Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأرز المصري... وفرة زراعية تختفي على الموائد

رغم تحقيق الاكتفاء الذاتي منه يعاني المواطنون ندرته وارتفاع ثمنه ومراقبون: "التسعير الحكومي جاء بنتائج عكسية"

يقول نقيب الفلاحين إن إحجام المزارعين عن توريد المحصول للحكومة سببه ضعف السعر المحدد من جانبها (أ ف ب)

ملخص

لم تشهد #مصر في سنوات سابقة أزمة مماثلة في توافر الأرز باعتباره من #الحاصلات_الزراعية التي تحقق الاكتفاء الذاتي فيها

اعتاد المصريون أن يصفوا أي شيء موجود بوفرة بأنه مثل الأرز، لكن يبدو أن ذلك التشبيه لم يعد في محله منذ أشهر، بعد أن تحول الحصول على كيس من الأرز إلى مهمة عسيرة في ظل ارتفاع أسعاره وعدم توافره بصورة كبيرة، مما دفع الحكومة إلى التدخل بإجراءات عدة خففت من حدة الأزمة خلال الأيام الماضية.

يبلغ سعر كيلوغرام الأرز في الأسواق نحو 25 جنيهاً (0.81 دولار)، بنسبة ارتفاع نحو 90 في المئة عن أسعار مطلع أبريل (نيسان) من العام الماضي، حيث كان يقدر بنحو 13.5 جنيه (أقل من نصف دولار).

أزمة غير مسبوقة

لم تشهد مصر في سنوات سابقة أزمة مماثلة في توافر الأرز، باعتباره من الحاصلات الزراعية التي تحقق الاكتفاء الذاتي فيها، لكن الأزمة بدأت في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي مع إقرار الحكومة 15 جنيهاً (نحو نصف دولار) حداً أقصى لسعر كيلوغرام الأرز، سعياً لضبط السوق في مواجهة مغالاة التجار الذين كانوا يعرضون الكيلوغرام بأكثر من 16 جنيهاً، لكن النتائج كانت عكسية واختفى إنتاج الأرز تقريباً من الأسواق.

لاحقاً عدلت الحكومة السعر ليكون 18 جنيهاً (0.33 دولار) لكيلوغرام الأرز المعبأ، وسعياً إلى تشديد إجراءاتها قررت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي اعتبار سلعة الأرز من المنتجات الاستراتيجية التي يحظر حبسها عن التداول، سواء من خلال إخفائها وعدم طرحها للبيع، أو الامتناع عن بيعها، أو بأي صورة أخرى، مع معاقبة المخالف بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تجاوز مليوني جنيه، لكن الأزمة استمرت أيضاً، إلى أن علقت الحكومة قرارها منتصف الشهر الماضي، وتم تحرير سعر تداول الأرز في الأسواق.

وعلى رغم قرار تحرير السعر تواصل غياب الأرز عن المتاجر الكبرى وارتفع سعره في بعض المناطق بالعاصمة إلى أكثر من 30 جنيهاً (نحو دولار واحد) في الأسبوع الثالث من فبراير (شباط)، إلى أن انخفض إلى متوسط 25 جنيهاً (0.81 دولار) حالياً، فيما طرحت وزارة التموين أصنافاً من الأرز المصري في معارض "أهلاً رمضان" التي تقدم منتجات بأسعار مخفضة، وتراوحت أسعار الأرز بين 15 و18 جنيهاً، لكن شكاوى كثيرة تركزت على قلة الكميات المعروضة، سواء داخل أو خارج المعارض التي تقيمها الدولة، ومنع عديد من المتاجر بيع أكثر من كيلوغرامين فقط للشخص الواحد.

البحث عن كيس أرز

يسرد عاطف إسحاق رحلته في البحث عن الأرز، التي بدأها ظهراً وانتهت ليلاً من دون جدوى "في البداية، ذهبت إلى أحد شوادر (أهلاً رمضان) في منطقة الدقي بمحافظة الجيزة، وحينما سألت البائع عن مكان الأرز، كان الرد مفاجئاً وهو مفيش (لا يوجد)، فاضطررت إلى مغادرة المكان بحثاً عن شادر آخر، لكن مع الأسف تعددت الشوادر والإجابة واحدة: لا يوجد أرز".

ويضيف الموظف الأربعيني "بعد أن تأكدت أنه لا أمل في شراء الأرز من الشوادر أو الجمعيات التابعة للحكومة ذهبت إلى مولات كبرى في منطقة السادس من أكتوبر، لكن كانت الإجابة أيضاً كما هي، وبعد أن كان مسموحاً خلال الأيام الماضية بشراء عدد معين من الأكياس أصبح الحصول على كيس (يعادل 400 غرام) اليوم أمراً صعباً".

