Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإجهاض في مصر... تحريم قطعي وسجال لا ينتهي

يعد جريمة يعاقب مرتكبها بالقانون ولا يسمح به إلا في حال وجود خطر على حياة الأم

يعتبر الإجهاض جريمة طبقاً لقانون العقوبات المصري ويستحيل حدوثه بشكل رسمي في المستشفيات (أ ف ب)

على مدى أعوام أثارت قضية الإجهاض في مصر سجالات بين علماء الدين والمشرعين ومنظمات حقوق المرأة وحتى عوام الناس، فبينما يرى فريق أنه محرم من الناحية الشرعية، يذهب فريق آخر إلى ضرورة فتح منفذ لحالات تعرضت لظروف خارجة عن الإرادة مثل المغتصبات فيرى أن الاستمرار في الحمل حينها لن يكون سوى عقاب للأم والطفل مدى الحياة بسبب الوصمة التي ستلازمهما إلى الأبد.

وتعد مصر واحدة من الدول التي تجرم الإجهاض إلا في حال واحدة وهي وجود خطر على حياة الأم، فالحفاظ على حياتها له الأولوية، ويعاقب القانون كل من يثبت تورطه في فعل الإجهاض بعقوبات متفاوتة بحسب طبيعة الوضع والظروف.

ولا يوجد أي إحصاء أو أرقام يمكن الاستدلال منها على عدد حالات الإجهاض لأنها تتم بشكل معلن في المستشفيات على يد الأطباء وتكون محدودة جداً ولضرورة طبية قصوى.

وعلى رغم التقييد الشديد للإجهاض في مصر فإن هناك من يقوم به بشكل غير قانوني بعيداً من الأعين، وهناك نساء يلجأن إليه لأسباب مختلفة بشكل سري بالتعاون مع أطباء يجرونه في الخفاء أو قابلات يعتمدن وصفات شعبية.

الإجهاض في القانون المصري

يعتبر الإجهاض جريمة طبقاً لقانون العقوبات المصري الذي تنص المادة 261 منه على معاقبة "كل من أسقط عمداً امرأة حبلى بإعطائها أدوية، أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك، أو بدلالتها عليها، سواء كان برضاها أو لا، بالحبس مدة قد تصل إلى ثلاث سنوات، أما في حال كان الفاعل طبيباً أو قابلة فإن الأمر يتحول إلى جناية تتراوح عقوبتها ما بين الحبس ثلاث سنوات إلى 15 سنة".

بينما تنص المادة 262 من القانون ذاته على أن "المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها، أو رضيت باستعمال الوسائل السالف ذكرها، أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها، وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة، تعاقب بالعقوبة السابق ذكرها".

لقضية الإجهاض شق ديني غير شقها الاجتماعي، فالبحث دائماً يكون عن فتوى للوضع الذي تعانيه السيدة وماذا قال الشرع عنه، والمتفق عليه في دار الإفتاء هو التحريم القاطع للإجهاض إلا في حال وجود خطر على حياة الأم، إذ يقول نص الفتوى، "اتفق الفقهاء على أنه إذا بلغ عمر الجنين في بطن أمه 120 يوماً، وهي مدة نفخ الروح فيه، فإنه لا يجوز إسقاط الجنين، ويحرم الإجهاض قطعاً في هذه الحال، لأنه يعتبر قتلاً للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، أما إذا لم يبلغ عمر الجنين في بطن أمه 120 يوماً، فقد اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض، فبعضهم قال بالحرمة وبعضهم قال بالكراهة مطلقاً وبعضهم قال بالإباحة لعذر فقط".

أما في ما يتعلق بإجهاض ابن الزنا فنصت فتوى دار الإفتاء "الإجهاض حرام شرعاً إلا لضرورة طبية تخص الأم الحامل، وأما النسب فليس للرجل أن ينسب ولد الزنا إلى نفسه لأن الأبوة علاقة شرعية فلا تثبت بالسفاح، ولكن ينسب الولد إلى أمه لأن الأمومة علاقة عضوية طبيعية".

حالات خاصة

ومن حين إلى آخر تثور معارك ونقاشات حول قضية الإجهاض في وقائع بعينها مثل إجهاض المغتصبة أو إجهاض الجنين الذي ثبت بالفحوصات أنه مشوه، ففي الحال الأولى دار سجال شهير عام 2009 بين الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر آنذاك ومجمع البحوث الإسلامية حينما أصدر فتوى تبيح إجهاض المغتصبة في الشهر الأول من الحمل لتخفيف معاناة الفتيات اللواتي تعرضن لهذا الأمر قهراً، ليلاقي الأمر حينها اعتراضاً شديداً من جميع المؤسسات الدينية والقائمين عليها باستثناء أصوات فردية قليلة، بينما لا يزال إجهاض الجنين المشوه مثار سجال، فبعضهم يفتي بأنه يجوز خلال المرحلة الأولى من الحمل أي قبل مرور أربعة أشهر وبعضهم يرى أنه لا يجوز إلا في حال تتعثر معها حياة الجنين ويجب ألا يتم إلا في أضيق الحدود مع تقارير طبية معتمدة من أطباء موضع ثقة.

مع استحالة حدوث الإجهاض بشكل رسمي في المستشفيات والمراكز الطبية العامة في مصر فإن من يلجأ إليه غالباً ما يتجه إلى طريقين، الأول بعض الأطباء الذين يجرون العمليات سراً في عيادات مغلقة، وغالباً ما يتقاضون مبالغ باهظة نظير هذا الأمر، أو الاستعانة بالأدوية التي تستخدم في إسقاط الجنين والتي لا تصرف في مصر إلا بروشتة طبية ولا يمكن الحصول عليها إلا في أضيق الحدود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشير خالد، صيدلي من القاهرة، إلى أن "صرف الأدوية المستخدمة في الإجهاض لا بد من أن يكون من خلال روشتة طبية مختومة من طبيب نساء أو مستشفى، إلا أن هناك بعض الصيادلة عديمي الضمير يبيعونها بأثمان باهظة لبعض الراغبات في الحصول عليها، وهذا بالطبع غير قانوني ويعرض فاعله لمساءلة قانونية قد تصل إلى الحبس"، مستدركاً "المشكلة أن تعاطي مثل هذه الأدوية من دون إشراف طبي يمكن أن يشكل خطورة على من تأخذها وتسبب مشكلات كبرى لأن مثل هذه الأمور يجب أن تكون تحت إشراف طبي متكامل".

ويضيف "كصيدلي أؤيد بالفعل تضييق بيع هذه العقاقير لكنني في الوقت ذاته أرى أن كل حال يجب أن تكون لها دراسة خاصة بها من ناحية الطب والشرع على السواء، لأن كل حال تختلف ظروفها عن الأخرى، فالحمل غير المرغوب فيه بالنسبة إلى زوجين يختلف وضعه كلياً عن فتاة صغيرة تم اغتصابها وتجبرها كل مؤسسات المجتمع على الاحتفاظ بطفل سيشكل قنبلة موقوتة في المجتمع وسينعكس تأثيرها عليه في ما بعد".

البحث عن طبيب

البحث عن طبيب لإجراء عملية إجهاض بشكل غير مشروع ليس سهلاً بطبيعة الحال لأن من يجريها يعد مجرماً في نظر القانون ومن ثم يعرض نفسه للسجن والفصل من الوظيفة.

تقول عبير وهي ممرضة في واحد من المستشفيات الحكومية "أحياناً تلجأ من تريد الإجهاض إلى سؤال الممرضات سراً في أقسام النساء بالمستشفيات عن طبيب يمكن أن يجري العملية، وتبدأ سرد حكايات وقصص عن أسبابها في الإجهاض وفي بعض الأحيان تنجح في الحصول على ضالتها"، وتستدرك "بالمناسبة ليس بالضرورة أن يكون حملهن كلهن حصل بشكل غير شرعي، فمنهن من لا ترغب في الطفل لأسباب مختلفة منها أنها انفصلت عن والده ولا تريد ما يربطها به، أو لديها كثير من الأطفال ولا ترغب في مزيد".

تضيف الممرضة "لا أستطيع القول إن الأمر منتشر لأنه خطر على كل من يقوم به، إذ إن الطبيب والسيدة على السواء سيتم تحويلهما إلى القضاء لو اكتشف الأمر وستكون العقوبة السجن، وإلى جانب ذلك يبالغ الأطباء في المقابل المادي لأنهم يعلمون أنهم يقومون بفعل غير مشروع".

اختلاف في الرأي

الاختلاف في الرأي في هذه القضية لا ينتهي، فعلماء الدين يرون أن فتح المجال أمام الإجهاض سيؤدي إلى زيادته بشكل قد تصعب السيطرة عليه، فالأولى هو المنع بشكل كامل، والرافضون لهذا المنهج يوضحون أن لا أحد يطالب بإتاحة الإجهاض بشكل غير مقيد، مستندين إلى أن الشرع لم يتحدث بشكل صريح عن الإجهاض وأن جميع الفتاوى مبنية على مفهوم قتل النفس وأنه لا بد من أن تكون هناك فتوى لكل وضع، بخاصة في الحالات التي حدث فيها الحمل قسراً حفاظاً على المجتمع بالأساس الذي لن يتقبل هذا الطفل وسيلفظه مثلما هو حاصل بالفعل، وما بين أولئك وهؤلاء تظل القضية والسجال لا ينتهي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي