكن ولكن

ورأى المتخصص في مجال الإدارة الحكومية أن من الممكن في ظل هذه الظروف نقل العاصمة من الخرطوم بشكل موقت إلى أي من العواصم الولائية الأخرى الأكثر ملاءمة وتهيئة، لكن الحديث عن نقلها بصفة نهائية يبدو أمراً عسيراً للغاية، بحكم المتطلبات والترتيبات الضخمة لمثل هذا الإجراء، فضلاً عن أنه حتى بالنسبة إلى النقل الموقت فإن المدينتين اللتين توزع بينهما معظم العمل الحكومي المركزي حالياً، سواء كانت ود مدني أو بورتسودان يعانيان من اكتظاظ النازحين والفارين من الحرب، مما شكل أعباء إضافية وضغطاً كبيراً على توفير الخدمات، "والمهدد الأكبر لأداء الحكومة الآن هو الانهيار الذي شهدته عملية التحول الرقمي في سياق ما كان يعرف بمشروع التحول إلى الحكومة الإلكترونية، إذ عجزت هذه العملية عن الصمود، مما أثر بشكل سلبي كبير على تسيير عجلة الدولة ومعظم المهام الحكومية، بخاصة بالنسبة إلى الشلل الذي حدث للجهاز المصرفي".

انهزام إلكتروني

وأسف الزبير لانهيار مشروع الحكومة الإلكترونية من دون أن تكون هناك أية خوادم بديلة تعمل من خارج الخرطوم عند الطوارئ بحيث تتيح إمكانية تشغيل وإدارة تلك الخدمات من أي مكان في البلاد. وقال في الوقت نفسه "على امتداد تاريخ السودان كانت الخدمة المدنية والقوات المسلحة مع القوات النظامية الأخرى هي الضامنة لوجود الدولة السودانية وصاحبة الدور الأكبر في الحفاظ عليها حية".

تضاؤل القدرة  

وفي سياق متصل أشار المتخصص بالإدارة العامة محمد النزير عبدالحكم إلى أنه منذ اندلاع حرب الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل (نيسان) الماضي فقدت الحكومة المركزية قدرتها على القيام بمهامها الوظيفية، منوهاً إلى أنه كلما طال أمد الحرب تناقصت هذه القدرة، وربما تمتد التداعيات إلى الولايات الضعيفة، بما لا يمكنها من الوفاء بسداد مرتبات العاملين والموظفين فيها، بخاصة في ظل شلل النظام المصرفي وشح السيولة النقدية واضمحلال الصادرات والواردات ما قد يفاقم من ندرة السلع. وتخوف عبدالحكم من أن الأطراف الولائية قد تجد صعوبة في الصمود بحال استمرار الحرب وغياب جهاز تنظيم حكومي مركزي فاعل، مشيراً إلى أنه حتى في حال توقف الحرب فقد لا تتمكن الحكومة الاتحادية من تقديم مستوى الخدمات السابق نفسه لأن عمليات التخريب والنهب التي تعرضت لها الخرطوم قد تمتد تداعياتها لسنوات عدة.

اختفاء وزارات

وأشار النزير إلى افتقاد المواطنين خدمات عديد من الوزارات والمؤسسات، ولا سيما وزارات الداخلية والصناعة والتجارة الداخلية مع تداعي خدمات الجهاز المصرفي، ولم تعد هناك سوى بعض الجهود التي تكافح وتحاول من خلالها ولاية الخرطوم ضمان استقرار الحد الأدنى من خدمات المياه والكهرباء. أضاف "لقد كشفت الحرب أن الخدمة المدنية بكل مشكلاتها ما زالت قادرة على تسيير الأوضاع من دون الحاجة لكل ذلك الجيش الجرار من الوزراء والوزارات التي نشأت بغرض المحاصصة واقتسام السلطة، واتضح أن بعض الوزارات من الممكن أن تكون مجرد إدارات داخل وزارات ذات مهام مشابهة".

ونوه بأن فقدان الحكومة القدرة على الحفاظ على النظام الاجتماعي المعقد في السودان، يرتبط بالإسراع في إنهاء الحرب ووقف القتال قبل أن يجد طريقه للتغلغل داخل مفردات المجتمع، بما يمكن الحكومة من العودة إلى احتكار استخدام العنف وفق النظم والقانون والدستور وامتلاك زمام المبادرة من جديد في عمليات تنظيم المجتمع مرة أخرى.

توطين الخدمات الطبية

في هذا الوقت، اعتبر وزير الصحة المركزي المكلف هيثم محمد إبراهيم أن انتشار الأخصائيين والاستشاريين من الأطباء في مدن السودان المختلفة بعد الحرب فرصة لتوطين الخدمات الطبية المتخصصة في الولايات، إذ لأول مرة في تاريخها، تشهد مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الأقرب إلى الخرطوم إجراء عملية جراحية هي الأولى من نوعها لاستئصال ورم سرطاني من كبد طفل يبلغ من العمر عامين ونصف العام. وشدد إبراهيم على ضرورة تحقيق الاستفادة القصوى من هذا الانتشار من أجل توطين الخدمات الطبية والجراحية المتخصصة والنوعية في ولايات السودان المختلفة والتي لم تكن موجودة فيها من قبل.

وشكل وزير الصحة المركزي المكلف غرفة للصحة بولاية الجزيرة، كما تم إجراء عدد كبير من عمليات القلب المفتوح والقسطرة القلبية وتركيب الصمامات، وأجرى فريق طبي لجراحة الكبد والبنكرياس عدداً من العمليات الجراحية للكبد لمصابي الحرب وكذلك عمليات أورام البنكرياس.

وتبذل الجهود لاستكمال ترتيبات العمل من مركز "الجزيرة" لمناظير الجهاز الهضمي وجراحة المناظير بالتعاون مع وزارة الصحة الولائية وإشراف المركز القومي للجهاز الهضمي بوزارة الصحة الاتحادية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات