Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سؤال عن قدرة القلب التجاري للندن على التعافي التام بعد بريكست

يواجه عاصفة اقتصادية سببها مغادرة بريطانيا الكتلة الأوروبية

التهديد الأوروبي الحقيقي يأتي من باريس وليس فرانكفورت (غيتي)

أخبرني أحد معارفي من المديرين التنفيذيين، عقب التصويت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي [بريكست]، أن "القلب التجاري للندن هو أقل ما يقلقني. إنه يزخر بالمفترسين. إنهم أذكياء، وجشعون، وسيجدون طريقة لكسب المال. هذا ما يفعلونه دائماً".

في الظاهر، كان على حق. ففي ما يبدو، بالنسبة إلى بريطانيين متأزمين بين صفوف مؤيدي "بريكست" ما يعني أنهم لا يزالون محتفظين ببعض الصلة مع الواقع، يقدّم القلب المالي للندن غطاءً دافئاً كي يلتحفوا به إذا حولت الانقطاعات في التيار الكهربائي التي يثير احتمالها كثيراً من المخاوف، فترة البرد المفاجئ [التي حلت على بريطانيا أخيراً] إلى جمود عميق.

إذ يَمْثُل المركز المالي للندن أمامنا، ولا يأتي في المرتبة الثانية إلا بعد نيويورك، وفق أحدث تصنيفات "مؤشر المراكز المالية العالمية" الخاص بهذه المراكز. فلنتنفس الصعداء، ففي الأقل ثمة شيء لم يتداعَ [بأثر من بريكست].

لم تتبلور المخاوف من أن يؤدي تراجع وحشي إلى إخراج عشرات الآلاف من الأشخاص من وظائفهم. ولم تتمكن فرانكفورت، منتحلة الصفة [أي المركز العالمي الثاني عالمياً] منذ أمد بعيد، من التقدم للاستيلاء على المركز الذي يحتله المركز المالي للندن. (لطالما كانت فرانكفورت أقرب إلى حلم هاذٍ خلال نوبة حمى. إذ تُشتهَر بكونها باهتة ومحلية، وببساطة فإنها ليست مجالاً جذاباً للمفترسين الأثرياء).

في هذه الأثناء، تمكن القلب التجاري للندن حتى من تحسين تصنيفه بخمس نقاط. لكن تمهلوا للحظة. فلربما حسّنت لندن تصنيفها بخمس نقاط، لكن المراكز الـ13 التالية كلها حسّنت تصنيفاتها بنقاط أكثر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إذا تواصل تقدّم سنغافورة أو ربما حتى سان فرانسيسكو، فقد تخسر لندن في المرة المقبلة موقعها الثاني المرغوب فيه. في هذه الأثناء، تشكل باريس، لا فرانكفورت، التهديد الأوروبي الحقيقي. ذلك أن تصنيفها يتقدم بوتيرة جيدة، وكذلك ترتيبها (المركز الـ10 في أحدث تقييم).

لبرهة من الزمن، تفوقت باريس على لندن بوصفها موقع أكبر بورصة في أوروبا وفق القيمة السوقية. وأعاد تعافي الجنيه الاسترليني للندن موقعها، لكن، لنكن صريحين. لقد كانت مجرد فكرة أن تتحدى باريس لندن، ناهيك عن التفوق عليها، غير قابلة للتصور قبل سنوات قليلة.

وفي سياق متصل، يبرز تقرير أخير من مؤسسة "نيو فايننشال" البحثية المتخصصة في أسواق رأس المال، "الغموض الذي يكتنف اختفاء الوظائف في القطاعين المصرفي والمالي في المملكة المتحدة". ويشير أيضاً إلى أن عددها "تراجع إلى أدنى مستوى له منذ ما بعد الانفجار الكبير الأول [تحرير الأسواق المالية في المملكة المتحدة] بفترة وجيزة، قبل أكثر من 35 سنة".

من البديهي الإشارة إلى أن حملة مارغريت تاتشر لإلغاء القيود التنظيمية [على رأس المال] كانت أشد أثراً من أوهام الإجلال التعيس للحملة الجاري اليوم، إذ يواصل الزعم بأنه يكرر ما فعلته تاتشر.

في ذلك الصدد، لا يزال قطاع الخدمات المالية البريطاني يوظف أكثر من مليون شخص، أي حوالى ثلاثة في المئة من القوة العاملة. في المقابل، يقل هذا العدد بواقع 76 ألف شخص عما كانه في وقت قريب، أي سبتمبر (أيلول) 2019، وبواقع 61 ألف شخص عنه حين غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي نهاية عام 2020. وكذلك يقل ذلك العدد اليوم بواقع 51 ألف شخص عما سُجِّل في يونيو (حزيران) 2016 حين صوتت المملكة المتحدة لمصلحة بريكست.

لقد أدى نقل الوظائف إلى خارج البلاد وأتمتتها وإغلاق الفروع بغرض تعزيز الكفاءة، دوراً في ذلك أيضاً. لكن بريكست مساهم رئيسي. حين نظرت "نيو فايننشال" في مجموعة من المراكز المنافسة، لم يشهد أي منها تراجعاً من النوع نفسه. في الواقع، لقد استطاعت كلها إضافة وظائف.

ما الفارق بينها وبين بريطانيا؟ لم تعانِ لندن أزمة كبرى بسبب بريكست، لكنها تعاني تراجعاً بطيئاً مع تسرب الشركات والوظائف بعيداً منها. وثبت أيضاً بطلان كل الحجج القائلة بأن الاتحاد الأوروبي سيتعامل مع لندن بلطف لأن "ذلك من مصلحته". هل يمكن معالجة الأمر؟ هل يتوجّب علينا أن نحاول معالجته حتى؟

إن القلب التجاري للندن نعمة مختلطة بكل تأكيد. إذ يمتص المواهب بشدقيه الواسعين. والأشخاص القادرون على أن يصبحوا مهندسين يعملون في القطاعات الألمانية القوية نجدهم في بريطانيا، في الأغلب، ملتصقين بشاشات قاعات التداول اللندنية.

لكن القطاع يدفع كثيراً من الضرائب، ويدفع موظفوه ذوو الأجور الحسنة كثيراً من الضرائب أيضاً. في المقابل، إنه يفتقد الاستثمار (بالإضافة إلى الخيال) المطلوب لتعزيز التوظيفات الجديدة.

وكذلك يجب الإشارة إلى أن معظم الأشخاص الذين تحدثت إليهم خلال بحوثي لغرض كتابة هذه المقالة، يرون أن ثمة ترتيبات غير نزيهة. ويكون بعض هذه الترتيبات داخلياً. وقد أبرز مصدر في أحد القطاعات ممن تحدثت إليهم، المشكلة مع المستثمرين المؤسسين البريطانيين الذين يركزون على أرباح أسهم الشركات، فيما يتوجّب عليهم أن يغيروا اتجاههم إذا قُيِّض للندن أن تجتذب الشركات التكنولوجية المحلية التي تتوجه مباشرة إلى "ناسداك" حين تكون مستعدة لإدراج نفسها في البورصة العالمية.

وكذلك سمعتُ من إحدى مجموعات الضغط كلمات مفادها، "أننا نعتقد بأن واضعي السياسات العامة بدأوا يفهمون الأمر أخيراً. بدأت وزارة المالية والجهات التنظيمية تفهّم الأمر الآن. لكن علينا التحرك سريعاً لمنع انتقال المملكة المتحدة من مركز عالمي إلى مركز إقليمي. تستطيع المملكة المتحدة أن تكون ما تريده، طالما امتلكت الإرادة واستمعت إلى طريقة عمل الأسواق وفهمتها".

في سياق موازٍ، تحدث اقتصادي لامع عمل في القطاع التجاري وفي مجال وضع السياسات العامة، عن حاجة الشركات النامية إلى "أن تُجتذَب في شكل فاعل"، لكنه تحدث أيضاً عن الحاجة إلى تصوّر "لعبة نهائية" تعالج العلاقة الباردة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، من المنظورين السياسي والتنظيمي معاً. وقد سمعتُ ذلك الأمر كثيراً.

(ملاحظة جانبية مثيرة للاهتمام. لقد حض المصدر على عمل "يجعل قطاع مدخرات الأسر يتحول بعيداً من العقارات باتجاه أسواق رأس المال. إذ تندرج العقارات بين أصناف الأصول بقيمة تصل إلى 7.2 تريليون جنيه استرليني (8.75 مليار دولار) لكنها استخدام غير منتج إلى حد كبير جداً لرأس المال". وهذا صحيح جداً. لكنه، مجدداً، أمر يحتاج إلى خيال حقيقي).

في سياق متصل، وبعدما عبّرتُ عن بعض الشك، أخبرني مصدر آخر أن "الإمكانية موجودة لإعادة تحريك القلب التجاري للندن". ونوّه ببعض أفكار ريتشي سوناك، وأشاد بإمكانية أن تصبح المملكة المتحدة مركزاً للتعاملات المالية الخضراء. "نستطيع حقاً أن نكون دولة رائدة في العالم. أما المشكلة، بعد الشلل الأخير على صعيد السياسات، فتتلخص حصراً في أنه يتوجب على المسؤولين أن يقرروا ويتصرفوا".

حسناً، لقد بدأوا يفعلون ذلك. ليس من الواضح البتة أن إجراءات على غرار إلغاء الإصلاحات المصرفية التي وُضِعت بعد الأزمة المالية، ستساعد في تحقيق ما تأمل الحكومة فيه.

استطراداً، لم يطالب ذلك القطاع بإلغاء الضوابط المفروضة على المصارف التي توفر خدمات بالتجزئة لحماية المودعين من المخاطر التي يكشف المتعاملون أذرعتهم المصرفية الاستثمارية عليها. في الأقل، لم يطالب بذلك بعدما أنفقت المصارف مليارات بهدف الامتثال لهذه القواعد المنطقية في شكل كامل.

يتمثّل ما يحتاج القطاع المالي إليه بالتنظيم المستمر والمنطقي. ويبدو أن المحافظين يفضلون أفكاراً خيالية جامحة مصممة لإنتاج عناوين رئيسة في الإعلام. في المقابل، إن وضع السياسات في شكل مدروس وبعيد الأجل، هو أمر يعتبرونه محض هراء.

© The Independent