Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 الصّينيات من ضحايا الاتجار بالبشر يُعانين في المملكة المتّحدة جرّاء ارتفاع معدل الاحتجاز إلى الضّعف تقريباً

إحدى الضحايا في "يارل وود: أجبروني على ممارسة الجنس مع رجالٍ كانوا يأتون إلى مكان الاحتجاز وفي كلّ مرّة كنت أرفض ينهالون عليّ بالضرب

إحدى صالات وصول المسافرين إلى مطار هيثرو الدولي (أ.ف.ب)

تُودع  الصّينيات اللواتي جاءت بهنّ إلى المملكة المتحدة عصابات الاتجار بالبشر في مراكز احتجاز باتت في السنوات الاخيرة تستقبل ضعف عدد من وُضعن فيها سابقاً من الصينيات، مما يفاقم معاناتهن. فوفق آخر الإحصائيات، زاد عدد الصينيات رهن الاحتجاز داخل المملكة المتّحدة من 228 امرأة عام 2016 إلى 420 امرأة عام 2018.

ويُعزي خبراء هذه الزيادة إلى ارتفاع حصيلة المداهمات التي تُنفّذ على بيوت الدّعارة وصالونات التّدليك، لافتين الانتباه إلى تناقض هذه الأرقام بشكلٍ صارخ مع الاتجاه العام لتناقص أعداد النساء ممن يُوضعن في مراكز الاحتجاز. ففي أواخر شهر مارس (آذار) 2019، وصل عدد المحتجزات إلى نحو 1839 شخصاً. ويقلّ هذا العدد بمقدار الثلث تقريباً عمّا كان في الفترة نفسها من العام الفائت.

في هذا الإطار، كشف تقريرٌ جديد هو الأول من نوعه لمنظمة "نساء من أجل النّساء اللاجئات" عن خرق وزارة الدّاخلية البريطانية سياساتها الخاصة واحتجاز ناجيات صينيات من الاتجار بالبشر في مركز "يارلز وود" للاحتجاز، غير آبهة بحقيقة معاناتهنّ من سوء المعاملة والصدّمات القاسية أثناء تهريبهنّ بغرض تشغيلهنّ أو استغلالهنّ جنسياً.

فالإرشادات التي تتبّعها وزارة الداخلية تنصّ بوضوح على ضرورة إيواء ضحايا الاتجار بالبشر في أماكن آمنة وتوفير الدعم العاطفي والعملي لهم فيما يتمّ النظر في قضاياهم. وتقضي كذلك بعدم احتجاز الأشخاص المستضعفين، بمن فيهم ضحايا الاتجار والعنف القائم على أساس الجندر.

وأظهر التقرير نفسه أنّ وزارة الداخلية لا تُراعي حقيقة تعرّض  الصينيات للاتجار بهنّ، كما أنها لاتساعدهن، علماً أن هؤلاء النساء يمثلن أكبر مجموعة نسائية من جنسية واحدة في "يارلز وود".

وخلُصت الدّراسة التي تنظر في قضايا 14 امرأة صينيّة احتُجزت خلال العام الفائت، إلى أنّهن قد احتُجزن لفترات طويلة للغاية،  تعدّت الشهر في كلّ واحدة من القضايا الـ14، من دون أن تؤخذ الصّحة العقلية المتدهورة بوضوح لدى بعضهن في الحسبان.

أكّدت جيما لوسلي التي أعدت التقرير أنّ النّساء المهرّبات من الصين يُحتجزن لمدة أطول مقارنةً بالنساء الأخريات، إذ غالباً ما يجدنَ صعوبةً في الحصول على المساعدة القانونية بسبب عائق اللغة. وأضافت أنّها التقت نساء احتُجزن لأكثر من ستة أشهر، في الوقت الذي لم يدم فيه مكوث أغلبية المحتجزات لأكثر من شهر.

 ولفتت لوسلي إلى أنّ "البحوث أهملت طويلاً النساء الصينيات اللواتي قد يُعزلنَ عن النساء الأخريات في مراكز الاحتجاز وايضاً  يختلفن عنهنّ من ناحية حصولهنّ على أي مساعدة أخرى قد يحتجنَ إليها. وهذه من أصعب القضايا التي واجهتَنا بسبب الاستغلال الجنسي للضحايا. فهؤلاء تعرّضن للعنف والاستغلال المتكرر ومنهنّ من أُجبرنّ على ممارسة العلاقة الجنسية مع عشر رجال في اليوم الواحد".

وأردفت "والمرأة التي كانت ترفض ممارسة الجنس مع الزبائن، كانت تتلقّى تهديداً بالضّرب أو تتعرّض فعلياً للضرب أو للحرمان من الطعام والشراب. وكانت النّساء اللواتي قابلناهنّ يُعانين من اضطراباتٍ ذهنيّة واضحة. فالوضع كان مربكاً جداً بالنسبة إليهنّ والعديد منهنّ راودتهنّ أفكار انتحارية وأذى النفس، حتى أنّ إحداهنّ بدأت تُهلوس وتظهر عليها أعراض ذهانيّة لمكوثها في الاحتجاز فترةً طويلة..إلا إنّ نظام الاحتجاز في المملكة المتّحدة عنصري من النّاحية المؤسسية. ولو كانت تلك النساء بريطانيات من غير المهاجرات لكُنّ حظين بالدّعم والحماية. ولكن ما حدث في الواقع هو العكس تماماً".

 إلى ذلك، لمّحت لوسلي إلى أنّ عددا كبيراً من النساء الصينيات اللواتي تحدّثت معهنّ ولم يشملهنّ التقرير، أفصحنَ عن وقوعهن ضحايا لجرائم الاتجار بالبشر.

في هذه الأثناء، روت امرأة صينية في مركز "يارلز وود" طلبت عدم الكشف عن هوّيتها قصّتها قائلة  "أجبرني زعماء العصابة على فعل أشياء لم أرغب بفعلها وحعلتني اشعر بالخزي والعار. أجبروني على ممارسة الجنس مع رجال كانوا يأتون إلى المنزل حيث كنتُ محتجزة. وفي كلّ مرّة كنتُ أُحاول فيها الرّفض، كانوا ينهالون عليّ بالضّرب ويتركونني أتضوّر جوعاً. وغالباً كنتُ أبقى من دون طعام أو شراب لثلاثة أيام متتالية. وفي أحد الأيام، أتى إلى المنزل رجال يرتدون الزيّ العسكري. كنتُ خائفة جداً وحاولتُ الاختباء، لكنّهم عثروا عليّ وسحبوني خارجاً وأَخذوني إلى مركز الشرطة. وفي وقتٍ لاحق، وضعوني في شاحنةٍ أخرى سارت وقتاً طويلاً أثناء الليل حتى وصلوا بي إلى مركز "يارلز وود". والحقّ يُقال، نقلوني من جحيم إلى جحيمٍ آخر."

وتفيد إحصائيات وزارة الداخلية أن عدد اللواتي أودعن العام الماضي مراكز الاجتجاز التابعة لمصلحة الهجرة بلغ  3641 امرأة ، منهن 420  سيدة من التابعيّة الصينية.  وأُطلق حوالى 92% من  الصينيات المحتجزات في هذه المراكز  ممن تقدمن بطلبات لجوءوذلك كي يستكملن طلباتهنّ هذه داخل المجتمع، ما يدعم حجج الباحثين بأنّ احتجازهنّ لم يخدم أي غرض.

من جانبها، أوضحت ناتاشا والتر، مديرة منظمة "نساء في خدمة النساء اللاجئات"، أنها "لم تسمع بروايات مروّعة وأليمة" بقدر روايات النساء الصينيات من ضحايا الاتجار بالبشر والمُودعات في مراكز الاحتجاز، طيلة سنوات عملها مع اللاجئات وطالبات اللجوء.

وقالت إن "هؤلاء النّساء عانينَ الكثير من سوء المعاملة والاستغلال ولا يحصلنَ على الدعم والحماية التي يُفترض أن تضمنها لهنّ السّياسات. وبدلاً من ذلك، يُحتجزنَ ويُهدّدنَ بالترحيل. لا بدّ من تغيير هذا الوضع فوراً".

واعتبرت شاليني باتيل، وهي محامية حقوقيّة متخصّصة في شؤون الهجرة عملَت بشكلٍ وثيق مع ضحيات الاتّجار الوارد ذكرها في التّقرير، أن الارتفاع الأخير في عدد الصّينيات اللواتي وُضعن في مراكز الاحتجاز يعود إلى استهداف الشرطة وموظفي الهجرة  المزيد من بيوت الدّعارة وصالونات التّدليك.

وذكرت باتيل أنّ "رجلاً أتى يوماً لإحدى موكلاتي، فظنّت أنه زبون عادي لكن تبيّن في النهاية أنه شرطي ويعمل متخفياً. الكثير من موكلاتي اليوم، موجودات هنا منذ سنوات عدّة وقد تعرّضن للاستغلال في بيئات مختلفة. وهذا يدلّ على أنهنّ لم يصلنَ للتو".

أما إميلي كينواي من منظمة "التركيز على استغلال العمالة" المعنيّة بالحدّ من الاتجار بالبشر من أجل استغلال العمالة، فأَرجعت ارتفاع عدد الصينيات في مراكز الاحتجاز إلى قانون الاسترقاق الحديث الذي أصبح نافذاً عام 2015.

واعربت عن رأيها في أن "القانون إيّاه فسح المجال أمام تنفيذ المزيد من المداهمات لصالات تدليك وبيوت دعارة والتعرّف على ضحايا الاسترقاق. لكن من الواضح أنّ وزارة الداخلية تتجاهل أفضل الممارسات الدولية، إذ تقضي توجيهاتها الخاصة بجعل الاحتجاز الخيار الأول بدلاً من الخيار الأخير. يبدو أنّها متسرّعة إلى حدٍّ ما في قضايا الاحتجاز".

وأضافت كينواي "وقد أدّى قانون الاسترقاق كذلك إلى زيادة الضغط على الشرطة لتُحدّد هويّة الضحايا وتبدأ الملاحقات القضائيّة. ولكنّنا ندعو اليوم إلى إرساء جدارٍ فاصل بين إنفاذ قوانين الهجرة وحفظ الأمن. وبالتالي، لو كنت شرطياً التقيت صدفةً بشخصٍ قد يكون ضحية استغلال أو سوء معاملة، فمن واجبك ألا تسأله عن وضعه كمهاجر."

في المقابل، أعلن ناطقٌ رسمي باسم وزارة الداخلية أنّ "الاحتجاز جزء مهم من نظام الهجرة،  لكنّه يبنغي أن يكون عادلاً ومحترماً ويوفّر الحماية اللازمة للفئات المستضعفة.. أجرينا خلال السنوات الأخيرة، تحسينات ملحوظة على النهج الذي نتبعه، ولا زلنا حريصين كلّ الحرص على التزامنا بتحقيق المزيد من التعديلات. ونحن مستمرّون في استكشاف بدائل للاحتجاز وزيادة الشفافية على قضايا احتجاز طالبي الهجرة وتحسين مستوى الدّعم المتاح للمحتجزين المستضعفين والشروع في تنفيذ نظام جديد يُقيم وزناً لكرامة المحتجزين".

وختم كلامه قائلاً "ومن الآن فصاعداً، كلّ شخص نُصادفه ويدّعي بأنّه ضحية للاتجار بالبشر، سيُحال بموافقته إلى "آلية الإحالة الوطنية" إذ سيُنظر في ادّعاءاته من قبل أخصائي مدرّب".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات