Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد بوضياف الرئيس الذي عاد إلى الجزائر ليقتل

من الثورة والإعدام والمنفى إلى الرئاسة والاغتيال

قادة جبهة التحرير الوطنية الذين اعتقلتهم القوات الفرنسية بعد إجبار الطائرة التي كانت تقلهم من الرباط إلى تونس على الهبوط في الجزائر. الصورة للمجموعة مقيدة أمام مقر الاستخبارات الفرنسية في الجزائر. من اليسار: أحمد بن بلة، محمد بوضياف، حسين آيت أحمد، الصحافي المرافق مصطفى الأشرف، محمد خيضر (أ ف ب)

ملخص

#محمد_ بوضياف الرئيس الذي عاد إلى #الجزائر ليقتل

منذ بداية القرن العشرين، هزت العالم العربي عمليات اغتيال كثيرة غيرت في مسارات الأحداث والتطورات وبدلت في تاريخ المنطقة، "اندبندنت عربية" تفتح بعض ملفات هذه الاغتيالات، وفي هذه الحلقة نتناول قضية اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف في 29 يونيو (حزيران) 1992.

تختصر سيرة الرئيس الجزائري محمد بوضياف مرحلة طويلة من تاريخ الجزائر بحلوها ومرها، الرجل الذي بدأ حياته بين قيادات الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي انتهى محكوماً بالإعدام من رفاقه الثوار بعدما وصلوا إلى السلطة قبل أن يختار المنفى ليعود بعد 28 عاماً رئيساً للجزائر، ولكن الرئاسة لم تكن جائزة له نتيجة نضاله، بل محطة على طريق الاغتيال.

 

من هو بوضياف؟

ولد بوضياف سنة 1919، في ولاية المسيلة الجزائرية التي كانت واقعة تحت الاحتلال الفرنسي، عمل محصلاً للضرائب في مدينة جيجل قبل أن يلتحق بالجيش الفرنسي للقتال ضد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.

بعدها انخرط في حزب الشعب الجزائري وتنظيمه السري، وكلف إنشاء خلايا سرية لمقاومة الفرنسيين، وهذا ما عرضه للملاحقة عام 1950 وحكم عليه غيابياً بالسجن ثماني سنوات وأوقف وسجن في فرنسا.

إثر عودته إلى الجزائر انخرط في صفوف الثورة، وكان عضواً من اللجنة الثورية التي فجرتها عام 1954، كما كان ضمن القادة الذين اختطفتهم المخابرات الفرنسية على متن الطائرة التي كانت متوجهة من الرباط إلى تونس.

تقلد بوضياف منصب نائب رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة عام 1961، وكان لا يزال معتقلاً، وبعد استقلال الجزائر كان موقفه مخالفاً لأغلب قادة الثورة، اعتبر أن دور "جبهة التحرير" انتهى مع جلاء المستعمر، ونادى بالتعددية الحزبية وتأسيس جمهورية ديمقراطية.

 

في الاعتقال والحكومة

في 23  مارس (آذار) 1954  تأسست "اللجنة الثورية لوحدة العمل"، بمبادرة من قدماء المنظمة السرية، وتشكلت اللجنة من 22 عضواً حضرت للكفاح المسلح، وانبثقت منها لجنة قيادية تضم محمد بوضياف، وديدوش مراد، ومصطفى بن بولعيد، ورابح بيطاط، والعربي بن مهيدي، وكريم بلقاسم، حددوا تاريخ أول نوفمبر (تشرين الثاني) 1954  موعداً لانطلاق الثورة. وأُعلِنت "جبهة التحرير الوطني" و"جيش التحرير الوطني" لاستعادة الاستقلال وإعادة بناء الدولة الجزائرية.

  حققت الجبهة في بداية نشاطها إنجازات كبيرة، مما شجعها على مواصلة العمل التنظيمي، فقررت عقد مؤتمر تقييمي لسنتين من النضال في 20 أغسطس (آب) 1956 كرس مبدأ القيادة الجماعية، مع الأولوية للقيادة العسكرية والنضال داخل الجزائر.

شهد عام 1956 مفاوضات بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية انتهت إلى صيغة اتفاق، وقرر قادة الجبهة إطلاع المغرب وتونس عليها، وفي 20 أكتوبر (تشرين الأول)، وفي طريقهم إلى تونس على متن طائرة مغربية، اعترضها الطيران الحربي الفرنسي في عملية قرصنة جوية وأجبرها على الهبوط واعتقل أحمد بن بلة ومحمد بوضياف وحسين آيت أحمد ومحمد خيضر والصحافي المرافق مصطفى الأشرف، كان هناك خلاف داخل فرنسا بين الجيش والحكومة حول طريقة حل المسألة الجزائرية، وبذلك أفشل الجيش الفرنسي المفاوضات بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية واستمروا في الاعتقال حتى 18 مارس  1962.  

 اعتبر ديغول المختطفين سجناء عسكريين، كان مسموحاً فقط للمحامين بزيارته، ولكن خلال هذه المرحلة كانت الثورة مستمرة في الخارج وكانت بدأت تعاني من انقسامات بين تيارات وقيادات مختلفة برز من بينها هواري بومدين أحد قادة جيش التحرير. خلال اعتقالهم أعلن في 19 سبتمبر (أيلول) 1958 تأسيس أول حكومة جزائرية مؤقتة برئاسة فرحات عباس وعُين بن بلة وبوضياف المعتقلان نائبين له.  

في 10 نوفمبر عرض ديغول على جبهة التحرير التفاوض، وبعد عشرة أيام وافقت الجبهة على العرض وكلفت بن بلة وبوضياف وبيطاط وآيت أحمد وخيضر تولي التفاوض، ولكن ديغول رفض أن يكون بن بلة من بينهم.

 

بن بلة وبومدين وبوضياف

نتيجة الاعتقال ضعف دور القيادات المعتقلة، وصارت قيادة الثورة تأخذ قرارات دون الرجوع إليها ومنها حين اجتمع المجلس الوطني في ليبيا وكلف هواري بومدين قيادة الجيش خلفاً لكريم بلقاسم من دون استشارة المعتقلين. اعتباراً من هذا التاريخ سيكون لبومدين دور بارز في تقرير مستقبل الجزائر وفي الصراعات مع رفاقه في قيادة الثورة التي توزعت على أكثر من محور. في يونيو 1960 انطلقت جولة جديدة من المفاوضات في سويسرا ونتج منها "اتفاقية إيفيان" التي مهدت لوقف إطلاق النار الذي بدأ تنفيذه في 19 مارس 1962.

ولكن كانت النزاعات بين الحكومة المؤقتة وبين قيادة الجيش قد ظهرت، كان بومدين أرسل عبد العزيز بوتفليقة لزيارة المعتقلين عام 1961 فظهر الانقسام في صفوفهم أيضاً، وافق بن بلة على لقاء بوتفليقة وعلى قيادة بومدين بينما أيد بوضياف قيادة بلقاسم، وعندما أطلق سراح المعتقلين بعد وقف النار قاموا بجولة شملت سويسرا ومصر والمغرب وتونس، حيث كان بومدين في استقبالهم في المطار في 14 أبريل (نيسان) 1962، ولكن بوضياف غاب عن اللقاء مع بومدين، لم يكن غيابه عادياً إنما كان تظهيراً لخلافه مع بن بلة وبومدين، بعد الاستفتاء حول مستقبل الجزائر أعلن الاستقلال في الثالث من يوليو (تموز) 1962 واختير الخامس منه عيداً للاستقلال ليكون يوم دخول فرنسا إلى الجزائر هو نفسه يوم خروجها منها.

 

بوضياف إلى المنفى وبومدين إلى الحكم

في نهاية سبتمبر 1962، قبِل بن بلة رئاسة أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال، وكان متردداً، ولكن بومدين أقنعه بقبول المسؤولية وضمن له دعم الجيش، وبذلك صار رئيساً للحكومة الجزائرية في 29 سبتمبر  1962، وبعد الموافقة على الدستور الجزائري، انتخب رئيساً للجمهورية في 15 أكتوبر 1963 واتخذ من فيلا جولي مقراً للرئاسة. 

صحيح أن الجزائريين أيدوا بقوة الاستقلال في استفتاء لتقرير المصير، لكن الطبقة السياسية كانت تعيش وسط صراعات وتحالفات أبرزها بين الحكومة المؤقتة وأركان الجيش، وبرزت عام 1962 أزمة بين مجموعة تلمسان وعلى رأسها بن بلة وبومدين، ومجموعة تيزي أوزو وعلى رأسها بوضياف وكريم بلقاسم، كان من نتيجتها دفع جيش الحدود للاستيلاء على العاصمة، الأمر الذي رجح كفة حلف بن بلة وبومدين.

اعتبر بوضياف أن مهمة جبهة التحرير الوطني انتهت بعد الاستقلال، ويجب فتح المجال أمام التعددية السياسية. أسس في سبتمبر 1962 "حزب الثورة الاشتراكية" مختاراً الافتراق عن رفاق "جبهة التحرير". اتهمه محور بن بلة وبومدين بالتآمر على أمن الدولة وأوقِف وحُكِم عليه بالإعدام، ولكن لم ينفذ فيه الحكم، أُطلِق سراحه بعد ثلاثة أشهر قضاها في سجن جنوب الجزائر، وتركت هذه التجربة في نفسه انطباعات سلبية اختار بعدها الخروج من الجزائر وترك السلطة والبلاد فانتقل إلى باريس وسويسرا ثم إلى المغرب.

استمر الانسجام بين بن بلة وبومدين حتى انعقاد مؤتمر "جبهة التحرير" في 14 أبريل 1964، بعده ظهرت الخلافات بين الرئيس ووزير الدفاع وقائد الجيش، وكان بومدين من بين المعترضين على عقد المؤتمر الذي وُجهت فيه انتقادات ضده، بعد إعلان بن بلة في ديسمبر 1964 عن حكومة جديدة احتفظ فيها بحقائب الداخلية والمالية والأخبار، صار بومدين متيقناً أنه يعمل على إزاحته، ولم يقبل بن بلة استقالة بومدين سنة 1964، إلا أنه لم يتوقع أن يقود انقلاباً علي، ليل19  يونيو 1965 اعتقَل بن بلة وأعلن بومدين الانقلاب الذي سماه "التصحيح الثوري".

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

من المنفى إلى الرئاسة

استمر حكم بومدين حتى وفاته في 27 سبتمبر 1978، خلفه في فبراير (شباط) 1979 الشاذلي بن جديد الذي كان وزيراً للدفاع، وفي أكتوبر 1988، اندلعت احتجاجات ضده وحصلت اضطرابات في مدن عدة قمعها الجيش الذي تدخل لوقف الانتخابات الديمقراطية، الأمر الذي مهد بعد سنة لفوز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في انتخابات عام 1990 البلدية ثم انتخابات 1991 النيابية، وكان وزير الدفاع خالد نزار الرجل الأقوى في النظام، فاتخذ مع القيادة العسكرية القرار بوقف المسار الانتخابي وإلغاء نتائج الانتخابات في ما بدا أنه انقلاب كامل وتشكيل حكم جديد، وتدرجت الخطوات بسرعة كبيرة:

• الرابع من يناير (كانون الثاني) 1992 حل الشاذلي بن جديد المجلس الشعبي الوطني الذي كان يرأسه عبد العزيز بلخادم.

• 11 يناير استقال فجأة من رئاسة الجمهورية بضغط من الجنرالات.

•  12 يناير قرر المجلس الأعلى للأمن إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية.

 • 14 يناير قرر المجلس الأعلى للأمن الذي كان في يد العسكر إنشاء المجلس الأعلى للدولة.

•  16 يناير رجع محمد بوضياف ليرأس المجلس الأعلى للدولة، ومُنحت له صلاحيات رئيس الجمهورية.

•  التاسع من فبراير وقع بوضياف على مرسوم إعلان حالة الطوارئ.

•  أتبع قرار إلغاء الانتخابات بقرار آخر اتخذ في مارس 1992 قضى بحل "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الاغتيال الغامض

وافق بوضياف على العودة بعد 28 عاماً من الغياب القسري عن بلاده، وأصبح رابع رؤساء الجزائر في ظرف كان الأكثر دموية في تاريخها، بعد تعطيل المسار الانتخابي الذي أغرقها في حرب أهلية على مدى عشرة أعوام، ولكن رحلته الرئاسية لم تدم طويلاً، نجا من الاعتقال في بداية الخمسينيات ثم من الاعتقال في فرنسا ثم من حكم الإعدام الذي أصدره بحقه رفيقاه في الثورة بن بلة وبومدين، خرج من السلطة ومن الثورة واختار العيش في المنفى، ولكن حلم الجزائر بقي يراوده، عندما عرضت عليه رئاسة البلاد قبل الدعوة ولم يكن يدري أن نهاية مأساوية تنتظره.

في 29 يونيو 1992، كان يلقي خطاباً في قاعة المركب الثقافي في مدينة عنابة شرق الجزائر، بعد دقائق دوى انفجار تلاه رشق رصاص، وانقطع البث التلفزيوني المباشر قبل أن يعود لإعلان مقتل الرئيس، واعتقال القاتل.

شكلت السلطة الجزائرية لجنة تحقيق، خلصت إلى أن قتل الرئيس كان "فعلاً معزولاً"، منفذه مبارك بومعرافي الضابط في القوات الخاصة الجزائرية، لقناعاته "المتشددة"، وانتقاماً من الرئيس لمواقفه إزاء حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، مستدلة على ذلك برسالة مكتوبة بخط اليد نسبت إلى بومعرافي قيل إنه وجهها إلى صديق له.

بقيت خلاصات اللجنة المذكورة موضع تشكيك في شأن صيغة تقديمها للجريمة وإعطائها الطابع الفردي، وحمل تقريرها ما رأى فيه المشككون ثغرات تصب في طرح الاغتيال المدبر، بخاصة أن إدماج الملازم مبارك بومعرافي في مجموعة التدخل، التي ألحقت بالحرس الرئاسي، تم في آخر لحظة، وكان يحمل أمراً فردياً بمهمة ولم يكن اسمه في قائمة فريق التدخل ووضع مباشرة خلف الستار.

مقتل بومعرافي

النهاية الغامضة للقاتل زادت في غموض اغتيال بوضياف، عام 2002 نشب حريق في قاعة من قاعات سجن سركاجي أودى بحياة مبارك بومعرافي و18 شخصاً وجرح سبعة أشخاص، ويقع السجن على مقربة من وزارة الدفاع والمقر العام للدرك الوطني والمديرية العامة للأمن العام، في مربع أمني حصين وحصلت فيه سابقاً حوادث مماثلة مات فيها معارضون اتهموا بأنهم أثاروا أعمال شغب، لذلك هناك من يعتبر أن الحريق الذي أودى بحياة بومعرافي كان مفتعلاً للتخلص منه على رغم أنه لم يكشف هوية الذين كلفوه هذه المهمة، وخصوصاً بعد مطالبة نجل بوضياف بإعادة التحقيق في قضية اغتيال والده، وبعد صدور عديد من الكتب من قبل ضباط سابقين في الاستخبارات الجزائرية يتهمون فيها قادة الجيش باغتياله.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات