Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحسم إندونيسيا "الطويلة النفس" صراع بحر الصين؟

لا تزال الانفراجة موضع شك كبير مع وجود الأنشطة الصينية وتصاعد وتيرة التوترات بين بكين ومانيلا

يشهد بحر الصين الجنوبي صراعاً يتجدد بين الحين والآخر من دول عدة بـ"آسيان" تطالب كل منها بجزء تزعم أنه تابع لمياهها (أ ف ب)

ملخص

تشكل أزمة بحر الصين الجنوبي إحدى أبرز #الأزمات_الإقليمية ذات البعد الدولي حيث تنخرط #الولايات_المتحدة في ذاك الصراع بصفتها حليفة لعدد من أطرافه

حمل الصراع في بحر الصين الجنوبي في جعبته مزيداً من الأحداث والتطورات التي تزايدت حدتها بمرور السنوات. وخلال الأشهر الأخيرة أضحت التوترات في ساحة الممر البحري تطاول دولاً شتى، بخاصة مع تأزم العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.

في الوقت نفسه، تقود جمهورية إندونيسيا التي تترأس حالياً رابطة دول "آسيان"، مساعي دبلوماسية حثيثة للتخفيف من قوة الصراع والتوصل لاتفاق نوعي يقضي بتنظيم الحركة البحرية في بحر الصين الجنوبي.

بدأت بوادر تلك الجهود باجتماع عقد بين مسؤولين ودبلوماسيين من "آسيان" والصين لمناقشة تطبيق مدونة قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي في الفترة من 8 إلى 10 مارس (آذار) الجاري. وعلى رغم تجميد المفاوضات في شأن الصراع بين الأطراف خلال السنوات الأخيرة، يبدو أن هناك تفاؤلاً بالسعي الإندونيسي الذي من المتوقع أن يحدث انفراجة في الأزمة الإقليمية ذات البعد الدولي، فيما يرى متشائمون أن البادرة الإندونيسية قد لا تقود إلى جديد في الصراع طويل الأمد، إذ لم تثبت الصين جدية نواياها في حل الأزمة الممتدة والعالقة منذ عقود.

ساحة الصراع

يشهد بحر الصين الجنوبي صراعاً يتجدد بين الحين والآخر من دول عدة بـ"آسيان" تطالب كل منها بجزء تزعم أنه تابع لمياهها الإقليمية. وتشمل قائمة الدول أطراف الصراع، الفيليبين وفيتنام وبروناي وماليزيا إلى جانب الصين. وتشكل الأزمة إحدى أبرز الأزمات الإقليمية ذات البعد الدولي، حيث تنخرط الولايات المتحدة في ذاك الصراع بصفتها حليفة لعدد من أطرافه. 

ولدى الممر البحري أهمية جيوسياسية كبرى في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، إذ يمثل نقطة ربط مهمة في التجارة الدولية بين شرق آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، كما يمر به عديد من السفن التجارية ويشكل منفذاً لإمدادات الطاقة لدول صناعية عدة. 

من الناحية الاقتصادية، يمتاز بحر الصين الجنوبي بثرائه بالثروات الطبيعية، حيث يخزن ما يقدر بـ11 مليار برميل من النفط، و190 تريليون قدم من الغاز الطبيعي. وأصبح بحر الصين الجنوبي ساحة جديدة في الصراع بين الولايات المتحدة والصين، تستهدف فيه كل منهما فرض سيطرتها على الممر البحري، نظراً إلى أهميته ووضعه الجيوسياسي.

الحل الدبلوماسي

منذ تولي إندونيسيا مقاليد رئاسة رابطة "آسيان"، وضعت في مقدمة أولوياتها تحريك المياه الراكدة في المفاوضات بين الرابطة والصين في شأن مدونة لقواعد السلوك تحكم المطالبات المتكررة في بحر الصين الجنوبي.

وأعلنت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي، في فبراير (شباط) الماضي أن إندونيسيا حريصة على تكثيف المحادثات بين الصين ودول الرابطة لحل الصراعات في بحر الصين الجنوبي بطريقة سلمية، كما استكملت الجولة الأولى من المفاوضات بين الجانبين في مارس الحالي بالاجتماع الذي عقد بين مسؤولين ممثلين للطرفين من الثامن إلى العاشر من الشهر.

وتسعى إندونيسيا من خلال المفاوضات إلى إقرار مدونة قواعد السلوك ليصبح إطار عمل يمكنه حل مشكلات النزاع في المنطقة البحرية بما يجنب المنطقة مخاطر تصاعد الأزمة واندلاع مواجهات عسكرية تؤثر في دول المنطقة.

ويشير مراقبون إلى محاولة جاكرتا خلال رئاستها لـ"آسيان" العام الحالي لاستخدام نفوذها وتأثيرها كأكبر اقتصاد في المنطقة، لاستكمال المفاوضات والوصول إلى نتائج ناجحة للطرفين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأسفرت الجولة الأولى من المفاوضات عن حدوث تقدم في المحادثات بين الجانبين ورغبة من جميع الأطراف في تكثيف المحادثات خلال الفترة المقبلة، بحسب مسؤولين إندونيسيين.

وصرح المدير العام لتعاون "آسيان" في وزارة الخارجية الإندونيسية بأن مدونة قواعد السلوك لبحر الصين الجنوبي التي تصاغ عن طريق الطرفين يجب أن تكون موضوعية وفعالة من دون الإفصاح عن أي تفاصيل في شأن الاجتماع الذي استمر لمدة ثلاثة أيام.

وتحاول الرئاسة الإندونيسية لـ"آسيان" أن تجعل من مدونة قواعد السلوك اتفاقاً مؤثراً وقابلاً للتنفيذ، وليس مجرد وثيقة مكتوبة يوافق أطرافها من أجل الموافقة فقط.

ووقعت إندونيسيا سابقاً اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع فيتنام بعد ما يزيد على 12 عاماً من المفاوضات، ليمهد للإندونيسيين ذوي النفس الطويل في المفاوضات إمكانية حل الصراع القائم في بحر الصين الجنوبي بالجهود الدبلوماسية.

وقبل 21 عاماً وقعت الصين ودول "آسيان" على الإعلان غير الملزم لسلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي، بالتحديد في نوفمبر 2002، كأساس لحل الصراع سلمياً، وعلى ما يبدو لم تسر الأمور بشكل جيد مع ذلك الإعلان، لكنه كان أول وثيقة سياسية بين الجانبين ترسي أسساً للتفاوض، وهو ما تسعى جاكرتا لإحيائه من جديد بحيث يصير أكثر فاعلية في حل النزاع.

اضطرابات ونزاع

الوساطة الإندونيسية تأتي في وقت تتصاعد فيه الأزمة، بخاصة مع محاولات كل من بكين وواشنطن بناء تحالفات مع دول المنطقة لتمديد الأذرع العسكرية، القوتين العظميين في المنطقة. واتخذت الفيليبين، أحد أطراف الصراع، نهجاً أكثر صرامة في التعامل مع الأزمة منذ مجيء الرئيس ماركوس إلى الحكم. واتضح ذلك بشكل خاص في تصريحات رئيس الفيليبين في فبراير الماضي، والتي ذكر فيها أن بلاده لن تخسر "شبراً واحداً" من المنطقة التابعة لها، مؤكداً أن مانيلا تتعرض لتوترات جيوسياسية تهدد الأمن والاستقرار الخاص بالبلاد.

وعلى رغم تعهد بكين ومانيلا خلال زيارة الرئيس الفيليبيني إلى الصين، في يناير الماضي، بحل الخلافات البحرية في بحر الصين الجنوبي من خلال التشاور والدعوة إلى المشاورات الودية لحل القضايا البحرية بشكل مناسب، رصدت الفيليبين عدداً من الخروقات الصينية في الجزر محل النزاع.

والشهر الماضي، استدعى الرئيس الفيليبيني فرديناند ماركوس سفير بكين للتعبير عن "القلق الشديد" بعد اتهام سفينة أمن صينية باستخدام ضوء ليزر من الدرجة العسكرية ضد زورق دورية فيليبيني في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

وتمثل المواجهة تصعيداً في الخلاف الدبلوماسي، بعد أن قدمت وزارة الخارجية الفيليبينية في وقت سابق احتجاجاً إلى السفارة الصينية تدين التصرفات "العدوانية" لسفينة خفر السواحل الصينية التي قالت إنها تركت أفراد الطاقم الفيليبينيين مصابين بالعمى بشكل موقت. كما أعلنت الفيليبين قبل فترة قريبة أنها رصدت عدداً من السفن البحرية والعسكرية التابعة للصين في جزر سبراتلي المتنازع عليها ببحر الصين الجنوبي.

علاوة على ذلك، طورت الفيليبين علاقات عسكرية مع حليفتها الغربية واشنطن، في إشارة إلى قلقها من الخروقات الصينية التي تتم من وقت لآخر.

واتفقت مانيلا وواشنطن على تعزيز العلاقات العسكرية بينهما مع السماح للقوات الأميركية بالوجود في مزيد من القواعد العسكرية الفيليبينية، وبدأ الطرفان في الإسراع من التطبيق الكامل لاتفاق تحسين التعاون الدفاعي بينهما التي بموجبها تخصص الولايات المتحدة ما يصل إلى 82 مليون دولار لتحسين البنية التحتية في خمس قواعد عسكرية تابعة للاتفاق.

بكين تترقب

في الوقت الحالي، تنظر بكين إلى تقارب الفيليبين والولايات المتحدة أخيراً بعين قلقة، بخاصة في وقت تضطرب فيه العلاقات بين بكين وواشنطن. ولم تخف الصين ذلك القلق، إذ حثت السفارة الصينية في مانيلا الفيليبين أخيراً على اليقظة من التعرض للاستغلال من قبل الولايات المتحدة، في إشارة إلى الاتفاقية الدفاعية المحسنة التي ستجمع بين واشنطن والفيليبين.

وكشفت الصين عن سياستها الخارجية الجديدة مع وزيرها الجديد بشكل صريح، وأنذرت جيرانها في آسيان بألا يكونوا طرفاً في الصراع بين الولايات المتحدة والصين.

وقال وزير الخارجية الصيني كوين جانج إن دول جنوب شرقي آسيا يجب أن تبقى بعيدة من الصراع بين دول القوى الكبرى بالمنطقة، وألا تصير هذه الدول بمثابة وكيل للقوى الخارجية.

ووصف وزير الخارجية استراتيجية المحيط الهادئ الصادرة عن الولايات المتحدة بأنها محاولة لتشكيل عصابة خالصة يمكنها الإضرار بدول المنطقة. وفي قلب الصراع، تعمل بكين على فرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي من خلال نشر المئات من خفر السواحل والقوات المسلحة البحرية والدوريات في المجرى الملاحي.

وتبين بعض التقارير الغربية أن الصين سلحت عدداً من الجزر التي تدعي تبعيتها لها بعدد من الأنظمة العسكرية المتطورة، منها الأنظمة المضادة للطائرات ومعدات الليزر والتشويش. 

من ناحية أخرى، تستميل بكين الدول أطراف الصراع من خلال زيادة العلاقات مع عديد منها. ففي أكتوبر الماضي دعت الصين أمين الحزب الاشتراكي الحاكم في فيتنام، نجوين فو ترونج، لزيارة بكين، وأسفرت الزيارة عن تعهد من البلدين بتعميق العلاقات بينهما في الشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تجمعهما، وحل الصراع في بحر الصين الجنوبي سلمياً، وذلك خلال اللقاء الذي جمع بين رئيس الفيليبين ماركوس بونج بونج والزعيم الصيني شي جينبينغ.

كما تشير التصريحات الرسمية إلى ترحيب الصين بالعمل مع رابطة جنوب شرقي آسيا في حل الأزمة، حيث ذكر وزير الخارجية الصيني كين جانج، خلال لقائه مع نظيرته الإندونيسية، أن الصين وإندونيسيا والدول ذات المصلحة المشتركة في بحر الصين الجنوبي سيعملون معاً مع باقي دول المنطقة لتطبيق إعلان في شأن سلوك الأطراف لإيجاد حلول سلمية لصراعات بحر الصين الجنوبي. 

الحل الممكن 

على رغم مما يصدر عن بكين من تصريحات بنيتها للعمل مع دول رابطة "آسيان" لتحقيق السلام والاستقرار في ساحة الصراع البحرية، يعتقد كثيرون أن الصين لا تملك نوايا حقيقية للانخراط في المفاوضات، إذ يشير الباحث السنغافوري كولين كوه إلى أن الأنشطة الصينية الحالية في بحر الصين الجنوبي ضد دول "آسيان" تفقد بكين الثقة في جدية نواياها حيال المفاوضات.

وتنطلق دعوات إلى الحلول الدبلوماسية التي يشارك فيها طرف ثالث، وليس طرفاً في الصراع، لخفض حدة التوتر في المنطقة، وهو الدور الذي قد تلعبه إندونيسيا لتحجيم القوتين العظميين عن تصعيد الصراع، وتحشد من خلاله جميع مهاراتها وخبراتها الدبلوماسية لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. 

ومن المتوقع أن لا يشهد العام الحالي قفزة كبيرة في ما يخص عملية الاتفاق على مدونة لقواعد السلوك، إذ سيصبح بحر الصين الجنوبي مسرحاً للتعاون والتنافس في آنٍ واحد، حيث ستعمل الولايات المتحدة على دعم وجود حلفائها في الممر المائي، في حين ستستمر العلاقات الاقتصادية بين دول "آسيان" والصين قائمة من دون تأثر بالصراع الدائر في المجرى الملاحي.

في المقابل، يرى مراقبون أن موافقة الصين على التفاوض في شأن مدونة قواعد السلوك مع دول "آسيان" محاولة لشراء مزيد من الوقت واستمالة دول جنوب شرقي آسيا في الوقت الذي تتحرك الصين على أرضية الصراع لتغيير الواقع والحقائق لمصلحتها.

ولا يزال أمر الانفراجة في أزمة بحر الصين الجنوبي موضع شك كبير، بخاصة مع وجود كثير من التقديرات التي تتخوف من استخدام بكين ورقة المفاوضات للوصول إلى اتفاق في مصلحتها، إلى جانب أن التصاعد في وتيرة التوترات بين بكين ومانيلا أخيراً يفتح الباب لتعقد الأوضاع أكثر من حلها.

المزيد من تحلیل