Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تتخطى مصفوفة اتفاق سلام السودان المحدثة عقبات التنفيذ؟

الانقسام السياسي وضعف التمويل يهددان بعرقلة تنفيذها

تضمنت المصفوفة 25 بنداً ضمن حوالى 70 صفحة، تشمل تصنيفاً لقضايا وفصول الاتفاق المطلوب فيها إجراءات للتنفيذ الفوري (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

هل تسرع المصفوفة المحدثة خطوات تنفيذ اتفاق سلام #السودان ؟

منذ توقيع اتفاق جوبا للسلام في السودان قبل ثلاث سنوات ظلت خطوات تنفيذه تتعثر بصورة كبيرة لم تتجاوز فيها نسبة التنفيذ في أفضل التقديرات خمسة إلى ثمانية في المئة، لدرجة شككت في مدى فعاليته وقدرته على إرساء أسس لسلام حقيقي على الأرض. وشكلت الأزمات السياسية والاقتصادية وما تبعها من توقف للمساعدات الخارجية، أبرز المشكلات التي عرقلة تنفيذ الاتفاق، فهل تحفز مصفوفة المواقيت الجديدة (المحدثة) الموقعة في عاصمة جنوب السودان (جوبا) في الأسبوع الثالث من فبراير (شباط) الماضي، خطوات تنفيذ الاتفاق في ظل توافر كثير من الظروف المحيطة به سياسياً واقتصادياً؟

جداول زمنية جديدة

وتضمنت المصفوفة 25 بنداً ضمن حوالى 70 صفحة، تشمل تصنيفاً لقضايا وفصول الاتفاق المطلوب فيها إجراءات للتنفيذ الفوري مثل تلك التي تحتاج إلى قرارات عاجلة، وأخرى تحتاج إلى مواقيت تتراوح بين ثلاثة أشهر و100 يوم، فضلاً عن الأنشطة المرتبطة بتنفيذ بنود أخرى.
وحددت المصفوفة المحدثة جدولاً زمنياً لتنفيذ التزامات الترتيبات الأمنية الخاصة بـ"مسار دارفور"، وكذلك بالنسبة إلى البنود الخاصة باتفاق المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، وتحديد ما يحتاج منها إلى إجراءات وقرارات عاجلة، وكذلك الأنشطة المرتبطة بتنفيذ بنود أخرى، إلى جانب برتوكولات تقاسم السلطة والثروة واتفاق العدالة والمساءلة والمصالحة، والأرض والحواكير، وقضايا الرحل والرعاة، والتعويضات وجبر الضرر وعودة النازحين واللاجئين. كما حددت المصفوفة المطلوبات والبرامج الزمنية لتنفيذ مسارات الشرق والشمال والوسط، وكذلك لإنفاذ أنشطة الترتيبات الأمنية.

تفصيل وتنزيل الالتزامات

وبهدف تفصيل الالتزامات الناشئة عن تعديل مواقيت التنفيذ في ورشة جوبا، نظمت المفوضية القومية للسلام بالخرطوم نهاية الأسبوع الماضي، ورشة ثانية للتنوير وشرح كيفية التعامل مع المصفوفة المحدثة لتنفيذ "اتفاق جوبا".
وجدد نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق محمد حمدان دقلو، لدى مخاطبته الورشة، التزامه بتنفيذ التوصيات كافة، مطالباً  الأطراف السودانية المختلفة بالتعاون والعمل بروح المسؤولية المشتركة وأن يساعد السودانيون أنفسهم قبل طلب مساعدة المجتمع الدولي الذي يتطلع السودان إلى عونه. ورهن دقلو تنفيذ الاتفاق بالصدق وحسن النوايا.

من جهته اعتبر سكرتير لجنة وساطة جنوب السودان ضيو مطوك، أن "ورشة مفوضية السلام مكملة لمخرجات جوبا وتطبيقاً عملياً للمصفوفة بإنزال بنودها إلى الوحدات الإدارية الحكومية المختلفة، بعد تحديد المطلوبات بدقة وتفصيل، فضلاً عن معالجتها أوجه القصور في توصيات الورشة الأم في جوبا من جوانب عدة".


مرجعية تنفيذية

ونادت الورشة بإصدار قرارات فورية لاستيعاب أبناء وبنات شرق السودان في وظائف الخدمة المدنية القومية بنسبة 14 في المئة من مجموعها الكلي، تحت إشراف مفوضية إصلاح الخدمة المدنية القومية، وتخصيص موارد لسداد رسوم طلاب وطالبات ذات المنطقة بالجامعات الحكومية بعد إجراء المسوحات والدراسات الاجتماعية.
وانتقد سليمان الدبيلو، رئيس المفوضية، خلال ورشة الخرطوم لشرح المصفوفة المحدثة، المجتمع الدولي لعدم تقديمه الدعم للازم للاتفاق قائلاً "خاب ظننا في المجتمع الدولي".
وشرعت المفوضية القومية للسلام، في تسليم الوزارات التنفيذية بنود المصفوفة توطئة لتنفيذها بعد التحديث الذي طرأ عليها من خلال ورشتي الخرطوم وجوبا.
وأكد عثمان حسين، وزير شؤون مجلس الوزراء المكلف، أن الورشة حددت طرق التنفيذ، والخطوات العملية للمضي فيها، مشيراً إلى أن "المصفوفة باتت واجبة التنفيذ عبر الجهاز التنفيذي وستشكل المرجعية للوصول باتفاق السلام إلى نهايات المطلوبة وتحقيق الاستقرار في البلاد".

عقبات عديدة

على صعيد متصل لفت رئيس لجنة الوساطة الجنوبية مستشار رئيس دولة الجنوب توت قلواك، إلى وجود عقبات عدة ما زالت تواجه تنفيذ الاتفاق، لا سيما مسار شرق السودان، وعلى رأسها الأزمة السياسية الراهنة ومعضلة توفير التمويل اللازم، فضلاً عن الانقسام بين أطراف المسار.
وأشار قلواك في حوار تلفزيوني، إلى استحداث آلية جديدة بهدف مراجعة التنفيذ وتجاوز تلك العقبات، مؤكداً على قيام "مؤتمر جامع لأهل الشرق بهدف معالجة قضاياهم بمشاركة الموقعين وغير الموقعين على الاتفاق، والوصول إلى رؤية مشتركة موحدة".
في السياق رأى الباحث السياسي عبدالمنعم بشرى أن "المصفوفة المحدثة جاءت بعد عملية تقييم كشفت الضعف الكبير الذي شاب تنفيذ اتفاق السلام، وبدا واضحاً أن النسبة المنفذة مع ضآلتها تركزت بصورة واضحة في برتوكول قسمة السلطة.
وأرجع بشرى "ضعف القدرة على تنفيذ بنود الاتفاق إلى ارتباطه منذ لحظة توقيعه بالتزامات مالية ليس في مقدور الحكومة السودانية توفيرها، وكان ينتظر أن يقدمها المانحون والضامنون في شكل عون دولي لتسهيل التنفيذ لكنها توقفت، مما أدى إلى تعثر التنفيذ بشكل كبير من جهة والضغط على إيرادات الدولة المالية المحدودة، مما أثر في تمويل الخدمات وانعكس سلباً على حياة الناس". وأضاف أنه "حتى بعد صدور المصفوفة المحدثة فإن المواقيت الزمنية المحددة تبدو أيضاً غير كافية وقد تكون مهددة أيضاً بالانهيار كسابقتها، بسبب توافر ذات الظروف في ظل الواقع السياسي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد، مما ينتج منه بيئة غير مواتية للتنفيذ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الضعف التنفيذي

ويلفت بشرى إلى أن "الجهاز التنفيذي ممثلاً بالوزارات والهيئات الحكومية، المنوط بها تنفيذ عديد من قضايا السلام التفصيلية، ليست بكامل عافيتها وتعاني مشكلات مالية وشحاً في الموارد اللازمة لتسيير عملها اليومي في ظل موازنات محدودة، مما يقدح في مدى واقعية هذه المصفوفة، كونها لم تستفد كثيراً من عقبات التنفيذ السابقة التي أفشل فيها شح التمويل تنفيذ كثير من البنود المهمة وعلى رأسها مسألة الترتيبات الأمنية".
وأشار إلى أن "تنفيذ مطلوبات السلام تحتاج إلى جهاز تنفيذي دستوري قوي، تسنده سلطة تشريعية قادرة على سن تشريعات تؤسس لها وتحرسها وتتابعها"، لافتاً إلى أن "مجرد تصنيف المطلوبات بشكل إجرائي لتحديد البنود التي تحتاج قرارات عاجلة يتوقع صدورها خلال أيام، لن تكون ذات جدوى ما لم تسندها قوة الدفع اللازمة، إذ لا يكفي مجرد صدور قرارات لا يكفي للقول إنها نفذت".
في سياق متصل رأى أستاذ العلوم السياسية عوض الكريم الأمين، أن "المصفوفة المحدثة لا تشكل فرقاً يذكر في محتوى اتفاق السلام. وذلك من شأنه أن يدخل اتفاق السلام ضمن أدوات إدارة الخلاف السياسي".
وتساءل الأمين عن "مصير هذه المصفوفة حال تشكيل حكومة مدنية خلال الأشهر المقبلة ضمن الاتفاق الإطاري، وكيف ستنظر إليها الحكومة المدنية مع مخرجات مؤتمر التقييم الذي تم في سياق المرحلة النهائية للعملية السياسية".


استباق وتقاطعات

وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن "استباق المصفوفة المحدثة لمرحلة التأسيس الدستوري الجديد للفترة الانتقالية، وتثبيت علوها على الدستور الانتقالي في حال التعارض بينهما، لم يأت بالمعادلات الجديدة التي قد يفرزها الدستور في شأن هياكل السلطة بالتالي تأثير ذلك في نسب المشاركة في السلطة في ما بين أطراف السلام".
وعبر الأمين عن اعتقاده بأن "انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، كان عاملاً أساسياً في إعاقة تنفيذ اتفاق السلام لتسببه في توقف المساعدات الخارجية، التي بات انسيابها مرهوناً بقيام حكومة مدنية مما يسهل بدوره المضي في تنفيذ اتفاق السلام، مما يجعل الحركات الموقعة عليه صاحبة مصلحة في التعجيل بالاتفاق السياسي والحكومة المدنية كمدخل رئيس لحل المعضلات المالية المرتبطة بالسلام واقتصاد البلاد عموماً".
واعتبر أن "ورشة جوبا لا تخلو من غرض سياسي، إذ سعت إلى تثبيت وحماية نصوص الاتفاق وقطع الطريق أمام مساعي أطراف الاتفاق الإطاري لمراجعتها، مما يشير إلى أن اتفاق السلام بات ضمن محركات الخلاف السياسي بين الكتلة الديمقراطية وأطراف الاتفاق الإطاري". وأضاف أن "كل المعطيات السياسية الراهنة تؤكد أن الاتفاق سيواجه ضرورة مراجعته، بخاصة في ما يتعلق بنسب المشاركة في السلطة بظل مقترح بتقليص عدد الوزارات ومقاعد المجلس التشريعي، مما يعني بالضرورة المساس بنسب المشاركة الواردة في الاتفاق مع الاحتفاظ بالتوازن المطلوب، مما قد يستدعي تنازلات جديدة من كل أطراف العملية السياسية".
وكان مؤتمر مواز لورشة جوبا نظمته "قوى الاتفاق الإطاري" اختتم أعماله في فبراير (شباط) الماضي، في إطار المرحلة النهائية للعملية السياسية، أوصى بعقد الحكومة المدنية "ملتقى أهل الشرق السياسي - التنموي"، خلال ثلاثة أشهر من تشكيلها، مما يعني ضمناً الإبقاء على "مسار شرق السودان" وتطويره عبر ملتقى الشرق بدلاً من "المؤتمر التشاوري" الذي اعتبر توصياته - حال عقده - جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق وفقاً لبنود المسار.
ونظمت حكومة جنوب السودان وسيط وراعي اتفاق السلام في فبراير (شباط) الماضي، ورشة عن تقييم الاتفاق تركزت معظم توصياتها على تصنيف وإعادة جدولة مطلوبات التنفيذ الإجرائية التي يحتاج بعضها إلى صدور قرارت سيادية وبعضها الآخر يحتاج إلى تشريعات وإصدار قرارات تنفيذية فورية مع معالجة بعض القضايا من أجل تسريع التنفيذ.
ووقع المصفوفة المحدثة كل من رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان كشاهد، وسلفاكير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان بوصفه ضامناً لاتفاق جوبا لسلام السودان الذي رعته بلاده منذ البداية.
ووقع عن الحكومة عضو مجلس السيادة شمس الدين الكباشي، ومن الجانب الآخر قادة حركات تحرير السودان (تحرير السودان، المجلس الانتقالي)، والعدل والمساواة (الحركة الشعبية / شمال، الجبهة الشعبية المتحدة)، ومؤتمر البجا المعارض، وكيان الشمال، والجبهة الثالثة (تمازج) وحركة تحرير كوش.

وكانت الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك، وبحضور البرهان، وقعت في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، مع "الجبهة الثورية" اتفاقاً بشأن المشاركة الفعالة في أجهزة الحكم الانتقالي، وخصصت لهم 75 مقعداً في المجلس التشريعي وثلاثة مقاعد في مجلس السيادة و25 في المئة من المناصب التنفيذية القومية، فضلاً عن المناصب الولائية والإقليمية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات