Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرز قوت الشعوب المهدد بالمناخ والإنسان والروبيان

ركيزة في الأمن الغذائي العالمي ومحاصيله تجابه تحديات شتى

الصورة التقليدية للسهول الواسعة المغمورة بالمياه لم تعد تتطابق مع الواقع اليومي الذي تعانيه محاصيل الرز في العالم (بيكساباي)

ملخص

يشكل الرز مثلث الحبوب الغذائية بالتشارك مع القمح والذرة، ويشكل الطعام الرئيس لـ3 مليارات شخص. وباتت محاصيله مهددة بالتغير المناخي وأحوال الجفاف. وينعقد الرهان على البحوث الجينية في إنقاذ محاصيل الرز.

لا تخفى على أحد أهمية الرز، أولاً بكونه يشكل مع القمح والذرة المثلث الأهم بين المحاصيل التي تقتات عليها مليارات الأفواه حول العالم، وثانياً لأنه مصدر لكسب الرزق والعيش. وتضرب جذوره عميقاً في التاريخ، إذ تعود إلى ما يربو على 3 آلاف عام، فيما أنواعه لا تعد ولا تحصى. وتمتد أراضي زراعته من المناطق الاستوائية إلى المعتدلة، ومن السهول الساحلية إلى المدرجات الجبلية، ودلتا الأنهار وأحواضها. بيد أن تلك المعطيات كلها لم تسعفه أمام غدر تغير المناخ، لا سيما ارتفاع درجة حرارة الأرض.

وإذ يعطل الاحترار العالمي أنماط هطول الأمطار ودورة المياه برمتها، تحتار تلك الشتلات الخضراء في أمرها إزاء أشكال الطقس المتطرف، فإذا شحت الأمطار تعطشت جذورها إلى الماء، وإذا فاضت الأرض بالمطر بحثت رؤوسها عن متنفس فوق الماء. وحينما يتطفل البحر إلى سهولها، يعيث الملح خراباً بالمحصول.

أمام تلك المخاطر المتعددة، يجد العالم نفسه مجبراً على إيجاد طرق جديدة يتوسلها لزراعة أحد أهم المحاصيل التي تتكأ عليها شعوبه. ويشمل ذلك أن يغير مزارعو الرز مواعيد زرع بذورهم، أو يشتغل منتجو النباتات على إيجاد بذور قادرة على تحمل درجات الحرارة العالية أو التربة المالحة، إضافة إلى إحياء الأصناف الصلدة منها.

وتوجه اللاعدالة المناخية ضرباتها إلى صغار مزارعي الرز، شأن مئات ملايين من المزارعين في آسيا. "عليهم أن يتكيفوا مع تحديات أزمة المناخ، وإلا فلن يقوى أي منهم على العيش"، بحسب فام تان داو، رئيس الري في سوك ترانغ (مقاطعة ساحلية في فيتنام)، وذلك في تحقيق مطول أعدته "نيويورك تايمز". وعرجت تلك الصحيفة على أوضاع زراعة الرز في بنغلاديش وفيتنام وولاية أركنساس الأميركية، ونقلت صوراً حية عن حال هذا الغذاء في الصين والهند وباكستان وغيرها.

ووجدت تلك الدراسة أن هطول الأمطار الغزيرة في الصين قلل من محصول الرز طوال الأعوام الـ20 الماضية. ووضعت الهند حداً لصادراتها من هذا الغذاء من منطلق الحرص على وجود إمدادات تكفي لإطعام شعبها. وفي باكستان، دمرت الحرارة والفيضانات المحاصيل، بينما ترك مزارعو ولاية كاليفورنيا حقولهم بوراً نتيجة ضغط أحوال الجفاف الطويل التي اجتاحت تلك المنطقة.

واليوم، تستعد فيتنام لإيقاف إنتاج المحاصيل في قرابة 250 ألف فدان من الأراضي في دلتا نهر "ميكونغ" الذي يوصف بـ"وعاء الرز". فيما تقع اللائمة جزئياً على تغير المناخ، إلا أن السدود تتحمل جزءاً من المسؤولية لأنها تخنق تدفق المياه العذبة من نهر "ميكونغ" إلى المحاصيل. وفي بعض السنوات، حينما يكون هطول الأمطار ضئيلاً، يتحول المزارعون إلى استزراع الروبيان، علماً أنه مكلف ويترك الأرض في حال متدهورة.

قبل 50 عاماً، توجب على العالم زيادة إنتاج محاصيل الرز لدرء المجاعة. وأمكن التصدي لتلك المهمة بالاعتماد على البذور المهجنة التي تعطي  كميات وفيرة من المحاصيل، إضافة إلى الاستعانة بالأسمدة الكيماوية. وفي دلتا نهر "ميكونغ"، استمر المزارعون في إنتاج ثلاثة محاصيل سنوياً لإطعام ملايين من الناس. ولكن اليوم، خلق نظام الإنتاج المكثف هذا مشكلات جديدة حول العالم. إذ استنفد طبقات المياه الجوفية، وفاقم استخدام الأسمدة، وقلص تنوع سلالات الرز المزروعة، ولوث الهواء بدخان بقايا الرز المحترق.

كذلك يواجه الرز مشكلة مناخية أخرى، لأنه يمثل حوالى ثمانية في المئة من الانبعاثات العالمية لغاز الميثان الذي يسهم في تفاقم الاحتباس الحراري. صحيح أن كميات الميثان ليست سوى جزء بسيط مقارنة مع انبعاثات الفحم والنفط والغاز، ولكن خلافاً للوقود الأحفوري الذي من المستطاع استبدال مصادر طاقة أخرى به، يبقى الرز، من دون بديل، مع الإشارة إلى أنه يعتبر الطبق الرئيس في طعام نحو 3 مليارات شخص.

مزارع الروبيان

في عام 1975، في مواجهة المجاعة بعد الحرب، قررت فيتنام زراعة كميات إضافية من الرز. وحققت نجاحاً مذهلاً. وأصبحت ثالث أكبر مصدر للرز في العالم بعد الهند وتايلند. وباتت الرقعة الخضراء لدلتا نهر "ميكونغ" أكثر مناطق الرز قيمة. وفي الوقت نفسه، غيرت أيادي البشر تركيبة نهر "ميكونغ".

بدءاً من جنوب شرقي الصين، يتعرج النهر عبر ميانمار ولاوس وتايلاند وكمبوديا، وتقطعه سدود كثيرة. اليوم، فحينما تصل مياه ذلك النهر إلى فيتنام، لا يكون تبقى منها سوى نزر يسير من المياه العذبة لطرد مياه البحر المتسربة إلى دواخل مجراه. ومع ارتفاع حرارة الكوكب وتزايد ذوبان ثلوج القطبين المتجمدين للأرض، تواصل مستويات مياه البحار ارتفاعها وتجلب كميات متزايدة من مياهها المالحة إلى مسارات الأنهار، بالتالي، تزداد الملوحة في قنوات الري. ولا تنفك المشكلة تزداد سوءاً مع ارتفاع درجات الحرارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجد الباحثون أنه مع تزايد سنوات الجفاف، بات المزارعون الآن يسارعون إلى زرع الرز قبل 10 إلى 30 يوماً من المعتاد. وفي المناطق الساحلية، يناقل مزارعون كثيرون أعمالهم بين الرز والروبيان الذي لا تؤذيه المياه المالحة.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن دانغ ثان سانغ (60 سنة)، مزارع رز في سوك ترانغ، رأياً مفاده بأن "الروبيان يحقق أرباحاً عالية، لكنه يجلب معه أيضاً مخاطر عالية. إذ تستوطن الآفات في السهول بسهولة، وتصبح الأرض قاحلة".

أسرار الرز الضارب في القدم

إنها خزانة العجائب، وفق وصف "نيويورك تايمز"، تلك التي يحرص عليها  مختبر "ألجيريا لورانس". وهي مملؤة ببذور الرز، تحديداً 310 أنواع مختلفة منه.

كثير منها ضارب في القدم، ونادراً ما يزرع اليوم. لكنها تنطوي على قوى جينية عظيمة تحاول الدكتورة لورانس، عالمة الكيمياء الحيوية النباتية في جامعة ولاية أركنساس، كشف النقاب عنها، لا سيما القوة الجينية التي تتسلح بها نباتات الرز كي تنجو خلال الليالي الحارة. حتى الآن، عثرت لورانس على اثنين من تلك الجينات. بالتالي، بات من المستطاع استخدامهما في تربية أصناف هجينة جديدة من الرز.

تشبه الدكتورة لورنس جندية ضمن جيش منتجي الرز الذين يطورون أصنافاً جديدة تستطيع أن تتعايش مع كوكب تزداد سخونته باستمرار. كذلك يحضر مقص الجينات "كريسبر" Crispr بقوة في بحوث الرز، علماً أنها تقنية في تغيير تركيبة الجينات في معظم الكائنات الحية. وينعقد الرهان حاضراً على تلك التقنية لتكون أداة تسهم في تقليل الكربون من سلسلة إمدادات النظام الغذائية من طريق صنع محاصيل تستطيع أن تنمو في الأحوال الجوية السيئة، مما يقلص الحاجة إلى استزراع مساحات إضافية من الأراضي الزراعية. في بلجيكا مثلاً، يستخدم العلماء تقنية "كريسبر" بغية تطوير نوع جديد من الذرة يتحمل إجهاد الحرارة والجفاف. وفي الولايات المتحدة، يبتكر علماء أميركيون نوعاً من فول الصويا يصمد أمام الجفاف والملوحة، وصنفاً من الذرة لا يتأثر بأحوال القحط.

في بنغلاديش، أنتج الباحثون أنواعاً جديدة من الرز تتحمل ضغوط المناخ، ويمكن لبعضها أن ينمو حتى لو غمرته مياه الفيضانات بضعة أيام، فيما ينمو بعضها الآخر متحدياً التربة المالحة.

تجربة فريدة

يشكل الرز محوراً رئيساً في تاريخ الولايات المتحدة. إذ أثرى الولايات الساحلية في الجنوب الأميركي بعمالة الأفارقة المستعبدين الذين جلبوا معهم أجيالاً من المعرفة بزراعة الرز.

اليوم، تنتشر منطقة زراعة الرز المهيمنة في أميركا عبر مناطق التربة الطينية الصلبة على مقربة من نقطة التقاء نهر المسيسيبي بأحد روافده، نهر أركنساس. يبدو الأخير مختلفاً عن دلتا نهر "ميكونغ". إذ تميل الحقول الأميركية إلى التسطح، فكأنها فطائر "بانكايك" مشغولة بإتقان. وكذلك تتولى آلات تدعمها أشعة الليزر، إنجاز الأعمال في مزارع شاسعة تتخطى 20 ألف فدان أحياناً.

ولكن، تتشارك المنطقتان مخاطر تغير المناخ الذي يحمل إليهما ليالي أكثر حرارة، وأمطار بهطول غير منتظم. كذلك تترتب على النجاح الكبير في زراعة الرز المكثفة مشكلة أخرى تتجسد بتراجع مستوى المياه الجوفية بشكل خطر.

بغية التصدي لهذه المشكلة، ارتأى الدكتور بنجامين رانكل، أستاذ الهندسة من "جامعة أركنساس"، أن يترك مزارعو أركنساس الحقول تجف قليلاً فلا تبقى مغمورة بالمياه في جميع الأوقات، خلافاً لما واظب عليه المزارعون سنوات طويلة، ثم يسمحوا للمياه أن تدخلها مرة أخرى، وهكذا دواليك. وعند حافة أحد الحقول، نصب الدكتور رانكل جهازاً لقياس الغازات التي تنتجها البكتيريا التي تغرق في الحقول المغمورة. بحسب الدكتور رانكل، "إنه بالنسبة إلى الأرض أشبه باختبار احتساء الكحول على البشر".

وفي نهاية المطاف، خلصت تجربته التي استمرت سبع سنوات، إلى أن تخلي المزارعين عن إغراق الحقول على نحو مستمر، يؤدي إلى خفض انبعاثات غاز الميثان من الرز بأكثر من 60 في المئة.

كذلك لجأ مزارعون آخرون إلى زراعة الرز في شكل محاصيل مصفوفة، على شاكلة ما يحصل مع زراعة الذرة، وتركوا أخاديد بينهما كي تتدفق المياه، مما يقلص استخدام المياه وانبعاثات الميثان في آن معاً. وجاءت النتيجة الأكثر أهمية، متمثلة بخفض فواتير الطاقة اللازمة لضخ المياه.

المزيد من بيئة