دونالد ترمب إنسان مريع. لهذا السبب تحديداً، أرغب في أن أسمعه. وإبعاده عن وسائل التواصل الاجتماعي لا يُسكته ولا يجعله يختفي. ربما يكون أسوأ ما حل بالعالم المتحضر منذ الحرب العالمية الثانية، لكنه مهم. ونحن نعلم ذلك.
لا شك بأنه كان أهم مما هو الآن [حينما شغل منصب الرئاسة الأميركية]. ولكن ما زال لديه مناصرون، وما زال من الممكن، لا قدر الله، أن يصبح رئيس الولايات المتحدة في غضون سنتين، وربما يبقى في هذا المنصب طيلة ولايتين، أي ثمانية أعوام، وصولاً إلى عام 2033. لذلك، نعم، أرغب بأن أعرف ما الذي يدور في خلده مباشرة من فمه الذي لا يتوقف عن الثرثرة. وبشكل أكثر دقة، أرغب في معرفة ما الذي يريدنا أن نعتقد أنه يدور في خلده، وهو ليس بالضرورة الشيء نفسه [الذي يفكر فيه بالفعل]. (إذ يظهر من خلال الشهادات التي عُرضت في الكونغرس حول تمرد السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، أنه كان مدركاً كلياً لخسارته السباق الرئاسي في عام 2020 بطريقة عادلة، واعترف بذلك وراء الكواليس. تكثر الأمثلة الأخرى على هذا أيضاً، ومنها الحالات التي يحمل فيها رأيين أو أكثر في الوقت نفسه، وهو ما حدث على ما يبدو في ما يخص السياسة تجاه كوريا الشمالية وتجاه بوتين).
لا شك في أن ترمب ينتهك القانون، وهو متمرد ويسيء استخدام نفوذه. لكن الطريقة الأولى للتعامل مع هذه النقطة تتمثل بالسياسة، بمعنى مجادلته وهزيمته وهزيمة حججه، فيما تأتي الطريقة الثانية عبر المحاكم والخطوات الأخرى التي يتخذها الكونغرس بالقانون على غرار محاولات مساءلته [أمام الكونغرس]. إذاً، لن يوقفه أي حظر على منصات التواصل الاجتماعي.
وعلى رغم ذلك، كان من المشروع كلياً أن تزيله منصات "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تويتر" (أعيد تشغيل حسابه على المنصة الأخيرة نوفمبر (تشرين الثاني) 2022) من صفحاتها خلال فترة تمرد السادس من يناير. ويرجع ذلك إلى أنه لم يكن ممكناً لها أن تتورط كطرف في ما يحتمل أنه عمل غير قانوني. لا يتمتع أي أحد بحق إنساني في الظهور على أي وسيلة إعلامية، وتلك الفكرة سخافة تامة. في المقابل، لم يعد ترمب حاضراً ليشكل أي خطر واضح وداهم بالدرجة نفسها [التي كانها في سياق 6 يناير 2021] على النظام والدستور. وبالتالي، صار السماح له بالتعبير عن نفسه أكثر أمناً الآن. وكذلك يمكن أن نتوقع أنه تعلم الدرس بعد ذلك الحظر [على منصات التواصل الاجتماعي]. فإذا بدأ بنشر المعلومات المغلوطة أو الكراهية العرقية، يمكنهم إضافة تحذير لرسائله وحذفها أو حظره مجدداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
آمل ألا يحدث هذا، لأن ما حدث المرة الفائتة هو أن منصات التواصل الاجتماعي بدأت بالانقسام إلى قبائل. ثم شرعت تلك القبائل التي لم تتفاعل أبداً مع بعضها البعض، في خوض جدال مع بعضها البعض. وببساطة، تفاقم أثر "غرف الصدى" [إشارة إلى الأثر المتضخم الذي يحدثه تبادل الآراء بين أشخاص متشابهي المواقف على منصات التواصل]، حينما قرر ترمب تأسيس منصة تواصل اجتماعي خاصة به تعمل لمصلحة قاعدته. وللسخرية، حملت تلك المنصة اسم "تروث سوشال" Truth Social [ترجمة ذلك الاسم يشير إلى أنها مخصصة للحقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي].
لقد حدث شيء مماثل حين فتح نايجل فاراج [زعيم يميني بريطاني]، صديق ترمب، حساباً على منصة تواصل اجتماعي خاصة باليمين (مع أن فاراج تمتع بدهاء كاف كي يحافظ على حسابه في "تويتر"، حيث استمر في تحركاته الرخيصة الاعتيادية).
واستطراداً، يمكن رؤية مثل هذا الانتماء القبائلي المتجذر أيضاً على إذاعات الراديو والقنوات التلفزيونية لليمين البديل، وهي أماكن يقصدها الناس كي يسمعوا تأكيداً على آرائهم المسبقة، وليس للحصول على ما يعارضها. (أفضل شخصياً بعض التحدي لذلك أتابعها في الحقيقة إلى أن ينهكني تكرار خطاب معاداة الهجرة ومعاداة ميغان [ماركل] ومعاداة المتحولين جنسياً).
وللمفارقة، لا أمانع فعلياً التغييرات التي أدخلها إيلون ماسك إلى "تويتر" التي سمحت للتفاهات اليمينية والعنصرية ونظريات المؤامرة باجتياح صفحتي على تلك المنصة. ويرجع ذلك إلى أنني أريد أن أفهم ما الذي يسعى إليه هؤلاء الناس، ولماذا. يمكنكم متابعتهم مباشرة عبر ما يتفوهون بالأكاذيب حول "بريكست" ولقاحات "كوفيد" وأزمة المناخ، إنها مكونات الثالوث غير المقدس في عقيدتهم. وإذا أردتم، يمكنكم محاولة إقناعهم بلطف. ما زال من المتاح إبلاغ "تويتر" عن أسوأ المتطرفين، ورفع شكاوى تتعلق بالعنصرية السافرة أو رهاب المثلية. لكن للأسف، ليس ذلك متاحاً بالنسبة إلى نشر الدعايات المضرة بالصحة العامة.
في ذلك السياق، أبدى أحد الأشخاص الذين يتابعونني [على تويتر] إعجابه التام بهتلر، وهو ما وجدته مخيفاً (ونظم مسابقات إلكترونية حول أجمل صور الفوهرر السابق). وقد حُظر ذلك الشخص حتى في ظل النظام الجديد الذي أرساه إيلون ماسك. وكذلك إذا تعبتُ من محاولة الجدال بالمنطق مع المخابيل ولفت نظرهم إلى أن "المنتدى الاقتصادي العالمي" ليس سوى منبر مغرور للثرثرة وليس مؤامرة عالمية شريرة، يمكنني العودة إلى الاستماع لأشخاص أرغب بالاستماع إليهم. أو مشاهدة "بي بي سي" كي أعلم ما يحصل في العالم بالفعل.
لا يسعنا فعل كثير في الحقيقة بشأن الانقسامات الحادة التي تعززها الكراهية، وقد تجذرت داخل المجتمعات الغربية. ويمكننا عدم مفاقمتها، لكن ليس عبر إغلاق أعيننا وصم آذاننا عن الآخرين. لقد فتحتُ حساباً على منصة "ماستودون" Mastodon لأنني خشيت مما سيفعله ماسك بمنصة "تويتر". في المقابل، بدا من الخطأ أن انسحب من منصة يجب أن تكون منتدى اجتماعياً واسعاً، إذ يشبه ذلك لو أنني أتعرض للطرد. لذا، ما زلت على "تويتر" كذلك.
كخلاصة، يجب مواصلة الحفاظ على عمل السياسات الديمقراطية بكل الطرق، وهذا يعني النقاش والتفاعل والمنتديات المشتركة. قد أندم على ذلك، وهو ليس بالأمر الذي قد يفرحني أساساً، لكنني مستعد تقريباً لسماع تفاهات ترمب، مرة أخرى.
© The Independent