Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر تشدد آليات مكافحة تبييض الأموال في انتظار التنفيذ

يرى مراقبون أن من شأن الأموال المسترجعة دعم موازنة الدولة التي تعاني عجزاً كبيراً

القضاء الجزائري يسعى إلى تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال مشروع قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب  (مواقع التواصل)

تتحضر الجزائر لإصدار قانون جديد لمحاربة تبييض الأموال وعلاقته بالأنشطة الإرهابية في إطار تعزيز ترسانتها القانونية لحماية الاقتصاد والمنظومة المالية والبنكية ومواكبة المستجدات الدولية، وتكييف المنظومة القانونية بما يتوافق مع المعاهدات والاتفاقات الدولية التي انضمت إليها الجزائر، فيما يبقى التطبيق أكبر تحد يواجه هذا القانون.
وتهدف الحكومة الجزائرية من وراء مشروع القانون المعدل والمتمم للقانون رقم (05-01) المؤرخ في السادس من فبراير (شباط) 2005 والمتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما إلى تعزيز مراقبة الهبات والتبرعات المالية التي تتسلمها التنظيمات والجمعيات ذات الطابع الخيري خصوصاً التي يكون مصدرها الخارج، والتضييق على التمويلات المشبوهة والتبرعات التي يتم تحويلها إلى وجهات أخرى.
وقال وزير العدل الجزائري عبدالرشيد طبي خلال عرضه لمشروع القانون على البرلمان إن "مشروع قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما سيعزز آليات حماية الاقتصاد الوطني والمنظومة المالية والمصرفية من هذا الشكل الخطر للإجرام".
وأوضح الوزير أن الهدف من هذا القانون هو "مواكبة التشريع الوطني للمستجدات الدولية وتكييف منظومتنا القانونية بما يتوافق مع المعاهدات والاتفاقات التي انضمت إليها الجزائر".

تقييم الأخطار

ويلزم النص الجديد المؤسسات المالية باتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة لتحديد وتقييم أخطار تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، كما يلزمها بوضع "برامج وتدابير تطبيقية تعتمد على النهج القائم على الأخطار لمكافحة هذه الجرائم، ويكلف هيئات الرقابة والإشراف بمتابعة تنفيذها".
وقال وزير العدل الجزائري إن على "الجمعيات والمنظمات غير الربحية اتخاذ قواعد التصرف الحذر، لا سيما الامتناع من قبول التبرعات والمساعدات المالية المجهولة المصدر أو المتأتية من أعمال غير مشروعة أو من أشخاص أو تنظيمات أو هياكل ثبت تورطها داخل تراب الجمهورية أو خارجه بنشاطات مرتبطة بالجرائم الإرهابية، والامتناع من قبول أي مبالغ مالية نقدية من دون رخصة من الوزارة المتخصصة".
وذكر الوزير الجزائري أن من بين المعنيين بالقانون المؤسسات المالية التي "تمارس لأغراض تجارية نشاطات أو عمليات باسم أو لحساب زبون، على غرار تلقي الأموال والودائع الأخرى القابلة للاسترجاع والقروض أو السلف وغيرها من العمليات الأخرى"، كما يخص المؤسسات والمهن غير المالية التي "تمارس نشاطات غير تلك التي تمارسها المؤسسات المالية، بما في ذلك المهن الحرة المنظمة مثل المحامين عند قيامهم بمعاملات ذات خصائص مالية لحساب موكليهم، والموثقين والمحضرين القضائيين ومحافظي البيع بالمزايدة وخبراء المحاسبة، وغيرهم من الملزمين بتطبيق التدابير الوقائية بما فيها القيام بالإخطار بالشبهة".
ودعا المؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني إلى "التبليغ عن العمليات المشبوهة" لتفادي الوقوع تحت طائلة القانون، مبرزاً أن مشروع القانون "يلزم الخاضعين بإبلاغ الهيئة المتخصصة وهي خلية معالجة الاستعلام المالي بوزارة المالية، بكل عملية يشتبه في أنها تتعلق بأموال متحصل عليها من جريمة أصلية أو مرتبطة بتبييض الأموال أو لها علاقة بتمويل الإرهاب أو تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل".

وأضاف طبي أن مشروع القانون ينص على "إلزام الخاضعين للقانون الجديد المرتقب باتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة لتحديد وتقييم أخطار تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والتي يتعين أن تتناسب مع طبيعة وحجم أنشطتهم وطبيعة الخطر".
ويتناول نص الحكومة "توسيع مجال التعاون الدولي في كل ما يتعلق بطلبات التحقيق والإنابات القضائية الدولية وتسليم الأشخاص المطلوبين".
ومن أهم التعديلات التي وردت في مشروع القانون الجديد مقارنة بالنص السابق، "مصادرة الأموال حتى في حال غياب حكم بالإدانة إذا كانت تشكل عائدات ناتجة من ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في النص الجديد".

إشكال في التنفيذ

من جهة أخرى رأى الخبير في الشؤون المالية والاقتصادية الجزائري سليمان ناصر أن "قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما جاء لمعالجة ثغرات ونقائص وقعت بعد عام 2015".
وقال ناصر إن "عمليات اختلاس من البنوك وقعت في فترة ما قبل عام 2019 وهي سنة سقوط ما تسمى بالعصابة التي نهبت أموالاً كبيرة في عمليات فساد تورط فيها رجال أعمال ووزراء سابقون قاموا بتبييض ملايين الدولارات وتهريبها خارج الجزائر".

وأضاف أن "رجال أعمال في السابق كانوا يستفيدون من قروض بنكية بمبالغ خيالية من دون تقديم ضمانات بالتواطؤ من مديري بنوك ومؤسسات مالية سابقين يقبع معظمهم في السجون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد سليمان ناصر أن "المشكلة لا تكمن في سنّ القوانين بقدر ما هي تتعلق بتطبيقها أو بالأحرى الصرامة في تطبيقها على جميع الأطراف وعدم بقائها حبراً على ورق".
وأشار المتحدث ذاته إلى أن "معظم الأموال المنهوبة موجودة خارج البلاد، مما يحتم على الجزائر تعزيز علاقاتها مع الدول الأجنبية والتنسيق معها خصوصاً مع تلك التي يتم تهريب الأموال نحوها والموقّعة على اتفاقات دولية لمكافحة تبييض الأموال ودعم الإرهاب".
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قال خلال لقائه الدوري الأخير مع ممثلي وسائل الإعلام المحلية، إن "الدولة عازمة على مواصلة محاربة الفساد لا سيما في ما تعلق باسترجاع الأموال المنهوبة والمهربة"، كاشفاً أنه "تم إلى حد الآن استرجاع قرابة 20 مليار دولار داخل الوطن".
وفي شأن بعض المقترحات بإجراءات عفو لمصلحة المتورطين في نهب وتهريب المال العام، أكد الرئيس تبون رفضه هذه الفكرة لأنها تتناقض مع "مبادئ الأخلاق والقانون".
وتعليقاً على ذلك اعتبر سليمان ناصر أن من شأن هذه الأموال المسترجعة التي وصفها بـ"المبلغ المهم" دعم موازنة الدولة التي تعاني عجزاً يقدر بحوالى 31 مليار دولار.

اتفاقات قضائية

ويساوي مشروع القانون بحسب وزير العدل الجزائري بين كل الجهات القضائية الجزائرية والأجنبية، في كل ما يتعلق بطلبات التحقيق والإنابات القضائية الدولية وتسليم الأشخاص المطلوبين، وبين الهيئة الجزائرية المتخصصة وهيئات الدول الأخرى المماثلة التي تشمل تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب والجرائم المتصلة بها، وأيضاً انتشار أسلحة الدمار الشامل، مؤكداً وجود تنسيق دولي محكم بين هذه الهيئات المتخصصة والجزائر.
وأبرمت الجزائر اتفاقات قضائية مع دول عدة تسمح بتسليم أشخاص مدانين بتهم الفساد.
وفي عام 2013 سلمت بريطانيا مالك "بنك الخليفة" الخاص رفيق خليفة إلى الجزائر لضلوعه في "تبييض الأموال"، كما سلمت الإمارات رئيس مجموعة "سوناطراك" للمحروقات عبدالمؤمن ولد قدور العام الماضي لاتهامه بـ "تبييض الأموال وسوء التسيير".
وتسعى الحكومة إلى تشديد القوانين بما يتماشى مع الاتفاقات الدولية وعلى رأسها الاتفاق الدولي لقمع تمويل الإرهاب الذي وقعت عليه الجزائر عام 1999.

ووضعت الحكومة الجزائرية العام الماضي تنظيمين على لائحة "الجماعات الإرهابية" واتهمتهما بـ "تلقي تمويلات مشبوهة من الخارج بغرض تنفيذ أعمال إرهابية في الداخل"، وهما "حركة الحكم الذاتي في منطقة القبائل" و"حركة رشاد".

وجرى اعتقال عشرات المنتسبين إليهما وإدانتهم بالسجن بتهم "الإرهاب"، كما أصدرت المحاكم مذكرات اعتقال دولية ضد قادة التنظيمين اللاجئين في دول أوروبية بعد إدانتهم غيابياً بأحكام ثقيلة بالسجن.
وتصل عقوبة "قيادة منظمة إرهابية" في الجزائر إلى الإعدام، ويعاقب أي شخص ينشط أو ينخرط في تلك المنظمات بالسجن مدى الحياة.