Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي سيقدمه تشارلز "الملك" لقضية المناخ؟

ما تأثير المعتقدات البيئية للملك الجديد الذي قال في وقت سابق: "بعد مليارات السنين من التطور، تظل الطبيعة أفضل معلّم لنا"

أمير ويلز، حينها، يتحدث في المؤتمر الـ 26 لتغير المناخ cop26 في غلاسكو (أ ف ب/ غيتي)

مناصر شرس للبيئة هو الآن ملك المملكة المتحدة. الملك تشارلز الثالث، الذي اعتلى العرش عقب وفاة والدته الملكة إليزابيث الثانية، كان قد أمضى نصف القرن الماضي في الدفاع باقتناع راسخ، عن قضايا البيئة والاستدامة والزراعة العضوية ومكافحة أزمة تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.

وكان أمير ويلز قد حذر في أول خطاب له عن البيئة ألقاه في فبراير (شباط) من العام 1970، من "الآثار المروعة للتلوث بجميع أشكاله السرطانية".

فقد ناصر تشارلز منذ ذلك الحين قضية حماية البيئة، بدءاً من حقول مزارعه العضوية وصولاً إلى قاعات المؤتمرات في مختلف أنحاء العالم،  وذلك، كما لاحظ الكثير من المراقبين، قبل فترة طويلة من تحولها إلى أزمة ملحة في عصرنا الراهن.

وفي العام الماضي، توجه تشارلز إلى قادة العالم في "المؤتمر الـ 26 لتغير المناخ" (كوب 26)  COP26 الذي عُقد في غلاسكو (اسكتلندا) قائلاً إنه "بعد مليارات السنين من التطور، تظل الطبيعة أفضل معلم لنا. وفي هذا الإطار، ستشكل استعادة المخزون الطبيعي، وتسريع عجلة الحلول المناصرة للبيئة، وتعزيز الاقتصاد الحيوي الدائري (الاستخدام المستمر للموارد من خلال إعادة تدويرها) أهميةً حيويةً لجهودنا" الرامية إلى معالجة أزمة الاحتباس الحراري العالمي.

وفي عام 2017 عندما سأله بنه الأمير هاري في راديو "بي بي سي 4" BBC4 عما إذا كانت لديه قضية واحدة رئيسية يميل إلى التركيز أكثر عليها، أجاب تشارلز بأن تغير المناخ هو "أكثر ما يضاعف التهديد الذي نواجهه"، ويسبب "أهوالاً تفوق الوصف في أنحاء مختلفة من العالم".

 

ملاحظاته هذه برزت جليةً في سنة تجاوزت فيها الحرارة في المملكة المتحدة عتبة 40 درجة مئوية للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وسجلت أوروبا ما وصفه البعض بأنه أسوأ جفاف منذ نحو 500 عام، فيما شهدت الهند أعلى درجات حرارة يشهدها شهر مارس (آذار) منذ أكثر من قرن، وخلفت الفيضانات في باكستان أكثر من ألف قتيل، وشردت نحو نصف مليون شخص، على سبيل المثال لا الحصر.

يبقى أن يرى العالم كيف ستتم ترجمة التزام الملك البريطاني الجديد قضايا البيئة على أرض الواقع الآن، بعدما تولى الدور الدستوري الأكثر صرامةً لصاحب عرش، وما إذا كانت وجهات نظره المعروفة عن هذا الموضوع، سيكون لها تأثيرٌ على النشاط المناخي في المملكة المتحدة وخارجها.

يُشار إلى أن تشارلز قال في خطابه الأول للأمة الذي ألقاه يوم الجمعة الفائت بصفته ملكاً على بريطانيا: "بمثل التفاني الراسخ الذي أبدته الملكة، إنني أيضاً أتعهد رسمياً ما بقي من عمر يمنحني إياه الله، بالتمسك بالمبادئ الدستورية ووضعها في صلب اهتمامات أمتنا".

وأشار إلى أن حياته الآن تغيرت مع توليه مسؤولياته الجديدة، قائلاً: "لن يكون ممكناً بعد الآن بالنسبة إلي، أن أكرس الكثير من وقتي للأعمال الخيرية والقضايا التي أهتم بها بشدة، لكنني أدرك أن هذه المسؤوليات المهمة ستنتقل الآن إلى أيد أمينة أخرى".

ووفقاً لروبرت هازل، أستاذ الحكم والدستور في "كلية لندن الجامعية"  UCL، فإنه بموجب النظام الملكي الدستوري في بريطانيا، يُفترض برأس الدولة التزام الحياد في الحياة السياسية، ما يعني وجوب امتناع تشارلز عن إلقاء خطب "حماسية" بعد تربعه على عرش البلاد.

ويوضح هازل أن أي كلمات يلقيها الملك يجب أن توافق عليها الحكومة القائمة، مع استثناء وحيد يتمثل في الرسالة المتلفزة الذي يتوجه فيها إلى الشعب في عيد الميلاد، لكن حتى تلك الكلمة يجب إطلاع المسؤولين المعنيين عليها.

 

ويضيف هازل لـ "اندبندنت" أنه "في حال لم يرُق للحكومة ما خطط الملك لقوله في شأن الزراعة أو تغير المناخ أو أي شيء آخر، فإن في إمكانها أن تقول له ببساطة: ’نأسف يا سيدي لأننا اقتطعنا من خطابك الفقرتين الخامسة والسابعة‘".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتابع هازل: "إذا واصل الملك بطريقة غير معلنة ممارسة الضغط على أعضاء الحكومة في شأن المواضيع التي تهمه... فأظن مرةً أخرى، أن رئيسة الوزراء ستعمل بسرعة على كبح جماحه".

يجدر التذكير هنا بأنه في عام 2015، خسر أمير ويلز حينها معركةً قانونية طويلة، لضمان الإفراج عن الرسائل التي بعث بها إلى وزراء في الحكومة، والتي توضح بالتفصيل وجهات نظره في شأن مجموعة من الأمور، سواءٌ تلك المتعلقة بالصيد غير القانوني، أو بطب الأعشاب. والتي أُطلق عليها اسم رسائل "العنكبوت الأسود" بسبب خط يد تشارلز، وكانت مثيرةً للجدل لأن البعض اعتبرها من قبيل الضغط والممارسة غير المناسبة للنفوذ.

وقبل تولي تشارلز العرش، قال إنه حاول التأكد من أن كل ما قام به على المستوى السياسي هو غير منحاز لأي من الأحزاب في المملكة المتحدة. وعندما سئل في وثائقي أعدته شبكة "بي بي سي" البريطانية BBC في عام 2018 عما إذا كانت حملته العامة ستتواصل عندما يصبح ملكا، أجاب: "لا، لن يحدث ذلك. أنا لستُ بهذا الغباء. إنني أدرك أن ممارسة الشؤون السيادية هي شأن منفصل".

 

إلا أن إحدى الفرص المتاحة للملك والتي يمكنه من خلالها التعبير عن رأيه، تبقى خلال لقاءاته الأسبوعية مع رئيس الوزراء الذي يتولى السلطة، لكن الرأي العام لا يمكنه الاطلاع على ما يدور فيها. ويقول الدكتور هازل في هذا الإطار: "إنها مناقشات سرية للغاية، ولا يتم وضع محضر وتدوينه في سجلات يُصار إلى حفظها، بمعنى أن الأجيال المقبلة لن تتمكن من الاطلاع على مضمونها".

لكن على الرغم من ذلك، وحتى لو اعتمد الملك البريطاني الجديد الحرص الشديد في التعبير عن آرائه كما هو متوقع، فإن أفراداً من الرأي العام والسياسيين المحليين وقادة العالم سيتذكرون مواقفه السابقة، وهذا في حد ذاته قد يشكل أهمية.

توني جونيبر، رئيس هيئة "ناتشرال إنغلاند"  Natural England (هيئة عامة تنفيذية تُعنى بالحفاظ على البيئة وتعزيزها) والمستشار السابق الخاص لأمير ويلز في "وحدة الاستدامة الدولية" International Sustainability Unit  و"مشروع الأمير تشارلز للغابات المطيرة" Prince’s Rainforests Project، قال: "لا أعتقد أن أي شخص يمكنه حقاً أن يحدد الطرق التي سيواصل بها [تشارلز] التزامه جدول الأعمال البيئي في منصبه الجديد. لكن ما يمكننا قوله هو أنه أحدث فارقاً هائلاً وقدم مساهمةً كبيرة في عدد من القضايا البيئية منذ أكثر من 50 عاماً".

