Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من خطف بو عجيلة محمد مسعود المتهم في تفجير طائرة لوكربي؟

بعد 34 عاماً على القضية ومطالبة واشنطن بتسليمه إليها

تفجير طائرة "بان أم 103" الأميركية في 21 ديسمبر 1988 (أ ف ب)

في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي اختفى في ليبيا بو عجيلة محمد مسعود المسؤول السابق في الاستخبارات الليبية أيام نظام العقيد معمر القذافي. كان يمكن أن يكون الخبر عادياً في ظل الفوضى الأمنية والسياسية وحالة عدم الاستقرار التي تعيش فيها ليبيا لو لم يتم ربط الرجل بقضية تفجير طائرة "بان أم 103" الأميركية في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1988 التي سقطت عند الساعة السابعة مساء في لوكربي في اسكوتلندا وأدى تفجيرها إلى مقتل 259 راكباً كانوا على متنها معظمهم أميركيون وبريطانيون، إضافة إلى 11 من أهالي البلدة التي كانت تستعد لاحتفالات عيد الميلاد.

خطفوا مسعود

أعلنت القبيلة التي ينتمي إليها مسعود أن مسلحين بملابس مدنية في سيارتين هاجموا منزل العائلة في منطقة بو سليم في طرابلس، وخطفوا مسعود واقتادوه إلى جهة غير معلومة. وأضافت في بيان أن بعض الأطراف السياسية استغلت حالة الارتباك السياسي والانقسام من أجل إعادة فتح ملف قضية لوكربي بعدما تم إقفالها قانونياً باتفاقية أُبرمت مع الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2008. وحذرت العائلة حكومة عبد الحميد الدبيبة من أي خطوة غير محسوبة العواقب في صورة تسليمه إلى أي جهة خارجية، محملة خاطفيه المسؤولية الكاملة عن سلامته الجسدية في ظل معاناته من أمراض عدة.

وقد طرح هذا البيان علامات استفهام كثيرة حول عملية الخطف، خصوصاً أن معلومات ذكرت أنه خطف من قبل ميليشيات تابعة لعبد الغني الككلي، القيادي العسكري الموالي لحكومة الدبيبة، في ظل من التعتيم على الحادث.

عودة إلى الماضي

قضية بو عجيلة مسعود ليست جديدة ولكن اختفاءه بهذه الطريقة أعطاها أبعاداً تتعلق بالبحث عن مصيره وعن أهداف خطفه وهل المسألة مرتبطة بتسليمه إلى الولايات المتحدة أو نقله إليها وهل لواشنطن علاقة بهذا الأمر. ذلك أن المسألة ليست جديدة. فقبل مغادرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب البيت الأبيض أثار المدعي العام في عهده وليام بار أمراً يتعلق بقضية لوكربي ويطالب السلطات الليبية بتسليم الليبي بو عجيلة مسعود، بزعم أن له علاقة بتلك القضية.

ففي ديسمبر 2020 تسربت معلومات عن أن واشنطن ستطالب السلطات الليبية الجديدة بتسليمها مسعود على خلفية علاقته بصناعة القنبلة التي انفجرت داخل الطائرة وأدت إلى سقوطها. يذكر أن مسعود كان محتجزاً في بلاده بعد سقوط النظام السابق بسبب اتهامه بقضايا ليست تتعلق بقضية لوكربي، ولكن لم يتم تسليمه بعدما سرت معلومات أنه قد يتم ترحيله إلى الولايات المتحدة لمحاكمته بعدما ربطت واشنطن بينه وبين قضية لوكربي وطالبت بتسليمه إليها.

في 21 ديسمبر 2020 في الذكرى 32 للحادثة أعلن القضاء الأميركي، توجيه الاتهام إلى بو عجيلة محمد مسعود، واتهمه بتجميع القنبلة التي انفجرت في طائرة البوينغ (747) التابعة لشركة "بان أم" الأميركية فوق اسكوتلندا. وقال وزير العدل الأميركي ويليام بار، "هذا الشخص المسؤول عن مقتل أميركيين وكثر آخرين سيحاسب في نهاية المطاف على جرائمه أمام القضاء". وأبدى تفاؤله "بتسليم المتهم إلى الولايات المتحدة، وهو معتقل حالياً لدى السلطات في ليبيا". وأضاف "لا أسباب تدفعنا إلى الاعتقاد بأن من مصلحة هذه الحكومة أن تكون على صلة بهذا العمل الإرهابي المشين".

كما أن وليم بار الذي كان وزيراً للعدل بالوكالة خلال ولاية الرئيس جورج بوش الأب، هو الذي أشرف على طلب واشنطن محاكمة طرابلس الضابطين في الاستخبارات الليبية اللذين اتهمتهما بعملية تفجير الطائرة عبد الباسط علي المقرحي والأمين خليفة فحيمة، لصنعهما قنبلة بلاستيكية مزودة بجهاز توقيت وإخفائها في حقيبة ثم زرعها على رحلة لشركة طيران مالطا قبل أن يتم نقل الحقيبة في نهاية المطاف إلى رحلة "بان أم 103".

 

 

انفجرت الطائرة وهوت

في 21 ديسمبر 1988 الساعة 18.25 أقلعت طائرة "بان أم 103" من مطار هيثرو في لندن وفقد الاتصال بها الساعة 19.03 بعدما عبرت الحدود مع اسكتلندا، انحرف قائد الطائرة قليلاً إلى الغرب.

كان مقرراً أن تتجه الطائرة عبر المحيط الأطلسي في طريقها إلى مطار كنيدي في نيويورك. بعد 35 دقيقة، اختفت الرحلة عن شاشات الرادار وحصل الانفجار وتحولت السماء فجأة إلى لون برتقالي وهاج وانشطرت الطائرة وهوت نحو الأرض، ولم تصدر عنها أي نداءات استغاثة. 46 ثانية فقط فصلت بين انفجار القنبلة وسقوط الطائرة.

هزت الكارثة العالم وهرعت إلى لوكربي فرق الإنقاذ ووسائل الإعلام وبدأ البحث عن الحقيقة وأسباب التفجير الذي حصل في مرحلة من الصراعات المفتوحة بين النظام الليبي والولايات المتحدة تمثّل بمحاولة تفجير أكثر من طائرة وتنفيذ أكثر من هدف وبغارات أميركية على ليبيا، ولم يكن النظام الإيراني بعيداً من هذه المواجهة، لذلك ذهبت الشكوك منذ البداية نحو المثلث الليبي - الإيراني - السوري حيث تتمركز "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل، التي اتُهمت بأدوار في عمليات إرهابية ولها علاقة بهذا الصراع.

مسؤولية القذافي ومحاكمة المقرحي

تم تحميل ليبيا المسؤولية عن تفجير الطائرة واتهام دبلوماسيين ليبيين بتدبير الحادث، هما الأمين خليفة فحيمة والمقرحي، عقب إجراء تحقيق مشترك مدته ثلاث سنوات من قبل ‌مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (أف بي آي).

وبناءً على هذه التهم فرضت عقوبات اقتصادية وسياسية قاسية على ليبيا لمدة 10 سنوات بقرار من مجلس الأمن رقم 748 بتاريخ 31 مارس (آذار) 1992، قبل أن تضطر إلى دفع تعويضات كبيرة قاربت 2.7 مليار دولار، لعائلات الضحايا لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي في عام 2008. واعتبرت هذه التسوية محاولة من القذافي لإقفال ملفات الإرهاب التي كان يُتَّهم بها وتغيير سلوكه العام ولتصحيح علاقته مع الغرب والولايات المتحدة قبل الإطاحة به في عام 2011 وقتله في 20 أكتوبر.

عمل المقرحي مديراً للمركز الليبي للدراسات الاستراتيجية، كما تم تعيينه رئيساً لأمن الطيران بشركة الخطوط الجوية الليبية في مطار لوقا بمالطا، في المرحلة التي تم الإعداد فيها لعملية تفجير الطائرة. وفي 14 نوفمبر 1991، وجهت الولايات المتحدة وبريطانيا إليه وإلى الأمين خليفة فحيمة اتهاماً بالمسؤولية عن تفجير الطائرة، ورفضت ليبيا تسليمهما ورفضت محاكمتهما. وقد ظل الرفض الليبي حتى تمت الموافقة من الطرفين على محاكمتهما أمام محاكم دولة ثالثة وهي هولندا، ومثُلا أمام المحكمة في 3 مايو (أيار) 2000. وفي 31 يناير (كانون الثاني) 2001، بُرِّئ المتهم الأمين خليفة فحيمة، بينما أدين المقرحي بالضلوع في التفجير وحكم عليه بقضاء 27 سنة في سجون اسكتلندا.

تقدم المقرحي باستئنافين للإفراج عنه وتبرئته معتمداً في ذلك على ثغرات وتفاصيل اعتبر أنها غير واقعية في قضية لوكربي، إلا أن أهالي الضحايا الأميركيين شكّلوا مؤسسة ضغط في الولايات المتحدة وبريطانيا حالت دون إيجاد حل يبرئه.

ولكنه لم يُبرّأ واستمر إصرار القضاء على إدانته بتفجير الطائرة، إلى أن قرر وزير العدل الاسكتلندي في 20 أغسطس (آب) 2009 الإفراج عنه لأسباب صحية بعد تأكد إصابته بسرطان البروستات، وأكد أنه يتحمل مسؤولية القرار وأنه اتخذه ليترك له الفرصة كي يموت في بلده.

عاد المقرحي إلى ليبيا بعد الإفراج عنه، وكان القذافي لا يزال في الحكم، واستقبل استقبال الأبطال، على رغم عدم تبرئة ساحته من المسؤولية. ولكنه أصر على أنه بريء من هذه التهم وأن الحكم سياسي وليس قضائياً.

بعد إصابته بسرطان البروستات توفي في 20 مايو 2012 في منزله الواقع في حي دمشق بطرابلس. وجرت مراسم دفنه في مقبرة الزغواني بجنزور، وكانت ليبيا تنتقل إلى مرحلة جديدة من تاريخها السياسي بعد حكم القذافي الذي دام 41 عاماً.

درس المقرحي في الولايات المتحدة، وتحدث بلغة إنجليزية متقنة خلال محاكمته بوصفه مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الليبي. وقال الاتهام إن هذا المنصب لم يكن سوى غطاء لوظيفته داخل الاستخبارات الليبية، إذ كان يتولى مسؤوليات كبيرة، وهو ما نفاه على الدوام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال الادعاء إن منصبه كمسؤول أمني في الخطوط الجوية الليبية هو الذي سهل له تنفيذ الاعتداء، مؤكداً أن المقرحي تفاوض لشراء أجهزة التوقيت الإلكترونية "أم أس تي 13" التي استخدم أحدها لتشغيل القنبلة، وهو الذي اشترى كذلك في مالطا الملابس التي استخدمت للف القنبلة بها.

فقد توصل المحققون الأميركيون من خلال جمع الأدلة من بقايا حطام الطائرة إلى تحديد المحل الذي تم شراء الألبسة منه في مالطا، وبالتحقيق مع صاحبه تعرف إلى صورة المقرحي التي عرضت عليه على أنه هو الذي اشترى الملابس. كما أن التحقيق توصل إلى تحديد هوية جهاز التفجير وإلى تحديد الجهة التي اشترته من سويسرا مع عدد آخر من أجهزة التفجير لمصلحة النظام الليبي. وعلى هذا الأساس انطلقت المحاكمة وتم إصدار الحكم.

خلال المحاكمة عام 2001، رفض القضاة النظرية التي تدين إيران وسوريا و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة"، ومفادها أن هذه الأطراف تحركت رداً على إسقاط صاروخ أميركي طائرة إيرانية في يوليو (تموز) 1988، موقعاً 290 قتيلاً. فخلال ما يسمى حرب الناقلات في مضيق هرمز، أطلق البحارة الأميركيون على متن السفينة الحربية "يو أس أس فينسنس" صاروخاً على طائرة تابعة للخطوط الإيرانية الرحلة 655، ظناً أنها طائرة عسكرية، ما أسفر عن مقتل جميع ركابها. وساد اعتقاد بأن إيران يمكن أن تكون ضالعة في عملية طائرة لوكربي رداً على إسقاط هذه الطائرة، خصوصاً أنها كانت تخوض مع الولايات المتحدة صراعاً مفتوحاً تجلّى في عمليات خطف "حزب الله" عدداً من الرهائن الأميركيين في لبنان، وكانت بعد انتهاء حربها مع العراق عملت على استهداف عدد من ناقلات النفط من ميناء البصرة العراقي. الأمر الذي أدى إلى طلب الكويت الحماية الأميركية للملاحة في بحر الخليج فلبّت واشنطن الطلب وأرسلت إلى المنطقة عدداً من بوارجها الحربية.

هل تتسلّم واشنطن مسعود؟

هل يتم تسليم مسعود إلى واشنطن، وهل تنجلي عملية خطفه وتظهر حقيقتها؟ رسمياً، السلطات الليبية ترفض إعادة فتح هذه القضية وتعترض على تسليمه، خصوصاً أن انتقادات كانت وجهت إلى وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بعد تصريح ملتبس لها حول هذه القضية في العام 2021، قالت فيه إن ليبيا يمكن أن تعمل مع الولايات المتحدة على تسليم رجل مطلوب في تفجير لوكربي عام 1988. إلا أن ما يزيد هذه القضية تعقيداً هو الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه ليبيا.

جدير بالذكر أن واشنطن لم تعلن أنها تتخلى عن ملاحقة أي متهم بالقيام بعمليات ضد مصالحها، وهي تعتبر أن توجيه التهمة إلى مسعود يأتي ضمن هذا الإطار، وهو رسالة إلى من تعتبرهم إرهابيين بأن من يهاجم رعاياها ومصالحها لا يمكن أن ينجو من العقاب، بصرف النظر عن مكان وجوده، أو المدة التي يستغرقها ذلك، "إذ ستتم ملاحقتهم إلى أقاصي الأرض حتى تحقيق العدالة"، كما أعلن وزير العدل وليم بار في ديسمبر 2020 عند اتهام مسعود رسمياً والمطالبة بتسلّمه، خصوصاً أن هناك معلومات تسربت تربطه بعمليات تفجير غير عملية لوكربي، وتقول إنه عمل في مناصب مختلفة كخبير تقني في تصنيع أجهزة التفجير بين عامي 1973 و2011، ضمن جهاز الأمن الخارجي التابع لجهاز الاستخبارات الليبي، وأنه متورط في أعمال أخرى ضد المصالح الأميركية، مثل التفجير الذي وقع في مقهى لابيل في برلين الغربية عام 1986.

فهل سيظهر مسعود في واشنطن أم أن عملية خطفه أو اختفائه لن ترقى إلى هذا المستوى؟

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات