Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة سوريا إلى الجامعة العربية بين الحاضر والمآل

على دمشق إدراك أن عودتها تحمل في طياتها التزامها حزمة قرارات سياسية وأمنية وإنسانية

عودة سوريا إلى الجامعة العربية تفرض عليها التزامات تسهم في استقرار المنطقة  (أ ف ب)

ملخص

يعتقد تيار عريض أن عودة سوريا للجامعة العربية ستكون بداية لتعزيز مناخ الاستقرار الإقليمي فيما يشكك آخرون

خلال الـ12 عاماً الماضية خضعت سوريا لتجربة تجميد عضويتها في جامعة الدول العربية، بدأت بقيام الثورة السورية عام 2011 ضمن أحداث "الربيع العربي" وخلق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مركزها الدول العربية التي اشتعلت فيها الأحداث.

وزراء الخارجية العرب قرروا في اجتماع طارئ عقدوه في القاهرة بتاريخ 16 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه تعليق عضويتها بسبب حملة قمع احتجاجات الشوارع مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية، وكان مقرراً إلى حين التزام النظام السوري بتنفيذ بنود "المبادرة العربية" الأولى. أُلحقت بمبادرتين، دعت الأخيرة إلى "تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين، تشارك فيها الحكومة  وقوى المعارضة السورية، وتترأسها شخصية متفق عليها". وشملت مطالب إنسانية بالإفراج عن المعتقلين وإخلاء المدن والأحياء السكنية من مظاهر التسلح، وضمان حرية التنقل لمنظمات الجامعة العربية ووسائل الإعلام العربية والدولية.

 بعدها فرضت دول أوروبية والولايات المتحدة عقوبات على النظام السوري بسبب قمعه المتظاهرين المناهضين للنظام، بينما أثارت، أخيراً، منظمة حقوقية تعمل لدى الأمم المتحدة بأن العقوبات على سوريا تضر أكثر بالمدنيين. ورغم أن رئيس النظام السوري بشار الأسد استعاد السيطرة في ما بعد على أجزاء من سوريا بمساعدة حليفيه الرئيسين إيران وروسيا، إلا أن تكلفة الحرب كانت باهظة، إذ أودت بحياة أكثر من نصف مليون سوري، ولجوء أكثر من 5.5 مليون شخص لدول الجوار ونزوح قرابة 7 ملايين آخرين داخل البلاد، وشمل الدمار الاقتصاد والبنية التحتية.

وبعد تصويت الأعضاء وانعقاد الدورة الثانية والثلاثين لجامعة الدول العربية التي تحتضنها جدة في الـ19 من الشهر الحالي، تشكل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، نقطة تحول في عمل الجامعة نحو تحرك إيجابي، بعد أن ظلت ساكنة لمدة طويلة. ولكن استئناف مشاركة سوريا في الجامعة العربية، لم يسقط الدعوة القائمة لحل الأزمة الناجمة عن الحرب، بما في ذلك نزوح اللاجئين إلى دول الجوار وتهريب المخدرات عبر المنطقة.


تحدي العودة

عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا كان الأسد يعول على نصر عسكري سريع لا يكلفه كل هذه السنوات، كما أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اعتقدا أن العقوبات ستوصل الأسد إلى إبداء عدد من التنازلات وتلبية المطالب الدولية التي صاغتها الجامعة العربية في مبادراتها بإقامة انتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون وبإشراف عربي ودولي. وأن يتخلى عن مسؤولياته التنفيذية خلال مرحلة انتقالية تديرها حكومة وفاق وطني.

ولكن التحولات كشفت صعوبة التغلب على الموروثات المؤسسية والاجتماعية العصية على التغيير بسبب طول فترتها وطبيعتها المقاومة، فأخمد الانتقال مبكراً وزادت من تحديد مصيره الحرب الأهلية، وتأثيرها لم ينحصر في الداخل السوري فقط بل تصاعدت حالة عدم الاستقرار بين دول الجوار أيضاً إضافة إلى تهديد العمليات الإرهابية، وتزايد أنشطة تهريب المخدرات.

 حصلت هذه القمة التي سبقتها محادثات استضافتها مدينة جدة بين مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، ثم الاجتماع التشاوري الذي عقد في عمان مطلع مايو (أيار) الحالي، على إجماع عربي كبير إذ يعتقد تيار عريض أنها ستكون بداية لتعزيز مناخ الاستقرار الإقليمي، بينما هناك تيار آخر يرى أن إعادة دمشق لعضوية الجامعة العربية يعد بمثابة تحفيز لنظام الأسد لمواصلة التجاوزات ضد المدنيين، وأن الأسد لن يحل الأزمة السورية وقد أمن عقوبة الجامعة العربية على الأقل، بينما الشعب السوري يتأثر بالعقوبات الدولية أكثر من النظام. واعتبر المعارضون لهذه الخطوة أن عودة سوريا للجامعة العربية بمثابة اعتراف بانتصار الأسد يُقدم له على طبق من ذهب. يشاطر الغرب، معارضو العودة هذه الرؤية كونها مدت الأسد بوسائل أخرى للنجاة ومواصلة الحكم، وأعاد تشكيكهم في مقدرة الجامعة العربية على إيجاد حل للأزمة السورية خصوصاً في مسارها الإنساني.

 وحتى لو لم تعد سوريا إلى الجامعة العربية، فإن الوسيلة التي يمكن أن توصل السوريين إلى أي نتيجة حكم ديمقراطية تبدو متعثرة، وذلك لأن أكثر من عقد من الزمان قضاها الأسد وسط عقوبات دولية وجفاء عربي، استطاع خلالها أن يرمم هيكل السلطة، وأن يعيد تشكيل قاعدة اجتماعية من أنقاض القاعدة القديمة وتوظيفها لمواجهة أي احتجاجات أخرى قد تنشأ في المستقبل القريب.

جذور التحالف

في ما يتعلق بالحليف الإقليمي الرئيس للنظام السوري منذ بدء الأزمة، فإن إيران ظلت داعمة له مما دعا الدول العربية إلى إدانة تدخل إيران العلني في سوريا مباشرة وعبر وكلائها الإقليميين. ولأن جذور التحالف بين طهران ودمشق قديمة، تجسدت في دعم النظام السوري لإيران خلال فترة الحرب العراقية- الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، ثم لعبت دمشق دوراً رئيساً ضمن تحالف "محور المقاومة". فإن وقوف طهران مع دمشق اتخذ أشكالاً عدة. الأول سياسي، بدأ في التجسد منذ بدء الأزمة، إذ اتهم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الولايات المتحدة وإسرائيل بأنهما وراء زعزعة استقرار الوضع في سوريا، والثاني عسكري، إذ أرسلت إيران مستشارين عسكريين بطلب من الأسد في بداية الأزمة ضمن دعم آخر، واستمر إلى 2017 حيث نفذت طهران ضربات صاروخية ضد الجماعات الإرهابية في سوريا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 والثالث اقتصادي، تمثل ابتداء في العمل باتفاقية التجارة الحرة بين البلدين عام 2012، وبناء خط أنابيب غاز عبر العراق إلى سوريا. وتوقيع اتفاقية بين الدولتين حول التعاون الاقتصادي عام 2019، تضمنت تدشين مرفأين مهمين شمال طرطوس وجزء من مرفأ اللاذقية. ثم اتفاقيات في شأن إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة، وبنك مشترك في يناير (كانون الثاني) 2022، ثم إرسال طائرة مساعدات إلى ضحايا الزلزال في سوريا خلال فبراير (شباط) الماضي. وتوقيع مذكرة تفاهم لتوسيع التعاون والاستثمار بين البلدين في قطاعي الطاقة والكهرباء، وغيرها من أشكال الدعم.

 يذهب اتجاه غربي للترويج إلى استفادة نظام الأسد من النظام الإيراني وتنظيم "حزب الله" مالياً وعسكرياً بتدريب القوات السورية على أنماط معينة من القمع. وقد رصد إرسال "حزب الله" آلاف المقاتلين لتنفيذ هجوم شنه النظام على مواقع المعارضة غرب سوريا في حمص وغيرها، وإرسال إيران قوات قتالية خاصة، منها قوات "الباسيج" التي أنشأها الخميني عام 1979، وتدخلت في الحرب العراقية- الإيرانية، كما شاركت في إخماد الاحتجاجات الإيرانية طوال السنوات الماضية، ولعبت دوراً في قمع احتجاجات "الحركة الخضراء" عام 2009، وغيرها. كما ينتقد الغرب العلاقات الدبلوماسية والاستراتيجية التي تعززها إيران مع روسيا والصين.

طريق ممهد

وأخيراً، زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي دمشق في الرابع من مايو (أيار) الحالي، كأول زيارة رسمية لرئيس إيراني منذ سبتمبر (أيلول) 2010 حين زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. ربط الباحث الإيراني في الشؤون الدولية حسن هاني زاده عودة سوريا إلى الجامعة بزيارة رئيسي بقوله "بعد الاتفاق بين إيران والسعودية في بكين، مُهد الطريق للتقارب الإقليمي بين إيران والدول العربية، وبالنسبة لإيران كان هذا الاتفاق عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية باعتبارها مظلة واقية لهذه الدول". وأضاف "بسبب زيارة رئيسي إلى سوريا، تغيرت نظرة الدول العربية في المنطقة تجاه سوريا ودفعتها إلى العودة إلى موقعها الأصلي، وأصبحت أكثر ملاءمة بعد الاتفاق السعودي- الإيراني".

ولكن آخرين لاحظوا طرح إيران نفسها بقوة كمساهمة في مرحلة إعادة التعمير، وأن الزيارة ركزت على مشاركتها في هذه المرحلة إضافة إلى بعض التفاهمات الاقتصادية الأخرى. ومن جهة أخرى تشير انتقادات واشنطن لهذه العودة إلى تساقط آخر آمال مؤيدي "الربيع العربي"، وربما انسد الأفق في وجوههم جراء المعاناة من الفوضى السياسية والأمنية والتضحيات التي بُذلت في طريق الديمقراطية، من دون أن تضمن لهم الدول التي أيدتهم في البداية تحقق أي التزامات. وثمة حذر غربي وإسرائيلي من أن هذه الزيارة مقرونة مع عودة سوريا قد تكون لها تداعيات على إسرائيل بأن تهددها إيران من هناك، وقد ظلت الأولى تدير ما يُعرف بحملة "الحرب بين الحروب"، المنسقة خصوصاً ضد ترسيخ وجود الأخيرة في سوريا.

وكان الأسد زار إيران للمرة الثانية في مايو 2022، وأجرى محادثات مع المرشد علي خامنئي، كما التقى رئيسي، وكانت زيارته الأولى إلى طهران منذ بدء الأزمة، في فبراير (شباط) 2019، بعد نجاح تحالف إيران وروسيا وسوريا في استعادة أجزاء كبيرة من تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

عدم التوازن

 على سوريا إدراك أن عودتها للجامعة العربية تحمل في طياتها كثيراً من الالتزامات لخصتها الجامعة العربية في حزمة قرارات سياسية وأمنية وإنسانية، بينما تحيط بها جملة تحديات فاقمها تدمير البنية التحتية والعقوبات الدولية المفروضة عليها وتزايد عدد اللاجئين خلال الـ12 عاماً الماضية. كما أن المجتمع الدولي أعطى إشارات سلبية محبطة في ما يتعلق بتكييف وضع سوريا الجديد في الجامعة العربية ينم عن عدم قبوله بما تم، مما يعرقل حل الأزمة السورية.

وبعد مرور 13 عاماً منذ بدء "الربيع العربي" في أواخر عام 2010، نجد أن الدعم الغربي الصريح الذي كان مبذولاً ضد الديكتاتوريات في تلك الدول، ومن ضمنها سوريا، انسحب تدريجياً مع طغيان الحماسة الثورية، التي أدت إلى إزاحة النظم في بعض البلدان، بينما في أخرى لم تتجاوز رد الفعل المضاد، فشكلت اختباراً للمواقف الغربية تجاه الديمقراطية في بلدان الانتفاضات. ومع اختلاف النتائج إذ لم تتساو في كل البلدان، نجد أنها لم تحقق الرضا المطلوب، فالنظم البديلة لم تفلح في إيجاد خيارات مؤسسية ودستورية تصلح للعبور بالمرحلة الانتقالية إلى نظام ديمقراطي. أما التي بقيت على إرثها السابق من الحرب وعدم الاستقرار فلا تجد نفسها في حالة قبول دولي، بينما تحاول صياغة مستويات للسيطرة الاجتماعية.

  هنالك عوامل عدة تفسر ما ترتب على عدم توازن المتغير الديمقراطي، وهو ما أدى إلى عدم نجاح تحقيق انتفاضات "الربيع العربي" شعاراتها بتلبية طموحات شعوب تلك الدول، وبالتالي عادت بهم إلى المربع الأول ولكن مع كثير من الخسائر. أولاً، عند اندلاع "الربيع العربي" برز تهديد كبير للهوية الجيوسياسية أنذرت بتغيير أكبر مما تم خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، ولم تخفِ الحماسة الثورية هذا الشعور مما جعل مواصلة السير في الطريق ذاته من دون محاسبة ودراسة أشبه بالانتحار.

ثانياً، أضافت الضغوط المجتمعية من أجل التحول الديمقراطي تحفيزاً أكبر للدعم الشعبي، ولكن بسبب القمع المتواصل من جهة، وعدم توافق القوى السياسية من جهة أخرى، جعل القوى الغربية تتخذ مواقف حادة ومتناقضة ولا تتناسب مع مناداتها بالديمقراطية، وهذا مفهوم في إطار اختلاف ظروف بلد عن الآخر ولكنه سبب إحباطاً واضطراباً في قياس الرأي العام العالمي، وأخفى التحفيز المنتظر، وبرز التساؤل هل هو مع الانتفاضات أم ضدها؟

 ثالثاً، بروز تيار الإخوان المسلمين، أحدث ربكة في المشهد السياسي في دول "الربيع العربي"، مما جلب عدداً من التناقضات إلى مفهوم الديمقراطية التي يرجى تحققها في سياق الربيع العربي، ونبعت منها إشكالية  كيفية التعامل مع "ديمقراطية العنف".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل