Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حاجة متبادلة بين أردوغان والأسد

المصالحة قد تطرح بعد أن خرج الزعيم التركي من اجتماع في روسيا بعلاقات أوثق مع الكرملين وتغير خطابه عن نظام دمشق

بشار الأسد ورجب طيب أردوغان (أ ف ب)

لقد صبت غالبية العالم كامل تركيزها على الحرب في أوكرانيا، لكن حينما سافر الرئيس رجب طيب أردوغان للقاء الرئيس فلاديمير بوتين في "سوتشي"، مدينة المنتجعات الروسية الواقعة على البحر الأسود الشهر الماضي، تركز جدول أعماله حول نقطة وحيدة، هي الحصول على موافقة مضيفه على خططه العسكرية ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا.

قلة من الأشخاص اطلعت على فحوى الحديث الذي دار بين الرجلين يوم الخامس من أغسطس (آب)، خلال نحو أربع ساعات من الاجتماعات وراء الأبواب الموصدة، وفي المساحات الخضراء الوافرة خارجاً، في قصر "بوتشاروف روتشي"، المقر الصيفي الرسمي خلال خمسينيات القرن الماضي الذي شيد لاستضافة القيادة السوفياتية. وعلى غرار ما يحدث غالباً في أعقاب الاجتماعات الطويلة بين بوتين وقادة العالم الآخرين، خرج أردوغان من الاجتماع وقد استحال شخصاً آخر.

فبعد أكثر من 11 عاماً قضاها في التحريض العلني على نظام بشار الأسد ودعم معارضيه المسلحين، بدأ يصدر تصريحات مختلفة تماماً حول سوريا، ويدعو إلى المصالحة والحوار مع القيادة في دمشق.

وبعد أيام عدة، أخبر أردوغان المراسلين الصحافيين أثناء رحلة منفصلة إلى الخارج، "يتوجب على المعارضة والنظام في سوريا التصالح. ليس هدف تركيا في سوريا هزيمة الأسد بل إيجاد حل سياسي". كذلك دعا إلى فتح "حوار سياسي أو (قناة) دبلوماسية" مع نظام دمشق.

في المقابل، تسببت تلك المقاربة الجديدة في صدمة لكثيرين.

إذ تعد تركيا من الداعمين الأساسيين للفصائل السورية التي خاضت حرباً يائسة طيلة 10 سنوات ضد نظام دمشق، وخاضت صدامات عسكرية كثيرة ضد قوات الأسد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد انقلب أردوغان على الأسد بعد أن أطلق الأخير حملة عسكرية عنيفة لقمع معارضيه السلميين والمسلحين على حد سواء، حينما تصدوا في عام 2011 لنظام دمشق الديكتاتوري الذي تدعمه روسيا وإيران. أما الآن، فتسري بعض الإشاعات عن احتمال التقاء أردوغان بالأسد على هامش اجتماع قمة "منظمة شانغهاي للتعاون" في أوزبكستان.

لقد حدث هذا من قبل. خلال الأشهر الأخيرة، غيرت تركيا بوصلة سياستها الخارجية فأصلحت الحال بينها وبين أعداء سابقين كثيرين، لكن سوريا قد تكون مختلفة، إذ تعقد الوقائع الميدانية حدوث أي تقارب سريع بين تركيا وسوريا، وكذلك من غير المرجح أن تسنح فرصة لم تكن واردة إطلاقاً في السابق لالتقاط صورة، على غرار ما حدث بين أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ووفق عمر أوزكيزيلجيك من "مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، التابعة للحكومة التركية، "لا أتوقع أي شكل من المصالحة ولا أتوقع التطبيع. من المستحيل التقاط صورة تجمع بين أردوغان والأسد. ومع ذلك، هذا لا يعني أن تركيا لن تصدر تصريحات تحاول فيها الدعوة لتطبيع العلاقات، لكن لا أتوقع إنشاء أي علاقات دبلوماسية. سيكون ذلك مفاجئاً جداً".

في سياق مقابل، يذكر أن الحرب هدأت في سوريا، لكن مخاطر اندلاع الصراع لا تزال مستمرة. يوم الأربعاء، حذرت الأمم المتحدة من خطر التصعيد في النزاع الدموي في سوريا، بعد اشتعال عدة جبهات في البلاد خلال الأشهر الأخيرة.

وذكر باولو سيرجيو بينهيرو، رئيس لجنة الأمم المتحدة المتعلقة بسوريا، "لا يمكن لسوريا أن تتكبد ثمن العودة إلى القتال على نطاق واسع، لكنها قد تكون سائرة على هذا الطريق".

وزعمت اللجنة أن تزايد "الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان الأساسية" خلال الأشهر الستة الماضية، بما فيها القتال على الجبهتين الشمالية الشرقية والشمالية الغربية في البلاد الذي أسفر عن مقتل المدنيين وضيق الخناق على إمدادات المياه والغذاء. وكذلك حذرت وكالات الأمم المتحدة كذلك من احتمال انتشار وباء الكوليرا في سوريا، داعية إلى التحرك الفوري.

ووثقت الأمم المتحدة أيضاً تزايد القصف الجوي الروسي على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وأضاف بينهيرو "ظننا في إحدى المراحل أن الحرب انتهت كلياً في سوريا"، مشيراً إلى أن الانتهاكات أثبتت خطأ هذا الاعتقاد.

"لا للمصالحة"

قد تؤدي المصالحة بين دمشق وأنقرة إلى تبعات متشعبة في الغرب والشرق الأوسط، إذ يحتمل أن تنجذب تركيا، حليفة الناتو، إلى فلك موسكو بشكل أكبر. وقد تعقد المصالحة الوجود المستمر لعناصر الجيش الأميركي في شمال سوريا وشرقيها، وكذلك قد تفاقم مآسي ملايين السوريين المعارضين لنظام الأسد والموجودين في المنفى رغماً عنهم.

في سياق مواز، أثار التحول التركي سخط عملاء أنقرة السوريين الذين يسيطرون على معظم مناطق الشمال الغربي السوري. وأحرق المتظاهرون الأعلام التركية بعد إقرار وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو بلقائه نظيره في النظام السوري فراس المقداد، على هامش مؤتمر في بلغراد.

وأنشد أولئك السوريون، "لا للمصالحة. لا يمكن أبداً القضاء على الثوار".

في المقابل، يتمثل العائق الرئيس أمام أي نوع من المصالحة في السيطرة التركية واقعياً على بعض أجزاء سوريا. فعلى رغم اعتراضات دمشق الشديدة، لا تزال تركيا تفرض وصايتها فعلياً على عدة مناطق في شمال البلاد، وتمتلك نفوذاً كبيراً في محافظة إدلب التي تحكمها "هيئة تحرير الشام"، المجموعة المعارضة المسلحة جيداً التي انبثقت عن تنظيم "القاعدة".

وفي ذلك الصدد، ذكر الخبير في "مبادرة أبحاث السياسة الخارجية"، آرون شتاين، أنه "من الواضح جداً أن أنقرة تطلق بالونات اختبار لنظيرتها، حول أي تقارب محتمل مع دمشق. في الواقع، تمتلك تركيا شمال سوريا، بالتالي يمكننا أن نخوض في الموضوع ونفكر فيه وفق ما شئنا، لكن الآلية الفعلية لتسليم دمشق أراض تسيطر عليها أنقرة وتدعمها ستكون صعبة للغاية".

استطراداً، قد يكون التبدل في الموقف التركي تجاه نظام دمشق خدعة هدفها أن تضمن أنقرة موافقة الكرملين على تدميرها الكرد الذين سيطروا على شمال شرقي سوريا، إذ في رأي تركيا تعد تجربة الحكم الذاتي للأكراد، بقيادة الأكراد الموالين لـ"حزب العمال الكردستاني"، خطراً أمنياً أكبر من نظام دمشق.

وبحسب أوزكيزيلجيك، "لا تنفك روسيا تقول لتركيا إن عليها حل مشكلتها مع الأكراد عبر دمشق. حاولت تركيا التواصل، لكن أول تصريح صدر عن دمشق أشار إلى أنها تعتبر تركيا الراعي الأول للإرهاب، وتتوقع منها الانسحاب من سوريا".

في سياق متصل، فإن السبب الأهم للتبدل في موقف أردوغان يكمن في حساباته السياسية الداخلية، قبل انتخابات 2023 الرئاسية التي يضع فيها معارضو "حزب العدالة والتنمية" قضية الهجرة في الصدارة، فقد ضاق الأتراك ذرعاً بملايين السوريين وغيرهم من اللاجئين الذين قدموا للاستقرار في البلاد، وحملت حكومة أردوغان مسؤولية السماح بحدوث هذا الأمر. ويسعى الرئيس إلى إسكات انتقادات المعارضة في شأن الهجرة عبر تطبيق اقتراحاتها بالمصالحة مع الأسد.  

وفي ذلك الشأن، وفق رأي ديليك غورسيل، المحللة المستقلة لشؤون السياسة الخارجية والمتخصصة في تركيا والشرق الأوسط، "اعتبر أن الحكومة تميل إلى وجود السوريين داخل البلاد. إنها تحضر لانتخابات العام المقبل، عبر إدلائها العلني بتصريحات المعارضة نفسها إجمالاً".

وربما يساعد أردوغان انتشار معاداة الأميركيين والغرب في الداخل التركي، إذ يشعر البلد بالخيانة من طرف واشنطن التي دعمت المتمردين الأكراد السوريين، وأوروبا التي رفضت طلب انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من عقد مضى.

وجاء في مقال الصحافي حقي أوجال الصادر في صحيفة "ملليت" الموالية للحكومة بتاريخ الـ12 من سبتمبر (أيلول) "سوف تتحمل الولايات المتحدة عواقب ضغطها على تركيا، حين تجد نفسها وحيدة في ظل عجز الناتو. فليست اليونان ولا أوكرانيا ولا إرهابيي حزب العمل الكردستاني أو وحدات حماية الشعب الذين يدربونهم في سوريا، هم من أوصل الناتو إلى موقعه كمنظمة قوية. لا يكون الناتو قوياً سوى حينما تكون تركيا مجهزة على أفضل وجه".

في ملمح متصل، سببت تركيا صدمة لحلفائها القدماء خلال السنوات الأخيرة حينما عززت علاقاتها بأعدائها السابقين كإيران وإسرائيل وروسيا في الوقت الذي ابتعدت فيه عن أعضاء الناتو الآخرين كالولايات المتحدة وفرنسا.

خلال الأيام الأخيرة، زادت تركيا من حدة نبرتها تجاه اليونان، منافستها القديمة، بينما تعمل على إصلاح الحال مع أرمينيا التي يجمعها بها ماض شائك. بعثت خطوات تركيا الأخيرة الارتباك في نفوس كثيرين. ويتوقع البعض أن يجرب أردوغان رهانات متنوعة في السياسة الخارجية ضمن محاولة منه لإحراز بعض الانتصارات قبل عام 2023.  

وفي ذلك الإطار، يرى سنان جدي، الأستاذ المتخصص في الشأن التركي في "جامعة أفواج المارينز" في فيرجينيا، أن "الأمر يقتصر على أردوغان ومجموعة من الرجال. وبصورة حرفية، إنهم يرتجلون تحركاتهم بحسب مسار الأمور".  

وحتى بعض اللاعبين والخبراء القريبين من القصر الرئاسي في أنقرة لا يعرفون أشياء كثيرة عما يدور في خلد أردوغان ولا عما دار من حديث خلال اجتماعه ببوتين في "سوتشي". في المقابل، لقد سرت بعض التكهنات المحيرة.

إذ شارك في اجتماع القمة كذلك رمضان قديروف، يد الكرملين المثيرة للجدل في الشيشان، وهو على الأرجح المسؤول عن التخطيط في عام 2021 لمؤامرة اغتيال شخصية شيشانية معارضة رفيعة المستوى كانت تختبئ في تركيا. ربما كان الهدف من الاجتماع تطهير العلاقات بين أنقرة وموسكو من المشكلات العالقة بينهما والتأسيس لشراكة أوسع.

خلال الاجتماع، التزمت أنقرة وموسكو استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية، في خطوة قد تعوق الجهود الغربية الرامية لعزل روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا. كذلك تكهن المحللون بأن روسيا قد حولت مبلغاً قد يصل إلى 10 مليارات دولار (8.5 مليار جنيه استرليني) نقداً إلى احتياطي "المصرف المركزي التركي" قبيل اجتماع "سوتشي".

يضاف إلى ذلك توسع التعاون في مجالات أخرى، إذ تأمل تركيا إعادة إنعاش اقتصادها بفضل موارد الطاقة الروسية الزهيدة الثمن. وسجلت الصادرات التركية إلى روسيا قيمة قياسية وصلت إلى 738 مليون دولار.

وفي ملمح متصل، صرح السيناتور الروسي آندريه كليموف لوكالة "سبوتنيك" الروسية، خلال زيارة إلى تركيا، "ازدهرت العلاقات التركية الروسية في عدة مجالات، من الطاقة النووية إلى السياحة. أرسى بلدانا علاقات سياسية مميزة. ويناقش زعماؤنا مواضيع في غاية الأهمية خلال اجتماعاتهم ويحلونها".

وفي سياق متصل، استضافت القنصلية الروسية في إسطنبول خلال الآونة الأخيرة مؤتمراً عن الأعمال استمر ثلاثة أيام.

ونقلت تقارير عن رئيس "المجلس التجاري الروسي التركي"، عزت أكمكجي باشي قوله، "إن انسحاب الشركات الغربية من السوق الروسية بعد العقوبات، أدى إلى حدوث فراغ. ونحن نجلب الشركات التركية كي تملأ هذا الفراغ".

بعد مرور شهر على اجتماع "سوتشي"، كانت تصريحات أردوغان أشبه بخطاب الكرملين. وبحسب وكالة الإعلام التركية الرسمية، صرح أردوغان "يمكنني أن أقول بوضوح إنني لا أجد موقف الغرب من روسيا صائباً، إذ يتبع الغرب سياسة مستندة إلى الاستفزاز. وأنا أقول لمن يستخفون بروسيا، أنتم تخطئون التصرف. ليست روسيا ببلد يمكن الاستخفاف به".

وقد يكون أردوغان يخدع بوتين كي ينتزع منه الموافقة على عملية سوريا، ويعزز الاقتصاد التركي. وكذلك ربما يعمل الكرملين من جهته أيضاً على استقطاب تركيا إلى مداره.

وفي صحيفة "قرار" المعارضة، كتب عثمان سيرت، "الأرجح أن بوتين يعتبر أردوغان من القادة الذين يتمتع هو بالموقف الأقوى إزاءهم، وكذلك يرى أنه شخص يمكنه أن يضغط عليه".

في نفس مماثل، أشار سنان جدي إلى أن أردوغان يتصرف بدافع اليأس، ويلجأ إلى بوتين في الموضوع السوري، من أجل إنعاش اقتصاده بسبب صد الحلفاء الغربيين الآخرين له، إذ يخالفونه الرأي بشدة في موضوع الخطر الذي يمثله الأكراد السوريون، إضافة إلى عدد من القضايا الأخرى.

وبحسب جدي "لم يكن أمامه ملجأ آخر. لا يمكن لأردوغان فعلياً أن يحصل على ما يريده من دون اللقاء مباشرة وإصلاح العلاقات. لم يكن أمامه من خيار سوى الاعتراف بأن الأسد هو الحاكم الشرعي للبلاد، على أمل العمل معه لتحقيق أهدافه. لم يكن أمامه خيار آخر. ومع ذلك، يطرح كثيرون الأسئلة، ويتملكهم الغضب".

© The Independent

المزيد من تحلیل