Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

داخل مسالخ طالبان حيث يعذب "المتعاونون" مع الغرب حتى الموت

بعد اختطاف شقيق زويا من أحد شوارع كابول، لم يتم إخبار أسرتها بأي شيء، حتى أعيدت إليها جثته المشوهة. وهو واحد من عدد متزايد من الأفغان الذين يواجهون أعمالاً انتقامية وحشية بسبب صلاتهم بالحكومة السابقة.

تقول "منظمة العفو الدولية" إنه في ظل حكم طالبان في أفغانستان، عادت "الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء والإعدام من دون محاكمة لتصبح أموراً شائعة" (أ ف ب / غيتي/ اندبندنت)

ملخص

خرج فرحان ذات يوم من منزله للقيام بعمل روتيني ولم يعد بعدها. أسوأ مخاوف العائلة أصبحت حقيقة عندما علمت بخبر القبض عليه من قبل #طالبان. فرحان سيعود في نهاية صيف عام 2022 إلى عائلته #جثة هامدة.

كان فرحان مختبئاً من طالبان لأكثر من عام عندما قرر أن الوضع ربما كان آمناً بما فيه الكفاية للعودة إلى بيته وأهله في كابول. الجندي السابق في القوات الخاصة التابعة للحكومة السابقة المدعومة من الغرب، كان قد لجأ إلى باكستان بمجرد أن استعادت طالبان السيطرة على كابول في أغسطس (آب) 2021، خوفاً من أن يتعرض للانتقام الوحشي ضد من كانت لهم علاقة مع الإدارة التي تم استبدالها عن طريق العنف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول زويا، شقيقة فرحان البالغة من العمر 22 سنة "لقد كان خائفاً على حياته". وتضيف أنه "خرج ذات يوم للقيام بعمل روتيني بسيط ولم يعد أبداً". لكن، وبعد 20 يوماً، أسوأ مخاوف العائلة أصبحت حقيقة عندما علمت من أحد الجيران أنه قد تم القبض عليه من قبل طالبان. فرحان سيعود في نهاية صيف عام 2022 [إلى عائلته جثة هامدة].

أسرة فرحان هي واحدة من ست عائلات أخرى تحدثت إليها "اندبندنت" عن قضايا تبين، طبقاً لنشطاء محليين وصحافيين ومجموعات حقوقية، أن هناك اتجاهاً مثيراً للقلق، وهو أنه من أن سلوك طالبان كان بعيداً جداً من الوفاء بوعدها بعدم السعي إلى الانتقام من أولئك الذين ارتبطوا بالحكومة السابقة، وإنما ما كانت تقوم به الحركة هو التريث وانتظار الوقت المناسب قبل أن تشرع في تطبيق "عدالة" شريرة [ضد هؤلاء] خارج نطاق القضاء ضد [من] تعتبرهم أعداء لها.

بقيت عائلة فرحان لأكثر من أسبوع في أعقاب اعتقاله [اختفائه] وهي لا تعرف أي شيء عما حصل له. لم يتم السماح لوالدته وشقيقته زويا، حتى بدخول مكتب طالبان المحلي لإجراء استفسارات، وذلك بسبب القيود المفروضة على نشاط النساء في ظل النظام الحالي. وعندما ذهب والد فرحان وشقيقه للاستفسار، تم طردهما على نحو عدواني. لم يكن لديهم أية فكرة عن مكان ابنهم البالغ من العمر 25 سنة.

بعد عشرة أيام من اختفائه، جاء الدليل الأول [عن مصير ابنهم]. فقد اتصل أحد مقاتلي طالبان بالعائلة ليخبرها بأن فرحان مريض للغاية وعليهم الإسراع على الفور لرؤيته في المستشفى.

اجتاحت الأسرة موجة من الارتياح، وتوجهوا جميعاً مباشرة إلى المستشفى في كابول. لكن عندما وصلوا وأعطوا اسم فرحان، لم يجر اقتيادهم إلى الجناح العام كما كان متوقعاً، بل تم أخذهم إلى المشرحة.

 

تحشرج صوت زويا وهي تتذكر اللحظة التي تأكد فيها حصول أسوأ ما كانوا يخشون حصوله. فشقيقها فرحان لم يكن ميتاً فحسب، بل لم يكن من الممكن التعرف عليه. وتقول "في البداية، لم نستطع أن نصدق أن تلك كانت جثة أخي.... ولكن [حتى] أن تصديق ذلك كان أشد صعوبة لأنه تم تشويهها إلى الحد الذي لم نتمكن من التعرف عليها".