يؤكد إسحاق "تنقلت بين أكثر من ثلاثة مولات كبرى تجارية من دون جدوى، وأمضيت يوماً كاملاً في البحث عن أرز، لكن الرحلة انتهت بالإخفاق فعدت إلى منزلي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتذكر إسحاق الماضي حينما كان الأرز متاحاً للجميع وبأسعار زهيدة "نشأت في أسرة بشمال مصر، والأرز أحد الأطباق الرئيسة يومياً، لم نكن يوماً نعاني للحصول عليه، إذ كنا نشتريه بكميات كبيرة ونخزنه في منازلنا طوال العام، أما اليوم فقد أصبحت كلمة الخزين من الماضي على رغم أنه ليس بعيداً".

كذلك، تبدي عبير السيد قلقها من استمرار أزمة الأرز مع قرب حلول شهر رمضان، وما يتطلبه من أطباق يدخل الأرز كمكون رئيس فيها، وعلى رأسها "المحشي"، مشيرة إلى أن أسرتها اعتادت أن تكون وجبة إفطار أول أيام رمضان "محشي ورق العنب" تحديداً.

وتضيف ربة المنزل التي حاولت على مدى ثلاثة أيام الحصول على نوع معين من الأرز، أن الكبار ربما يتفهمون الأوضاع الحالية ويغيرون ما اعتادوا عليه ولو على مضض، لكن أبناءها الصغار لن يدركوا أسباب تغيير الطقس الرمضاني السنوي، مؤكدة أنها تتابع ما يعرض في الإعلام عن الأزمة، لكنها ما زالت مندهشة من أن محصولاً زراعياً محلياً تحدث فيه أزمة بهذه الحدة.

مساعد وزير التموين المصري إبراهيم عشماوي أرجع تذبذب أسعار الأرز إلى أسباب عدة، منها نقص الأعلاف بسبب وقف الاستيراد من الخارج، مما دفع بعضهم للجوء إلى الأرز كسلعة بديلة لتغذية المواشي، بجانب حجب بعض التجار مخزون الأرز بهدف المضاربة.

وأوضح الوزير في تصريحات صحافية أن مصر تنتج أربعة ملايين طن سنوياً من الأرز وتستهلك نحو 3.6 مليون طن مما يعني وجود فائض منه، مؤكداً أنه "بسبب الممارسات الخاطئة من قبل التجار قررت الدولة استيراد كميات منه لزيادة حجم المعروض وضبط السوق".

وأعلنت هيئة السلع التموينية التعاقد على شراء 50 ألف طن أرز أبيض مستورد، وبحسب إعلان الهيئة، الشهر الماضي، فإن من المنتظر وصول كميات الأرز المستورد بدءاً من 20 مارس (آذار) حتى نهاية مايو (أيار) المقبل، مما يعزز احتياطي مصر من السلعة الاستراتيجية، الذي يكفي ستة أشهر، وفقاً لتصريحات وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي، نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي.

انخفاض السعر

من جانبه، قال عضو شعبة الحاصلات الزراعية بغرفة القاهرة التجارية عزيز عزت، لـ"اندبندنت عربية"، إن أزمة الأرز في الأسواق انتهت خلال الأيام الأخيرة، وأصبح متوافراً بسعر يتراوح بين 20 و22 جنيهاً للكيلوغرام وهو سعر البيع بالجملة وليس التجزئة، وتوقع أن يواصل السعر الانخفاض خلال الأيام القليلة المقبلة قبل شهر رمضان ليصل إلى ما دون الـ20 جنيهاً. وأرجع حل الأزمة إلى تحرير الحكومة سعر تداول الأرز واستيراد نحو 25 ألف طن حتى الآن من الخارج، مما أدى إلى زيادة المعروض في الأسواق.

وحول أسباب الأزمة هذا العام على رغم الاكتفاء الذاتي من محصول الأرز، قال عزت إن السعر الذي حددته الحكومة لتسلم المحصول من المزارعين كان محدوداً فأحجم المزارع عن تسليمه للحكومة وباعه للتجار، إذ حددت وزارة التموين في أغسطس (آب) الماضي سعر الطن رفيع الحبة بقيمة 6600 جنيه (214.80 دولار)، وسعر الطن عريض الحبة بقيمة 6850 جنيهاً (222.94 دولار)، وبعد ذلك بشهرين ألزمت الوزارة المزارعين توريد طن واحد أرز شعير عن كل فدان مزروع، وهو ما يعادل ‏نحو 25 في المئة من إنتاجية الفدان لحساب هيئة السلع التموينية، مستهدفة الحصول على ‏‏1.5 مليون طن أرز شعير خلال موسم التوريد لهذا العام، وحددت أربع عقوبات للمخالفين، هي عدم السماح بزراعة الأرز الموسم المقبل، وعدم صرف الأسمدة والمبيدات الزراعية لمدة عام، واعتبار ذلك مخالفة تموينية واحتساب قيمة الأرز الشعير بقيمة 10 آلاف جنيه (325.46 دولار) لكل طن يلتزم بسدادها الممتنع عن تسليم الكميات المحددة، لكن فارق السعر بين الحكومة والتجار الذين كانوا يدفعون نحو 12 ألف جنيه (390.55 دولار) للطن أدى إلى عزوف الفلاحين عن التوريد للحكومة، فانتهى الموسم في منتصف يناير بتوريد 420 ألف طن فقط.

