Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عاصفة سياسية قضائية على أرض وزارة العدل اللبنانية

كان عويدات على وشك إصدار قرار بتوقيف البيطار وجلبه مغفوراً إلى قصر العدل

على وقع الضغط الشعبي والتحرك الاحتجاجي الذي نفذه أهالي الضحايا ومدنيون وناشطون، وشارك فيه عدد من النواب أمام قصر العدل في بيروت، أرجأ مجلس القضاء الأعلى اجتماعه الذي كان سيناقش قرارات المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وطرح إمكانية عزله، بالتالي نزع رئيس المجلس، القاضي سهيل عبود بقرار التأجيل، فتيل التصعيد في الشارع المحتقن، إذ حضر أهالي الضحايا أمام قصر العدل بكثافة رفضاً لقرارات النائب العام التمييزي غسان عويدات بحق البيطار، ورفضاً لما سموه "مؤامرة وانقلاباً على التحقيقات"، وللوقوف في وجه أي مخطط لتعيين قاض بديل عن البيطار.

إلا أن سحب فتيل التفجير من الشارع لم يعالج الحرب القضائية المستعرة بين المؤسسات القضائية، إذ استمرت حرب القرارات المتتالية بين عويدات الذي عمم على كل قطاعات الضابطة العدلية عدم تنفيذ قرارات صادرة عن البيطار الذي أحاله أيضاً على التفتيش القضائي، في حين يؤكد الأخير استمراره على رأس تحقيقات قضية تفجير مرفأ بيروت ومعتبراً أن قرارات عويدات مخالفة للقانون، ومتمسكاً بقراراته السابقة.

كواليس صاخبة

وفي وقت تتهم القوى المعارضة ومعظم أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت النيابة العامة التمييزية بتنفيذ "انقلاب قضائي" لصالح "حزب الله" الذي يريد عرقلة تحقيقات المرفأ وضمها إلى ملفات الاغتيالات السياسية التي لم تصل إلى أية نتيجة، أوضح مصدر قضائي رفيع حيثيات ما حصل، ويقول إن عويدات تبلغ قرار استدعائه عبر الإعلام وبطريقة "مهينة" لاسيما أنه من غير المعهود قانونياً وأخلاقياً مخاطبة قاض رئيسه بهذه الطريقة، فعمد إلى التواصل فوراً مع جميع النيابات العامة لبناء الرد القانوني المناسب، وبناء عليه اتخذت القرارات بحق البيطار بإجماع النيابات العامة ومحامي التمييز، نافياً نفياً قاطعاً أي تدخل لـ"حزب الله" في القضية.

وروى المصدر ذاته أن عويدات كان في حال غضب شديد، وكان الاتفاق أن تصدر تلك القرارات صباح الخميس، إلا أن ما اعتبره "إهانة" وعدم قدرته على الصبر دفعته إلى إصدارها مساء الأربعاء. وتابع أن عويدات كان لديه توجه لمزيد من التصعيد لا سيما بعد تصريحات البيطار الإعلامية التي استفزته بشكل كبير، إذ كان سيصدر قراراً بتوقيفه وجلبه مغفوراً إلى قصر العدل قبل أن يعدل عن ذلك بعد تدخل عدد من القضاة الذين نصحوه بأن ذلك يدخل البلاد بحال توتر شديد لا تحمد عقباها.

وقائع صادمة

في المقابل أكدت مصادر قريبة من القاضي البيطار، تمسكه بالقرارات التي أصدرها إذ إن الاستدعاءات التي أصدرها بحق قضاة وأمنيين وسياسيين هي أبعد بكثير من ملاحقتهم بتهم الإهمال الإداري فقط، مشددة على أن وراء تلك الاستدعاءات قرائن تشير إلى تورط بعضهم في عملية إحضار أطنان النيترات إلى مرفأ بيروت عبر تمويه إداري وقانوني بات لدى المحقق العدلي تصور واضح حوله. وأضافت المصادر أن لدى البيطار أيضاً معلومات مهمة عن تورط بعض الأمنيين بتهريب أطنان من النيترات عبر شاحنات تعبر حواجز أمنية من دون تسجيل دخولها وخروجها، أسوة بالشاحنات القانونية، أو من خلال تمويه سبب دخولها وحمولتها بمستندات مزورة.

وبرأي المصدر فإن الهجوم الذي يتعرض له البيطار من قبل النيابة العامة التمييزية، هو كون الأخيرة تخشى إدانة المسؤولين الأمنيين والسياسيين، وأن القرارات المتخذة لا تستهدفه بقدر ما تستهدف تحقيقات المرفأ وتؤدي إلى حماية المتورطين بالتفجير.

مقاربة قانونية

وعلى خط مجلس القضاء الأعلى، تشير المعلومات إلى أن رئيسه القاضي سهيل عبود لديه مقاربة قانونية واضحة وهو يعمل خلف الكواليس لتهدئة الحرب المستعرة بين المؤسسات، وقد استمع إلى وجهتي نظر القاضيين عويدات والبيطار، وهو بصدد ترتيب البيت الداخلي للقضاء، وتنظيم الصلاحيات بين المؤسسات القضائية ومخاطبة الضابطة العدلية.

وبحسب المعلومات فإن القاضي عبود مصمم على حماية قضية التحقيقات واتباع الأصول القانونية المعمول بها، وأن أي اجتهاد قانوني لا يعتبر نافذاً إلا من خلال دراسته في مجلس القضاء الأعلى. وسيدعو عبود إلى جلسة جديدة لمجلس القضاء الأعلى خلال أيام قليلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مشروع حرب أهلية

وفي موقف من الأحداث القضائية برز بيان صادر عن "المفتي الجعفري الممتاز" ​الشيخ أحمد قبلان​، اعتبره متابعون أنه يعكس الموقف المبدئي لـ"حزب الله"، وجاء فيه، "أقول قبل خراب لبنان هناك سيناريو تدميري للبلد، والمحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت ​طارق البيطار​ مشروع حرب أهلية ويجب محاكمته، وواشنطن تريد بناء البلد على الرماد، والمطلوب حماية الأمن والقضاء والسلم الأهلي من لعبة دمار أميركي شامل، والبيطار ينفذ سيناريو حرق القضاء والبلد والدوس على دماء شهداء المرفأ، واللعب بالشارع أشبه بمتاريس حرب".

وأكد قبلان أنه "لا بد من إنقاذ سياسي سريع لأن ما يجري ليس صدفة أبداً، ولعبة الدولار فتيل حرب أهلية ينفذه لوبي دولي إقليمي بقيادة واشنطن، والمطلوب من القوى النيابية المسيحية ملاقاة القوى النيابية المسلمة على أبواب مجلس النواب لإنقاذ البلد من أسوأ فراغ يضع لبنان على حافة حرب أهلية".

جولة ميدانية

ومنذ صباح يوم الخميس اتجهت الأنظار إلى قصر العدل حيث تجمع أهالي الضحايا وعدد من الناشطين وعدد من النواب. وواكبت "اندبندنت عربية" التحركات في جولة ميدانية، التقت خلالها عدداً من النواب والناشطين، حيث أكد المحامي واصف الحركة، أن "ما يحصل هو إرادة سلطوية وخيوطها داخلية وخارجية، وهذه معركة الناس، فإذا أفلت المجرمون من العقاب سيفلتون منه في كل الجرائم المرتكبة بحق اللبنانيين".

بدوره قال النائب فؤاد مخزومي "نريد الحقيقة التي من الواضح أن بعضهم لا يريدها، ودورنا اليوم كنواب هو إزالة العراقيل التي تمنع هذا الملف من الاستمرار".

أما المحامي أنطوان سعد، فرأى أنه لو كان عويدات على حق، "لكان أخلى سبيل الموقوفين من قبل"، مؤكداً أنه "يجب احترام قاعدة موازاة الأصول فالقاضي الذي أصدر مذكرات توقيف من المفترض أن يصدر مذكرات إخلاء السبيل". وتابع قائلاً إن "عويدات أطلق رصاصة الرحمة على القضاء، ويحاول إطلاق رصاصة الرحمة على ملف المرفأ، وهو يعتدي بطريقة إرهابية على ملف ضحايا التفجير، وأصبح شريكاً للذي وضع النيترات في المرفأ ولكل الذين عارضوا القاضي البيطار".

من جهتها أشارت النائبة بولا يعقوبيان إلى أن "البيطار يحميه القانون لكن الخوف من السياسة. هذه السلطة هي مافيا، ونحن نعيش في عصر الدويلة، لكن الحق والقانون والعدالة يجب أن ينتصروا".

نقابة محامي بيروت استنكرت بدورها ما يشهده القضاء، مؤكدةً أنه "لا يجوز للنائب العام التمييزي المتنحي أصلاً، والمقبول تنحيه أصولاً، أن يتخذ أي قرار أو إجراء في الملف، مما شكل تجاوزاً للصلاحيات وخرقاً للقانون"، وداعيةً إياه إلى الرجوع عن قراراته "التي تحمل أخطاء جسيمة وترك التحقيق يأخذ مجراه بواسطة المحقق العدلي المعين أصولاً".

كذلك اعتبر "نادي قضاة لبنان" في بيان، أن "قرار المحقق العدلي، مهما كانت الملاحظات القانونية عليه والتي يمكن معالجتها وفق الأصول، لا يبرر ردة الفعل التي تبعته والتي جاءت للأسف خارجة عن الضوابط والأصول بشكل صارخ". ودعا النادي "كل من ارتضى أن لا يتصرف كقاض ورهن نفسه لخدمة السلطة السياسية واللاعدالة أن يبادر إلى الاستقالة تمهيداً للمحاسبة والمساءلة".

توتر واشتباك

ولم تخل الوقفة التضامنية من التوتر والصدام، إذ وأثناء خروج النواب من اجتماعهم مع وزير العدل هنري خوري حصل توتر بين الوزير وعدد من النواب أدى إلى تدافع وعراك بين هؤلاء ومرافقي الوزير بسبب كلام حاد توجه به النائب وضاح الصادق إلى خوري.
وخرج النواب من اجتماعهم بوزير العدل غير مرتاحين لما يخطط له وطالبوا باستقالته. وتحدث النائب وضاح الصادق عن تعرضه لاعتداء من قبل مرافق وزير العدل في مكتبه.

في المقابل أسف وزير العدل في بيان لمشهدية العراك الذي حصل، موضحاً أن "الإشكال تسببت فيه أولاً الأجواء القضائية المشحونة، وثانياً نوايا بعض النواب الذين لم يلتزموا أصول التخاطب واللياقة".

إلا أن نواب شاركوا في الاجتماع مع الوزير استغربوا "تحوير الحقائق"، وقال النائب غياث يزبك "عندما قرأت بيان وزير العدل الذي شوه فيه حقيقة ما حصل من اعتداء سافر على النواب في مكتبه، جاءني دليل إضافي على أن خوفي على العدالة في لبنان حقيقي ومبرر". وأضاف "تسألون بعد كيف تحولت جذوع العدالة إلى عويدات؟ ولماذا الاستشراس للتخلص من القاضي البيطار؟".

وفور معرفة المحتجين بالاعتداء على النواب في مكتب وزير العدل، قاموا برد فعل محاولين اقتحام مبنى الوزارة ونجحوا في خلع البوابة الحديدية مما أدى إلى تدخل القوى الأمنية المولجة حماية المبنى بعنف، مما أوقع إصابات في صفوف المحتجين.

لن يتنحى

في السياق أشار الصحافي المختص في الشؤون القضائية يوسف دياب إلى أن الانقسام القضائي القائم سيأخذ الوضع إلى مزيد من التأزم، والضحية الأساسية في كل ما يحصل هي أهالي الضحايا وملف انفجار المرفأ. وقال إنه "من الواضح أن البيطار لن يتنحى وهو مستمر بمهمته، إلا إذا قرر مجلس القضاء الأعلى إقالته، لكن حتى الآن لا توافق على هذا التوجه".

واعتبر دياب أن "التحركات التي تحصل في الشارع هي ترجمة للاحتقان الموجود، خصوصاً مع انسداد الأفق بوجه أي حلول". ولفت إلى أن "الاعتداء الذي تعرض له بعض النواب في مكتب وزير العدل يدل على التوتر لدى السلطة".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات