Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السيناريو الخطير" في قضية انفجار مرفأ بيروت

مخاوف من ترجمة الصراع القضائي إلى تظاهرات متبادلة تجر لبنان لأزمة غير محسوبة

متظاهرون لبنانيون يرفعون لافتات تطالب بتسريح المدعي العام غسان عويدات ومحاسبته على انفجار المرفأ (أ ف ب)

بعد أيام مجنونة عصفت بالقضاء اللبناني، وحرب ادعاءات متبادلة بين المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، يبدو أن دخول رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود على الخط استطاع ترسيخ هدنة موقتة على جبهتي الصراع القضائي.

إلا أن أجواء الطرفين لا تزال توحي باستعدادات لجولة جديدة من الصراع، إذ أتت نتيجة الجولة الأولى بشبه تعادل، عبر تسجيل عويدات تقدماً على البيطار في ترجمة القرارات وتنفيذها، في المقابل استطاع البيطار حصد تأييد شعبي واسع وحشد حصانة نيابية ترجمها موقف موحد لنواب "المعارضات" داعم له.

السيناريو الخطير، الذي تتحدث عنه بعض الأوساط الأمنية، هي الخشية من ترجمة الصراع القضائي في الشارع من خلال دعوات للتظاهر أمام قصر العدل، منها مؤيدة للمدعي العام للتمييز ​غسان عويدات،​ وأخرى مؤيدة للقاضي طارق البيطار، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهة وإمكان دخول أطراف "مستفيدة" تجر البلاد إلى أزمة أمنية غير محسوبة.

لكن في المقابل تعتبر أوساط معارضة ومؤيدة للبيطار أن هذا السيناريو قد يكون من صناعة "أجهزة" تابعة للسلطة بهدف ترهيب الشارع، الذي يوازن القرارات الجائرة التي تتخذها السلطة لإنهاء أي أمل بتحقيق العدالة في تفجير المرفأ.

دعم نيابي وقضائي

دعماً للبيطار وقضية التحقيق، أعلن نحو 42 نائباً لبنانياً تأييدهم لقاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، ودعوا إلى محاسبة المدعي العام على الإجراءات التي اتخذها ضد القاضي والتحقيق الذي يجريه.

وتمثل مجموعة النواب الداعمة للبيطار ثلث أعضاء المجلس، البالغ عددهم 128 عضواً، وتضم نواباً مستقلين وآخرين من حزبي الكتائب والقوات اللبنانية.

وقال النواب، في بيان، إنه يجب محاسبة عويدات فوراً على الانتهاكات الصارخة التي ارتكبها، وعلى تدخله المباشر بالإفراج عن المعتقلين من دون أن تكون له صلاحية ذلك.

بدوره أعلن نادي "قضاة لبنان"، الذي يمثل ربع أعضاء الهيئة القضائية، البالغ عددهم نحو 600 عضو، أن قرارات عويدات جاءت خارجة عن الضوابط والأصول بشكل صارخ يهدم أساسات العدالة والقانون.

ودعا النادي "كل من ارتضى ألا يتصرف كقاض ورهن نفسه لخدمة السلطة السياسية واللاعدالة أن يبادر إلى الاستقالة تمهيداً إلى المحاسبة والمساءلة".

كذلك كان لنقابة المحامين في بيروت موقف داعم للبيطار، إذ رأت في بيان أن "قرارات عويدات تعد استغلالاً للسلطة ومخالفة للقانون".

أياد خارجية

من جانبه، دافع النائب العام غسان عويدات عن قراراته، مصراً على اتهام البيطار بمخالفة المبادئ القانونية حين استأنف التحقيق بناءً على ما اعتبره تبريراً قانونياً رديئاً.

ونفى عويدات، بشكل قاطع، أن تكون قراراته ناتجة من ضغط من "حزب الله" أو أي جهة خارجية، معتبراً الضغط الوحيد كان محاولة تدخل بعض النواب المعارضين في مسار القضاء عبر شحن الرأي العام.

وتوقع أن يحدد رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود جلسة جديدة الأسبوع المقبل لمناقشة ما سماه "الخطأ الكبير" المرتكب من البيطار، ملمحاً إلى أن عبود ليس على حياد في هذه القضية، وهو يحاول حماية البيطار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أشار إلى أن الجلسة الماضية ألغيت تخوفاً من أي إراقة للدم في الشارع قد يتسبب بها أي قرار في ظل التحريض الشعبي وتغييب حقيقة الانتهاكات القانونية، مؤكداً أن تحقيقات المرفأ ستستمر بعد إحالة البيطار للتحقيق والمحاكمة.

وعن سبب إخلاء جميع الموقوفين، لفت عويدات إلى أنه كانت لديه معلومات عن توجه البيطار إلى إخلاء سبيلهم تباعاً، وقال "اتخذت هذا القرار لمنعه من استخدام الموقوفين في سياق سياسي يناسبه".

أما في ما يتعلق بمغادرة رئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ محمد زياد العوف (الذي يحمل الجنسية الأميركية) الأراضي اللبنانية إلى الولايات المتحدة، على رغم وجود قرار منع سفر بحقه، أجاب بأن تنفيذ قرار منع السفر بحاجة إلى 24 ساعة، "لكنني لا أعلم كيف حصل ذلك".

وشكك عويدات بوجود دفع خارجي ودعم من قبل جهات محلية وراء ما سماها "بدعة البيطار" بالعودة إلى التحقيق عبر "فتوى" قانونية ابتكرها لنفسه تخوله إعادة وضع يده على الملف.

مؤامرة البيطار؟

في السياق ذاته، أشارت أوساط قريبة من القاضي غسان عويدات إلى احتمال وجود مؤامرة من قبل البيطار بهدف تطيير التحقيق في الملف، متسائلين عن سبب ظهور "الفتوى" القانونية بعد ساعات من لقاءين منفصلين جمعا البيطار مع القاضيين الفرنسيين نيكولا أوبيرتين وماري كريستين، أحدهما في منزله خلافاً للأصول القانونية وخلافاً لترتيبات النيابة العامة التمييزية التي قامت بترتيبات مسبقة حينها لعمل الوفود القضائية الأوروبية الثلاثة.

وقالت المصادر إن ادعاء البيطار على قضاة النيابة العامة التمييزية هي "كمن يقطع ذراعه"، إذ من خلال الاصطدام معها ومخاصمتها لن يستطيع القيام بعمله أو مخاطبة الضابطة العدلية، إضافة إلى تجاوزه أبسط الأصول القانونية لملاحقة القضاة، التي تتضمن بشكل صريح عدم إمكان استجواب قاض لرئيسه، لا سيما مدعي عام التمييز.

وتخلص تلك الأوساط للاستنتاج بأنه ربما دفعه الفرنسيون في هذا الاتجاه، وهو كان يعلم أن هكذا قرارات ستؤدي إلى صدام قد يطيح نهائياً بالتحقيق، سائلة "هل أحد يعلم إذا ما كان هناك من اتفاق بين الحزب والفرنسيين لتطيير التحقيق؟" مضيفة أنه بهذه الطريقة يكون البيطار قد نفذ اتفاقاً ما بين أطراف دولية و"حزب الله"، سواء بحسن نية أو سوء نية.

عقوبات وتحقيق دولي

في المقابل، وبعد عرض نظرية "المؤامرة" على مصدر ذي صلة مباشرة بالقاضي طارق البيطار، سخر مما سماه "فيلماً خيالياً" تحاول فبركته المنظومة الحاكمة لتبرير نفسها.

ويرى المصدر أن "حزب الله"، الذي يقف خلف عويدات كان يترصد أي خطوة لدفن الملف نهائياً، وأنه بدأ منذ بداية التحقيق التحضير لإجهاضه، مذكراً بالتهديدات العلنية لأمين عام الحزب حسن نصر الله وتخوين القاضي السابق فادي صوان ومن بعده البيطار، والتخوين المستمر بتوجيه التحقيق وفقاً لأجندات خارجية.

وقال "ومن بعدها التهديد العلني بالقتل، الذي قام به أحد كبار مسؤولي الحزب من داخل أهم صرح قضائي في البلاد، وصولاً إلى الانقلاب الذي نفذه عويدات، الذي نال على الفور مباركة وتأييداً من حزب الله".

وفي إطار الرد على مسألة لقاء البيطار مع القضاة الفرنسيين وربطها بـ"الفتوى القانونية" التي أعادته للتحقيق، أكد المصدر أن البيطار أبلغ القضاة أنه شارف على الانتهاء من القرار الظني، وأنه يمتلك تصوراً متكاملاً حول من أتى بنترات الأمونيوم إلى المرفأ، ومن كان يستفيد من وجودها طيلة سبع سنوات، وأن ملفه سيشكل صدمة لناحية قوة القرائن وأسماء المتورطين، لكنه شدد على عدم تسليم أي ورقة أو مستند من الملف إلا وفق الأصول القانونية.

وكشف عن أن اللقاء الثاني، الذي حصل في منزله واستمر ثلاث ساعات، كان بناء على طلب القضاة الفرنسيين، الذين حاولوا إقناعه بالحصول على بعض الوثائق، إلا أنه كرر رفضه من جديد، وذهب بعيداً إذ طالب الفرنسيين بالتعاون وتسليم ما سجلته الأقمار الصناعية حينها لحسم الجزئية المتبقية حول الانفجار إذا ما كان نتيجة عدوان إسرائيلي أو تفجير داخلي.

بالمقابل وحسب رواية المصدر، أكد القضاة الفرنسيون جديتهم بفتح تحقيق دولي إذا استمرت العرقلة المحلية لملف التحقيق، وأن هناك توجهاً جدياً لفرض عقوبات على كل من يقف عثرة في وجه تحقيق العدالة.

كذلك أبدى القاضيان استعدادهما للعمل على كشف تسجيلات الأقمار الاصطناعية، وأن ذلك يمكن العمل عليه مع السلطات الفرنسية ودول أخرى أيضاً تمتلك أقماراً اصطناعية، إضافة إلى الاستعدادات لوضع كل الإمكانات التكنولوجية لخدمة كشف ما حصل، مؤكدين عودتهم إلى لبنان خلال أسابيع لمتابعة الملف والإجابة عن أسئلة طرحت من قبل البيطار.

واستنتج المصدر أن خطوة البيطار النوعية والمتقدمة قد تكون أوقعت عويدات وفريقه في "فخ" المكابرة، وهم بما فعلوه قد نقلوا التحقيق بأيديهم إلى المجتمع الدولي.

وفي السياق نفسه، كانت وكالة "رويترز" أعلنت أن قضية انفجار مرفأ بيروت على خطى التدويل، كما اغتيال الحريري، بسبب الحرب القضائية المستعرة لدفن "التحقيق في الكارثة".

المزيد من تقارير