مساحات الزراعة

وطالب عزت بأن لا تعيد الحكومة في الموسم المقبل قرارات شراء المحصول بأسعار منخفضة أو تحديد أسعار للبيع، لأن ذلك هو ما أدى إلى ظهور أزمة هذا العام، مضيفاً أن الحل الجذري هو زيادة مساحات الزراعة التي قلصتها الحكومة في السنوات الأخيرة للحفاظ على الموارد المائية، إذ إن محصول الأرز يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.

كذلك طالب نقيب الفلاحين المصريين حسين أبوصدام بوقف قرار تحديد مساحات زراعة الأرز، مؤكداً أن ذلك القرار لم يسهم في توفير المياه كما قالت الحكومة، لأن معظم المساحات الحالية تعتمد على مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية، والمياه التي يزرع بها الأرز تستخدم من جديد في زراعة الموز والبرسيم وغيرهما، كما أن هناك أنواعاً من المحصول هي الأرز الجاف لا يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.

وأوضح أبوصدام لـ"اندبندنت عربية" أن أزمة الأرز هذا العام ترجع جزئياً إلى التزام المزارعين المساحات المحددة من الحكومة لزراعته بعد زيادة وتيرة الغرامات والرقابة، مما كبد المزارع خسائر كبيرة في المواسم الزراعية السابقة، كما زاد من حدة الأزمة زيادة استهلاك الأرز مقارنة بالأعوام السابقة، حيث لجأ إليه المستهلك بسبب تحديد سعره وغلاء سعر بدائل أخرى، بجانب تخزين الأرز من التجار.

وأشار أبوصدام إلى أن إحجام المزارع عن توريد المحصول للحكومة سببه ضعف السعر المحدد، إضافة إلى عدم كفاية العقوبات للردع، مما يجعل الفلاح يفضل دفع الغرامة عن التوريد لوزارة التموين، مؤكداً أن قرارات الحكومة التي هدفت إلى زيادة المعروض من الأرز أتت بمردود عكسي تماماً، بحسب تعبيره.

وبدأت مصر منذ عام 2018 تقلص مساحات زراعة الأرز، رغبة منها في الحد من كميات المياه المستهلكة في ظل الموارد المائية المحدودة وأزمة سد النهضة الإثيوبي، إذ انخفضت مساحة الزراعة من 1.1 مليون فدان عام 2017 إلى 724 ألفاً للعام الماضي.

الأرز الصيني

وبدأت الحكومة المصرية في بحث بدائل تسمح بزيادة إنتاج الأرز من دون تكثيف استهلاك المياه، إذ عقد مسؤولو وزارة الزراعة المصرية قبل أيام اجتماعاً مع مسؤولين صينيين لدراسة مقترحات لزراعة أصناف جديدة أطلق عليها اسم "الأرز الصيني"، الذي يعرف بتحمله الجفاف والملوحة، واعتبره بعض المتخصصين مناسباً للزراعة في المناطق الصحراوية.

وفي تصريحات له أخيراً، قال السفير الصيني في القاهرة لياو ليتشانغ، إن بلاده مستعدة لزراعة الأرز الصيني الذي يتحمل الجفاف في الصحراء الغربية، مضيفاً أن هذه خطة تم طرحها خلال لقاء وزير الزراعة المصري السيد القصير، الشهر الماضي.

بدوره أوضح رئيس المشروع القومي لتطوير الأرز الهجين والأرز السوبر في وزارة الزراعة حمدي موافي، أن الباحثين المصريين والصينيين بينهم تعاون كبير، وبخاصة في مجال الأرز الهجين والسوبر وزراعة أصناف تتحمل ملوحة التربة، إذ إن المحصول يزرع في الحزام الشمالي لمصر بالقرب من البحر المتوسط، وجميع هذه المناطق تتأثر بالملوحة، وتكون عند نهايات الترع فلا تصل إليها المياه.

وكان رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي أكد في تصريحات سابقة أن تدخل الدولة في مسألة الأرز كان في مرحلة معينة لضمان الكمية التي تدخل في المخصصات التموينية، وفي الوقت نفسه كان هدف الدولة وضع الضوابط لعدم انفلات أسعاره المتاحة للمواطنين غير الخاضعين لمظلة التموين، مضيفاً أن الدولة وجدت الوقت مناسباً لتحرير السعر قبل دخول شهر رمضان، مع مراقبة الأسعار مع الغرف التجارية.