جونيبر الذي شارك في وضع كتاب للأطفال عن التغير المناخي، من إصدار دار النشر "ليدي بيرد"  Ladybird البريطانية، بالتعاون مع أمير ويلز آنذاك وعالمة المناخ إميلي شاكبيرغ في عام 2017، يصف تشارلز بأنه أحد أبرز الشخصيات المدافعة عن حماية البيئة والتي أسهمت في تسليط الضوء على مسائل "إزالة الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، والحاجة إلى تحويل تأثيرنا الجماعي من خلال تطوير اقتصاد دائري وزراعة مستدامة وإعادة تحريج الغابات".

ويرى جونيبر أن مساهمة تشارلز كانت "فريدةً من نوعها"، و"ستشكل - بصرف النظر عن أي شيء آخر - إطاراً للعمل الذي سينتهجه من الآن فصاعداً في منصبه الجديد". ويضيف أن "هذا السجل الحافل، أو هذا الإرث، سيكون بلا شك جزءاً مما ينشده الناس في المملكة المتحدة".

 

كريغ بينيت، الرئيس التنفيذي لاتحاد "ذا وايلد لايف تراستس"  The Wildlife Trusts (يضم 46 جمعية خيرية مستقلة من مختلف أنحاء المملكة المتحدة تعمل على حماية الحياة البرية) والمدير السابق لـ "مجموعة قادة الشركات المعنية بشؤون تغير المناخ" The Prince of Wales’s Corporate Leaders Group on Climate Change، أعرب عن اعتقاده بأن الملك لن يسعى إلى الدفاع عن البيئة بالطريقة التي كان يقوم بها عندما كان ولياً للعهد.

لكنه أشار إلى أن جزءاً من دوره كملك للبلاد، يتمثل في تعزيز المصالح طويلة الأمد للمملكة المتحدة. وبما أنه يوجد الآن توافق سياسي بين الأحزاب البريطانية على أن أزمة الاحتباس الحراري تمثل قضية ملحة يتعين التعامل معها، فإنه ربما لن يكون من غير المناسب لصاحب العرش أن يقول إن المملكة المتحدة تؤيد اتخاذ إجراءات في شأن مواجهة تغير المناخ.

ويقول في هذا الإطار: "من الواضح أنه ما زال هناك نقاش سياسي حول التفاصيل المتعلقة بطريقة التعامل مع الأزمة. وأنا واثق من أنه سينأى بنفسه عن هذا الموضوع".

إضافة إلى ذلك، يرى بينيت أن من المهم أن نتذكر أن الملكة الراحلة لم تقف صامتة حيال هذه القضايا. ففي خطابها الرسمي الذي ألقته في محادثات قمة المناخ في غلاسكو على سبيل المثال، قالت إن الكثير من الناس يأملون في أن "يكون الوقت قد حان الآن للانتقال من الكلام إلى الفعل".

وكانت إليزابيث الثانية قد تبنت عدداً من القضايا المتعلقة بالبيئة، ولا سيما ما تقوم به "الجمعية الملكية لحماية الطيور"  Royal Society for the Protection of Birds، و"الجمعية الملكية للغابات" Royal Forestry Society، و"حملة حماية المناطق الريفية في إنجلترا" Campaign to Protect Rural England، وكذلك الضوء الذي سلطته الاحتفالات بيوبيلها البلاتيني في وقت سابق من هذه السنة على العمل الذي قامت به للتشجيع على زرع الأشجار.

الرئيس التنفيذي لاتحاد جمعيات الحفاظ على البيئة الذي رافق تشارلز في عدد من الجولات الدولية عندما كان أميراً لويلز، يرى أن "الأمر يتعلق أكثر بالاستمرارية". وأشار إلى أن القضايا البيئية كانت مهمة بالنسبة إلى الملكة الراحلة ودوق إدنبره (زوجها الراحل الأمير فيليب) وللملك تشارلز الثالث والأمير الجديد لويلز (نجله وليام). وأوضح أن النقطة المهمة هنا هي أن المسائل البيئية تتعلق بالمصالح طويلة الأمد لبريطانيا والعالم. ويضيف: "إذا كانت هناك مجموعة واحدة من القضايا التي من المنطقي أن يشعر النظام الملكي بأنه يمكنه الحديث عنها، فستكون هذه إحداها".

 

روبن تيفرسون، العضو في "مجلس اللوردات" البريطاني والذي تتضمن إحدى مهامه في المجلس التركيز على أزمة المناخ، يرى أن أي رئيس للوزراء سيلتقي مع الملك، لا بد من أن يعرف وجهة نظره في شأن أزمة المناخ والزراعة الصديقة للبيئة، إضافة إلى قضايا أخرى، حتى لو كان غير قادر "قانوناً" على التدخل.

ويشير إلى أن ذلك "من شأنه أن يشكل قاعدة خلفية داعمة لمجالات تتعلق بالسياسة الوطنية والرفاه العام"، ويمكن أن يكون إلى حد ما، بمثابة "شبكة أمان".

تضاف إلى ما تقدم حقيقة أن الرأي العام جمهور يعرف آراء الملك الجديد في ما يتعلق بحماية البيئة وأزمة المناخ، وما إلى ذلك.

ويرى تيفرسون أنه إذا كان هناك تحول سياسي في سبل معالجة بعض هذه القضايا، فسيكون الجمهور مدركاً أن الملك لن يكون راضياً على الرغم من أنه سيظل يقرأ البرنامج التشريعي للحكومة في "مجلس اللوردات"، سواء كان موافقاً على محتواه أم لا.

وقد تكون أحد المجالات التي يمكن أن تزدهر فيها النزعة البيئية لدى الملك من خلال الطريقة التي يدير بها ممتلكاته. فعندما كان أميراً لويلز كانت نحو 90 في المئة من الطاقة المستخدمة في تشغيل مكاتبه ومقراته المحلية تأتي من مصادر متجددة، وفقاً للموقع الإلكتروني الخاص به. وحرص تشارلز على إبقاء أثرها البيئي عند مستوى صفر كربوني، من خلال الاستثمار في مشاريع الغابات المستدامة وتلك التي تقلل من إزالة الغابات.

 

وصدرت في الماضي مطالبات لأفراد العائلة المالكة - بمن فيهم تشارلز عندما كان ولياً للعهد - ببذل مزيد من الجهود في مجال الالتزام البيئي، ولا سيما لجهة تقديم التماس رفيع المستوى لإعادة إنعاش الحياة البرية في الأراضي الملكية بحيث تصبح أكثر صديقة للبيئة. وأثيرت تساؤلات حول الأثر البيئي لرحلاته الخاصة، كما هي الحال مع سائر المسؤولين البريطانيين المنخرطين في الحياة العامة. وكان سكرتيره الخاص الرئيسي قد أوضح لـ "اندبندنت" في وقت سابق من هذه السنة، أن تشارلز تولى شخصياً الدفع بخطوة اعتماد الوقود المستدام في الطيران، الذي تم استخدامه في جميع الرحلات الرسمية "حيثما أمكن".

ويشير روبن تيفرسون العضو في "مجلس اللوردات" إلى أنه يمكن للملك الجديد في المقابل، أن يدعم قضايا حماية البيئة من خلال رعايته الملكية لها في موقعه الجديد، والتشديد المطلق على استمرارية هذه المبادىء.

وأياً كانت الطريقة التي سيختار بواسطتها الملك الجديد لبريطانيا التعبير عن التزامه تجاه البيئة في المستقبل، فإن كثيرين من دعاة حماية البيئة يقرون بأنه لم يألُ جهداً من أجل إيصال الرسالة لصون البيئة واستدامتها، خلال أداء مهامه أميراً لويلز، على نحو يفوق ما يمكن أن يقوم به معظم الأشخاص طوال فترة حياتهم.

وبحسب توني جونيبر رئيس هيئة "ناتشرال إنغلاند"، فإن أحداً لم يقدم في الأعوام الخمسين الأخيرة هذا الطيف الواسع من المساهمات على مدى فترة طويلة، كتلك التي قدمها تشارلز. ويصفها بالقول: " لا مثيل لها".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة