Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تناقضات بايدن" سيناتورا ونائبا ورئيسا

أثار الرئيس الأميركي خلافاً مع "أوبك+" بسبب عدم ضخها مزيداً من النفط في وقت تمارس فيه الخارجية ضغوطاً على المنتجين لتقليل انبعاثات الكربون

يتهم بايدن بمناقضة سياساته ومواقفه باستمرار (غيتي)

"الديمقراطيون على مشارف انتخابات نصفية مهمة، والأمر لا يتعلق بقرار أوبك+ ولا بزيادة الإنتاج من عدمه، الأمر يتعلق بقرار الناخب". قد تكون تلك الجملة هي التي تقف وراء غضب واشنطن الحانقة على قرار "أوبك +" بخفض الإنتاج النفطي، لكنها الجملة التي لم تُذكر صراحة من سيد البيت الأبيض، جو بايدن "رجل البيئة المثالي" الذي ينادي بها ظاهراً ويحاربها في الخفاء، وتلك صورة من متناقضات كثيرة وقع فيها جو سيناتوراً ونائباً ورئيساً.

ما أفرزته الموجة العاتية من صراحة الرياض ودفاعها عن قرار "أوبك +" ببيانها "شديد اللهجة"، وهو الذي أثار غضب المكتب البيضاوي الذي أشار إلى أن الرئيس ينوي "إعادة تقييم العلاقة"، كلاهما بيانات فتحت أرشيفاً من المتناقضات للرئيس الأميركي الذي يأمل في تجنب بلاده أية زيادة في أسعار الطاقة، كي لا تؤثر في قرار الناخب داخل صناديق الاقتراع في الانتخابات النصفية المقبلة. هذا كل ما في الأمر.

تغير المناخ وتأثير النفط في البيئة

ليست هذه المرة الأولى التي تظهر تبايناً واضحاً في موقف الرئيس الذي واجه انتقادات كبيرة مع دعواته المستمرة إلى مزيد من إنتاج النفط من قبل منظمة "أوبك"، في وقت يضع فيه العراقيل أمام الإنتاج الأميركي. وهو تناقض يتعلق بأزمات البيئة التي يحاربها تارة وينادي بضدها تارة أخرى.

وهنا تكمن معضلة كبرى في سياسة الإدارة الأميركية بشأن "لغز الطاقة"، كما أطلق عليه معهد النفط الأميركي. فعلى رغم تحركها للتخلص من الوقود الأحفوري وتقييد الصناعة محلياً، تطالب "أوبك" بزيادة إنتاج النفط.

وكان السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس جون كورنين علق على طلب البيت الأبيض من "أوبك" زيادة إنتاج النفط، في حين تعوق الإدارة الأميركية الإنتاج المحلي، بأنه "مثير للشفقة ومحرج".

بينما أعرب مسؤول نفطي سعودي في وقت سابق عن حيرته، في تحليلات لصحيفة "وول ستريت جورنال"، قائلاً "أليس (بايدن وإدارته) يكافحون تغير المناخ وتأثير النفط في البيئة؟ فكيف يطلبون الآن مزيداً؟".

ليس هذا أول التنازلات ولا التناقضات التي استدار عنها الرئيس السبعيني، فثمة تناقضات أخرى ليس أولها مواقفه تجاه المثليين ولا آخرها قضايا الإجهاض، منها ما يتعلق بقضايا الداخل، وأخرى خارجية كانت تقلباته حولها ظاهرة ومحل جدل في مشوار السيناتور العتيق والرئيس الأكبر سناً في عمر الولايات المتحدة الأميركية.

سأجعل السعودية دولة منبوذة

وليس آخر حديث للرئيس تجاه أكبر البلدان المصدرة للنفط ببعيد من مواقفه التي عرفت بالتباين، ذلك بعد أن وعد أنه "سيعيد العلاقة معها"، وهو تصريح شبيه في وقته، وقريب بمعنى لفظه، بتصريح أطلقه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 حين قال فيه إنه سيجعلها "منبوذة" وتوعد "لن أبيع لها السلاح.. وسيدفع السعوديون الثمن!" كان ذلك خلال حملته الانتخابية، لكنه وبعد مضي نحو ثلاث سنوات إلا قليلاً، وقبل غروب شمس يوليو (تموز) من العام الحالي، وجد نفسه بايدن في مطار الملك عبدالعزيز بجدة، وهو المطار الذي سمي تيمناً باسم مؤسس البلاد وبادئ علاقة 80 عاماً مع أميركا.

وتلك الزيارة التي اعتبرها مراقبون "انتصاراً سياسياً كبيراً" لموقف الرياض، كما أن زيارته تمثل تراجعاً كبيراً عن سياسته، وهي التي تأتي بعد أن خلقت الحرب الروسية - الأوكرانية ضرورة ملحة جديدة وفرصة لواشنطن للهرولة نحو الشرق الأوسط.

مواقفه تجاه غزو العراق

بالعودة لمرحلة بايدن السيناتور، ما قبل بايدن الرئيس، وحين كان بايدن رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ عام 2002 قال بايدن "صدام حسين كان يشكل تهديداً للأمن القومي، ولم يكن هناك خيار سوى القضاء على هذا التهديد".

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2002 صوت لصالح التفويض باستخدام القوة العسكرية ضد العراق بالموافقة على الغزو الأميركي للعراق. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن في النهاية أصبح بايدن من منتقدي الحرب واعتبر أن تصويته ودوره كان "خطأ"، لكنه جادل مراراً وتكراراً بأنه يجب تدويل الحرب، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الجنود. ليست هذه آخر تناقضات الديمقراطي العتيق.

قضايا الداخل الأميركي أيضاً كانت حافلة بآراء (مع وضد) التي كشفت عنها سنوات الهرم الوظيفي الذي تسلقه بايدن سيناتوراً وعضواً ونائباً ورئيساً.

عنصرية باصات السبعينيات

لم تكن حادثة نقل الطلاب البيض من دون السود ببعيدة، حين وجد السياسي الأميركي المخضرم نفسه ملاحقاً بمواقفه الماضية من الفصل العنصري في انتخابات يونيو (حزيران) 2019، وهو الموضوع شديد الحساسية في الولايات المتحدة الذي كان يتوقع كثيرون أن يضر بفرصته في السباق الرئاسي.

خلال المناظرة الكبرى الثانية للمرشحين الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية لعام 2020، طرحت السيناتورة السمراء كامالا هاريس (نائبته اليوم) أسئلة لبايدن حول الموضوع، واتهمته بأنه عارض سياسة حكومية للنقل المدرسي تفرض نقل الأطفال من أحياء السود والأحياء الفقيرة بحافلات إلى مدارس البيض (معروفة باسم "باسينغ" في الولايات المتحدة)، وهي القضية التي كان الجدل حولها مستعراً في السبعينيات حين كان بايدن سيناتوراً شاباً عن ديلاوير.

 

حاول حينها مواجهة هاريس بالنفي والتردد في قوله مؤكداً أنه لطالما ناضل للمساواة في الحقوق، وهو النفي الذي دعا أستاذ التاريخ في جامعة نيو هامبشير جايشون سكول للقول "فوجئت بأنه لم يعترف بأنه كان مخطئاً... إنها هفوة خطيرة"، وفقاً لما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

وكان بايدن في البداية مؤيداً لسياسة "الباسينغ" عند دخوله لمجلس الشيوخ في عام 1973، لكنه بدل رأيه حين وصلت حركة معارضتها إلى ولايته ديلاوير.

يظل التاريخ وإن عفا الزمن على العقول بالخرف والموت والنسيان شاهداً ورقيباً. ويظل الجمهوريون بخاصة صندوقاً أسود يظهر في وجه الديمقراطيين في كل نزال نحو المكتب البيضاوي. وليست حملة يونيو 2019 استثناء حين وضع الرئيس السابق ترمب ما لا يقل عن 36 قضية عبر فيها بايدن عن وجهات نظر مختلفة على الطاولة، بما فيها السياج الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك وحرب العراق وعمليات الترحيل والمدارس المستقلة والتمويل الفيدرالي لعمليات الإجهاض.

بايدن والإجهاض

لم يكن الإجهاض آخر ما وقع الرئيس الذي قارب 80 سنة في شراك تناقضاته، لكنه يعد آخرها وهو التشريع الذي كان وجبة لا تستساغ بالنسبة إلى الكاثوليكي الذي يشارك كل أسبوع في قداس كنيسة القديس يوسف، وذلك حين كشف مناوئو الرئيس عن مقابلة متلفزة عام 2006 يقول فيها "لا أعتقد أن الإجهاض حق أو اختيار"، لكنه بعد نقض المحكمة العليا الأميركية مطلع الشهر الحالي حكماً سارياً منذ 50 عاماً بشرعية جانب من الإجهاض وصف الأمر بأنه "فظيع ومتطرف".

وفي المقابلة التي كانت حديثاً رائجاً وحجة لتنازلات الرئيس الذي كان معارضاً يقول "‫لا أعتقد أن الإجهاض حق أو اختيار، أعتقد أنه مأساة في كل الأحوال، وأعتقد أنه يجب أن يكون نادر الحدوث وآمناً".

ويواصل بايدن في لقائه عبر قناة أميركية، "أعتقد أنه علينا التخفيض من حالات الإجهاض". قبل أن ينتقد قرار المحكمة العليا أخيراً.

بايدن والمثلية

"أنا جوزيف بايدن جونيور، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، بموجب السلطة المخولة لي وفقاً للدستور وقوانين الولايات المتحدة، أعلن أن يونيو 2022 شهر فخر للمثلية". كان هذا بيان بايدن الذي لم يكن مفاجئاً، وهو محاط بشبان وشابات في البيت الأبيض تحمل أساور أيديهم وأعناقهم ألوان "قوس قزح" شعار المثليين.

لم يكن ذلك مفاجئاً في حق الرئيس الحافلة مسيرته بالتناقضات، وهو الذي كان قال في عام 2006 حين كان سيناتوراً ومسؤولاً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ "الزواج بين رجل وامرأة ويجب على الدول احترام ذلك".

 

بايدن الذي صوت ضد تعديل الزواج الفيدرالي في عام 2004 كعضو في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ديلاوير قال إنه "سيصوت ضده مرة أخرى في عام 2006، وهو إجراء لا يستحق وقت الكونغرس".

لكنه وبحسب مراقبين يسعى  للتعبئة السياسية قبل أشهر قليلة من انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس الأميركي ويخطب ود المثليين، خصوصاً بعد تعيينه لمثلي في منصب رفيع في وزارة النقل.

وقال بيان أصدره البيت الأبيض إنه في شهر الفخر/ يونيو، "نكرم صمود أفراد مجتمع الميم (المثليين)، الذين يقاتلون من أجل العيش بأصالة وحرية. نعيد تأكيد إيماننا بأن حقوقهم هي من حقوق الإنسان... ونلتزم مجدداً توفير الحماية والأمان والمساواة لعائلاتهم".

وأضاف البيان "أستمر في دعوة الكونغرس إلى تمرير قانون المساواة الذي سيكرس حماية الحقوق المدنية التي طال انتظارها ويبني مستقبلًا أفضل لجميع الأميركيين من مجتمع الميم".

