Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من هو أكثر المستفيدين من دعم بوريس جونسون لأوكرانيا؟

إن إطلاق رئيس الوزراء السابق العنان لحماسته في صفوف الجانب الآخر، يجعل مهمتنا نحن الذين نحاول أن نجادل من أجل منع التصعيد، أكثر صعوبة

كما هي الحال مع معظم ما يفعله بوريس جونسون، ينبغي الأخذ في الاعتبار دائماً أن شيئاً ما قد يحصل بشكل خاطئ جداً (رويترز)

أياً كان رأيك ببوريس جونسون، فإنه لا يمكنك أن تستخف بطريقته في التلاعب بالكلمات أو مدى قوته في المناصرة [القضايا التي يحمل لواءها]. كان الفضل في فوز المحافظين فوزاً ساحقاً على نحو غير متوقع في انتخابات عام 2019 يعود لـ[فاعلية] حملته الانتخابية تماماً بقدر ما كانت تعود لأن حملة خصمه ضعيفة.

والآن بعدما طرد من 10 داونينغ ستريت وبات يواجه تحقيقاً تجريه لجنة الامتيازات في مجلس العموم، وربما يؤدي ذلك إلى خسارته مقعده البرلماني، فإنه يضع مهاراته تلك كلها في خدمة أوكرانيا. احتلت مناشدته الغرب منح أوكرانيا "الآن، كل ما تريده لكي تفوز" صدر الصفحة الأولى لصحيفة "دايلي ميل" هذا الأسبوع، وكان النداء "جونسونياً" بامتياز: قوياً، مثيراً للانفعالات، ومليئاً بعبارات مثل "المتجلد" وهي غير دارجة ضمن مصطلحات اللغة الصحافية، ويغص بالصور النابضة بالحياة بما في ذلك صور دبابات "تحرس من دون أي فائدة الراين الشمالي- ويستفاليا، وتحمي تينيسي، وتجوب قرى ويلتشير"، بدلاً من "مساعدة أوكرانيا في إنهاء هذه المعاناة".

ويبدو تأييده لأوكرانيا صادقاً تماماً، وكذلك صداقته مع فولوديمير زيلينسكي. إن قضية هذا البلد الصغير (على رغم أنه ليس صغيراً إلى حد بعيد) الذي يحارب ببسالة من أجل بقائه على قيد الحياة في مواجهة روسيا الكبيرة السيئة، لا يتمتع فقط ببعد أخلاقي واضح للغاية، بل هو أيضاً ضرب من الرومانسية التي يفهمها جونسون بالتأكيد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل علاقته القوية بزيلينسكي بدأت بإعراب الزعيم الأوكراني عن امتنانه لأن زعيماً غربياً بارزاً كان يتبنى قضية أوكرانيا، الأمر الذي مهد الطريق [لتبنيها من قبل] آخرين. ومن جانب جونسون، ربما كان هناك ما هو أكثر من مجرد وخز [مشاعر] الحسد، إذ إن زيلينسكي أصبح قائداً حربياً من طراز تشرشل وهو ما تخيل جونسون نفسه أن يكونه. ولعل كلاً منهما، يلمس أيضاً وجود شيء من نفسه هو في الآخر، وهذه حاسة غريزية في العمل السياسي، ونوع محدد من الجاذبية الشخصية، علاوة على أنها [تنطوي على] استعداد للمجازفة التي تعتبر مجازفة ضرورية في حالة زيلينسكي، وضرورية بشكل أقل ربما في حالة جونسون.

بطبيعة الحال، هناك عناصر تتعلق بالمصلحة الذاتية أيضاً. فإن عادة جونسون في السفر إلى كييف على وجه السرعة كلما واجه صعوبات في الوطن، أصبحت متجذرة. وبالنسبة إلى زيلينسكي، فإن جونسون هو أحد الثروات التي يمكنه عرضها للتدليل على الدعم الدولي المستمر الذي يحظى به. وفي حين يمكن أن تكون زيارات جونسون إشكالية بالنسبة إلى ريشي سوناك باعتبار أن الأخير هو رئيس وزراء المملكة المتحدة، فهي أيضاً تساعده [سوناك] على إبقاء علم المملكة المتحدة خفاقاً في سماء كييف.

إن دعم جونسون الكامل لأوكرانيا إضافة إلى علاقته الطيبة مع زيلينسكي، عززا معاً الحديث عن إمكانية ترشيحه لأداء بعض الأدوار الرسمية. في البداية كان هناك الاقتراح بأن ليز تراس ربما تعينه مبعوثاً خاصاً للمملكة المتحدة إلى أوكرانيا، ونظر إلى ذلك على أنه طريقة لإسناد عمل مفيد له، من شأنه أن يقلل أيضاً من فرصه للمشاغبة في الوطن.

ومنذ ذلك الحين، كان هناك حديث أيضاً عن توليه مهمة مبعوث دولي من نوع ما لأوكرانيا، نظراً إلى التكريم الذي لقيه في ذلك البلد. وتمت في الآونة الأخيرة مناقشة إمكان قيامه بوظيفة منسق لمشروع دولي ضخم لشيء شبيه بخطة مارشال من أجل إعادة إعمار أوكرانيا. حسناً، ربما لا يكون التنسيق أمراً يبرع فيه جونسون أو يحبه، لكن القائد المقنع ستكون له أهمية تعادل تقريباً أهمية الفريق المتخصص، وربما كانت أوكرانيا "مناسبة" [لجونسون] بشكل أفضل، على سبيل المثال، من منصب الأمين العام لحلف "الناتو" (الذي قيل إنه قد يطمح إليه أيضاً).

بيد أن هذا هو المضي قدماً إلى الأمام. إن أولوية جونسون الحالية بالنسبة إلى أوكرانيا هي الدعوة إلى مزيد من المساعدة لأوكرانيا حتى تتمكن، كما يعتقد هو، من التغلب على روسيا، وذلك إضافة إلى إبقاء نفسه في دائرة الضوء، كما يرى المتشائمون. فقال بغضب في مقالته "ماذا ينتظر الغرب بحق الجحيم؟" وهنا بالضبط، كما يجب علي أن أعترف، بدأت أشعر بالارتياب.

إن جونسون عبارة عن مجموعة أمور كثيرة. فهو بدأ صحافياً، ولا يزال كذلك، كان يعد التقارير الإخبارية أول الأمر ثم صار يكتب مقالات الرأي. وأمسى رئيس تحرير ومؤلف روايات وكتب، ثم سياسياً، ارتقى سلم السلطة ليصبح رئيساً للوزراء. إن مجموعة المهارات والخبرات التي يتمتع بها تؤهله جيداً للدفاع عن أوكرانيا في حرب يؤمن بها، وتتطابق من نواح كثيرة مع حلمه بأن يكون قائداً من نسيج تشرشل.

لكن ثمة مجازفة بأن تصبح الخيوط المختلفة متشابكة، وهي بالفعل، سلفاً كذلك. نداء جونسون المتحمس [مقالة كتبها جونسون] إلى الغرب من أجل الاستمرار بدعم [أوكرانيا] في ما وصف على أنه صيحة من بوتشا، وهذه بلدة تقع خارج كييف تتهم القوات الروسية بارتكاب فظائع ضد المدنيين فيها قبل انسحابها منها. لكنها ليست تقريراً صحافياً، أو بالأحرى ليست هكذا فقط. إنها أيضاً مرافعة [دفاعاً عن أوكرانيا]، لا بل مرافعة فاعلة للغاية أيضاً.

إلا أن النداء هذا يجسد أيضاً نقاط الضعف المعروفة لدى جونسون كمراسل وكسياسي على مر السنين، وهي تفضيله أسلوب التعميم على التفاصيل ومقاربته السطحية أحياناً للحقائق وميله إلى الانسياق كلياً [من دون القدرة على ضبط نفسه]، خصوصاً عندما يكون في صلب حملته السياسية.

وهو ما يجعل السؤال يدور في رأسي كم سيخدم بوريس جونسون أوكرانيا بشكل جيد فعلاً في النهاية من خلال دعمه المتحمس جداً لقضيتها.

كان الغرض المباشر من مقالته، وبلا شك من زيارته الأخيرة إلى كييف أيضاً، التأثير بوضوح في الجدل الدائر آنذاك حول ما إذا كان ينبغي على الغرب تزويد كييف الدبابات. لكن حجته جاءت مع خطاب مبالغ فيه ونصيحة لا يمكن وصفها إلا بأنها متهورة. "لا تتحدث معي عن ’التصعيد‘، أو المجازفة بأننا سنستفز بوتين بطريقة ما... هل سيصعد هو [باستعمال] سلاح ننوي في ميدان المعركة؟ هل سيفعل حقاً؟ لا أصدق ذلك لثانية واحدة. لن يفعل ذلك". حسناً، ربما [يكون ظن جونسون في محله].

وهو يعرب عن ثقته المطلقة بأن "أوكرانيا تكسب وستنتصر في هذه الحرب"، وهذا شكل من أشكال التشجيع مصمم بدرجة كبيرة من أجل رفع الروح المعنوية ليس فقط في أوكرانيا، ولكن في أوساط الجمهور الغربي أيضاً. هذا الصوت ليس لمراسل، وليس لرجل دولة متقاعد، بل هو صوت ناشط يقوم بحملة. أو هل أجرؤ على القول، إنه [صوت] مروج يقوم بالدعاية للقضية.

هذا لا يؤدي إلى تفنيد ما يقوله. لكن من المهم للغاية أن تعرف كقارئ أنك تتعرض للقصف بالحجج التي ربما تعكس تفكيراً يعكس رغبة صاحبه [وليس الواقع] ويمكن أن تقود أوروبا إلى حرب أوسع نطاقاً بكثير. ربما يجادل جونسون وآخرون بشكل مقنع بأن الحرب ليست وقت التفاصيل الدقيقة. لكن المملكة المتحدة ليست في حال حرب، على رغم أنه يبدو أن هناك من يرغب في أن تكون كذلك، ولديهم الآن وحش قوي جداً بالبلاغة يدخل المعركة إلى جانبهم.

سأعترف بسهولة أن إطلاق بوريس جونسون العنان لحماسته في صفوف الجانب الآخر يجعل مهمتنا نحن الذين نحاول أن نجادل من أجل منع التصعيد، أكثر صعوبة. أسارع بالإضافة، أن ذلك ليس لأنها [حماسة جونسون] ستؤدي إلى إلحاق مزيد من الضرر والدمار بروسيا، بل بسبب القدر الأكبر من الموت والخراب الذي يرجح أن تتعرض له أوكرانيا إذا تواصلت الحرب.

في الوقت نفسه، يترافق نهج جونسون مع مجازفاته الخاصة. فالافتراض بأن أوكرانيا يمكنها أن تستعيد أراضيها كلها، وأنها ستفعل ذلك، ينطوي على التقليل فعلاً من قدرة روسيا وتصميمها. وكشف الخلاف في شأن الدبابات عن انقسامات ضمن الدول الغربية نفسها، ومع بعضها بعضاً، في خصوص دعم أوكرانيا، وهي انقسامات ستستمر وربما تؤدي ذات يوم بالغرب إلى اتخاذ قرار بخفض خسائره. ومن يدري كيف ستتطور حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل. وربما يجد بوريس جونسون نفسه عالقاً وقد تقطعت به السبل عندما يهدأ الصخب.

وأثيرت أيضاً تساؤلات حول الوضع في كييف. فشهد فريق زيلينسكي في الأسبوعين الماضيين تغييرات أكثر بكثير منه في أي وقت مضى منذ الغزو الروسي. وتم عزل متحدث رفيع المستوى في وزارة الدفاع بسبب رسائل خاطئة [بثها]. كما قتل وزير بارز في حادثة تحطم مروحية، بينما جرت إقالة مسؤولين يصل عددهم إلى 12 شخصاً لأسباب تتعلق بالفساد. وبقي فريق زيلينسكي حتى الآن قوياً بشكل لافت. لكن ماذا لو كانت محادثات السلام أقرب مما بدا سابقاً؟

وأخيراً وليس آخراً، هناك احتمال العودة المحتملة للعادة القديمة التي تتمثل في تجاوز بوريس جونسون الحدود وانجرافه مستسلماً لحماسته بسبب ما يراه من نزاهة واضحة في القضية، ومن ثم نشره أكاذيب صارخة إلى حد يجعله مرة أخرى عبئاً على أصدقائه (بما في ذلك زعيم أوكرانيا).

يمكن لجونسون في الوقت الراهن أن يكون مدافعاً فاعلاً للغاية عن أوكرانيا في حربها مع روسيا، خصوصاً على المسرح الدولي. دعه بكل تأكيد يلعب دوراً رسمياً، سواء كان ذلك الآن، بينما الحرب لا تزال محتدمة، من أجل [الإشراف] على خطة إعادة إعمار ضخمة على غرار خطة مارشال.

ولكن كما هي الحال مع معظم ما يفعله بوريس جونسون، ينبغي الأخذ في الاعتبار دائماً أن شيئاً ما قد يحصل بشكل خاطئ جداً. فهذا، بعد كل شيء، هو الرجل الذي بدد فرصته ليصبح رئيس الوزراء البريطاني الأكثر نفوذاً منذ "بطله" ونستون تشرشل.

© The Independent

المزيد من آراء