"ديتشلي بارك" Ditchley Park هو مبنى مصنف من الدرجة الأولى [لأهمية تاريخية استثنائية] grade 1-listed building [في ريف مقاطعة أوكسفوردشير الإنجليزية]، من المحتمل جداً أن جريمة قد ارتكبت هناك. ولكن، هل يُسمح بالتعبير عن خيبة الأمل وضرب الرأس مراراً بأحجار الـ"بورفورد" هناك، على مدى عطلة نهاية أسبوع كاملة، في إطار بحث غير مجد عن "طريقة جعل #الخروج_البريطاني من #الاتحاد_الأوروبي (#بريكست) يعمل بشكل أفضل؟".
من الصعب رؤية حدوث أي شيء آخر في "القمة السرية لمختلف الأحزاب بشأن ’بريكست’" - التي عُقدت الأسبوع الماضي وحضرها عن حزب "المحافظين" مايكل غوف [وزير تسوية أوضاع المناطق والإسكان والمجتمعات]، وعن حزب "العمال" المعارض بيتر ماندلسون [عضو "مجلس اللوردات" ووزير أسبق للخارجية]، وغيرهم من معظم الأسماء الكبيرة على جانبي خط الانقسام السياسي في شأن "بريكست" - خصوصاً أنه لا يوجد أي شخص حضر الاجتماع هو على استعداد لإخبار أي أحد بما حصل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكننا نعلم أنه على رغم حضور كل من غوف، ونورمان لامونت (وزير الخزانة الأسبق)، ومايكل هوارد (زعيم سابق لحزب "المحافظين")، وبحكم الأمر الواقع، نائبة قائد حملة "التصويت بالمغادرة" Vote Leave جيزيلا ستيوارت، فإن اللقاء - كما سبق أن خلصت إليه صحيفة "ديلي ميل" - كان "مؤامرة سرية لحل أحجية ’بريكست’".
قد يكون من الصعب تحديد ما يعنيه تعبير "حل الأحجية" في هذا السياق. فقد كان مايكل غوف، على ما يبدو، "صادقاً" للغاية في شأن الكثير من أوجه القصور في مسار الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، ولا شك بالتأكيد في أنه لا يوجد شيء يمكن أن يفك أحجية "بريكست" بشكل أسرع من اعتماد "الصدق".
لقد تبين أن السؤال عن السبب في عدم وجود أي فوائد اقتصادية من الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي – وانحصار الأمر بالتكاليف الباهظة - هو، وفقاً لبادينوك، "كسؤال زوجين عقدا للتو قرانهما: "أين طفلكما؟ أين هو؟"
الصدق بشأن مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، هو أسوأ ما يمكن القيام به على الإطلاق، ولهذا السبب بالتحديد لم يكن أي شخص مؤيد لها صادقاً في شأنها (باستثناء غوف الذي نعرف الآن كم هو سعيد بأن يكون "صادقاً" في ما يتعلق بـ "بريكست"، طالما أن هذا الصدق يحدث ضمن أبواب مغلقة، ولا يُسمح لأحد بالكشف عن أي معلومات أو تفاصيل عنه).
مرت حتى الآن سبعة أعوام منذ أن ابتكر مايكل غوف - في مواجهة تحليل قاطع قدمه كل بنك رئيسي في البلاد وخبير اقتصادي ومؤسسة فكرية، بأن "بريكست" لا يمكن إلا أن يلحق الضرر بالاقتصاد - عبارة ما قبل "الترمبية" [نسبة إلى دونالد ترمب]: "شعب هذا البلد رأى ما يكفي من هؤلاء الخبراء". فقد كانت في الواقع لحظة وقاحة مثيرة للذهول (على رغم أن غوف، وهذا يُحسب له، قد ألمح في مناسبات عدة أنه يشعر على الأقل بالخجل مما قاله).
مع ذلك، فإن أسبوعاً واحداً قد مضى على رفض السياسية المدربة على يديه بوضوح كيمي بادينوك [وزيرة الدولة البريطانية للأعمال والتجارة]، المخاوف المتعلقة بالضرر الناجم عن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي على اقتصاد المملكة المتحدة، باعتباره "حديثاً زائفاً": وهو نوع من التعليق الذي كان دونالد ترمب ليفخر به.
كلا، لقد تبين أن السؤال عن السبب في عدم وجود أي فوائد اقتصادية من الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي – وانحصار الأمر بالتكاليف الباهظة - هو، وفقاً لبادينوك، "كسؤال زوجين عقدا للتو قرانهما: "أين طفلكما؟ أين هو؟".
ربما ما كانت تعنيه هو أن الأمر أشبه بسؤال شخص ما قد تطلق للتو، عما إذا كان متأكداً تماماً من أنه يشعر بسعادة أكبر الآن لأنه يعيش الآن داخل سيارته.
لا يمكننا إلا أن نتخيل تماماً ما نشره مايكل غوف من صدق في الاجتماع السري. لكن، بالمعنى "الثوسيدياني" (نسبةً إلى المؤرخ الإغريقي ثوسيديدس الذي اشتُهر بوصفه الذاتي للحرب البيلوبونيسية)، فيمكن أن نتخيل أن الأمر سار على النحو الآتي: "حسناً، نعم، إن كل ما قلناه في حملة المغادرة قد اصطنعناه تماماً".
إن جميع الإعلانات التي ضجت بها منصة "فيسبوك" في شأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي كانت عبارة عن أكاذيب استراتيجية، موجهة بعناية إلى الأشخاص الأكثر اهتماماً بهذه المسألة، والذين استطعنا جمع بياناتهم من خلال لعبة مزاجية لترجيحات كرة القدم، لقاء جائزة مقدارها مليون جنيه استرليني (1.2 مليون دولار أميركي)، كنا نعلم أن أحداً لن يفوز بها على الإطلاق. لكن ما أدراكم! لقد نجح الأمر! غير أن اقتصادنا أصبح الآن معزولاً تماماً، وليست لدينا أي فكرة عما ينبغي القيام به لإنقاذه، لذا هل ربما يمكنكم مد يد المساعدة؟".
لكن المشكلة هي أنهم عاجزون عن ذلك. فقد تحقق مسار الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي تماماً وفق الخطة المرسومة له. وبات الآن من الصعب علينا أن نعكس عقارب الساعة. لكن في أوائل عام 2016، كان عدد كبير جداً من الأشخاص الذين صوتوا لمصلحة المغادرة ممن لم يساورهم أي شك في أنه قد ينزلق بهم وببلادهم إلى براثن الفقر. لكنهم اعتقدوا أن الأمر يستحق المحاولة لاستعادة سيادتهم التي فكروا أنهم سيتمكنون من استخدامها للطلب من المهاجرين مغادرة أراضيهم. هذا بالضبط ما حدث، لكن الحكومة تجد نفسها تتخبط في التعامل مع شؤونها اليومية وإدارة التبعات الحتمية والمرتقبة التي كانت نتيجةً متوقعة لتصرفاتها.
ويعزز ذلك اضطرار الحكومة إلى حل المشكلات الاقتصادية الهائلة بأموال أقل بكثير مما كانت ستحصل عليه لولا انخراطها في هذه الصفقة، مع العلم بأنه لا يمكنها أن تخرج بتصريحات تقر فيها للناخبين بأنه لمن المخزي أن نشهد فترات انتظار طويلة لتسليم المرضى خارج أقسام "الحوادث والطوارئ"، وأن تسارع إلى التذرع بالقول "إنكم صوّتم على الخروج من الكتلة الأوروبية" - لأنهم قد ينقلبون في مواقفهم ويشيرون إلى أنه طُلب منهم ذلك. لهذا السبب، يشعر الناس بالندم وقد غيروا رأيهم. لكن لا يمكن للحكومة أن تعترف بذلك.
في المقابل، يتصور كير ستارمر [زعيم حزب العمال] أن أفضل استراتيجية يمكن اعتمادها تتمثل في التزام الصمت قدر الإمكان إزاء هذه المسألة، أو إعادة توظيف شعار "استعادة السيطرة" لإنشاء فقاعة من الخيال الفكري لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أنه كان هو وأحد رفاقه المؤيدين لعملية "بريكست" من سندرلاند في الجبهة نفسها.
الجواب المختصر هو أنه لا توجد إجابات. وربما كان عنوان القمة السرية الصغيرة، على ما يبدو: "كيف يمكن أن نجعل الخروج البريطاني أفضل في التعامل مع جيراننا في أوروبا؟"، أو ربما "كيف تحتفظ بكعكتك بعد تناولها".
هناك رجل واحد فقط حاول أن يدعي أن مثل هذا الأمر كان ممكناً، وقد تتذكرون ما حدث له [بوريس جونسون]. فقد تم طرده من "10 داونينغ ستريت" لأن حزبه كان محقاً في اعتقاده أن الرأي العام البريطاني لن يصدق أبداً كلمةً مما سيقوله مرةً أخرى. وكان من الصواب القيام بمثل تلك الخطوة. لكن كان من الحكمة أكثر لو لم يصدقه أحد في المقام الأول.
© The Independent