"كوفيد" والكمامة والمصافحة

لقد كان "كوفيد 19" امتحاناً عسيراً لثاني رئيس أميركي كاثوليكي بعد جون كينيدي، بعد أن سعى جاهداً لإنقاذ بلاده منه، لكنه على رغم كل مساعيه إلا أنه وقع في تناقضاته المعتادة مجدداً، ففي نوفمبر 2020 حث الرئيس الأميركي جميع الأميركيين على ارتداء الكمامة، مؤكداً أن القيام بذلك "ليس موقفاً سياسياً"، وإنما أفضل طريقة لإنقاذ الأرواح قبل أن يتوفر لقاح فيروس كورونا على نطاق واسع.

 

وفي خطاب بعد اجتماع مع فرقة العمل الخاصة بفيروس كورونا المكونة من 12 عضواً لتقديم المشورة له خلال الفترة الانتقالية قبل تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني) ناشد بايدن الأميركيين التوقف عن تسييس احتياطات الصحة العامة الأساسية، مثل ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي.

لكنه وبعد أشهر قليلة من إلزامية الكمامة التقطت عدسات المصورين الرئيس محاطاً بالمئات في الكونغرس وهو لا يرتدي الكمامة، وهو ما دعا أحدهم لكتابة "كوفيد في إجازة اليوم... لا داعي للكمامة سيد جو".

"القبضة"

ليس هذا وحسب، ففي الـ14 يوليو (تموز) الماضي خلال جولته الشرق أوسطية الأولى التي شملت إسرائيل والسعودية، وقبيل وصوله إلى تل أبيب قال البيت الأبيض لمكتب رئيس الوزراء يائير لبيد، إن الرئيس الأميركي جو بايدن سيمتنع عن المصافحة خلال زيارته المقبلة لإسرائيل.

 

وبحسب البيان الذي استبق الزيارة فإن رئيس الوزراء تلقى إخطاراً جاء فيه "بسبب ضغط الجدولة وفيروس كورونا والطقس الحار، لن يصافح الرئيس الأميركي المدعوين (الضيوف في حفل الوصول في المطار)، ولن تكون هناك فرصة لالتقاط الصور الشخصية".

لكنه وبالعودة لـ26 من يونيو (حزيران) الماضي أي ما قبل زيارة تل أبيب بـنحو 19 يوماً، وحين هبطت الطائرة الرئاسية في مطار ميونخ الدولي لحضور "قمة السبع" يظهر بايدن وهو في سلام وعناق حار، ومصافحة ظلت لثوان كثيرة مع رئيس وزراء ولاية بافاريا ماركوس سويدير الذي كان في استقباله. كما صافح بايدن جمعاً ألمانياً كان برفقة رئيس الوزراء.

وهو أمر فسره مراقبون إلى أن مآلاته ومآربه ترمي لأبعاد "سياسية" أكثر من كونها "صحية" بحسب بعض التكهنات الإعلامية. ويقصد بذلك أنه لا يريد مصافحة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في اليوم التالي، لكنه وبعد وصوله إلى جدة "اصطدم بايدن بمصافحة القبضة"، كما كتبت ذلك صحيفة "نيويورك بوست" في تقرير نشرته يوم أمس الجمعة، وهي تسرد في تقريرها تفاصيل تلك الزيارة، وأشارت "أنه في وقت زار فيه السعودية طلباً لزيادة الإنتاج اصطدم بالقبضة دون تحقيق مطالبه"، في إشارة إلى قبضة الأمير السعودي التي أصبحت حديث الزيارة وما بعدها. وكانت محور حديث الصحافيين الذي استقبلوا الرئيس بايدن خلال عودته بسؤال "المصافحة" الذي أثاره قائلاً "لماذا لا تتحدثون يا رفاق عن شيء مهم؟ أنا سعيد للإجابة على سؤال مهم".

 

وكانت تلك زيارته الأولى التي يجريها إلى السعودية منذ توليه الرئاسة في يناير (كانون الثاني) 2021، بينما زارها سابقاً في 2010 و2016، حين كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير