عاد الحديث مجدداً عن موضوع الأمن الغذائي في الجزائر، لكن هذه المرة بعد أن تم التطرق إلى ما تم تحقيقه من نتائج في ما يتعلق بالإنتاج الفلاحي. وفي وقت تقدم الحكومة تقارير إيجابية، يبقى الواقع يكشف عن اختلالات عدة، وما استمرار ندرة مواد استهلاكية وارتفاع أسعار أخرى، إلا دليل على وجود تضارب حول حقيقة الوضع.
أرقام ونسب
وذكر وزير الفلاحة الجزائري عبدالحفيظ هني، أن قيمة الإنتاج الفلاحي ارتفعت خلال العام الحالي بنسبة 38 في المئة مقارنة بعام 2021، وقال إن الجزائر "قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الحبوب وبالتالي خفض فاتورة الاستيراد، وهو ما تم تسجيله بالفعل". كما لفت إلى أن موسم الحبوب الأخير 2021 / 2022، كان جيداً مقارنة بالمواسم السابقة، مضيفاً أن إنتاج القمح الصلب كاف لسد الحاجيات الوطنية، في مقابل القمح اللين الذي يبقى في حاجة إلى تطوير قدراته الإنتاجية لتقليص فاتورة الاستيراد.
وأكد الوزير هني أن المواد الفلاحية الرئيسة سجلت زيادة لافتة في الإنتاج في العام الحالي 2022، وأوضح في كلمة ألقاها خلال جلسة الاستماع التي نظمتها لجنة المالية والموازنة للبرلمان، أنه على رأس المواد الاستراتيجية للقطاع، "نجد شعبة الحبوب التي بلغ إنتاجها 41 مليون قنطار في الموسم الفلاحي 2021 / 2022، أي بزيادة قدرها 48 في المئة مقارنة بالموسم الذي سبقه"، وعرف إنتاج البقول الجافة ارتفاعاً بـ 20 في المئة، وإنتاج البطاطا التي تعد من المنتجات الغذائية الأساسية للجزائريين، زيادة قدرها 30 في المئة، كما شهد إنتاج اللحوم الحمراء والبيضاء والحليب ارتفاعات لافتة، وفق ما صرح به وزير القطاع، الذي أشار إلى أن "هذا الإنتاج سمح بتغطية الاحتياجات المحلية من الغذاء بنسبة 75 في المئة".
حال الأمن الغذائي
وفي السياق يعتبر أستاذ الاقتصاد علي حاجي، أن الجزائر تعي مخاطر الضغوطات الجيواستراتيجية والأزمات الاقتصادية وتأثيراتها في تأمين الغذاء، بالتالي حرصت على وضع خطط استباقية واستشرافية، ويأتي الأمن الغذائي على رأس الأولويات، مبرزاً أن "المعركة الحالية هي ضمان قوت الجزائريين وتوفير المواد الأولية التي تدخل في الصناعات الغذائية، من أجل فك الارتباط بالأسواق الدولية". وقال إنه على رغم أن التقارير الدولية صنفت الجزائر من بين البلدان البعيدة عن مخاطر أزمة اقتصادية، إلا أن ذلك لم يمنع من اتخاذ إجراءات وتدابير للتقليل من صدمة الزيادات الكبيرة للمنتجات والمواد الأولية، بسبب الجائحة الصحية، ثم الحرب الروسية - الأوكرانية، وكان الاهتمام بالفلاحة أحد أهم السياسات التي لجأت إليها الجزائر.
ويتابع حاجي أنه بالعودة للإجراءات التي تتخذها الحكومة فقد تم بلوغ نتائج تدعم الهدف الذي وضعته نصب أعينها والمتمثل في تحقيق الأمن الغذائي، ومن بينها رفع أسعار شراء الحبوب من الفلاحين بـ 35 في المئة وتعزيز أسطول النقل، ودعم الأسمدة بـ50 في المئة، وغيرها من القرارات، مبرزاً أن الجزائر ترصد مليارات الدولارات لتأمين احتياجاتها الغذائية، وقد ارتفع دعم أسعار المواد واسعة الاستهلاك ممثلة في الزيت والسكر والحليب والحبوب والسكر، خلال العام الحالي بنسبة 93 في المئة مقارنة بعام 2011، وحذر من أن العالم يعاني حال لا أمن غذائي وطاقوي، مما يستدعي التجند إلى مواجهة الوضع والخروج بأخف الأضرار، ولن يتأتى ذلك إلا عبر تحقيق بعض الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي.
اعتراف بوجود عراقيل
في المقابل تحدث الرئيس عبدالمجيد تبون عن وجود "عراقيل تمنع أي تقدم في القطاع الفلاحي"، وقال في اجتماع مع المحافظين إن "تحقيق الوثبة لن يكون بقرارات إدارية أو تعليمات تمنح من وراء المكاتب، بل تقتضي النزول إلى الميدان ومتابعة كل العمليات المرتبطة بالحرث والبذر، إلى غاية جني المحصول وتسليمه للتعاونيات"، وأضاف أن الأمر يحتاج إلى العمل بأرقام ومعطيات دقيقة، تبدأ من حصر المساحات المخصصة للإنتاج، وتحديد الإمكانات المتاحة، وحصر كل المعيقات وإيجاد حلول لها.
كما رأى الأمين العام لاتحاد الفلاحين الجزائريين عبداللطيف ديلمي، أنه لن تكون تنمية مستدامة في القطاع الفلاحي من دون تسوية مشكل العقار الفلاحي. وأوضح أنه على رغم السياسات الفلاحية التي توالت منذ الاستقلال، إلا أنها عجزت عن طي هذا الملف، وما زالت الأراضي التابعة للدولة من دون استغلال، وحتى قانون الامتياز الفلاحي لم ينجح في حل هذا المشكل القديم المتجدد.
بلوغ 9 ملايين طن
وبحسب رئيس اتحاد المهندسين الزراعيين الجزائريين منيب أوبيري، فإن الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وخفض الاستيراد يبدآن من اختيار نوعية الحبوب الملائمة، وزيادة استعمال الأسمدة وأنظمة الري الحديثة والسقي التكميلي في الوقت المناسب، وكذلك استرجاع العقارات غير المستغلة وتجنيد كل الفاعلين لمتابعة الزراعات المحلية وتطويرها، والرفع من المقدرات ومستوى إنتاج المزروعات كلها بخاصة الحبوب، إذ يجب توسيع رقعة الإنتاج وزيادة مردوده بهدف بلوغ تسعة ملايين طن التي تمثل الحاجيات السنوية للجزائر.