Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زعيم المعارضة في تركيا ينافس أردوغان في توجيه الرأي العام

بات يتناول مواضيع تتعلق بالمواطن مباشرة ويتواصل مع الجمهور من خلال "فيديوهات قصيرة"

رئيس "حزب الشعب الجمهوري" كمال كليتشدار أوغلو متحدثاً خلال اجتماع في أنقرة، في 4 أكتوبر الحالي (أ ف ب)

منذ ما يقرب من عقدين من الزمن كان تحديد الرأي العام السياسي في تركيا بشكل عام يتم من قبل "حزب العدالة والتنمية" ورئيسه رجب طيب أردوغان، لكن خلال الأشهر الأخيرة بدأت المعارضة هي التي تحدد المواضيع التي تتم مناقشتها على جدول الأعمال السياسي.

يمكنني القول بسهولة إن زعيم "تحالف الأمة" الذي يطلق عليه اسم "الطاولة السداسية" ورئيس "حزب الشعب الجمهوري" كمال كليتشدار أوغلو بخاصة، يتقدم بخطوة على أردوغان في تعيين جدول الأعمال، وسأحاول شرح البيانات التي تدعم هذا الادعاء وشرحها من خلال بعض الأمثلة.

يمكننا أن نرى في جدول "غوغل" لمواقع الأحزاب السياسية الأكثر زيارة في تركيا الشهر الماضي أن "حزب الشعب الجمهوري" ارتفع إلى المركز الأول، بينما تراجع "حزب العدالة والتنمية" الحاكم إلى المركز الثاني.
الجدل في شأن الحجاب
مطالبة كليتشدار أوغلو بإضفاء الشرعية القانونية على الحجاب وضمانه بموجب القانون أزعج الحكومة مما دفع بالرئيس أردوغان إلى رفع السقف قائلاً "تعالوا نضفي على الموضوع طابعاً دستورياً".

ولربما يفكر بعضهم بأن الموضوع مفروغ منه وأنه لم تعد هناك في تركيا مشكلة اسمها "قضية الحجاب"، ولكن الحقيقة هي أن الحزب الحاكم وبدلاً من حل المشكلة في إطار قانوني يضمن الحل النهائي حتى بعد تغير الحكومات، قام بمعالجة الموضوع من خلال تصرفات إدارية، إذ تعطي الحكومة الحالية فرصة استغلال القضية في المستقبل.

ولا يزال الحزب الحاكم يوهم المحجبات أنه إذا تغيرت السلطة الحالية فإن العلمانيين سيعودون لممارسة الضغوط ذاتها التي كانوا يمارسونها عليهن سواء في المؤسسات التعليمية أو الدوائر الحكومية بشكل عام، فبمطالبته بإضفاء الشرعية القانونية على الحجاب استطاع كمال كيليجدار أوغلو سحب هذه البطاقة من أيدي الإسلامويين بطريقة حكيمة.

نعم لم يكن العلمانيون على دراية جيدة بذلك، ولكن كان هناك على أرض الواقع قلق أو دعاية جدية بين شريحة واسعة من النساء المتدينات من أنه "إذا وصلت المعارضة إلى السلطة فسيحظر الحجاب مرة أخرى".

أراد كليتشدار أوغلو أخذ هذه الورقة الرابحة من الحكومة من جهة وإسكات العلمانيين الذين لديهم مثل هذه الحماسة في حزبه إلى الأبد من جهة أخرى، وقد نجح إلى حد كبير.

مشكلة سن التقاعد

من ناحية أخرى وبعد أن أعلن زعيم حزب الشعب الجمهوري كليتشدار أوغلو في تغريدة أنه إذا وصل إلى السلطة فسيحل المشكلات المتعلقة بسن التقاعد والمعروفة في تركيا بقضية (EYT)، أعلن وزير العمل والضمان الاجتماعي التركي تشكيل فريق عمل لحل تلك المشكلة، والحال أن الحكومة التزمت الصمت مدة خمس سنوات في شأن هذه القضية التي تهم حوالى 10 ملايين شخص، واستطاع كليتشدار أوغلو إزعاج الحكومة في قضية فواتير الكهرباء عندما أعلن أنه لن يدفع فاتورة الكهرباء احتجاجاً على معاناة فئة عريضة من المواطنين العاجزين عن سدادها، مما دفع شركة الكهرباء إلى قطع الكهرباء عن منزله، وقام زعيم المعارضة بدوره ببث مباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي من منزله وهو يعمل تحت ضوء الشموع، فاضطرت الحكومة إلى تناول الموضوع على مضض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك عندما حددت الحكومة الحد الأدنى للأجور رفعت بلديات تابعة للائتلاف المعارض رواتب عامليها إلى أعلى مستوى، فاضطرت الحكومة أيضاً إلى زيادة المبلغ، ووقعت في موقف اللحاق بالمعارضة من الخلف، وبات أردوغان مضطراً الآن إلى اتخاذ موقف بحسب الأجندة التي تحددها المعارضة، ولذلك فإن الحكومة التي فقدت السيطرة على جدول الأعمال لمصلحة المعارضة لا تستطيع استيعاب هذا الوضع، وبما أن الرئيس أردوغان يعرف أبعاد القضية، فقد أصبح يهدد الشعب بتفشي الفوضى إذا خسر الانتخابات، وقال في بيان الجمعة الماضي، "أنصحكم أن تصوتوا بعناية شديدة خلال انتخابات عام 2023، ولا سمح الله إذا عدنا للأيام القديمة لتركيا فستضيع هذه الفرصة التاريخية".

وما يعنيه في هذا التصريح هو المجازر التي ارتكبها تنظيما "داعش" و"حزب العمال الكردستاني" الإرهابيين عام 2015. 

ومن المفارقات العجيبة أنه على رغم أن مرتكبي تلك المجازر معروفون، فإنهم يجوبون شرق البلاد وغربها بحرية من دون أن يمسهم أحد بسوء، مما يترك كثيراً من علامات الاستفهام في الأذهان.
الفيديوهات القصيرة

وهناك قضايا أخرى انتهزت المعارضة الفرصة فيها لتتولى زمام المبادرة في وضع جدول الأعمال في البلاد حالياً، كما أن الفيديوهات القصيرة التي ينشرها كليتشدار أوغلو ويقوم بتصويرها من منزله أثناء شرب الشاي أو من مكتبه خلال الاجتماعات مع زملائه، يتم تداولها بشكل واسع.

وبينما كان كليتشدار أوغلو يلقي كل يوم ثلاثاء كلمته السياسية أمام كتلته البرلمانية، نلاحظ أنه غير استراتيجيته بهذه الطريقة الجديدة اللافتة للأنظار، وقد أصبح لهذه الفيديوهات تأثير كبير مما دفع بالمسؤولين في الحزب الحاكم ومن بينهم أردوغان إلى المبادرة بالرد عليه، وهذا يعني أنهم على دراية بمدى تأثيرها في الرأي العام.

ووجه زعيم المعارضة أخيراً نداء إلى المسؤولين البيروقراطيين في سلك الدولة محذراً إياهم من الانصياع لإملاءات الحزب الحاكم التي تحتمل في جوهرها اختراقات قانونية، ونبههم إلى أنهم سيتعرضون للمساءلة إذا تغيرت السلطة السياسية، وأنهم موظفون للدولة وليس للحزب الحاكم، ودفع ذلك كلاً من المتحدث باسم الحكومة عمر جيليك ورئيس الكتلة البرلمانية لـ "حزب العدالة والتنمية" ماهر أونال ووزير الداخلية سليمان صويلو وأخيراً الرئيس أردوغان إلى الرد على تصريحات الزعيم المعارض، ما يبين أن قواعد اللعبة بدأت تتغير وأن تغيراً في السلطة أصبح من الاحتمالات الواردة بقوة.

وعلى مدى سنوات طوال كان أردوغان هو الذي يعين مواضيع الرأي العام السياسية ويطرح على الساحة موضوعاً سياسياً وتحاول المعارضة الرد عليه، وبهذه الطريقة تمكن أردوغان من الحفاظ على شعبيته وسلطته بطريقة سلسة للغاية من خلال وضع قواعد اللعبة لفترة طويلة، وإجبار المعارضة على اللهاث خلف أجندته، لكننا نلاحظ الآن أنه لم يعد بإمكانه مواصلة اللعب بالطريقة القديمة، وأصبح زعيم الائتلاف المعارض كليتشدار أوغلو يتحدث عن قضايا ومواضيع حقيقية، ولا يخاطب أردوغان شخصياً بل يوجه خطاباته إلى شرائح المجتمع مباشرة أو ممثلي الشعب.

وفي أحدث فيديو له عندما تحدث عن أردوغان لم يسمّه، بل أشار إليه بالقول "ذلك الشخص"، وذلك أمر يصعب على أردوغان تحمله، وأعتقد أنه من خلال هذه التصريحات المباشرة والمبادرات اللافتة يلوح بأنه سيترشح للرئاسة، وكلمته الأخيرة أفضل مثال على هذا عندما قال "انتهى عهد أردوغان، وأي مسؤول يقوم بأعمال غير قانونية عمداً فسيتعين عليه تحمل المسؤولية عن ذلك".

وتشير استطلاعات الرأي، سواء الموالية للحكومة أو المعارضة، إلى أن الائتلاف الحاكم يفقد صدقيته كل يوم أكثر فأكثر، وهذا ما يبعث الثقة في نفس كليتشدار أوغلو ويجعله يعتقد أنه سيصل إلى السلطة ويحاسب كل من يجاري السلطة الحاكمة في اختراق القانون.

المزيد من تحلیل