"بدأت الزراعة بالمنزل خلال الإغلاق المرافق لانتشار فيروس كورونا في فلسطين، وحينها كان بعض أصحاب المشاتل يعطونني أسمدة كيماوية، وهذا ما لم أرده، ولهذا انضممت إلى مشروع تطوعي تدريبي عن الزراعة البيئية".
هكذا تحدثت عواطف رومية عن تجربتها في تعلم تحويل المساحات الميتة في المنزل كالسطح إلى مساحات زراعية صحية وخالية من المواد الكيماوية، ومن أجل التعرف أكثر إلى مواسم زراعة كل نبات، وكيفية الحصول على إنتاج أفضل.
وقالت إن الزراعة في المنزل لها آثار اقتصادية وصحية بسبب تحقيق الاكتفاء الذاتي وإنتاج البذور وإعادة زراعتها، إضافة إلى الراحة النفسية أثناء الاعتناء بالنبات.
ورشة الزراعة هذه التي انطلقت منها رومية، كانت جزءاً من مبادرة أوسع نفّذها شبان متطوعون في مشروع "يلا" الهادف إلى إعادة تشكيل الأسطح في البلدة القديمة بمدينة نابلس في فلسطين، عبر ترميمها وخلق نوع من الحياة عليها من خلال الزراعة، من أجل المساهمة في الحفاظ على شكل جميل ونظيف لأسطح المنازل المتلاصقة، بحسب ما قال باسل كتانة، أحد القائمين على المشروع.
وأضاف أن الهدف الآخر يتمثل في نشر ثقافة الزراعة العضوية الصحية بين الناس في منازلهم، سواء على الأسطح أو المساحات الفارغة، نتيجة غياب المناطق الزراعية في أزقة البلدة القديمة، من أجل توفير الحاجات اليومية من الخضروات، عبر استغلال الموارد المتاحة وإعادة تدويرها كالبراميل والصناديق الخشبية واستخدامها كأحواض للزراعة، وتطويرها لاحقاً لتكون مصدر رزق لعدد من الأسر، خصوصاً الفقيرة منها.
أما واصف المصري، وهو من أصحاب الفكرة، فأوضح أن أحد الأهداف الأساسية يكمن في العودة إلى الزراعة على أصولها، وتشجيع ثقافة الإنتاج التي اندثرت في بعض المناطق نتيجة الاعتياد على الوظيفة والاستهلاك من دون الإنتاج، وهذا ما دفعهم إلى عقد الورشات والتدريبات لنشر الوعي، مشيراً إلى أن سيدات عدة من البلدة القديمة قررن البدء بمشاريع مماثلة في منازلهن.
عائق تلاصق المباني
أشار كتانة إلى أن تنفيذ فكرة ترميم الأسطح ليس سهلاً، فالمباني في البلدة متلاصقة وعالية، ما يجعل من الصعب الاستعانة برافعة لنقل المواد الخام والمعدات إلى سطح المنزل للعمل، وهذا يدفعهم إلى نقلها يدوياً، إضافة إلى طبيعة الثقافة المنتشرة المتعلقة باعتقاد الناس أن الزراعة من دون الأسمدة الكيماوية لن تنجح، ولكن هذا الأمر تغيّر جزئياً بعد حصد محصول أول حديقة تم إنشاؤها وزرعها بالبندورة والخيار والفلفل والفاصولياء وغيرها من المنتجات الزراعية.
من جانبه، يرى المصري أن الصعوبات تتعلق أكثر بعملية المتابعة، فالزراعة تحتاج إلى عناية بهذه النباتات، سواء داخل الدفيئة أو في الخارج، مشيراً إلى أن الخطوة المقبلة تكمن في ترسيخ مبدأ الزراعة العضوية وتجهيز أنظمة الري فيها، ومن ثم الانتقال إلى مستويات متطورة والزراعة بطبقات وتحويل هذه المساحات إلى مشاريع مدرّة للدخل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مفيدة صحياً وإنتاجياً وبيئياً
بحسب المشاركين والقائمين على المبادرة، فإن للزراعة العضوية أهمية وميزات كثيرة، وعنها قال المهندس الزراعي سعد داغر، الذي يفضل أن يطلق على نفسه الفلاح، إنها لا تحتاج إلى كُلف عالية، وتحافظ على خصوبة التربة، ما يزيد التنوع في الإنتاج، ولا تطلق الغازات الدفيئة التي تسهم في زيادة الاحتباس الحراري، على عكس الزراعة الكيماوية التي تتضمن سلبيات كثيرة، أبرزها الأمراض الناتجة من السموم المستخدمة في إنتاج النباتات وقلة الفوائد الغذائية والديون والكُلف العالية التي يتكبدها المزارع خلال الزراعة، من شراء أسمدة واستيراد بذور معدلة وغيرها.
ولفت داغر إلى أنه بدأ بتجربة الفلاحة البيئية عام 1996، واستمر في تطويرها حتى باتت لديه مزرعة خاصة تقوم على هذا النوع من الزراعة الخالية من الكيماويات، ومن ثم عمل على نشر الوعي بها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والكتابة والمقابلات الإعلامية والتدريبات التي كان آخرها ضمن مبادرة "يلا".
ويركز داغر على طبيعة الزراعة على الأسطح، وأهميتها في استغلال المساحات وتحقيق الاكتفاء في وقت الأزمات، إضافة إلى البعد التربوي، بخاصة لدى الأطفال، الذين إذا ما تعلموا الزراعة والعناية بالنباتات، فلن يقوموا بتكسير أو تدمير أي محاصيل أو أشجار يرونها، والبعد النفسي من حيث الراحة ووجود فرصة للتفريغ النفسي.
وأشار إلى أن هذا النوع من الزراعة يحتاج إلى دعم المؤسسات الأهلية والحكومية، لأن إفراز جزء من موازنات هذه المؤسسات لدعم الزراعة العضوية سيسهم في تطويرها وتشجيعها ونشرها بشكل أكبر بين الناس، بالتالي المساهمة في تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي لدى الفلسطينيين.