لا يزال معدل التضخم المتصاعد يطارد بريطانيا. لقد أظهر آخر تحديث من مكتب الإحصاءات الوطنية أن معدل تضخم الأسعار الخاصة بالمستهلكين ارتفع إلى 11.1 في المئة خلال الأشهر الـ12 المنتهية في أكتوبر (تشرين الأول).
ويُقارَن هذا الرقم بنسبة الـ10.1 في المئة المسجلة الشهر السابق ونسبة الـ10.7 في المئة التي أجمع الخبراء الذين تحدثت إليهم "رويترز" على توقعها.
توجه الأرقام ضربة إلى آمال هادئة بأن الزيادة في الأسعار في المملكة المتحدة بلغت ذروتها – مع وضع وزير المالية جيريمي هانت اللمسات الأخيرة على بيان مالي يبدو وكأنه يميل إلى شد الخناق علينا بمزيج وحشي من الزيادات الضريبية والتخفيضات في الإنفاق. وتحدث هانت عن حماية أكثر الناس ضعفاً. وهو في حاجة إلى أن يقرن القول بالفعل على تلك الجبهة لأن العرض الاقتصادي المرعب الحالي يضرب هؤلاء الناس على نحو غير متناسب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد لاحظ مكتب الإحصاءات الوطنية أن "فجوة التضخم" بين الأسر ذات المداخيل المرتفعة وتلك ذات المداخيل المنخفضة – الأسر الأقل قدرة على التكيف مع ارتفاع الأسعار – بلغت أعلى مستوياتها في أكثر من عقد. وستطلعكم نظرة سريعة في العناصر الأكثر مساهمة في ذلك على السبب. لقد ارتفعت تكلفة الأغذية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 16.2 في المئة في السنة المنتهية في أكتوبر، وهي أعلى زيادة منذ عام 1977. وتُعَد أسعار الأغذية متقلبة، وهي عرضة إلى التقلب صعوداً وهبوطاً. لكن الأسعار لم تشهد أي تراجع. هي ترتفع لـ15 شهراً على التوالي، من دون أن تلوح أي نهاية في الأفق.
ومن الواضح أن الطاقة تتحمل أيضاً جزءاً من اللوم. فقد ارتفعت تكاليف التدفئة والمياه والكهرباء والغاز وغيرها من أنواع الوقود بنسبة 26.6 في المئة. وتأتي الأرقام المنبهة حقاً من النظر في ما كان ليحدث في غياب ضمانة أسعار الطاقة التي توفرها الحكومة. ذلك أن تطبيقها عنى أن أسعار الكهرباء والغاز والوقود الأخرى ارتفعت بنسبة 24.7 في المئة بين سبتمبر (أيلول) وأكتوبر. ومن دونها، قدّر مكتب الإحصاءات الوطنية أن النسبة كانت ستسجل 75 في المئة. ومن الواضح أن ذلك كان من شأنه أن يؤثر في المعدل العام للتضخم الذي كان سيبلغ 13.8 في المئة.
لاحظوا أن من المقرر إحلال شيء أكثر استهدافاً محل الضمانة في أقل من ستة أشهر بقليل. وسيأمل هانت بأن تسدي أسواق البيع بالجملة له معروفاً في الفترة الفاصلة. لكن المساعدة التي يوفرها هذا القطاع كانت ضئيلة للغاية أخيراً.
هل هناك بعض الراحة التي يمكن أن نشعر بها؟ حسناً، ظل معدل التضخم "الأساسي"، الذي يستثني أسعار الأغذية والطاقة المتقلبة، ثابتاً على الأقل عند 6.5 في المئة. لم يكن هذا المعدل طيباً كما كان الاقتصاديون يأملون – لقد دارت التوقعات حول 6.4 في المئة – لكنني أفترض أنكم تستطيعون القول: "كان في مقدور المعدل أن يسجل مستوى أسوأ".
يثير هذا كله تساؤلات حول النبرة الحمائمية التي صدرت عن بنك إنجلترا في الأسابيع الأخيرة. ذلك أن إحجام لجنة السياسة النقدية عن إقرار رفع كبير في معدلات الفائدة واضح منذ بعض الوقت. لكن الدفعة الأخيرة من الأرقام هذه تضع هذه الاستراتيجية موضع شك. وقد لا يبقى أمام لجنة السياسة النقدية في نهاية المطاف سوى الضرب بيد من حديد.
أما السؤال الذي أعتقد أنه ينبغي لنا طرحه عشية حدث سياسي كبير هو كم من اللوم ينبغي توجيهه إلى الحكومة في هذا الشأن؟
لا بد من الاعتراف بفضل ضمانة أسعار الطاقة، التي توفر لنا الحماية من الأسوأ. لكن الإجابة لا تزال أن اللوم ضخم.
ربما لم يعد معدل التضخم في المملكة المتحدة الأعلى بين المعدلات المماثلة في الاقتصادات المتقدمة على مستوى العالم. فمعدل التضخم في إيطاليا، مثلاً، يبلغ 12.4 في المئة. لكنه لا يزال قريباً من المعدلات العليا. هو يتجاوز بكثير ما تشهده الولايات المتحدة (7.7 في المئة) وفرنسا (6.3 في المئة)، مثلاً. وقد شهدت الأخيرة إضرابات واضطرابات. وعرفت المملكة المتحدة بعضاً من ذلك لكن ليس بالدرجة نفسها. ربما من الواجب علينا أن نصرخ بصوت أعلى قليلاً؟
وقد لا تعتمد المملكة المتحدة على الغاز الروسي مثل بعض البلدان الأوروبية الأخرى، لكنها لا تزال عرضة في شكل كبير إلى أسعار الغاز بالجملة. ولا ينبغي لنا أن نخطئ في هذا، فالفشل في معالجة مسائل مثل أمن الطاقة وإمدادها يُعَد فشلاً سياسياً. لكن لا تزال هناك طرق أكثر وضوحاً حيث أذكى عمل الحكومة، أو تقاعسها عن العمل، موجة التضخم. وسيكون الفشل في معالجة النواقص في الطاقة طريقة من هذه الطرق. ثم هناك بريكست.
نعم، فلنتحدث عن بريكست ذلك أنه – على رغم محاولات أنصاره الفاشلة تنحية أثره جانباً أو التقليل من شأنه – حاضر دائماً، ويشق طريقه إلى كل أجزاء الاقتصاد. مثلاً، إذا كنتم بحاجة إلى استيراد الأغذية ووضعتم حواجز تجارية مع المكان الذي تستوردونها منه في شكل رئيسي، حواجز تجارية تتسبب في طوابير طويلة من الشاحنات في موانئكم، سيكون لذلك بالطبع أثر في السعر المدفوع في مقابل هذه الأغذية.
تقول كارين بتس، الرئيسة التنفيذية لاتحاد الأغذية والمشروبات، إن مصنعي الأغذية شهدوا ارتفاعاً بنسبة 21 في المئة في تكاليفهم خلال العام الماضي، ومُرِّر بعض هذه التكاليف حتماً إلى المستهلكين. وهذا الرقم أكبر من أن يُستوعَب. وهي تستشهد بـ"خفض تكاليف التجارة مع الاتحاد الأوروبي" باعتباره واحداً من الطرق الرئيسية التي قد تحد بها الحكومة من الضغوط التي يتعرض إليها المصنعون الأعضاء في الاتحاد. هذا ممكن بطبيعة الحال. والواقع أن الاتفاق "الجاهز" في شأن بريكست الذي أبرمه بوريس جونسون يسبب مشكلات في مختلف أنحاء الاقتصاد.
وليس التهديد في شأن بروتوكول إيرلندا الشمالية والهراء الآخر المماثل "وقوفاً في صف بريطانيا". هو يشكل بدلاً من ذلك ضرراً ننزله بأنفسنا. وستتعامل حكومة من "الناضجين" مع ذلك. لكن هل لدينا حكومة كهذه؟
ليس ريشي سوناك ورهطه على القدر نفسه من السوء كالأيديولوجيين السابقين لهم. لكن الآثار المستمرة لليز تراس وكواسي كوارتنغ – الثنائي المروع– وميزانيتهما المصغرة المأساوية لا تزال قائمة أيضاً. ويتضمن بيان هانت ذلك في مختلف أجزائه. لقد أدت الميزانية المصغرة إلى زيادة تكاليف الرهون العقارية وغير ذلك من التحديات.
لذلك، نعم، من الواضح أن الحكومة تستحق أن تدفع ثمناً سياسياً باهظاً للأسعار المرتفعة التي تشهدها الأمة.
© The Independent