وتضيف أن لون جسده تحول إلى الأزرق الغامق والأسود بفعل الكدمات [التي غطته]، وتمزق جلد خده الأيسر. كانت عينه اليسرى قد اختفت جراء تورم شديد، وكان فمه مليئاً بالجروح والبثور. ثم كانت هناك أطراف فرحان. انتزعت أظافره عن جلد يده اليسرى، وفقدت ثلاثة أصابع من قدمه اليسرى. وكانت هناك ثقوب في جسده كله الذي ملأته الجروح والعلامات [التي خلفها التعذيب].

وتقول زويا وهي تتذكر ألم تلك اللحظة "كان علينا أن نتأمل الجثة المشوهة بعناية للتأكد من أنها كانت لأخي".

ولما استفسرت الأسرة من مسؤولي طالبان الموجودين في المستشفى عما حدث لفرحان، كان الجواب الوحيد الذي غمغموا به مراراً أنه "لم يمت في السجن تحت مراقبة طالبان". وعندما سئلوا عن المكان الذي تم نقل فرحان إليه وعن سبب اعتقاله، عمد مقاتلو طالبان ببساطة إلى الابتعاد.

وإضافة إلى اضطرارهم للتعامل مع حزن مقتل ابنهم، لا تزال عائلة فرحان تعيش في حال من الخوف من أن يتم جرها إلى المعتقل وقتل أفرادها بسبب ارتباط فرحان بالإدارة السابقة. فعمل فرحان السابق في القوات الخاصة الأفغانية، الذي كان ذات يوم مصدر فخر كبير للأسرة، قد تحول إلى لعنة وشيء لا يمكن أن يتحدثوا عنه مجدداً.

حركة طالبان كانت أعلنت الأسبوع الماضي قيامها بدفن ما يزيد على 100 من الجثامين في مقبرة جماعية، مدعية أن جميع هؤلاء الموتى كانوا من "مدمني المخدرات". ولم يتم تقديم مزيد من التفاصيل حول هوياتهم، أو كيف أصبحوا في رهن الاحتجاز، أو سبب وفاتهم. لقد أدى ذلك فقط إلى إثارة القلق من أن هذه كانت تغطية لعمليات قتل خارج نطاق القضاء تم التستر عليها بشكل سيئ.

زكريا حساني، مراسل صحافي أفغاني يتخذ من فرنسا مقراً له، الذي يقوم بمواصلة تغطية الأحداث في وطنه، قال إنه من المحتمل أن يكون هناك بعض مدمني المخدرات بين أصحاب الجثامين، لكن يأتي [نبأ الدفن الجماعي] أيضاً وسط تزايد واضح للغاية في التقارير الواردة عن مقتل أشخاص عملوا سابقاً في الجيش والحكومة.

 

حساني ذكر لـ "اندبندنت": "أعتقد أن هناك أيضاً جثثاً لأولئك الذين قتلوا أو اغتيلوا أخيراً، سواء على يد طالبان أو من قبل جماعات أخرى"، مشيراً إلى أنه من غير المألوف أبداً التخلص من جثث تحمل هويات "مجهولة"، باستثناء حالات التفجيرات الكبيرة.

ويرى ناتيق مالك زادا، وهو صحافي وناشط حقوقي مقيم في كابول كان يراقب الوضع المتدهور، أنه في غياب [قوانين] حماية حقوق الإنسان، حولت طالبان سجون أفغانستان إلى مسالخ.

مالك زادا أخبر "اندبندنت" أن "معظم السجناء بمن فيهم أعضاء قوات الأمن السابقة لدى الحكومة السابقة، ومدنيون من مناطق تشهد مقاومة نشطة ضد طالبان، مثل إقليم بنجشير وأندراب، يعيشون في أوضاع مروعة. إن آلاف الأشخاص من تلك المناطق، ولا سيما بنجشير، قد سجنوا بشكل غير قانوني ومن دون محاكمة".

أي شخص يشتبه في معارضته لطالبان أو بأنه على صلة بالإدارة السابقة، يواجه خطر التعرض للاعتقال التعسفي والتعذيب الوحشي، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة، كما يزعم مالك زاده.

وقد واجهت طالبان مثل هذه المزاعم من قبل، ففي العام الماضي، قدمت الأمم المتحدة 160 حالة موثقة للقتل خارج نطاق القضاء، و56 حادثة تعذيب، وأكثر من 170 حالة اعتقال تعسفي منذ الاستيلاء على السلطة في أغسطس (آب) 2021. طالبان بدورها كانت نفت مراراً مزاعم [حول ارتكابها] انتهاكات لحقوق الإنسان. ورد متحدث باسمها على تقرير الأمم المتحدة بالقول إنه "لا يسمح بأي نوع من القتل والاعتقال التعسفيين في البلاد".

ويشير مالك زادا إلى أن وتيرة هذه الادعاءات قد تزايدات بشكل كبير في الأسابيع القليلة الماضية، مع الإبلاغ عن أكثر من 10 قضايا بارزة في الأسبوع الأول فقط من شهر فبراير (شباط) وحده. ويقول إن طالبان تعمدت استعمال هذا التكتيك بشكل مكثف بعد اختبارها رد فعل المجتمع الدولي على انتهاكات أخرى للحقوق، مع استمرار عمليات الإعدام العلنية والجلد من دون تدخل [العالم] تدخلاً جدياً.

ويبدو أن طالبان تتخذ إجراءات صارمة بصورة خاصة ضد أي شخص يشتبه في أنه من مقاطعة بنجشير، التي أبدت بعض أشرس أنواع المقاومة لاستيلاء الجماعة على السلطة في عام 2021. لكن حتى أولئك الأفغان الذين لا ينتمون إلى هذه المقاطعة يمكن أن يجدوا أنفسهم ضحية لتعصب طالبان المصممة على سحق أي جيوب مقاومة أخيرة لحكمها.

 

يتذكر نجيب محمد كيف تم اعتقال شقيقه نصير في 23 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي من قبل دورية تابعة لطالبان بالقرب من منطقة هيساريك الواقعة في شرق كابول، إذ اتهمه أولئك المقاتلون خطأ بأنه ينتمي إلى مقاطعة بنجشير.

وقاسى نجيب من المحنة نفسها التي عانتها عائلات أخرى كثيرة في الأشهر الأخيرة، إذ راح يبحث عن شقيقه في مكاتب طالبان، التي لم تقابله إلا بالرفض، أو بالضرب، قبل أن تعمد إلى إلقائه خارج دوائرها.

وأخيراً، تم العثور على نصير جثة هامدة في بيت مهجور، حيث ترك بعد تقييد يديه وقدميه من الخلف. لم يكن هناك قميص يستر جسد نصير، ولم يستطع نجيب إعادة ذراع شقيقه إلى مكانه الأصلي، عندما حاول ذلك. وقال نجيب في مكالمة هاتفية أجرتها معه "اندبندنت" إن التجويف الذي يربط بين الذراع والكتف كان مكسوراً.

لم يتحدث أحد من العائلة عن وفاة نصير قبل الآن، خوفاً من أن تعاقبهم طالبان بالطريقة التي عاقبته بها، ونجيب يتوخى الحذر، لأسباب يمكن تفهمها. ويقول إن "هذه هي المرة الأولى التي أحكي فيها عن وفاة شقيقي". ويضيف "هناك أشياء كثيرة لن أتحدث عنها علناً".

لا ينجو عديد ممن تعتقلهم طالبان لكي يرووا مشاهداتهم عن الظروف في داخل سجون الجماعة. غير أن "اندبندنت" تحدثت إلى زايد الذي أوضح أنه قد عاد إلى عائلته بعد سبعة أشهر من الاعتقال القاسي الذي تعرض خلاله للتعذيب. وكانت طالبان قد قررت في النهاية أن لا صلة له بحركة المقاومة.

وأشار إلى أنه تم احتجازه في زنزانة طولها 1.5 متر مع سبعة رجال آخرين، ولم يقدم إليه من الطعام سوى نصف قطعة خبز وكأس ماء في اليوم [طوال مدة اعتقاله] التي كادت تصل إلى 200 يوم.

ويقول إن نحو 20 زنزانة مماثلة كانت موجودة على جانبي الممر المؤدي إلى الحمام. وكان يجري إخراج أحد شركاء زايد في الزنزانة كل يوم ونقله إلى غرفة منفصلة للتعذيب، ثم تتم إعادته بعد خمس أو ست ساعات وهو يعاني كسراً في اليد أو الساق أو بعض التشوهات الأخرى.

ويضيف زايد موضحاً أنه عندما جاء دوره، تعرض للضرب والجلد بصورة مستمرة حتى أغمي عليه. ويقول لصحيفة لـ"اندبندنت" إنهم "كانوا يرشون الماء على وجهي لكي أستعيد وعيي قبل أن يستأنفوا ضربي من جديد، طالبين مني أن اعترف إذا ما كانت لي أية صلات مع حركة المقاومة التي يجري تشكيلها في بنجشير".

ويتابع أن أشكال التعذيب الأخرى اشتملت على الصدمات الكهربائية التي يتم تعريض أرجل السجناء لها، مضيفاً "تم تعليقي من قدمي بالسقف وضربي كل يوم حتى كنت أفقد الإحساس".

وقال زايد إنه "خشي أنه كان سيموت" من التعذيب. وعندما كان يصرخ متوسلاً إليهم لكي يتوقفوا، كانوا يجيبونه ببساطة "أنت من بنجشير".

وذكر زايد أن" البكاء والعويل الصادرين عن الزنازين المجاورة لزنزانتنا كانا لا يتوقفان على الإطلاق. وكنا نعرف من وقت إلى آخر أن رجلاً قد لقي حتفه جراء التعذيب وأنه قد تم التخلص من جثمانه".

وفي أغسطس (آب) الماضي، خلصت طالبان في نهاية المطاف إلى أنه لم يكن مقاتلاً في صفوف المقاومة واتصلت بأسرته، لتبلغهم بأنه على قيد الحياة لكن عليهم أن يدفعوا مبلغاً كبيراً كرشوة من أجل تأمين إطلاق سراحه. ولتغطية قيمة الرشوة أخذت العائلة قرضاً لا يزال أفرادها يسددونه، وقد ألقي بزايد على باب بيت عائلته. وإذ لزم بيته لبعض الوقت، فهو عاود حالياً الاختباء بعدما سمع في الشهر الماضي أن طالبان كانت تبحث عنه من أجل "استجوابه" مرة أخرى.

بالنسبة إلى عائلات أولئك الذين تم سجنهم أو قتلهم من قبل طالبان، فالمعاناة تستمر فترة طويلة بعد وفاة الضحية أو إطلاق السراح. وتقول زويا إن الصورة التي لا مفر منها لجسد فرحان الذي تعرض إلى الضرب قد شوهت كل الذكريات المحببة التي يحتفظ بها أقاربه عن الابن الأكبر الذي كان يعمل باجتهاد ولا يعرف الأنانية.

وتصف زويا كيف كانت لديه حتى في أحلك الأوقات طموحات من أجل النهوض بأسرته وببلده. وتذكر أنه "كان يقول لنا ’سأصبح رئيساً لأفغانستان وسأنقذ البلاد من براثن هذه المأساة‘".

وتمضي الآن الأسرة أيامها في خوف، مذعورة حتى من التحدث عن فرحان لئلا يصل ما تقوله عنه إلى طالبان. وتوضح "ليس هناك في عائلتي من يبتسم. لا يمكننا حتى التفكير في أن نكون طبيعيين ولو ليوم واحد. لقد كان ذلك هو السبب الرئيس لخروجنا من كابول، لكن الطريقة التي قتلته بها حركة طالبان قد حسمت مصيرنا نهائياً إلى الأبد".

وتراقب منظمة العفو الدولية القضاء السريع في أفغانسان على حقوق الإنسان منذ استيلاء طالبان على السلطة، قائلة إن تدهور الوضع إلى المستوى الذي كانت عليه البلاد خلال فترة الحكم الأخيرة للجماعة المتشددة، بين عامي 1996 و2001، [تم على نحو] مذهل وطاغ.

وتقول سميرة حاميدي، وهي ناشطة في حملة جنوب آسيا التابعة لمنظمة العفو الدولية، لـ"اندبندنت" إن "هذه هي طالبان القديمة ذاتها، عاقدة العزم على تدمير حياة الناس عن طريق آرائها وأساليبها العتيقة. ولقد عادت الاعتقالات التعسفية، و[حالات] التعذيب، والاختفاء، والإعدام من دون محاكمة لتصبح أموراً شائعة".

وتضيف الناشطة "نحن ندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات ومحاسبة حركة طالبان على جرائمها، وأيضاً منع أزمة حقوق الإنسان في أفغانستان من التفاقم بشكل سريع".

 

*تم تغيير كافة الأسماء الواردة في التحقيق من أجل حماية هوية أصحابها الحقيقيين.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات